صفحة الكاتب : يحيى غالي ياسين

اتفاق مؤقت مع العلمانية
يحيى غالي ياسين

المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الموقع، وإنما تعبر عن رأي الكاتب.

سببان مهمّان وراء بروز وتعملق العلمانية في الغرب ، هما ؛ محدودية الدين المسيحي كشريعة للحياة من جهة والأخطاء الاجرائية التي وقعت بها الكنيسة اتجاه الطبقة المثقفة من المجتمع وخاصة شريحة العلماء والمفكرين والفلاسفة منهم من جهة أخرى .

مارس القائمون على الكنائس في أوروبا ولعقود دكتاتورية مقيتة مع مجتمعهم .. دعوا الى الرهبانية ، عاقبوا صاحب كل فكرة لا تنبثق من داخل أسوار صوامعهم ، أرادوا أن يضعوا لكل شيء تفسيراً كنسياً غيبياً وإن كان من عنديات أنفسهم ، جمعوا بين السلطة الروحية والسلطة المجتمعية جمعاً ليسوا أهلاً له .. مما حدا بهؤلاء المثقفين الكفر بالدين كلّه ومحاولة خلق مذهب علماني - اي دنيوي حسب اهم تعريفاته - تُقصى فيه الكنيسة وجميع الأديان ويُتخلي من خلاله عن كل ما يرتبط باللاهوت وعالم الغيب ، بل اعلن بعض فلاسفتهم أن الإله قد مات ..!!

ولهذا نجد أن فصل الدين عن الحياة وتنصيب العقل مرجعاً أعلى لها - أي الحياة - ونبذ الأخلاق الدينية - مصداقاً أو فلسفةً - اصبحت من أهم ملامح العلمانية الغربية والتي تطورت فيما بعد من قبل بعض معتنقيها الى الحاد ومعاداة للأديان والمتدينين على وجه الخصوص ..

ما يهمنا كمسلمين هو السبب الأول الذي ذكرناه وهو محدودية الشريعة المسيحية وعدم قدرتها على قيادة الحياة ، فليس للعلمانيين الحق في وضع الإسلام والمسيحية في خانة واحدة من هذه الناحية ، فالاسلام دين الحياة ، وهو جاء ديناً خاتماً للأديان ، وما جاء القران بعد الأنجيل الا تأكيداً على هذه الحقيقة المتمثلة بمحدودية الدين المسيحي وأنه دين مرحلة ليس الا ..! قال تعالى { وَأَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ مُصَدِّقًا لِمَا بَيْنَ يَدَيْهِ مِنَ الْكِتَابِ وَمُهَيْمِنًا عَلَيْهِ ۖ .. } المائدة ٤٨ ، وقال تعالى { هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدَىٰ وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ ۚ وَكَفَىٰ بِاللَّهِ شَهِيدًا } الفتح ٢٨

فلنتفق مع العلمانيين بهذه الجزئية ولنقبل منهم هذا النقد ولنُفهمهم ان الاسلام جاء بالشريعة الالهية الكاملة التي تغطي كل شؤون هذه النشأة ، قال تعالى {.. ۚ مَا فَرَّطْنَا فِي الْكِتَابِ مِنْ شَيْءٍ ۚ .. } المائدة ٣٨

ولا يتوقف الأمر عند ذلك بل لا بد من إثبات ذلك لهم بكل ما أوتي للحق سبيلا ، اثبت الإسلام نفسه مع العقول الجاهلية والمتحجرة ، فكيف لا يثبت نفسه في عصر العلم والفهم والتنوير ..!!

نعم ، يبقى السبب الثاني هو محلّ الإشكال لنا بسبب الاخطاء التي وقع بها المسلمون ولا زالوا للأسف الشديد ، فلطّخنا سمعة الإسلام بتهمة الإرهاب وتهمة التشدد وتهمة عدم مراعاة حقوق الانسان وغيرها وهو منها براء ..

عندما ندقق بعمق نرى ان العلمانية تريد أن تبعد المسلمين عن الدولة والحياة لا الإسلام ، تريد أن تبعد المتدينين لا الدين ، وما علينا هنا إلا أن نبحث عن النماذج الإسلامية التي تغير من هذه النظرة وتعكس على الاسلام انطباعات جيدة .. وهم موجودون في تاريخ هذا الدين كالنجم والقمر في سماء ليل الإسلام لمن أنصف نفسه وأنصف الحقيقة ، ولا يخلوا عصرنا من هؤلاء ايضا في تفصيل ليس هنا محلّه .. قل ان هدى الله هو الهدى ..


قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat


يحيى غالي ياسين
 (للدخول لصفحة الكاتب إضغط هنا)

    طباعة   ||   أخبر صديقك عن الموضوع   ||   إضافة تعليق   ||   التاريخ : 2020/12/02



كتابة تعليق لموضوع : اتفاق مؤقت مع العلمانية
الإسم * :
بريدك الالكتروني :
نص التعليق * :
 



حمل تطبيق (كتابات في الميزان) من Google Play



اعلان هام من قبل موقع كتابات في الميزان

البحث :





الكتّاب :

الملفات :

مقالات مهمة :



 إنسانية الإمام السيستاني

 بعد إحراجهم بكشف عصيانها وخيانتهم للشعب: المرجعية الدينية العليا تـُحرج الحكومة بمخالفة كلام المعصومين.. والعاصفة تقترب!!!

 كلام موجه الى العقلاء من ابناء شعبي ( 1 )

 حقيقة الادعياء .. متمرجعون وسفراء

 قراءة في خطبة المرجعية : هل اقترب أَجلُ الحكومةِ الحالية؟!

 خطر البترية على بعض اتباع المرجعية قراءة في تاثيرات الادعياء على اتباع العلماء

 إلى دعاة المرجعية العربية العراقية ..مع كل الاحترام

 مهزلة بيان الصرخي حول سوريا

 قراءة في خطبة الجمعة ( 4 / رمضان/ 1437هـ الموافق 10/6/2016 )

 المؤسسة الدينية بين الواقع والافتراء : سلسلة مقالات للشيخ محمد مهدي الاصفي ردا على حسن الكشميري وكتابيه (جولة في دهاليز مظلمة) و(محنة الهروب من الواقع)

 الى الحميداوي ( لانتوقع منكم غير الفتنة )

 السيستاني .. رسالة مهدوية عاجلة

 من عطاء المرجعية العليا

 قراءة في فتوى الدفاع المقدس وتحصين فكر الأمة

 فتوى السيد السيستاني بالجهاد الكفائي وصداها في الصحافة العالمية

 ما هو رأي أستاذ فقهاء النجف وقم المشرّفتَين السيد الخوئي بمن غصب الخلافة ؟

 مواقف شديدة الحساسية/٢ "بانوراما" الحشد..

أحدث مقالات الكتّاب :


مقالات متنوعة :





 لنشر مقالاتكم يمكنكم مراسلتنا على info@kitabat.info

تم تأسيس الموقع بتاريخ 1/4/2010 © محمد البغدادي 

 لا تتحمل الإدارة مسؤولية ما ينشر في الموقع من الناحيتين القانونية والأخلاقية.

  Designed , Hosted & Programmed By : King 4 Host . Net