الطائفية: الفتنة النائمة
د . نابي بوعلي

المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الموقع، وإنما تعبر عن رأي الكاتب.

كلمة الدكتور: نابي بوعلي من جامعة معسكر.الجزائر في ((ندوة الاسلام والحياة))  (الطائفية وتاثيرها في المجتمع)

حضرات السادة الأساتذة الأفاضل
 سماحة العلماء
الأستاذ الكريم علي رمضان الأوسي
أيها الحضور الكرام
 السلام عليكم ورحمة الله تعالى وبركاته
    أعتقد أن هذه الندوة العلمية المباركة التي يعقدها المركز الإسلامي بلندن، تـأتي في إطار التوجه العام، الذي يحاول التنظير لرؤية ومنهج علميين ـ بدل الردود الانفعالية ـ لفضح المخططات الاستعمارية الجديدة، التي تسعى لإثارة الفتنة والبلبلة الطائفية داخل المجتمعات الإسلامية الآمنة والمستقرة.
يدرك كل من أجال البصر وأمعن النظر، بما فيه الكفاية، أن الطائفية البغيضة هي السرطان القاتل الذي يفتت النسيج الاجتماعي المتماسك، ويكرس عوامل الفصل والانفصال بين أبناء المجتمع الواحد، ونحن على وعي بالمخططات الجهنمية التي يريد الغرب أن يزج فيها المجتمعات الإسلامية، وأن يفككها من الداخل، وينفث فيها السموم القاتلة. إن الحقد الصليبي الأعمى الذي تغذيه العقلية الاستعمارية المريضة هو الذي يدفع الغرب لتجييش سلاح الطائفية، وإثارة النعرات  المزيفة وتهييج أحقاد الماضي، محاولا بذلك ضرب المجتمع الإسلامي في الصميم، مستغلا الأوضاع الصعبة التي تمر بها  بعض البلدان العربية والإسلامية ليحقق مكاسب على أشلاء الأطفال والنساء والشيوخ، دون حياء، ودون مراعاة لآدمية الإنسان، وهو انتهاك صارخ لحقوق الإنسان ولكل المواثيق والعهود الدولية التي يتشدق بحمايتها والذود عنها، هذا هو ما يفعله في الواقع صناع الخراب الكبير ودعاة التفرقة العنصرية المضادة للطبيعة البشرية.
لقد تناسى الغرب جرائمه التي ارتكبها بالأمس في حق الشعوب المستعمرة، وهو يتباكى اليوم عن تخلفها، ويدعي مساعدتها على تبني الإصلاحات والديمقراطية، وهو في الواقع غارق في أزماته الاقتصادية والاجتماعية والأخلاقية. هل هناك بلد ممن اجتاحته جيوش الغرب ينعم بالأمن والاستقرار؟
ومن المفارقات الغريبة أننا نرى اليوم شعوبا في إفريقيا مهددة بالزوال، بسبب الحروب والأمراض والمجاعات، تستغيث يوميا وتطلب المساعدة جهارا نهارا كالصومال مثلا، لكن لا يسمعها أحد، لسبب بسيط وهو أن الصومال لا ينبت فيه حتى الحشيش للمواشي، ولا توجد فيه كعكة النفط، الذي يبحث عنها الغرب المتعطش إلى الطاقة لتحريك آلته الصناعية تحت ستار متعولم يفجر المجتمعات من الداخل بذرائع مختلفة، كحقوق الأقليات، وحقوق الإنسان...، وكأن البشرية لم تكن تعرف من قبل حقوق الإنسان.
ومن هنا نؤكد أن الطائفية والعصبيات قد تركتها الأمة الإسلامية وراء ظهرها، لأنها صاحبة رسالة، وهدف شريف تتسامى إلى أعالي الحياة وتترفع عن الصغائر، فلا يمكن للدين الإسلامي حامل القيم الحضارية الحقة، الذي يجنح للسلم قبل الحرب، وإلى إصلاح ذات البين، والمجادلة بالتي هي أحسن، والتآخي ونبذ العنف أن يكون مصدر قلق وتشويش، ويدعو إلى الفرقة، ومن هنا فإن الدين الإسلامي اتخذ من مسألة الطائفية موقفا ايجابيا منذ فجر الدعوة الإسلامية، ودعا إلى الوحدة والتوحد والإخاء والتكافل والتراحم والتعاطف، وصارت كلمة المسلمين واحدة، لا فرق بين الملل والنحل والجنس والجهة، وأصبحت رابطة الدين أقوى من رابطة الدم، فسادوا العالم وبارك الله لهم في أعمالهم، وعاشت الطوائف متجانسة جنبا إلى جنب تحت مظلة الإسلام الطاهرة وفوق أرض المسلمين الطيبة في مجتمع يحتضن الجميع ويحتضنه الجميع، كالبنيان المرصوص يشد بعضه البعض، وكان التنوع والتعدد مصدر قوته وثرائه وغناه، ففي الاتحاد قوة وفي التفرقة ضعف مصداقا لقوله تعالى:" واعتصموا بحبل الله جميعا ولا تفرقوا".
أيتها السيدات الفضليات، أيها السادة الأفاضل
يطيب لي بهذه المناسبة العلمية المباركة أن نقول هذه الكلمة للتاريخ، ونستخلص الدروس من التاريخ في الوقت نفسه، لأن في  التاريخ عبرة لمن يعتبر، لقد دفعت الأمم التي تسلطت عليها آفة الطائفية الثمن باهظا، وسالت دماء ودموع كثيرة بسبب الفتن والصراعات والتطرفات وأشكال التعصبات المقيمة، التي لا تقود إلا إلى الانغلاق والتحجر الفكري، والتقهقر الحضاري، والبؤس الاجتماعي من خلال تآكل بنية المجتمع من الداخل، وإغراقه في أوحال التخلف وتحويله إلى مركب جينات من الأزمات والفوضى، وكأن الحق لا يوجد إلا عند طائفة دون سواها من الطوائف الأخرى. إن مثل هذه الحالة ـ لا سمح الله ـ هي التي توفر الفرصة لأعداء الأمة الإسلامية لاستباحة أراضيها، وتفريق وحدة الكلمة، وتشتيت الصفوف لتخريبها.
إن من يختار الطائفية فقد اختار طريق الدم لقمع الآخر ولإشباع أنانيته المفرطة، وحيث ما تحضر الطائفية يحضر الخنجر والبندقية والموت العبثي، لكن أهل الإرادة الطيبة، والقلوب العامرة بالمحبة والأمل والإخلاص في العالم الإسلامي قادرين على رفع التحدي من أجل إقامة مجتمع خال من الفتن والصدامات، فالشرفاء والأحرار لا يقتلون بعضهم بعضا من أجل فتات الدنيا وحطامها على حساب وحدة الأمة ومستقبلها.
 أتمنى لأشغال الندوة التوفيق كل التوفيق، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.      
 


قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat


د . نابي بوعلي

    طباعة   ||   أخبر صديقك عن الموضوع   ||   إضافة تعليق   ||   التاريخ : 2012/03/16



كتابة تعليق لموضوع : الطائفية: الفتنة النائمة
الإسم * :
بريدك الالكتروني :
نص التعليق * :
 



حمل تطبيق (كتابات في الميزان) من Google Play



اعلان هام من قبل موقع كتابات في الميزان

البحث :





الكتّاب :

الملفات :

مقالات مهمة :



 إنسانية الإمام السيستاني

 بعد إحراجهم بكشف عصيانها وخيانتهم للشعب: المرجعية الدينية العليا تـُحرج الحكومة بمخالفة كلام المعصومين.. والعاصفة تقترب!!!

 كلام موجه الى العقلاء من ابناء شعبي ( 1 )

 حقيقة الادعياء .. متمرجعون وسفراء

 قراءة في خطبة المرجعية : هل اقترب أَجلُ الحكومةِ الحالية؟!

 خطر البترية على بعض اتباع المرجعية قراءة في تاثيرات الادعياء على اتباع العلماء

 إلى دعاة المرجعية العربية العراقية ..مع كل الاحترام

 مهزلة بيان الصرخي حول سوريا

 قراءة في خطبة الجمعة ( 4 / رمضان/ 1437هـ الموافق 10/6/2016 )

 المؤسسة الدينية بين الواقع والافتراء : سلسلة مقالات للشيخ محمد مهدي الاصفي ردا على حسن الكشميري وكتابيه (جولة في دهاليز مظلمة) و(محنة الهروب من الواقع)

 الى الحميداوي ( لانتوقع منكم غير الفتنة )

 السيستاني .. رسالة مهدوية عاجلة

 من عطاء المرجعية العليا

 قراءة في فتوى الدفاع المقدس وتحصين فكر الأمة

 فتوى السيد السيستاني بالجهاد الكفائي وصداها في الصحافة العالمية

 ما هو رأي أستاذ فقهاء النجف وقم المشرّفتَين السيد الخوئي بمن غصب الخلافة ؟

 مواقف شديدة الحساسية/٢ "بانوراما" الحشد..

أحدث مقالات الكتّاب :


مقالات متنوعة :





 لنشر مقالاتكم يمكنكم مراسلتنا على info@kitabat.info

تم تأسيس الموقع بتاريخ 1/4/2010 © محمد البغدادي 

 لا تتحمل الإدارة مسؤولية ما ينشر في الموقع من الناحيتين القانونية والأخلاقية.

  Designed , Hosted & Programmed By : King 4 Host . Net