صفحة الكاتب : واثق الجابري

دوامة الإفراط في التعددية
واثق الجابري

المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الموقع، وإنما تعبر عن رأي الكاتب.

الشعب، الأرض، السلطة، أعمدة ثلاث تنصب بهم خيمة الدولة.. ومنها مولود رحم الدولة وبرحمتها وراحم لها، ومكونات تندمج مع بعضها، وبدونها فهو حمل خارج رحمها، ومخلوق مشوّه ومشوِه للدولة.. وبهذه الركائز في أية حالة منهما، تتولد هيئات رسمية، وثقافة وطنية، وتربية مبدئية، وحقوق وواجبات، وأحزاب تبني ومعارضة بناءة.

إنتماء المواطن لا يعني بالضرورة الإنخراط بوظيفة، أو ممارسة السياسية بالإنتماء الحزبي، ولا على قاعدة تأييد الدولة أو معارضتها بأية صورة كانت، وهذا لا ينفي الميولات الآيدلوجية، ولا يُخلي مسؤولية الشعب من الممارسة السياسية، ومشاركته الواعية للمصلحة الجماعية وتحفيز الشعور بالمسؤولية..

صوت المواطن هو جزء من صناعة السلطة وهو مصدرها، معبراً عن القبول أو الرفض لأفعال سياسية ما، ومحركأ لإستنهاض بقية الجماهير نحو محور الدولة.

توصف الأمة بأنها مصدر السلطات، وبذلك تشارك في الممارسة الديمقراطية؛ سواء إنتمت للأحزاب، أو قدرت المصلحة الوطنية، وأعطت صوتها لمن يستحقه، والمواطن قطب رحى العمل السياسي والحزبي، ومصدر جذب وتحفيز للقوى السياسية كي تعمل لتحقيق رغباته، والرأي العام يصنعه التوجه الشعبي الغالب، وجماهير متحركة لتغيير مسارات الدولة في حال إقترابها، من مكامن الانزلاق وتشويه صورتها.

يشترط قانون الأحزاب السياسية المقر عام 2015 على أن لا يقل عدد أعضاء الهيئة المؤسسة للحزب عن (7) ولا يقل أعضاء الحزب عن (2000) عضو من مختلف المحافظات، مع مراعاة التمثيل النسوي، وأن لايقل أعضاء الأحزاب التي تمثل المكونات الإثنية (الأقليات) عن 500 عضو، وفي تجربة العراق وبغياب قانون يحد من تكاثرالأحزاب؛ تبدأ القوى السياسية والمجتمعية بالتهافت على مفوضية الانتخابات لتسجيل الأحزاب والكيانات، وكلما إقتربت الإنتخابات؛ زادت وتيرة الإنقسام والتشضي، وولادة أحزاب وتكتلات، قبل أن تكتمل مدة "حمل" شروط العمل السياسي ومبرراته وغاياته.. مرة للوصول للسلطة ومغانمها، وآخرى إتفاقا من نفس القوى لتجتمع بعد الإنتخابات..

كما أعلنت المفوضية فإجمالي طلبات التسجيل منذ العمليات الانتخابية السابقة وحتى الآن بلغت 438 طلباً، بضمنها الأحزاب المجازة كانت 230 حزباً، وعدد طلبات التسجيل للأحزاب قيد التأسيس 62 طلبا، وطلبات الأحزاب المرفوضة بقرار مجلس المفوضين بلغت 128 طلباً، أما عدد طلبات تسجيل الأحزاب التي تقدمت بسحب طلبها فهو 17 حزبا..

من المتوقع ان تتقسم خيارات المواطنين بين الأعداد الكبيرة للاحزاب، وبمؤثرات بعيدة تماما عن البرنامج والنزاهة والكفاءة، اتباعا لمؤثرات كالعشيرة والمصلحة والمال والشعارات الفارغة.. وكم من الصور المتشابهة والمتناقضة التي تجعل المواطن بين دوامة الإختيار وحجم الضغط، الذي يصل الى الإغراء أو الإبتزاز للحصول على صوته.

نالت الأحزاب والكتل بصغيرها وكبيرها والقوائم المنفردة، إهتماماً إستثنائياً من قبل وسائل إعلام تملكها، وركزت على إثارة الجدليات والتناقضات، وإنتهاج برامج الإثارة الأكثر جذبا للمشاهدة، والتي تشوه العمل السياسي وآليات إصلاح الدولة بالمشاركة السياسية، وركزت على الشخصيات دون إعارة الأهمية لمشاركة المواطن ونوعيتها..

تقاربت أهداف الإعلام الحزبي، أو الطامح بالسلطة مع الإعلام المزيف، ولعبت التناقضات السياسية والقوى الراسخة والطارئة في العمل السياسي، في إستخدام أساليب الإقصاء والإستهداف للمشاريع الوطنية الكبيرة، وأضعفت دور المجتمع وأبعدته عن مصدر قوته، واأنعكست زيادة الأحزاب على تشتت الجماهير إنتخابياً وفكرياً، وزيادة عوامل إضعاف القانون والدولة.

