صفحة الكاتب : مصطفى كامل الكاظمي

عز الدين سليم... شهيد الفكر والوطن .. بمناسبة ذكراه السنوية
مصطفى كامل الكاظمي

المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الموقع، وإنما تعبر عن رأي الكاتب.

سنة اخرى تطل علينا ذكرى رحيل المفكر ابي ياسين الحجاج (عبد الزهراء عثمان) الذي استشهد في بغداد عام 2004 وهو المعروف في الوسط الديني والثقافي والتربوي بعز الدين سليم..

 هو كالملاك وعلى نقيض الشخصيات السياسية التي عرفها العراقيون واهل الدين، لم اسمع ولم اعلم شخصية احبها الجميع. جميع اهل العراق من اقصاه الى ادناه احبوا هذا العملاق الخالد باعتداله وتوازنه ورعايته للجميع بفكرٍ متحضر يتسق في جنباته العراق كله حتى خصومه قد اجبروا على احترام وتقدير ابي ياسين.

 ذات مرة كنت في لقاء مع الاستاذين: الاعلامي الكاتب محمد عبد الجبار الشبوط والحقوقي الناشط عبد الحسين شعبان في فندق لاله زار بطهران بعد قدومهما من لندن لمهمة سياسية. كانا يزمعان لقاء سياسيين عراقيين. ادهشني شعبان واصراره على لقاء عز لدين سليم قبل الذهاب لمهمتهما التي لم يك لابي ياسين اي علاقة ودور بعيد او قريب فيها.

 فتساءلت من عبد الحسين شعبان عن سبب عزمه على لقاء عز الدين سليم؟ قال: ومن افضل منه؟ لابد ان التقيه.

 شعرت حينها- رغم علاقتي الوطيدة بابي ياسين- انني اجهل عنه اشياء.. لدرجة ان سياسيا يساريا ومفكرا حقوقيا بارعا كشعبان يختلف بالجملة مع افكار وعقيدة ابي ياسين يتمنى لقاءه. انها تعني الكثير عن رجل خاض الجهاد المرير ضد طغمة البعث الكافر بكل القيم. رجل تحرك في الافاق ولم يغفل حتى الشباب في المهجر فرعاهم ورفدهم بالثقافة ومصادرها المطبوعة ولم يبخل بما في جيبه ينفقه على مشاريعهم برغم قساوة ظرفه وامكانيته المالية.

 ابو ياسين، رجل مثال، عاش التواضع سجية والزهد نهجا في طريق الخلاص. منظره وملبسه يذكران بالصحابي الجليل ابي ذر في بساطة عيشه وقوة عقيدته ومقاومته الطغيان وجرأته في قول الحقيقة لم تأخذه في الله لومة لائم. عاش شبه الوحيد بافكاره ومتبنياته بعيداً عن هلوسة السياسيين.

 دخل العراق بعد سقوط نظام هبل العوجة لوحده دون دبابة ولا ناقلة ولا حرس وحماة.. سار بين الجماهير ومارس دوره، واعتقد انه غير راض عما كان يحاك في اروقة السياسة العراقية وقتئذ. لذا جاهد ليرتب حال العراق بالطريقة المنهجية التي يؤمن بها الرسالي. لم تك قناعته ترحب بالوجود الامريكي فكان يراه إحتلالا بالرغم من انه قبل برئاسة الحكم المحلي لكنه كان يرغب في استثمار فرصة رئاسته ليؤسس مع المخلصين هيكلية تصلح لقيادة المجتمع العراقي بمشاربه وشرائحه. إلا ان القدر اختطفه خلال 17 عشر يوما وكأن الله تعالى اراد له الخلاص مما هوى وركس به أقرانه ورفاق مسيرته الاسلامية ممن تشرنقوا في اوهام الوعد الامريكي حتى استهلكهم دماغ واشنطن فاستكانوا لصياصي العاج في منأى بعيد وشقة هاوية بعد المشرقين عن طموح العراقيين المفجوعين على مرّ الزمن الاغبر وعلى مدى الانظمة الفاشية التي تسلطت على رقابهم.

 حق الافتخار بمثل ابي ياسين بعد مقارعته الطغيان وبعد جهاده وصبره في سجون صدام من 1974 -1978 الى نجح في الالتجاء الى ايران ليواصل مشواره وكفاحه ويطلق العنان لقلمه يصرخ بوجه المتفرعنين.

 كان عزاً للدين حقا، وشرفاً للمجاهدين والمخلصين من ابناء العراق، وكان سليما بافق تؤطر افكاره رغم الظروف المريرة التي اكتنفت حياته يناضل ضد العنجهية الطاغوتية البعثية في العراق. واستمر صوتاً ما انفك ينادي بحقوق العراقيين وينظر لكفاحهم وخلاصهم من اشرس طاغوت عرفه العراق.

 كلما نقترب من ذكرى سنويته المؤلمة، تزداد فجيعتنا ونحن ننظر ما جرى ويجري بعده في العراق، ونزداد ألما باستشهاده المبكر في عراق خلا الصنم الاهوج صدام وحزبه الشرير لكن اصناما ظهرت يحتاج اجتثاثها لامثال ابي ياسين.

