صفحة الكاتب : شعيب العاملي

فراعنةٌ عُرَفاء.. يرتقون صروح الدَّجَل!
شعيب العاملي

المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الموقع، وإنما تعبر عن رأي الكاتب.

بسم الله الرحمن الرحيم
 
لا يزال فرعونُ يُذكَرُ في القرآن الكريم آناء الليل وأطراف النهار، فقد حَكَت قصصَه عشراتُ الآيات المباركة، ومِن حكاياته زَعمُه أنّه الإله الأوحد!
 
قال تعالى:
(وَقالَ فِرْعَوْنُ يا أَيُّهَا الْمَلَأُ ما عَلِمْتُ لَكُمْ مِنْ إِلهٍ غَيْري فَأَوْقِدْ لي‏ يا هامانُ عَلَى الطِّينِ فَاجْعَلْ لي‏ صَرْحاً لَعَلِّي أَطَّلِعُ إِلى‏ إِلهِ مُوسى‏ وَإِنِّي لَأَظُنُّهُ مِنَ الْكاذِبينَ) (القصص38)
 
فكانت دعوى فرعون:
1. أنّه إله قومه الوحيد، فليس لهم إلهٌ سواه.
2. أنه يريد الارتقاء إلى العلياء لعلّه يطّلع إلى إله موسى على فرض كونه موجوداً، وإن كان غير معتقدٍ بوجوده.
 
ولئن أراد فرعونُ في أمَّةِ موسى أن يبلُغ الأسباب، فبنى صرحاً من طينٍ..
 
فإنّ صروحاً من الدَّجَلِ والكذب والنفاق قد بُنيَت باسم دين الله، في أمّة موسى وعيسى ومحمد صلى الله عليه وآله!
 
فأمَّةُ موسى عليه السلام تضمّنت سوى فرعون من قال عنهم تعالى: (وَاتَّخَذَ قَوْمُ مُوسى‏ مِنْ بَعْدِهِ مِنْ حُلِيِّهِمْ عِجْلاً جَسَداً لَهُ خُوارٌ أَ لَمْ يَرَوْا أَنَّهُ لا يُكَلِّمُهُمْ وَلا يَهْديهِمْ سَبيلاً اتَّخَذُوهُ وَكانُوا ظالِمينَ) (الأعراف148)
 
فرعونُ ينفي وجودَ إلهٍ لموسى، ويعتقد بإمكان الإطلاع عليه لو كان حقاً، وقومُ موسى يعتقدون العجل بنفسه إلهاً لهم ولنبيِّهم!
قال تعالى: (فَأَخْرَجَ لَهُمْ عِجْلاً جَسَداً لَهُ خُوارٌ فَقالُوا هذا إِلهُكُمْ وَإِلهُ مُوسى‏ فَنَسِيَ) (طه88)
 
ما كان سامريُّ أمّة موسى أهونَ حالاً من فرعونها، وقد: (قالَ بَصُرْتُ بِما لَمْ يَبْصُرُوا بِه‏) (طه96).
 
فزَعَمَ أنّه من أهل (البصيرة)، وأنّ عنده ما ليس عندهم من المعارف، والحال أنّه من أهل الضلال، قال تعالى: (وأَضَلَّهُمُ السَّامِرِي‏)
 
فكان السامريُّ هذا شقيقاً لفرعون في بناء صروح الباطل، بناها فرعونُ من طين وكذب، وبناها السامريٌّ من دجلٍ ونفاق وضلال.
 
صَرحٌ آخرُ من صروح الباطل بناه بولُسُ للنصارى، حتى قال جُلُّهم أنّه ابن الله: (يَسُوعَ المَسِيح ابْن الله) (إنجيل مرقس1: 1) بل اعتقدوا بأنّه (إلٌه من إله) كما في قانون الإيمان النيقاوي.
 
