ما السرُّ في (تسبيح فاطمة)؟!
الشيخ محمد مصطفى مصري العاملي
المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الموقع، وإنما تعبر عن رأي الكاتب.
الشيخ محمد مصطفى مصري العاملي

بسم الله الرحمن الرحيم
(تسبيحُ فاطمة).. (تسبيحُ الزهراء) عليها السلام
عبارةٌ تتكرر على ألسنة الشيعة صغاراً وكباراً، يقصدون بها ذكراً خاصاً لله تعالى، غالباً ما يكون تعقيباً للصلوات، أو يُقرأ قبيل النوم.
فما السرُّ في هذا التسبيح؟
ولماذا يواظب الشيعة عليه؟
هل للأمر بُعدٌ مذهبيٌّ؟
أم عباديٌّ فقط من حيثه كونه ذكراً لله تعالى؟
ومن أين استقى الشيعة هذا التسبيح الخاص؟
أولاً: مصدر (تسبيح فاطمة) وكيفيّته
هذا التسبيحُ هو (نِحلَةٌ) من خير خلق الله تعالى، محمد صلى الله عليه وآله، لابنته وبضعته وقرّة عينه، فاطمة الزهراء عليها السلام..
ومِن عَظَمَة المُهدِي (ص) ومَن أُهدِيَ إليها (ع) تظهر إشاراتُ العَظَمَة فيه..
لقد ورد في الخبر أنّه صلى الله عليه وآله قال لها عليه السلام:
- تُكَبِّرِينَ اللَّهَ بَعْدَ كُلِّ صَلَاةٍ ثَلَاثاً وَثَلَاثِينَ تَكْبِيرَةً.
- وَتُحَمِّدِينَ اللَّهَ ثَلَاثاً وَثَلَاثِينَ تَحْمِيدَةً.
- وَتُسَبِّحِينَ اللَّهَ ثَلَاثاً وَثَلَاثِينَ تَسْبِيحَةً.
- ثُمَّ تَخْتِمِينَ ذَلِكِ بِلَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ، فَذَلِكِ خَيْرٌ مِنَ الدُّنْيَا وَمَا فِيهَا (دعائم الإسلام ج1 ص168، وقريبٌ منه في الكافي ج3 ص342)
هو هديةٌ من النبي (ص) لبضعته (خَيْرٌ مِنَ الدُّنْيَا وَمَا فِيهَا)! تُقرأ عَقِبَ كلِّ صلاة، وعند النوم، ففي خبرٍ آخر عنه (ص) قال فيه لأمير المؤمنين وللزهراء عليهما السلام: إِذَا أَخَذْتُمَا مَنَامَكُمَا فَسَبِّحَا.. (علل الشرائع ج2 ص366)
ثم ذكر (ص) كيفيته.. وعن الباقر عليه السلام: إِذَا تَوَسَّدَ الرَّجُلُ يَمِينَهُ .. ثُمَّ يُسَبِّحُ تَسْبِيحَ فَاطِمَةَ الزَّهْرَاءِ ع (تهذيب الأحكام ج2 ص116)
من ههنا بدأت قصّة الشيعة مع الدعاء، فَمَن لا ينطق عن الهوى يُنحِله ابنتَه الصديقة، ثم يصير ملازماً للأئمة المعصومين عليهم السلام وصحبهم، بل شعاراً لهم ولشيعتهم إلى يومنا هذا، وقد روي أن الصادق عليه السلام: كَانَ يُسَبِّحُ تَسْبِيحَ فَاطِمَةَ ص فَيَصِلُهُ وَلَا يَقْطَعُهُ (الكافي ج3 ص342)
فلم يكن يفصل بين التسبيح بكلامٍ أو غيره، وقد رُوي الأمرُ بإعادة التسبيح مع الشكِّ فيه.