 ذكرى شهر مايس/2004 ويومه السابع عشر الكئيب افجع العراق بعملية بربرية اودت بحياة رئيس مجلس الحكم العراقي الجديد والى جانبه رفيق دربه وتنظيمه ونائبه الاعلامي الصديق الحميم طالب قاسم العامري أبي محمد.

 تستوقفنا ذكراه لتأمل عطائه في ساحة الفكر والعقيدة اذ كتب في مصنفات الحكم من منظور اسلامي، وكتب في سيرة النبي  الاقدس صلى الله عليه واله وفي السياسة ومجالات ثقافية تميزت بعمقها الاستدلالي. كما عرف عنه نبوغه وقابليته على التأليف مبكرا حيث ألف اول كتاب له عن سيرة السيدة فاطمة الزهراء عليها السلام عام1969. وشهدت له الصحف والمجلات بثراء افكاره التي كان ينشرها وان يحدث الجماهير بها مستغلا مناسبات دينية ووطنية لغرض التثقيف ضد الديكتاتورية الصدامية آنئذ.

 قليلون اولئك العلماء المفكرون واقل منهم من يمتلك قابلية عز الدين سليم مع شدة التواضع الذي عرف به وتفرد بصنوه من بين اقرانه وجماعات المعارضة الاسلامية في المهجر.

 كم يحتاجه عراق اليوم.. نحتاج فكره واداءه وتواضعه وانفاسه المترفعة عن رذائل الساسة، نحتاجه لامانته وعهده مع ربه ومع شعبه.. نحتاج ابا ياسين الحجاج أبا لليتامى وراعيا للارامل والثكالى.. نحتاجه معلما في كل مدارس العراق ومربيا لجيل الساسة المعاصر..

 نحتاجه لرئاسة العراق وفي البرلمان.. واجزم لو ابقاه القدر وابقى افذاذاً اختطفهم كالشهيد القائد محمد باقر الحكيم لكان عراق اليوم بوضع يحسدنا عليه الجميع. فاين مثلهما؟ لم يسرقا ولم يرتكبا مشينٍ ضد العراق وشعبه؟ ألا يستحي رفاق اليوم وهم يقضمون مال العراق دولاً يتقاسمونه إرثاً موروث لهم ولحوشهم كل يطالب بحصة الاسد، ويتخذون شعب العراق خولاً كانهم خُلقوا اسيادا والشعب مخلوق لهم عبيدا.

عز الدين سليم، اسمه الحقيقي عبد الزهراء عثمان محمد الحجاج وكنيته (ابو ياسين) ولد في البصرة عام 1943، انهى دار المعلمين عام 1964. تعرض للاغتيال مرات من قبل نظام البعث العراقي ثم سجن من 1974-1978. لم يترك الجهاد ومعه يواكب درسه عند علماء ومفكرين في العراق والكويت. وفي آنه كان يمارس مهنته في تعليم اللغة العربية والتاريخ والمجتمع العربي للمدارس الابتدائية والمتوسطة والثانوية من العام 1965 و1980 ما عدا فترة سجنه.

 للشهيد عدة مؤلفات ثرة إبتدأها بباكورة نتاجه المطبوع (الزهراء فاطمة بنت محمد) عام 1969. تلاه عشرات الكتب في السيرة والتاريخ والسياسة والثقافة والاصول والعقيدة. وله مجموعة كبيرة من الابحاث والدراسات في المجلات العالمية. هذا غير نشاطه الاعلامي والصحفي منذ مطلع الستينيات في العراق والكويت ولبنان.

 وفي مرحلة المعارضة في المهجر الايراني، بادر ابو ياسين منذ السنوات الاولى على إصدار صحيفة المجلس الاعلى للثورة الاسلامية في العراق واشرف عليها من العام 1983 الى اواسط التسعينات، كما كان له المركز الاسلامي للدراسات السياسية الذي أسسه عدد من المثقفين العراقيين المهاجرين في طهران عام 1981. وله باعه المشهور في أبحاثه السياسية في (التقرير السياسي) الذي كان يصدره المركز.

 عام 1961 شرع المفكر عز الدين سليم ضمن تنظيم الدعوة الاسلامية في العراق الذي عرف فيما بعد باسم حزب "الدعوة" حتى تسنم عضوية لجنة الاشراف على التنظيم في البصرة وما حولها عام 1973 قبل أن يعتقل في البصرة.

 اختتمت حياته بعد ان ترشح عضوا بارزاً في مجلس الحكم الانتقالي لدى تأسيسه في العراق بعد سقوط سلطة صدام إحصين التكريتي عام 2003، فساهم في صياغة قانون إدارة الدولة الانتقالي. وعين كرئيس دوري لمجلس الحكم الانتقالي إلى يوم اغتياله في 17 مايس 2004 بحادث تفجير سيارة مفخخة وقتت مع مرور موكبه في حي الحارثية قرب أحد مداخل المنطقة الخضراء من قبل زمرة ارهابية تخضع لاشراف الارهابي الاردني ابي مصعب الزرقاوي.