إن المتعارف من غاية تأسيس الأحزاب هو بناء الدولة، وما السباق الإنتخابي، إلاّ سبيل لتمثيل أغلبية الشعب، لتلعب تلك القوى دوراً في بناء المجتمع وبلورة أهدافه، الى برامج وعمل واقعي، وإن إختلفت في الأطروحات فالغاية واحدة من خلال تمكين الدولة من القيام بواجباتها تجاه مواطنيها، ومثلما هو إفراط في التعددية، هناك سوء إستخدام لمفهوم الحزبية، وجعلها وسيلة لإستغلال حاجة الفرد، فقسمت المجتمع الى قوى متقاطعة، معظمها غير راضية عن الممارسة السياسية.

ستؤدي فوضى الأفراط في التعددية، الى ضمور أحزاب وقوى ومنها ذات الأهداف الوطنية، والآخرى الطارئة إنتخابياً، وهذا سيجعل من العملية السياسية محل تذمر المواطن، نتيجة فقدان الحقوق الأساسية، وهذا يحتاج الى تقليص الأحزاب المتنافسة، أو تقاربها وفق المشتركات التي تراها الأقرب لها أيدلوجياً ووطنياً، وإيجاد قوانين لا تسمح للدكاكين أن تفتح قبل الإنتخابات، وتغلق الى حين أقتراب الدورة التالية،..

يكمل ما سبق وجود قوانين، تُعرف بمصادر التمويل والأهداف الحقيقية، لذا فأن القوى السياسية، بحاجة الى الإنقسام الطولي لفريقين، أحدهما يشكل الأغلبية ويتحمل مسؤولية الحكومة وما لها من أدوار في تحقيق رغبات المواطنين، وآخر معارض، يراقب عملها لتقوميها، ومن خلال تجربة الدورة الإنتخابية، سيكون فيما يليها كلام آخر للشعب بمن يختارهم.


قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat


واثق الجابري
 (للدخول لصفحة الكاتب إضغط هنا)

    طباعة   ||   أخبر صديقك عن الموضوع   ||   إضافة تعليق   ||   التاريخ : 2021/02/27



كتابة تعليق لموضوع : دوامة الإفراط في التعددية
الإسم * :
بريدك الالكتروني :
نص التعليق * :
 



حمل تطبيق (كتابات في الميزان) من Google Play



اعلان هام من قبل موقع كتابات في الميزان

البحث :





الكتّاب :

الملفات :

مقالات مهمة :



 إنسانية الإمام السيستاني

 بعد إحراجهم بكشف عصيانها وخيانتهم للشعب: المرجعية الدينية العليا تـُحرج الحكومة بمخالفة كلام المعصومين.. والعاصفة تقترب!!!

 كلام موجه الى العقلاء من ابناء شعبي ( 1 )

 حقيقة الادعياء .. متمرجعون وسفراء

 قراءة في خطبة المرجعية : هل اقترب أَجلُ الحكومةِ الحالية؟!

 خطر البترية على بعض اتباع المرجعية قراءة في تاثيرات الادعياء على اتباع العلماء

 إلى دعاة المرجعية العربية العراقية ..مع كل الاحترام

 مهزلة بيان الصرخي حول سوريا

 قراءة في خطبة الجمعة ( 4 / رمضان/ 1437هـ الموافق 10/6/2016 )

 المؤسسة الدينية بين الواقع والافتراء : سلسلة مقالات للشيخ محمد مهدي الاصفي ردا على حسن الكشميري وكتابيه (جولة في دهاليز مظلمة) و(محنة الهروب من الواقع)

 الى الحميداوي ( لانتوقع منكم غير الفتنة )

 السيستاني .. رسالة مهدوية عاجلة

 من عطاء المرجعية العليا

 قراءة في فتوى الدفاع المقدس وتحصين فكر الأمة

 فتوى السيد السيستاني بالجهاد الكفائي وصداها في الصحافة العالمية

 ما هو رأي أستاذ فقهاء النجف وقم المشرّفتَين السيد الخوئي بمن غصب الخلافة ؟

 مواقف شديدة الحساسية/٢ "بانوراما" الحشد..

أحدث مقالات الكتّاب :


مقالات متنوعة :





 لنشر مقالاتكم يمكنكم مراسلتنا على info@kitabat.info

تم تأسيس الموقع بتاريخ 1/4/2010 © محمد البغدادي 

 لا تتحمل الإدارة مسؤولية ما ينشر في الموقع من الناحيتين القانونية والأخلاقية.

  Designed , Hosted & Programmed By : King 4 Host . Net