قراءة انطباعية في نص / الغروب / للقاصة تغريد حسين الخفاجي

 ( النص)

غُرُوب

تغريد حسين الخفاجي

في مَساءِ ذلك اليوم الغَابِر، الذي كان يَحمِل بين دَفتيهِ لأعظمَُ حكايةً، وأنا أستمعُ لِرثاءَ عبدالزهراء الكعبي، ودُموعِي تنثالُ من على خديّ بجوىً لاشعوريا؛ وقد سرحّ بيّ الخيال، هُناكَ حيثُ مَيدانَ النِزال، ومَسرحَ الواقِعة.

حَلقّتُ بعيدًا او لَرُبما هي إغفاءةً بسيطةً، غَيبتنِي عن الواقِع لكنَها أَيقضتْ فيّ الحَقيقةَ.

ماهي الإ وهلةٍ وأَجدُ نفسي في أرضٍ يبدو أنّها أرضُ السَّواد أو وادي المَوت، قد تراءَت أَماميّ مُوحَشةً مُقِفرة، الغُروب قد خَيمّ على كُلِ المَكان،كل شيءٍ كان يوحيَ بالموتِ، ويُنذِر بوقعةٍ عَظيمةً قد حلّتْ، كأن إعصارًا رهيبًا قد عَصفَ بُكلِ زَوايا الحَياة، فأرداها رمادٍ تَذروه الرِياح.

توجسّتُ خائفةً،يا إلهي ما الذي حدث ؟!!

بدأتُ أَصرخُ وأَستفهِم الَموجُودات أَجيبوني ما الذي حدث ؟!... لا جوابَ غَدتْ صَماءٍ أعتصمتُ الصمت، وكأنّها ابتلعت لِسانها.

هَرولتُ للفراتِ مستفهمةٍ، بالله عليك أجبني؟ ...كان متوجسا للغاية يروم بالفرار، ويُمعِنُ بالهروب، وحتى النخيلُ الباسِقة لم تعِد فارعةُ الطُول، فقد بدّت منحنيةً محدودبةِ الظهر على شُطآنِ الفُرات.

في لحظةِ يأسٍ كان كل شيءً هناك كان يلوذَ بالصمتِ، ما خلا الأرضُ كأنت تأنُ بصمتٍ وتولول، فهويتُ الى الأرضِ أسترقُ السمعَ عليّ أجدُ الجواب؛ فهمستْ بأذني بصوتٍ متهدج، قد قُتِلَ الإنسان، أُغتيلتْ الُحريةٕ، ونُِحرَ السلام من الوريد الى الوريد!!!

بدا يتدفق من أعماقِ الأرض صوتٌ أشبهُ بصليلِ السيوف، وصَهيلَ الخيول، صوتٌ لأضلاعٍ متكسرة؛ قد طحنتها حوافرَ الخُيول.

فغدا كل شيءٍ يتكلم عن أسى وقعةٍ بكتها كل الموجودات، حتى الهوام والحيتان في غمرات البحار، فتداعى كل شيءٍ أمامي وقفتُ مأخؤذةً لهولِ ما رأيت؛ اشلاءٌ مقطعة، بقايا إجساد من غير رؤوس، فغدت كأنها نجوم منطفئة هَوت ارضً، عبير الدماء كان يملأ المكان، خيامٌ التهمتها ألسنةُ نيرانٍ كرياحٍ مجنونة أخذتها نشوة النهم والشراهة، رائحة شواء لقلوبٍ معطوبةً أكتوت بنيران الألمِ والفقدان، صرخاتٌ تنبعثُ من قلوبِ أطفالٍ حالمةً بالإرتواء،قد ضمأتْ بنيران الأنتظار بعد أن تبددت آمالها.