 عشت مجاهداً أبا ياسين.. واستشهدت سعيداً. لك منا التحية أبدا


قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat


مصطفى كامل الكاظمي
 (للدخول لصفحة الكاتب إضغط هنا)

    طباعة   ||   أخبر صديقك عن الموضوع   ||   إضافة تعليق   ||   التاريخ : 2012/03/17



كتابة تعليق لموضوع : عز الدين سليم... شهيد الفكر والوطن .. بمناسبة ذكراه السنوية
الإسم * :
بريدك الالكتروني :
نص التعليق * :
 

أحدث التعليقات إضافة (عدد : 1)


• (1) - كتب : محمود هادي الجواري ، في 2012/03/22 .

تفقد الله روح الفقيد وادخلها فسيح جناته ... ليس لي معرفة واسعة بهذه الشخصية الفذه ، عرفت من هذا الرجل روح التسامح وقدرته على احتواء الموقف العراقي الذي كان سائرا الى التتشظي والتشرذم .. لم التقي الشهيد الا مرة واحدة في حياتي وتمنيت ان ابقى وتبقى روحه الفياضة بالحب والعطاء ولكن مشيئة الله حالت دون تحقيق ذلك ... لم اكن بعيدا من موقع الحدث فقد سيارتي على بعد مائة متر وكنت في انتظار التفتيش ولم لك اعلم ان ابا ياسين كان على موعد مع القدر المحتوم ، في ذلك اليوم ، غادرت المكان لادخل الى العمل من بوابة وكان الذعر قد احاط الجميع ، وبعد سويعات علمت ان ابا ياسين رحمه الله كان من بين الشهداء الذين اصطفاهم الله الى جنات النعيم ، كنت حينها غير منتميا الى اي حزب ، كان عندما يحدثني كانه ساحر يدخل الروح التي سرعان ما تستقبل منه كل شئ ، اتقد هذه الشخصية التي كنت ارى فيها ان العراق الجديد سيكون بالف خير وعافية ، كان حريصا على عمله ودقيقا في ادارة اي حوار ، كان يحمل ملفات عديدة بين يديه التي لم تتعبها وترهقها حجومها واوزانها .. انني لا استطيع ان اقول اكثر من ذلك اللقاء الذي لم يدم الا ساعة من الزمن وكنت الوقت بعد استراحة الغداء ، لم اكلمه في الحافلة التي كانت تقله الى عمله وتقلني الى عملي فكل منا كان يعمل في مكان ..ز كنت اراه كثيرا ولكن لم يكن لدينا من الوقت الكثير .. لقد كان العراق يحتاج منه ومني اكثر من الحديث .. ولكن مشيئة الله تولته فلم اعد اراه وكان الحزن قد احتل نفسي فلربما كنت الاخر الذي ستطاله المنية ولكن كان لله في خلقه شؤون وا




حمل تطبيق (كتابات في الميزان) من Google Play



اعلان هام من قبل موقع كتابات في الميزان

البحث :





الكتّاب :

الملفات :

مقالات مهمة :



 إنسانية الإمام السيستاني

 بعد إحراجهم بكشف عصيانها وخيانتهم للشعب: المرجعية الدينية العليا تـُحرج الحكومة بمخالفة كلام المعصومين.. والعاصفة تقترب!!!

 كلام موجه الى العقلاء من ابناء شعبي ( 1 )

 حقيقة الادعياء .. متمرجعون وسفراء

 قراءة في خطبة المرجعية : هل اقترب أَجلُ الحكومةِ الحالية؟!

 خطر البترية على بعض اتباع المرجعية قراءة في تاثيرات الادعياء على اتباع العلماء

 إلى دعاة المرجعية العربية العراقية ..مع كل الاحترام

 مهزلة بيان الصرخي حول سوريا

 قراءة في خطبة الجمعة ( 4 / رمضان/ 1437هـ الموافق 10/6/2016 )

 المؤسسة الدينية بين الواقع والافتراء : سلسلة مقالات للشيخ محمد مهدي الاصفي ردا على حسن الكشميري وكتابيه (جولة في دهاليز مظلمة) و(محنة الهروب من الواقع)

 الى الحميداوي ( لانتوقع منكم غير الفتنة )

 السيستاني .. رسالة مهدوية عاجلة

 من عطاء المرجعية العليا

 قراءة في فتوى الدفاع المقدس وتحصين فكر الأمة

 فتوى السيد السيستاني بالجهاد الكفائي وصداها في الصحافة العالمية

 ما هو رأي أستاذ فقهاء النجف وقم المشرّفتَين السيد الخوئي بمن غصب الخلافة ؟

 مواقف شديدة الحساسية/٢ "بانوراما" الحشد..

أحدث مقالات الكتّاب :


مقالات متنوعة :





 لنشر مقالاتكم يمكنكم مراسلتنا على info@kitabat.info

تم تأسيس الموقع بتاريخ 1/4/2010 © محمد البغدادي 

 لا تتحمل الإدارة مسؤولية ما ينشر في الموقع من الناحيتين القانونية والأخلاقية.

  Designed , Hosted & Programmed By : King 4 Host . Net