ثم توالت صروحُ الباطل، وما فارَقَت أمّة سيِّدِ الكائنات صلى الله عليه وآله، فقال قومٌ بالتجسيم، وشابهوا فرعونَ والسامريّ، وكأنّ الله في مكانٍ يصلون إليه لو علوا في السماء، أو على هيئة ونحوٍ ينزل على حمار، وغير ذلك مما سادَ في مدارس الضلال المتكثِّرة.
 
لكنَّ صرحاً من صروح الدّجل تسرَّب لبيتنا الشيعي، واندسَّ بين ظهرانينا.. شاركَ أصحابُه فرعون في بناء صروح الضلال والإنحراف.. كلُّ هذا بلباس (العرفان)! فصاروا عُرَفَاء أشقّاء.. لفرعون والسامري!
 
فمن هؤلاء من زَعَمَ أنَّه يصير والله واحداً!
 
فكما قال فرعون أنّه الإله الوحيد، صار العارف هو الله، والله هو الإله الوحيد!
 
يقول (العارف بالله!) السيد أحمد الموسوي النجفي:
(منْ يشمّ رائحة التّوحيد يتّوجه دائماً إلى مصداق لكلمة (لا إله إلا الله).. وعندما يصل إلى هذه المرتبة من اليقين يقول أنا موجود، عندها يقول كما قال البسطامي: سبحاني سبحاني، ما أعظم شأني)! (كتاب التوحيد الشهودي، الشهود الرابع).
 
ويقول:
(لا إله إلاّ أنت) هي كلمة ذي النّون الذي كان في المعاينة مستغرقاً في بحار الولايّة بواسطةٍ ما وهي الحوت، ولو وصل إلى مقام معاينة الشهود لقال: لا إله إلاّ أنا فاعبدني! (كتاب التوحيد الشهودي، الشهود التاسع).
 
ويقول:
(وأمّا أولئك الذين وصلوا إلى الوحدة فيقول أنّي بنفسي أدعو وبنفسي أستجيب الدعاء)! (التوحيد الشهودي: الشهود 23).
 
ويقول السيد محمد محسن الطهراني عن العرفاء:
(صار وجودهم مندكّاً وفانياً في وجود الحق. وهنا لا يبقى للعبد والمخلوق وجودٌ في مقابل الله وحضرة الحق تعالى كي يقوم بعبادته، ولا تقابل بينهما حتى يقصد التقرب إليه. فالإثنينية في هذه الحالة تكون قد ارتفعت بينهما بشكل جذري.. وعندها هو الذي يعبد! وهو الذي يقف للصلاة! وهو الذي يركع! وهو الذي يسجد!!) (أسرار الملكوت ج2 ص61).
 
ويقول عن العارف بعد تجاوزه مرتبة البشرية: (إنه عبارة عن الإله المجسّم والمقيّد والمحدود في عالم الطبع والكثرة)! (أسرار الملكوت ج2 ص88.).
 
فأيُّ فرقٍ بين قول فرعون: (يا أَيُّهَا الْمَلَأُ ما عَلِمْتُ لَكُمْ مِنْ إِلهٍ غَيْري)!!
وبين قول العارف في مقام الشهود: (لا إله إلاّ أنا فاعبدني)!!
 
هذه صروحُ فرعون تُشيَّدُ اليوم باسم الدين..
لكن التشيُّع لا يزال بريئاً من هذه الافتراءات على الله تعالى، إذ أنّه لا سواه، سبيلُ محمدٍ وآل محمد عليهم السلام.
 
ومهما حاولت هذه المدارس بَثَّ اللوثة في الفكر الطاهر، فإنّه يظلَّ كنَبعٍ عَذبٍ مُنَزَّهٍ عن عقيدة التجسيم ووحدة الموجود وشطحات المتصوفة والعرفاء.
 
