صفحة الكاتب : شعيب العاملي

هل أورثت زيارة (البابا) تهمةً للنجف؟!
شعيب العاملي

المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الموقع، وإنما تعبر عن رأي الكاتب.

بسم الله الرحمن الرحيم
انبطاحٌ لفقهاء الشيعة أمام بابا الفاتيكان!
استقبالٌ لمن يروّج للرذيلة والفساد في أقدس بقاع الأرض!
تمهيدٌ لفتح أبواب النجف أمام اليهود!
ضعفٌ في تحديد الأولويات! ونقصٌ في المعرفة والإحاطة بالزمن!
 
أوصافٌ متعدِّدة سُمِعَت في الأيام الأخيرة.. قبيل زيارة رأس الكنيسة الكاثوليكية للنجف الأشرف، وقدماه لم تطأها بعد!
 
لم يصدر أيُّ كلامٍ من فقهاء الشيعة في النجف حتى الساعة.. وهم المعروفون بغيرتهم على الدين، وحميّتهم على الشريعة، وتصدّيهم لذبّ الشبهات ودفعها والدفاع عن الدين.
 
فما أخطأ الفقهاء في شيء بعدُ، ورغم ذلك تعدّدت الأقلام التي تنال من مقام المرجعية والفقاهة، وعمدت إلى هتك حرمتهم والطعن فيهم! لمجرّد استقبال هذه الشخصية المسيحية في النجف الأشرف.
 
فما السرُّ في ذلك يا ترى؟!
وما هو موقف المؤمنين من هذه الحملات الشرسة؟
 
أولاً: الدفاع عن المرجعية
 
لا نريد بهذه الكلمات الدفاع عن المرجعية والفقهاء، فكلاهما بغنى عن ذلك، لو فُهِمَ مقام الفقيه ومرجعيته.
 
إن تكليف المؤمن هو أخذ الحكم الشرعي من الفقيه، فالذي يُحدِّدُ جواز فعلٍ ورَجَحانه هو المرجع، والمكلَّفُ مأمورٌ بالأخذ عنه، فلو تبدّلت الموازين وصار على الفقيه أن يأخذ برأينا لَلَزِمَ الجمعُ بين المتناقضين، من حيث كون فاقد الحجيّة حجةً على وَاجِدِهَا!
 
لا يذهبُ الشيعة إلى ما يذهب إليه النصارى، فالنصارى يعتقدون بعصمة البابا في أمور الشريعة، باعتباره وارث بطرس رأس الكنيسة.
 
لكن الشيعة لا يرون الفقيه معصوماً كالإمام عليه السلام، إلا أنّ درجة العدالة المعتبرة فيه تكفل عدم مخالفته لما هو معلومُ الخطأ بالضرورة.
 
وعليه.. فإنّ المرجعية أجلُّ من أن يطعن فيها أبناؤها، ولو لم يعرفوا وجه الحكمة في أفعال الفقهاء..
 
ثانياً: جُهّال الشيعة
 
قد تنطلق بعض هذه الحملات من تقييمٍ فرديٍّ لأشخاصٍ لا يعجبهم هذا التصرف أو ذاك، فيضعون الفقيه تحت ميزان النقد.
 
ولئن كان النقدُ فقهياً فقد تقدّم أنه ليس لهم حقّ إبداء الرأي في ذلك، طالما أنهم ليسوا من أهل الاختصاص.
 
أما إن كانت خلفية الرأي سياسيةً أو اجتماعيةً أو غير ذلك.. فإنّ هذا لا يسوّغ لهم الطعن في أيّ مؤمن، فضلاً عن الطعن في كبار فقهاء الطائفة.
 
من هنا يُعلم أن المسيء للفقهاء في قمّة الجهل، وغاية المخالفة لتعاليم الشريعة السمحاء، ومن حقّ الأمة على هذا الجاهل أن يلتزم الصمت، وقد ورد في الحديث الشريف: لَوْ سَكَتَ الْجَاهِلُ مَا اخْتَلَفَ النَّاسُ.
 
ومِن حقّ نفسه عليه أن يُلزِمَهَا بالصمت أيضاً، فقد ورد في الحديث: صَمْتُ الْجَاهِلِ سِتْرُه‏.
فكلامه بمثابة كشف ستره ونقائصه.
 
ثالثاً: كيف نرفع جهل هؤلاء؟
 
لئن كان منشأ الاشتباه عند بعض المؤمنين هو استقبال عالمٍ من علماء الشيعة بعض علماء النصارى، خوفاً من سوء استغلال اللقاء منهم..
فإن هذا الخوف ليس مبرِّراً لعدم استقبال هؤلاء، وفي أفعال أئمتنا عليهم السلام قدوةٌ لعلمائنا الأعلام.
 
يروي الشيخ الصدوق رحمه الله روايةً من جملة أحداثٍ متعددة دخل فيها علماء الأديان الأخرى على النبي والأئمة عليهم السلام، يقول فيها صفوان بن يحيى:
 
سَأَلَنِي أَبُو قُرَّةَ صَاحِبُ الجَاثَلِيقِ أَنْ أُوصِلَهُ إِلَى الرِّضَا (عليه السلام) فَاسْتَأْذَنْتُهُ فِي ذَلِكَ فَقَالَ (عليه السلام): أَدْخِلْهُ عَلَيَّ.
 
