صفحة الكاتب : علي حسين الخباز

فضاءات الأسلوبية
علي حسين الخباز

 أصبح السعي الأدبي اليوم يدخل جميع مفردات الاعلام المرئي والمقري والمسموع، ويرى الأستاذ غانم شاهين أن هناك تزاوجاً بين الأدب والصحافة، بدأ مع صدور اول صحيفة ناطقة باللغة العربية اسسها نابليون بونابرت سنة (1799-1801م) عين لها أديبا وشاعرا ومؤرخا (اسماعيل سعد الخشاب) ثم عاد الأدباء ليعانقوا أول صحيفة عربية رسمية اسسها محمد علي باشا سلطان الديار المصرية 1820م اشرف عليها مجموعة من الأدباء (رفاعة الطهطاوي،  رزق الله حسون الحلبي، بطرس البستاني) ولم يفارق الادباء عالم الاعلام، فالمنجز الأدبي تغلغل بقوة داخل الاعلام،.
 وهناك آراء متعددة بهذا الشأن، الأستاذ عاشور الفني يرى أن الأدب يلحق الى عالم الفن والابداع والجمال مرتبط بعوالم تخيلية، بينما الاعلام يلحق بالواقع اليومي، وخاصة بعالم السياسة، العلاقة ملتبسة؛ لكون الاعلام يحتاج الى المحتوى الجمالي والى المحتوى الادبي، ويستهلك الادب بمواضيع نمطية، بينما الادب يحتاج الاعلام.
 كبار الأدباء العالميين ظهرت مؤلفاتهم منشورة فصولاً في الصحف، وهناك من حاول اخضاع الرواية الى عوالم إعلامية موائمة للقراءة الشمولية، فظهرت مدارس مثل (فرانكفورت) تعمل لصناعة التنميط والابتذال لتقريب المتلقي العادي في المجتمع الاستهلاكي.
 نشأت الصحافة الادبية كاعلام متخصص، ظهر ادباء اسسوا الصحف والمجلات والملاحق الادبية الثقافية، مثلاً مجلة الرسالة لحسنين هيكل، كانت قبل مرحلة سقوط الطغاة اختصاصات في الصحف اليومية العراقية الاربعة.
 هناك كتاب سياسيون ونقاد ادب واختصاص في التراث، بعد مرحلة السقوط اصبح هناك اختصاصات دون كوادر مخصصة، يرى النقاد أن الناس ليسوا بحاجة الى الخبر فقط يحتاج الناس الى فلسفة الخبر، الدخول الى عوالم المشروع بما يعني لا وجود اليوم لـ(صرح ناطق مسؤول) من الممكن بعث شيء من الايحاء، لعب شعري داخل عبارات مفرحة وجواذب معينة.
 الان الاعلامي هو أديب، يعرف التحقيق الصحفي، جاء في موقع السلطة الرابعة بأن التحقيق الصحفي يقوم على (خبر + فكرة) يجمع البيان والمعلومات والآراء، ثم يزاوج بين الفكرة التي يطرحها التحقيق في (الشرح، التفسير، بحث في العوامل التي تكمن وراء الفكرة)، مادام هناك رأي فهذا يعني ان الاعلامي أخذ دور الأديب.
 كيف يكون الأدب غير البحث عن الدلالة، وتشكيل الرأي العام والتوقع نستطيع ان نقول على الاقل اليوم الاشتغال أدبي، أو لنقل هناك تحقيقات تعتمد على المنحى الادبي أكثر من المنحى الصحافي، وكذلك التقريرات منها التحقيقات الخبرية ومنها الوظيفية ومنها ما يعتمد على المرتكز الادبي.
 إعطاء الرأي في أي موضوع هو بالتأكيد يعود الى المسعى الأدبي؛ لأن الرأي يخضع للقبول او الرفض وهذا مالا يقبله الاعلام، ولابد ان يكون اديباً متمكناً؛ كي يكون صحفياً متمكناً.
 كانت الطريقة القديمة تعمل على تكديس الحروف، والتكديس مهول في الصحافة مرعب في القراءة، العمل الصحفي يحتاج الى مواضيع خفيفة شمولية، العمود الصحفي مزيج من كل الأجناس.. هناك شيء من الشعرية وأسلوب القص وسرد الرواية وتعمل على تكثيفها بطريقة الهايكو الياباني، والتي هي أساساً أدب التوقيع مثل الكلمات القصار للإمام علي (عليه السلام) قوله: (كان كلما يحمر الوطيس نتقي برسول الله) الاستعارة دخلت على الاعمدة بقوة، وأغلب المواضيع الان تكتب بانزياحات قد لا يدري بها أصحابها.
