صفحة الكاتب : شاكر فريد حسن

يحيى حقي وروايته " قنديل أم هاشم"
شاكر فريد حسن

يُعد الكاتب الروائي المصري يحيى حقي، من الرواد الأوائل لفن القصة القصيرة العربية، وخرج من تحت عباءته كثير من الكتاب والمبدعين العرب في مجال القصة في العصر الحديث، وله بصمات واضحة في كتاباتهم وأعمالهم القصصية.

ويشكل حقي ذاكرة حية لواقع الحياة المصرية، وتعكس كتاباته القصصية والروائية نبض الحياة الشعبية المصرية، وأنماط التقاليد الاجتماعية في صعيد مصر وريفها، وحرص على نقد الواقع الاجتماعي لأمتنا العربية.

والإبداع لدى يحيى حقي له قيمة فنية وفكرية وجمالية، وكانت لديه قدرة بالغة على استشراف المستقبل، متمكنًا من الأداة اللغوية، وعارفًا وملمًا بتراث أمته وتاريخها، ما أضفى على أدبه سحرًا فريدًا.

وتعتبر روايته " قنديل أم هاشم" من أشهر أعماله، كتبها في العام 1944، وسرعان ما أصبحت من أهم علامات الروايات المعاصرة، ومن روائع الأدب المصري بصفة خاصة، والادب العربي بصفة عامة.

وهي رواية قصيرة أو نوفيلا بمقاييس ومفاهيم العصر الحديث، حيث أنها لم تتجاوز 60 صفحة، لكنها فاقت في شهرتها وذيوعها وأهميتها ونجاحها الكثير من الروايات الطويلة على امتداد الوطن العربي.

وهي ليست الرواية الوحيدة التي عالجت الصراع بين الشرق وأفكاره وتقاليده ومعتقداته، والغرب وعالمه وانفتاحه، فهناك رواية "عصفور من الشرق" لتوفيق الحكيم، ورواية" موسم الهجرة إلى الشمال" ذائعة الصيت للروائي السوداني الراحل الطيب صالح.

وفي "قنديل أم هاشم" استطاع يحيى حقي معالجة عادات المجتمع المصري وتقاليده في العشرينات من القرن الماضي، والتأصيل لفكرة الصراع بين ما يحتوي عليه من تدين وعادات وتقاليد مجتمعية سلفية وماضوية متوارثة تقيد كل أفكار التطور العلمي، وبين الغرب وما يمثله من حداثة وحضارة وتطور تكنولوجي وتقدم علمي في شتى نواحي ومجالات الحياة.

ورغم قصر الرواية نجح يحيى حقي في طرح اشكالية الصراع بين الشرق والغرب، وبين الأصالة والمعاصرة، وإبراز الهوة بين الحداثة المرتبطة بتمجيد العلم على حساب الكفر بكل ما قديم، والإيمان المتجذر بالموروث، من خلال بطل الرواية اسماعيل الذي ولد وعاش وترعرع ونشأ في حي السيدة زينب، فيسافر لدراسة الطب في اوروبا، ثم يعود لبلده ووطنه ويقع بين مطرقة ما نشأ وتربى عليه من قيم وعادات وتقاليد، وسندان ما تجرعه وتشربه في بلاد الغربة من تقاليد حديثة. واسماعيل الذي تخصص في طب الرمد، يؤمن بالعلم سبيلًا وحيدًا لعلاج الناس من العمى، في حين أن العميان أنفسهم يعلقون الآمال على زيت في قنديل بمسجد السيدة زينب، ومع تطور وتصاعد الأحداث لا يجد اسماعيل حلًا للصراع سوى أن يغزل خيطًا رفيعًا يصل ما بين وصل إليه العلم وما يؤمن به الناس.

وما يميز الرواية هو مبناها القصصي السردي، فهي تعتمد الأسلوب التقليدي الذي يتألف عادة من أسس رئيسية هي الحبكة الروائية والشخصيات والمكان والزمان. وقد جمع يحيى حقي فيها بين جمال الصياغة، وروعة الفكرة، والإحساس المرهف، واللغة القصصية المميزة في ايقاعاتها وتراكيبها، المتدفقة بالحركة، النابضة بالحياة، والقدرة الفائقة على الإيحاء والتجسيد والتأثير في نفس المتلقي.

ويبقى القول، أن رواية "قنديل أم هاشم" من أوائل الروايات التي عالجت وتناولت تلك العلاقة الملتبسة بين الشرق والغرب، وحاولت توضيح المسافة الشاسعة بين العلم والتقدم، وبين حياة الناس وعاداتهم وتقاليدهم الراسخة التي لا تتغير، ويبدو أثرها مستمرًا رغم كل التغيرات والتحولات العاصفة التي تجري في عالمنا اليوم.


قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat


شاكر فريد حسن
 (للدخول لصفحة الكاتب إضغط هنا)

    طباعة   ||   أخبر صديقك عن الموضوع   ||   إضافة تعليق   ||   التاريخ : 2020/12/23



كتابة تعليق لموضوع : يحيى حقي وروايته " قنديل أم هاشم"
الإسم * :
بريدك الالكتروني :
نص التعليق * :
 



حمل تطبيق (كتابات في الميزان) من Google Play



اعلان هام من قبل موقع كتابات في الميزان

البحث :





الكتّاب :

الملفات :

مقالات مهمة :



 إنسانية الإمام السيستاني

 بعد إحراجهم بكشف عصيانها وخيانتهم للشعب: المرجعية الدينية العليا تـُحرج الحكومة بمخالفة كلام المعصومين.. والعاصفة تقترب!!!

 كلام موجه الى العقلاء من ابناء شعبي ( 1 )

 حقيقة الادعياء .. متمرجعون وسفراء

 قراءة في خطبة المرجعية : هل اقترب أَجلُ الحكومةِ الحالية؟!

 خطر البترية على بعض اتباع المرجعية قراءة في تاثيرات الادعياء على اتباع العلماء

 إلى دعاة المرجعية العربية العراقية ..مع كل الاحترام

 مهزلة بيان الصرخي حول سوريا

 قراءة في خطبة الجمعة ( 4 / رمضان/ 1437هـ الموافق 10/6/2016 )

 المؤسسة الدينية بين الواقع والافتراء : سلسلة مقالات للشيخ محمد مهدي الاصفي ردا على حسن الكشميري وكتابيه (جولة في دهاليز مظلمة) و(محنة الهروب من الواقع)

 الى الحميداوي ( لانتوقع منكم غير الفتنة )

 السيستاني .. رسالة مهدوية عاجلة

 من عطاء المرجعية العليا

 قراءة في فتوى الدفاع المقدس وتحصين فكر الأمة

 فتوى السيد السيستاني بالجهاد الكفائي وصداها في الصحافة العالمية

 ما هو رأي أستاذ فقهاء النجف وقم المشرّفتَين السيد الخوئي بمن غصب الخلافة ؟

 مواقف شديدة الحساسية/٢ "بانوراما" الحشد..

أحدث مقالات الكتّاب :


مقالات متنوعة :





 لنشر مقالاتكم يمكنكم مراسلتنا على info@kitabat.info

تم تأسيس الموقع بتاريخ 1/4/2010 © محمد البغدادي 

 لا تتحمل الإدارة مسؤولية ما ينشر في الموقع من الناحيتين القانونية والأخلاقية.

  Designed , Hosted & Programmed By : King 4 Host . Net