فَلَمَّا دَخَلَ عَلَيْهِ قَبَّلَ بِسَاطَهُ وَقَالَ: هَكَذَا عَلَيْنَا فِي دِينِنَا أَنْ نَفْعَلَ بِأَشْرَافِ أَهْلِ زَمَانِنَا.
 
ثُمَّ قَالَ: أَصْلَحَكَ الله، مَا تَقُولُ فِي فِرْقَةٍ ادَّعَتْ دَعْوَى فَشَهِدَتْ لَهُمْ فِرْقَةٌ أُخْرَى مُعَدِّلُونَ؟
قَالَ: الدَّعْوَى لَهُمْ.
 
قَالَ: فَادَّعَتْ فِرْقَةٌ أُخْرَى دَعْوَى فَلَمْ يَجِدُوا شُهُوداً مِنْ غَيْرِهِمْ.
قَالَ: لَا شَيْ‏ءَ لَهُمْ.
 
قَالَ: فَإِنَّا نَحْنُ ادَّعَيْنَا أَنَّ عِيسَى رُوحُ الله وَكَلِمَتُهُ ألقَاهَا فَوَافَقَنَا عَلَى ذَلِكَ المُسْلِمُونَ، وَادَّعَى المُسْلِمُونَ أَنَّ مُحَمَّداً نَبِيٌّ فَلَمْ نُتَابِعْهُمْ عَلَيْهِ، وَمَا أَجْمَعْنَا عَلَيْهِ خَيْرٌ مِمَّا افْتَرَقْنَا فِيهِ.
فَقَالَ لَهُ الرِّضَا (عليه السلام): مَا اسْمُكَ؟ قَالَ: يُوحَنَّا.
 
قَالَ: يَا يُوحَنَّا إِنَّا آمَنَّا بِعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ (عليه السلام) رُوحِ الله وَكَلِمَتِهِ الَّذِي كَانَ يُؤْمِنُ بِمُحَمَّدٍ (ص) وَيُبَشِّرُ بِهِ وَيُقِرُّ عَلَى نَفْسِهِ أَنَّهُ عَبْدٌ مَرْبُوبٌ، فَإِنْ كَانَ عِيسَى الَّذِي هُوَ عِنْدَكَ رُوحُ الله وَكَلِمَتُهُ لَيْسَ هُوَ الَّذِي آمَنَ بِمُحَمَّدٍ (ص) وَبَشَّرَ بِهِ وَلَا هُوَ الَّذِي أَقَرَّ لِلهِ عَزَّ وَجَلَّ بِالعُبُودِيَّةِ وَالرُّبُوبِيَّةِ فَنَحْنُ مِنْهُ بُرَاءُ. فَأَيْنَ اجْتَمَعْنَا؟ (عيون أخبار الرضا عليه السلام ج‏2 ص230)
 
فقد استقبل الإمام عليه السلام عالماً من علماء النصارى، ولم يمنعه من الدخول عليه، وإن كان عالماً بحقيقة أبي قرّة هذا، وبأنّه غير طالبٍ للحقيقة.
 
لقد تبيّن الحق لأبي قرّة هذا، لكنّه لم يتّبعه، بل أخذ دليل الإمام وحوّره لمصلحته واحتجّ به على اليهود، واستفاد من هذه المناظرة لا لاثبات الحق، بل لمحاججة اليهود، إذ أنّ ما أورده على إمامنا الرضا عليه السلام يمكن أن يورده اليهود بعينه على النصارى، وعلى مبنى أبي قرّة ينبغي على النصارى أن يتّبعوا موسى عليه السلام ويتركوا دينهم لأن دين موسى عليه السلام مُجمَعٌ عليه بينهم وبين اليهود.
 
فسطّر في كتابه ما يشبه استدلال الامام عليه، ولكنه استفاد منه مقابل اليهود، فقال:
إنّه من قبل تثبيت العقل، لم يكن عندنا موسى مقبولاً أنّه من عند الله.. لسنا نقبل من وجه العقل ديناً من عند الله إلا الإنجيل وحده..  حيث عرفنا أن الإنجيل من الله وقبلناه وصدقنا جميع ما فيه، أخبرنا الإنجيل أن موسى والأنبياء المسمّين.. من الله بُعثوا فصدّقناه وقبلناهم (ميمرٌ في وجود الخالق والدين القويم ص255).
 
وقال: لولا الإنجيل لم نصدّق موسى أنه من الله.. كذلك صدّقنا الأنبياء أنهم من عند الله، من قِبَلِ الإنجيل وليس من العقل (ميمرٌ في وجود الخالق والدين القويم ص257).
 
فلم يكن علمُ الإمام بمحاولة أبي قرة استغلال الحق لتثبيت الباطل مانعاً من استقباله..
 
ومَن أعلَمُ من الفقهاء في أيامنا هذه بموجبات الحرمة والجواز، وبالمرجِّحات التي يبتني عليها باب التزاحم في الفقه؟!
 