ذئابٌ أحتوشت كل الوان الحياة فغدا كل شيء ٍ رماديا؛ قد تخطّفه الموت، السماء كانت تبكي نجومٍ هوت، الشفق حزين في كبد السماء غدا متشحا بحُمرةٍ قانية؛ كأنه ثكلى قد افرطت بالبكاء.

وآخر فصول الحكاية، لكن هي ليست النهاية.

مرت من أمام ناظريّ قافلةً بلغتْ أُفقَ السماء لا نهايةَ لها.

وقفتُ مذهولةً وأنا أتصفحُ وجوهًا يلوّحُ على مُحياها علائِمُ الإنتصار!!

أستفهمتِ بغرابة كيف للإنتصار أن يؤسر؟!

وكيف للإباء أن يُقرن بالأصفاد؟!

وكيف للعز ان يكبل بأغلال وسلاسل الذل ؟!!!!!

وقد أنقدحت أمامي سوادةً عظيمة غدت كهزيع من الليل، انها لم تكن إمراة بل جبل اشم متوشح الصبر، فحتى الصبر وقف مذهولًا امام صبرها!! كانت تحملُ إرادةً فولاذية تناجز المصائب، وتتصارع مع الوان الخطوب، التي لطالما تقاذفتها منذ أمدٍ بعيد.

وانا وقفت مستفهمةً مستعلمة لحالها بعد هذا كله؟!! فأجابت بعنفوان، وقد تنكبت بروح عليٍ، وتوسمت بصبر فاطمة، لتقول: ما رأيت الأ جميلا!!

كانت ترفل بروح الرضا والتسليم، تحفّ حولها الأيتام مذعورةً، تتشبث ببقايا الآمان، فأضحت ككوّةٍ تفيضُ ببصيصٍ من الأمل؛ لتمسدّ به على قلوبِ اليتامى، فهي ثُمالةُ الماضين، وبَقيةُ الراحلين.

انها ليست كل الحكاية ، فللحكاية تتمةً.....

&&&

( قراءة انطباعية )

يعد الاسترجاع من اكثر التقنيات الزمانية حضورا في البناء السردي بايراد احداث سابقة للحدث السردي الزمان الاول .. الذي اقرأ فيه ما كتبت / والزمان الثاني حين كتبت قصتها/ عن الزمن الثالث الذي هو زمن سماع الواقعة / الزمن الرابع واقعة الطف ومشاهدات متخيلة مستنبطة من ذاكرة الحدث/ الى ذاكرة الكاتبة/ الى ذاكرة القارىء/ تداعي الوعي عن طريق حضور الراوي ـــ الكاتبة التي اشركت نفسها في الحدث التاريخي لتصنع لذاتها وجود في الطف كشاهدة ،عبر استرجاع نصي من تاريخ سرد الحدث المقتل الى محرم 61 هجرية ( اغفاءة بسيطة غيبتني عن الواقع لكنها ايقضت فيّ الحقيقة ، تنامى الحدث عبر فاعلية ( كان ) التي تكررت احدى عشر مرة نظمت لنا حوادث القصة تدخل الكاتبة في الاحداث منح السردية ايحاءات فاعلة ، الاشتغال برمته يعتمد على استرجاع الماضي مواقف التركيز في القصة توفر التأثير الشعوري ، كان يحمل بين دفتيه

لأعظم حكاية و دخول التفصيلات الحدث ( كل شيء كان يوحي بالموت ) تسعى هذه ( الكان ) لتوفير البنية الاوسع لأستيعاب الرؤية ( كان الفرات متوجسا للغاية ) هذا الزمن المسترجع ما بعد الواقعة بلحظات ، نجد ان ( كان) انفتحت على اليأس والصمت وانين الارض وولولتها وهذه كلها دلالات لحدث مأساوي حز وريد الفطنة ، كان بصيغة ماساوية ( عبير الدماء كان يملأ المكان والسماء كانت تبكي نجوم هوت لتصل الى هدف وجود كان معنويا داخل الزمن ، وكانها تريد ان تصل بنا الى ( كانت زينب عليها السلام تحمل ارادة فولاذية تناجز المصائب ) وكان تهدف الى الكشف عن حقيقة الصبر والتصابر فهي كانت عليها السلام ترفل بالرضا والتسليم وتوظيف الاستفهام من اجل التوغل في بواطن الحدث ، والاستفهام يجعلها تنتقل بحرية من دلالة الى دلالة لتعمق الاثر المعنوي ، يا الهي ما الذي حدث ؟ تنكشف عبر تكرار ما الذي حدث عن ذهول سعى لتوصيل معلومة مثل :ـ( كيف للانتصار ان يؤسر ؟) كيف للإباء ان يقرن بالاصفاد ؟ كيف للعز ان يكبل ؟ لتصبح القصة طاقة مهمة من طاقات التعبير ، وخاصة عندما يدخل الوصف في ثنايا السرد ليصبح قادرا على التأثير الوصف يهتم بعرض الاشياء ارض السواد ، الوحشة / القفرة / الغروب / الاعصار لتقدمها الى المتلقي بالفة تخلقها فاعلية الوصف ، قصة جميلة امتلكت جاذبية التلقي وشعورية بناء الموقف


قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat


    طباعة   ||   أخبر صديقك عن الموضوع   ||   إضافة تعليق   ||   التاريخ : 2020/11/20



كتابة تعليق لموضوع : قراءة انطباعية في نص / الغروب / للقاصة تغريد حسين الخفاجي
الإسم * :
بريدك الالكتروني :
نص التعليق * :
 



حمل تطبيق (كتابات في الميزان) من Google Play



اعلان هام من قبل موقع كتابات في الميزان

البحث :





الكتّاب :

الملفات :

مقالات مهمة :



 إنسانية الإمام السيستاني

 بعد إحراجهم بكشف عصيانها وخيانتهم للشعب: المرجعية الدينية العليا تـُحرج الحكومة بمخالفة كلام المعصومين.. والعاصفة تقترب!!!

 كلام موجه الى العقلاء من ابناء شعبي ( 1 )

 حقيقة الادعياء .. متمرجعون وسفراء

 قراءة في خطبة المرجعية : هل اقترب أَجلُ الحكومةِ الحالية؟!

 خطر البترية على بعض اتباع المرجعية قراءة في تاثيرات الادعياء على اتباع العلماء

 إلى دعاة المرجعية العربية العراقية ..مع كل الاحترام

 مهزلة بيان الصرخي حول سوريا

 قراءة في خطبة الجمعة ( 4 / رمضان/ 1437هـ الموافق 10/6/2016 )

 المؤسسة الدينية بين الواقع والافتراء : سلسلة مقالات للشيخ محمد مهدي الاصفي ردا على حسن الكشميري وكتابيه (جولة في دهاليز مظلمة) و(محنة الهروب من الواقع)

 الى الحميداوي ( لانتوقع منكم غير الفتنة )

 السيستاني .. رسالة مهدوية عاجلة

 من عطاء المرجعية العليا

 قراءة في فتوى الدفاع المقدس وتحصين فكر الأمة

 فتوى السيد السيستاني بالجهاد الكفائي وصداها في الصحافة العالمية

 ما هو رأي أستاذ فقهاء النجف وقم المشرّفتَين السيد الخوئي بمن غصب الخلافة ؟

 مواقف شديدة الحساسية/٢ "بانوراما" الحشد..

أحدث مقالات الكتّاب :


مقالات متنوعة :





 لنشر مقالاتكم يمكنكم مراسلتنا على info@kitabat.info

تم تأسيس الموقع بتاريخ 1/4/2010 © محمد البغدادي 

 لا تتحمل الإدارة مسؤولية ما ينشر في الموقع من الناحيتين القانونية والأخلاقية.

  Designed , Hosted & Programmed By : King 4 Host . Net