فبرزَ اهتمامٌ خاصٌ بهذا التسبيح منهم عليهم السلام، فلماذا كان ذلك؟
ثانياً: ثواب (تسبيح فاطمة)
لقد ورد في الأحاديث الشريفة ما يثير التعجُّب من عظمة ثواب هذا التسبيح، ومن ذلك:
1. أنَّهُ أفضلُ تحميدٍ لله تعالى!
فعَنْ أَبِي جَعْفَرٍ ع قَالَ: مَا عُبِدَ اللَّهُ بِشَيْءٍ مِنَ التَّحْمِيدِ أَفْضَلَ مِنْ تَسْبِيحِ فَاطِمَةَ ع، وَلَوْ كَانَ شَيْءٌ أَفْضَلَ مِنْهُ لَنَحَلَهُ رَسُولُ اللَّهِ ص فَاطِمَةَ ع (الكافي ج3 ص343).
هو أعظمُ حمدٍ يُحمد به الله تعالى، يهديه أعظم مخلوقٍ، لسيِّدة النساء..
لم يجد رسول الله صلى الله عليه وآله أفضل منه، ما يعني أن ليس في الوجود أفضل من هذا التسبيح في تحميد الله تعالى.
2. أنَّه أحبُّ من ألف ركعة!
لهذا التسبيح البسيط ثوابٌ عظيمٌ جداً، فعن الصادق عليه السلام: تَسْبِيحُ فَاطِمَةَ ع فِي كُلِّ يَوْمٍ فِي دُبُرِ كُلِّ صَلَاةٍ أَحَبُّ إِلَيَّ مِنْ صَلَاةِ أَلْفِ رَكْعَةٍ فِي كُلِّ يَوْمٍ (الكافي ج3 ص343)
3. مغفرة الذنوب وآلاف الحسنات
ورد عن الإمام الصادق عليه السلام: مَنْ سَبَّحَ تَسْبِيحَ فَاطِمَةَ الزَّهْرَاءِ ع قَبْلَ أَنْ يَثْنِيَ رِجْلَيْهِ مِنْ صَلَاةِ الْفَرِيضَةِ غَفَرَ اللَّهُ لَهُ، وَلْيَبْدَأْ بِالتَّكْبِيرِ (الكافي ج3 ص342)
وفي حديث آخر من سبّح وأتبعها بِلَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ.
وفي بعض الأحاديث أن حسنات هذه التسبيحات المائة: عَشْرٌ أَمْثَالُهَا عِنْدَ اللَّهِ، فَيُكْتَبُ لَهُ بَعْدَ كُلِّ صَلَاةٍ أَلْفُ حَسَنَةٍ وَيكْتَسبُ فِي كُلِّ يَوْمٍ خَمْسَةُ آلَافٍ (دعائم الإسلام ج1 ص168)
فضلاً عمّا ورد من أنّها: مِائَةٌ بِاللِّسَانِ، وَأَلْفٌ فِي الْمِيزَانِ، وَتَطْرُدُ الشَّيْطَانَ، وَتُرْضِي الرَّحْمَنَ (ثواب الأعمال ص163)
طردُ الشيطان ورضا الرحمان ومغفرة الذنوب، غايةُ منى العباد المؤمنين..
فضلاً عن استعماله للاستشفاء، حيث أَمَرَ المعصومون عليهم السلام أصحابهم بتسبيح فاطمة ع عند الشكاية من بعض الأمراض كالثِّقل في الأذن..
ثالثاً: ما السِرُّ في (تسبيح فاطمة)؟
لماذا اختُصَّ هذا التسبيح بهذه العظمة؟! وكان له هذا الأثر العظيم؟
ههنا وجوه محتملة منها:
الوجه الأول: تخليداً (لذِكرِ فاطمة)!
هو تسبيحٌ لله تعالى، يُعَدُّ أعظمَ تحميدٍ يُحمَدُ به الله تعالى، لا يَجِدُ النبي (ص) خيراً منه ليُنحله بضعته الزهراء، فيُعرَف في الأمّة باسمها عليها السلام، فيُسهِم في تخليد ذكرِها، وإحياءِ أَمرِهَا، وأمرُها من أمر الله تعالى.