والفقيه وإن لم يكن معصوماً، إلا أنّه مكلفٌ بالعمل بما يوصل إليه بحثه عن الحكم الشرعي، ونحن مكلفون بالأخذ عنه لا بتحديد الحكم له.
 
رابعاً: الطاعنون بالعلماء
 
رغم ما تقدم وسواه، فإن حملات التسقيط الشرسة والمنظّمة على الفقهاء والعلماء لن تتوقف.. فإنّ من كان جاهلاً وعرف الحق سيكف عن هذه الأساليب..
أما حملات التشكيك التي يقودها دُعاةُ الردّة في زمن الغيبة، فإنها باقية حتى ظهور الإمام عليه السلام.
 
لقد ورد في الحديث
لَوْ لَا مَنْ يَبْقَى بَعْدَ غَيْبَةِ قَائِمِكُمْ (ع) مِنَ الْعُلَمَاءِ الدَّاعِينَ إِلَيْهِ، وَالدَّالِّينَ عَلَيْهِ، وَالذَّابِّينَ عَنْ دِينِهِ بِحُجَجِ اللَّهِ، وَالْمُنْقِذِينَ لِضُعَفَاءِ عِبَادِ اللَّهِ مِنْ شِبَاكِ إِبْلِيسَ وَمَرَدَتِهِ، وَمِنْ فِخَاخِ النَّوَاصِبِ، لَمَا بَقِيَ أَحَدٌ إِلَّا ارْتَدَّ عَنْ دِينِ اللَّه‏ (الإحتجاج ج‏1 ص18)
 
فَمَن المستفيد من الطعن بهؤلاء العلماء الداعين إلى الله؟ سوى أهل الرِّدَّة ودُعاة الجاهلية؟!
مَن الذي يريد أن يسقط ضعفاء عباد الله في شباك إبليس؟!
 
لهؤلاء نقول:
ليس فيما ذكرتم انبطاحٌ من الفقهاء..
بل انبطاحٌ وتسطيحٌ للعقول.. عند الطعن في فقهاء وعلماء الشريعة..
وتوثُّبٌ لأحضان إبليس وشباكه..
 
لكم دينكم أيها القوم.. ولنا دين..
دينكم دين شباك إبليس.. وديننا دين محمد وعلي.. حشرنا الله معهم، وحشركم مع من تحبون..
 
والحمد لله رب العالمين


قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat


شعيب العاملي
 (للدخول لصفحة الكاتب إضغط هنا)

    طباعة   ||   أخبر صديقك عن الموضوع   ||   إضافة تعليق   ||   التاريخ : 2021/03/07



كتابة تعليق لموضوع : هل أورثت زيارة (البابا) تهمةً للنجف؟!
الإسم * :
بريدك الالكتروني :
نص التعليق * :
 



حمل تطبيق (كتابات في الميزان) من Google Play



اعلان هام من قبل موقع كتابات في الميزان

البحث :





الكتّاب :

الملفات :

مقالات مهمة :



 إنسانية الإمام السيستاني

 بعد إحراجهم بكشف عصيانها وخيانتهم للشعب: المرجعية الدينية العليا تـُحرج الحكومة بمخالفة كلام المعصومين.. والعاصفة تقترب!!!

 كلام موجه الى العقلاء من ابناء شعبي ( 1 )

 حقيقة الادعياء .. متمرجعون وسفراء

 قراءة في خطبة المرجعية : هل اقترب أَجلُ الحكومةِ الحالية؟!

 خطر البترية على بعض اتباع المرجعية قراءة في تاثيرات الادعياء على اتباع العلماء

 إلى دعاة المرجعية العربية العراقية ..مع كل الاحترام

 مهزلة بيان الصرخي حول سوريا

 قراءة في خطبة الجمعة ( 4 / رمضان/ 1437هـ الموافق 10/6/2016 )

 المؤسسة الدينية بين الواقع والافتراء : سلسلة مقالات للشيخ محمد مهدي الاصفي ردا على حسن الكشميري وكتابيه (جولة في دهاليز مظلمة) و(محنة الهروب من الواقع)

 الى الحميداوي ( لانتوقع منكم غير الفتنة )

 السيستاني .. رسالة مهدوية عاجلة

 من عطاء المرجعية العليا

 قراءة في فتوى الدفاع المقدس وتحصين فكر الأمة

 فتوى السيد السيستاني بالجهاد الكفائي وصداها في الصحافة العالمية

 ما هو رأي أستاذ فقهاء النجف وقم المشرّفتَين السيد الخوئي بمن غصب الخلافة ؟

 مواقف شديدة الحساسية/٢ "بانوراما" الحشد..

أحدث مقالات الكتّاب :


مقالات متنوعة :





 لنشر مقالاتكم يمكنكم مراسلتنا على info@kitabat.info

تم تأسيس الموقع بتاريخ 1/4/2010 © محمد البغدادي 

 لا تتحمل الإدارة مسؤولية ما ينشر في الموقع من الناحيتين القانونية والأخلاقية.

  Designed , Hosted & Programmed By : King 4 Host . Net