وهناك أحياناً مواضيع تهكمية، ورغم ان الصحف تخضع لسياسة المؤسسة الخاضعة لها، لكن المفردة في حكم التداول لها مؤثثات خارج مساحة الملفوظ، قال احدهم للإمام علي (عليه السلام): (انا يا سيدي احبك ــ لكني احب معاوية ايضاً) اجابه الامام (عليه السلام): انت اعور.. وهذا يوضح ان المفردة اخذت بعدا آخر، وكل هذه الاشتغالات هي التي توقظ المتلقي اثناء القراءة، وتشد فكره الى الموضوع، مع وجود القرصة الشعورية التي تقول الكثير بأشياء قليلة تشهر فنية القصيدة.
 والقصيدة القصيرة جداً تعتمد على القيمة التأويلية، وإدراك المعنى الشمولي، نتأمل في دعاء الصباح كأسلوب، فهو يفهم معناه الكلي دون أن يحتاج الانسان ان يفهم معنى كل مفردة او جملة، لوجود (الفهم الموضعي) من الممكن فهم جملة يعطي مفاتيح الغامض من الجمل، يستخدم السرد كغاية توصيلية وجمالية اذا ابتعد عن سردية الكان كان.
 لابد للكاتب أن يخلق له مهابة في اللغة، المتلقي يهاب الكاتب عندما تكون جملته مسبوكة، وتحمل معنى مخفياً بين السطور، امرأة قالت لمعاوية: (لا جرذان في بيتي) أي لا تموين عندنا، فاعطنا ما نأكل، واللغة الايحائية هي الكتابة ما وراء المدون، الكلام المباشر لا يهز الوجدان بقدر ما تمنحه من لذة اللغة المحملة بالتأويل، أي هناك (ابتكار لمتعلقات جديدة للموضوع)، يشكل مباغتة في موضوع احتفاء ولادة الامام علي (عليه السلام) وجد شاهد مخفي هو ابن قعنب شكلت شهادته متعلقا جديدا شهادة ابن قعنب.
في إحدى المسرحيات كان يفترض ان يوقف الطفل المشيعين وينزل الجنازة ليعطي الابن العهد بمواصلة الكفاح، ضاعت الجنازة خلف الستائر، وبقى الممثل الابن امام الجمهور فكر بمتعلق من المتعلقات البديلة، فجلس على الارض يقرأ الفاتحة، ويعطي العهد.
 لابد من ايجاد البدائل، مبادرة للخلق القراءة هي السبيل الوحيد للتمكن، يقال ان ادب الحرب يكتب بعد سنوات من الحرب، بعض كتاب التقارير الصحفية عن جبهات القتال صاغ بعد الحرب تلك التقارير لتكون من افضل الروايات التسجيلية في العالم، امرأة اعلامية كتبت عن بيت الاحزان للسيدة الزهراء (عليها السلام) معتبرة ما يكتب عن هذا البيت يشكل اساءة احيانا؛ لكونه يغمط العوالم الحقيقية لما يحمله هذا البيت من معنى، فليس مثل الزهراء (عليها السلام) من يشكو منها جيرانها ولا هي المرأة المولولة ليل نهار..! علينا ان نتبع الخط الافقي المرسوم بين هذا البيت وغار حراء، البيت خصص للتأمل في الله سبحانه، تعمير العلاقة بين الباري والزهراء بعيد عن صخب الحياة، فكان البيت صنو الغار، هذا انتج النبوة، والبيت انتج الامامة، الغار انتج القرآن الكريم، البيت أنتج مصحف فاطمة المبارك، ويعني لابد من دراسة كل حدث تاريخي عبر هذا التأمل الفاعل لنكتشف له روحاً حقيقية، كانت الصدى يوماً على موعد مع لقاء احد رجالات الفكر، ودارت المحاورة العاشورائية بجمالية عالية تم من خلالها احتواء كل متعلقات الواقعة ضمن فهمنا للأمور بعد عام عابني لعدم اجراء محاورة عن الواقعة، اجبته: ألم نقل كل شيء، هنا ثار هذا العالم الجليل قال مستغربا: كيف ننظر الى ما كتبناه قبل عام ونكتفي.. إذن اين هي الواقعة اليوم؟ أليس من المخجل ان نكتب عن واقعة الطف العظيمة في عام 2017م نفس ما كتبناه في عام 2016 والواقعة تركض فمن المعيب ان نجعلها متحفاً لابد من اشتغالات جديدة، تدعم وجود الطف عبر مسايرة كل زمان.


قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat


علي حسين الخباز
 (للدخول لصفحة الكاتب إضغط هنا)

    طباعة   ||   أخبر صديقك عن الموضوع   ||   إضافة تعليق   ||   التاريخ : 2021/03/04



كتابة تعليق لموضوع : فضاءات الأسلوبية
الإسم * :
بريدك الالكتروني :
نص التعليق * :
 



حمل تطبيق (كتابات في الميزان) من Google Play



اعلان هام من قبل موقع كتابات في الميزان

البحث :





الكتّاب :

الملفات :

مقالات مهمة :



 إنسانية الإمام السيستاني

 بعد إحراجهم بكشف عصيانها وخيانتهم للشعب: المرجعية الدينية العليا تـُحرج الحكومة بمخالفة كلام المعصومين.. والعاصفة تقترب!!!

 كلام موجه الى العقلاء من ابناء شعبي ( 1 )

 حقيقة الادعياء .. متمرجعون وسفراء

 قراءة في خطبة المرجعية : هل اقترب أَجلُ الحكومةِ الحالية؟!

 خطر البترية على بعض اتباع المرجعية قراءة في تاثيرات الادعياء على اتباع العلماء

 إلى دعاة المرجعية العربية العراقية ..مع كل الاحترام

 مهزلة بيان الصرخي حول سوريا

 قراءة في خطبة الجمعة ( 4 / رمضان/ 1437هـ الموافق 10/6/2016 )

 المؤسسة الدينية بين الواقع والافتراء : سلسلة مقالات للشيخ محمد مهدي الاصفي ردا على حسن الكشميري وكتابيه (جولة في دهاليز مظلمة) و(محنة الهروب من الواقع)

 الى الحميداوي ( لانتوقع منكم غير الفتنة )

 السيستاني .. رسالة مهدوية عاجلة

 من عطاء المرجعية العليا

 قراءة في فتوى الدفاع المقدس وتحصين فكر الأمة

 فتوى السيد السيستاني بالجهاد الكفائي وصداها في الصحافة العالمية

 ما هو رأي أستاذ فقهاء النجف وقم المشرّفتَين السيد الخوئي بمن غصب الخلافة ؟

 مواقف شديدة الحساسية/٢ "بانوراما" الحشد..

أحدث مقالات الكتّاب :


مقالات متنوعة :





 لنشر مقالاتكم يمكنكم مراسلتنا على info@kitabat.info

تم تأسيس الموقع بتاريخ 1/4/2010 © محمد البغدادي 

 لا تتحمل الإدارة مسؤولية ما ينشر في الموقع من الناحيتين القانونية والأخلاقية.

  Designed , Hosted & Programmed By : King 4 Host . Net