ما اعتبر هؤلاء بفرعون الذي جعله الله لمن خلفه آيةً وعبرة، لقد كان من قرنه إلى قدمه في الحديد، وقد لبسه على بدنه، فكان حريّاً به أن يغرق مع من غرق من قومه وجُنده لثِقل الحديد، لكن لله تعالى حكمة ٌبالغة حين قال:
(فَالْيَوْمَ نُنَجِّيكَ بِبَدَنِكَ لِتَكُونَ لِمَنْ خَلْفَكَ آيَةً وَ إِنَّ كَثيراً مِنَ النَّاسِ عَنْ آياتِنا لَغافِلُونَ) (يونس92)
 
وقد قال الرضا عليه السلام: فَلَمَّا أُغْرِقَ أَلْقَاهُ اللَّهُ عَلَى نَجْوَةٍ مِنَ الْأَرْضِ بِبَدَنِهِ لِتَكُونَ لِمَنْ بَعْدَهُ عَلَامَةً (عيون أخبار الرضا عليه السلام ج‏2 ص78)
 
علامةٌ تغافل عنها بعض العرفاء المنحرفين، فشاكلوا فرعونَ في افترائه على الله تعالى..
 
فليعتبر معتبرٌ قبل زهوق روحه، فليس بين الله وبين أحدٍ قرابة..
 
والحمد لله على نعمة الهداية
 


قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat


شعيب العاملي
 (للدخول لصفحة الكاتب إضغط هنا)

    طباعة   ||   أخبر صديقك عن الموضوع   ||   إضافة تعليق   ||   التاريخ : 2021/02/06



كتابة تعليق لموضوع : فراعنةٌ عُرَفاء.. يرتقون صروح الدَّجَل!
الإسم * :
بريدك الالكتروني :
نص التعليق * :
 



حمل تطبيق (كتابات في الميزان) من Google Play



اعلان هام من قبل موقع كتابات في الميزان

البحث :





الكتّاب :

الملفات :

مقالات مهمة :



 إنسانية الإمام السيستاني

 بعد إحراجهم بكشف عصيانها وخيانتهم للشعب: المرجعية الدينية العليا تـُحرج الحكومة بمخالفة كلام المعصومين.. والعاصفة تقترب!!!

 كلام موجه الى العقلاء من ابناء شعبي ( 1 )

 حقيقة الادعياء .. متمرجعون وسفراء

 قراءة في خطبة المرجعية : هل اقترب أَجلُ الحكومةِ الحالية؟!

 خطر البترية على بعض اتباع المرجعية قراءة في تاثيرات الادعياء على اتباع العلماء

 إلى دعاة المرجعية العربية العراقية ..مع كل الاحترام

 مهزلة بيان الصرخي حول سوريا

 قراءة في خطبة الجمعة ( 4 / رمضان/ 1437هـ الموافق 10/6/2016 )

 المؤسسة الدينية بين الواقع والافتراء : سلسلة مقالات للشيخ محمد مهدي الاصفي ردا على حسن الكشميري وكتابيه (جولة في دهاليز مظلمة) و(محنة الهروب من الواقع)

 الى الحميداوي ( لانتوقع منكم غير الفتنة )

 السيستاني .. رسالة مهدوية عاجلة

 من عطاء المرجعية العليا

 قراءة في فتوى الدفاع المقدس وتحصين فكر الأمة

 فتوى السيد السيستاني بالجهاد الكفائي وصداها في الصحافة العالمية

 ما هو رأي أستاذ فقهاء النجف وقم المشرّفتَين السيد الخوئي بمن غصب الخلافة ؟

 مواقف شديدة الحساسية/٢ "بانوراما" الحشد..

أحدث مقالات الكتّاب :


مقالات متنوعة :





 لنشر مقالاتكم يمكنكم مراسلتنا على info@kitabat.info

تم تأسيس الموقع بتاريخ 1/4/2010 © محمد البغدادي 

 لا تتحمل الإدارة مسؤولية ما ينشر في الموقع من الناحيتين القانونية والأخلاقية.

  Designed , Hosted & Programmed By : King 4 Host . Net