ولمّا كانت الأمّة قد ظلمت الزهراء عليها السلام، بل أبغضَ جُلُّ مَن فِيها ذكرها وذكر بعلها وذريّتها، وأنكروا تقديمهم على من عداهم، حتى روي عن الصادق عليه السلام أنه قال: إِنَّ النَّاسَ لَيْسَ شَيْءٌ أَبْغَضَ إِلَيْهِمْ مِنْ ذِكْرِ عَلِيٍّ وَفَاطِمَةَ ع (الكافي ج8 ص159)
أفلا يكون في إحياء ذكرهم عظيمُ ثوابٍ عند الله تعالى وهم مَن أَمَرَ بمودّتهم؟!
ألا يُعقَل أن يكون في نِسبَةِ خيرِ تسبيحٍ لله تعالى إليها نوعاً من الحفاظ على ذكرها عليها السلام؟ وهي التي أمر الله بمودّتها فأنكرت الأمة فضلها وقَدَّمت من ظَلَمَها وسلبها حقّها وأخذت بقوله وقدّسته؟!
لقد صار خيرُ تسبيحٍ لا يُترك بعد كل صلاة باسم (فاطمة)، فهل مِن امرئٍ غير شقيٍّ يذكر تسبيحها كل يوم ولا يتبرأ من قاتليها وأعدائها؟!
فيجتمع فيه مع تكبير الله وحمده وتسبيحه، الإقرار بفضل فاطمة عليه السلام وعظمتها، والبراءة من قاتليها وظالميها، فتجتمع أركان الإيمان في فعلٍ واحد، فما أعظمه من فعلٍ.
الوجه الثاني: أنَّهُ وِقايةٌ من الشقاء!
إنّ المعصوم عالمٌ بتعليم الله تعالى، ومُدرِكٌ لتأثير كلِّ فعلٍ على مصير الإيمان، لأن مِنَ الأفعال ما يُثبِّتُ الإيمان ومنها ما يكون سبباً لزواله..
ولتسبيح الزهراء عليها السلام أثَرٌ في غاية الأهمية، وهو أنّ ملازمته تَحفَظُ العبدَ من الشقاء! فكان المعصومون عليهم السلام يأمرون صبيانهم بهذا التسبيح ليعتادوا عليه، فيكون عوناً لهم للوقاية من الانحراف والشقاء!
فعَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ ع قَالَ: يَا أَبَا هَارُونَ، إِنَّا نَأْمُرُ صِبْيَانَنَا بِتَسْبِيحِ فَاطِمَةَ ع كَمَا نَأْمُرُهُمْ بِالصَّلَاةِ، فَالْزَمْهُ، فَإِنَّهُ لَمْ يَلْزَمْهُ عَبْدٌ فَشَقِيَ (الكافي ج3 ص343)
فصار تسبيحُ فاطمة مُلازماً للهداية، فمن لازَمَه لازَمَ الهدى وأَمِنَ من الشقاء.
الوجه الثالث: أنّه من علامات الشيعة!
كيف ذلك؟
لقد روينا عن الإمام الصادق قوله: شِيعَتُنَا الَّذِينَ إِذَا خَلَوْا ذَكَرُوا اللَّهَ كَثِيراً (الكافي ج2 ص500)
وهذه من علامات الشيعة، أي أنّهم الذين يذكرون الله كثيراً.
لكن ما هو الذكر الكثير الذي يذكره الشيعة؟ وفيهم من لا يُكثِرُ ذكرَ الله تعالى؟
لمّا سئل الإمام الصادق عليه السلام عن قوله تعالى: (اذْكُرُوا اللَّهَ ذِكْراً كَثِيراً)
قَالَ: مَنْ سَبَّحَ تَسْبِيحَ فَاطِمَةَ ع فَقَدْ ذَكَرَ اللَّهَ الذِّكْرَ الْكَثِير (معاني الأخبار ص193).
وفي حديثٍ آخر: تَسْبِيحُ فَاطِمَةَ ع مِنْ ذِكْرِ اللَّهِ الْكَثِيرِ الَّذِي قَالَ اللَّهُ عَزَّ وَ جَلَّ (فَاذْكُرُونِي أَذْكُرْكُمْ) (معاني الأخبار ص194).
وفي الحديث: مَنْ بَاتَ عَلَى تَسْبِيحِ فَاطِمَةَ ع كَانَ مِنَ الذَّاكِرِينَ اللَّهَ كَثِيراً وَالذَّاكِراتِ (وسائل الشيعة ج6 ص447)
لقد اقترن ذكرُ الله ذِكراً كثيراً بالتشيُّع إذاً.. فالشيعة هم الذين يذكرون الله ذِكراً كثيراً فيذكُرُهُم الله تعالى، وهل يذكر الله تعالى سوى من كانوا من أهل الحق؟!
وهل هؤلاء إلا الذين أخذوا هذا الذكر من المعصومين عليهم السلام واتّبعوهم؟!
لقد ورد أنّ لكلِّ شيءٍ حداً ينتهي إليه إلا الذِّكر، فإنّه ليس له حدٌّ، وأنّ الله تعالى لم يرض منه بالقليل، فرِضاه عز وجلّ مقرونٌ بكون الذكر (ذِكْراً كَثِيراً)، وهو (تسبيحُ فاطمة): علامةُ الشيعة.
يقول الإمام الصادق عليه السلام:
أَ لَا أُخْبِرُكُمْ بِخَيْرِ أَعْمَالِكُمْ لَكُمْ؟ أَرْفَعِهَا فِي دَرَجَاتِكُمْ وَأَزْكَاهَا عِنْدَ مَلِيكِكُمْ .. ذِكْرُ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ كَثِيراً..
قالَ رَسُولُ اللَّهِ ص: مَنْ أَكْثَرَ ذِكْرَ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ أَحَبَّهُ اللَّهُ.
وَمَنْ ذَكَرَ اللَّهَ كَثِيراً كُتِبَتْ لَهُ بَرَاءَتَانِ:
1. بَرَاءَةٌ مِنَ النَّارِ
2. وَبَرَاءَةٌ مِنَ النِّفَاقِ (الكافي ج2 ص499)
فصارَ تسبيحُ فاطمة من (علامات الشيعة)، وموجباً (لحبِّ الله)، وفيه (براءةٌ من النار)، و(براءةٌ من النفاق)، وهل تجتمع البراءة من النِّفَاق مع حُبِّ رؤوس المنافقين؟ مَن ظلموا الصديقة الزهراء وغصبوها حقها؟!
لقد قرن الله تعالى بين (خير الأعمال) و(أرفعها) و(أزكاها) وما فيه (براءةٌ من النار) و(براءةٌ من النفاق) ووقايةٌ من الشقاء..
بين كل هذا وبين اسم (فاطمة).. وتسبيحها عليها السلام..
أَفَهَل يغيب السرُّ في تسبيح فاطمة بعد ذلك عن مُحبِّيها؟!
وهل يُستَغرَبُ اهتمام الشيعة بهذا التسبيح وتعليمه لصبيانهم اقتداءاً بالأئمة المعصومين؟!
فاطمةُ الزهراء.. يرضى الله لرضاها.. ويغضب لغضبها..
يُسَبِّحُ شيعتُها تسبيحَها كلّ يومٍ خمس مرات في تعقيب الصلاة، وقُبَيلَ النومِ سادسةً، ثم يستذكرون مودّتها باللسان والفعل، ويتبرؤون من أعدائها قولاً وعملاً، وهذا غاية القُرب من الله تعالى، ووقايةٌ من الشقاء والنفاق..
اللهم ثبِّتنا على مودَّتها والبراءة من أعدائها واحشرنا في زمرتها إنك سميعٌ مجيب.
والحمد لله رب العالمين.
قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat