صفحة الكاتب : نبيل محمد حسن الكرخي

أخطاء محاضرة "الأخ رشيد" عن الإله – ( 2 / 7 )
نبيل محمد حسن الكرخي

المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الموقع، وإنما تعبر عن رأي الكاتب.

تجسّد الإله:

عدّة أسألة يحتاج الانسان الحصول على جواب لها مع الدليل بكل تاكيد.

س1- هل تجسد الإله بجسد يسوع المسيح؟ والإجابة يجب ان يكون معها دليل من خارج العهد الجديد، خصوصاً مع وجود الشك بتأريخية شخصية يسوع المسيح نفسه! أي ان هناك العديد من الباحثين يقولون، مع ما يذكرونه من ادلة، على أن شخصية المسيح شخصية وهمية لم يذكرها أي مصدر مستقل. هذا في ظل جحودهم إلوهية القرآن الكريم وانه كلام الله سبحانه فلا يمكنهم الاعتماد عليه كمصدر أكيد. مع ملاحظة ان المعجزات التي جاء بها المسيح لتثبت صحة كلامه بأنه ابن الإله أو الإله قد جاء بها أنبياء آخرون سبقوه!! فهي ليست دليلاً على انه الإله أو إبن الإله! كما انه لا يوجد مصدر مستقل يذكر ان المسيح قد جاء بتلك المعجزات بصورة تفصيلية!

س2- هل إنَّ تجسد الإله أمر ممكن من الناحية الواقعية؟! نحن نعرف أن الإله عظيم وقدير. فهل أن قدرته العظيمة يستطيع من خلالها أن يتجسّد بهيئة بشرية! ذكرنا قبل قليل أن الإله لا يمكن أن يتجسد لنحوين الاول أنه (الغني)، والثاني أنَّه ((لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ)). فالله سبحانه اخبرنا انه (الغني) فلا يحتاج شيئاً من مخلوقاته، ولذلك لا يمكن أن يكون في جهة ولا يمكن ان يحده حد، لأن الحد والجهة من مخلوقاته سبحانه. فإذا كان في جسد فسيكون في حد، أي إنّه سيحتاج ذلك الحد ليتميز! وإذا كان في جسد فسيكون في جهة فيكون محتاجاً لتلك الجهة ليتواجد! وكلا الأمرين محال، فالله سبحانه وتعالى (الغني) فلا يحتاج الجسد المخلوق ليتجسد، ولا يحتاج لخشبة الصليب المخلوقة ليفدي خطايا البشر، ولا يحتاج مريم العذراء لتلد ابنه، أو تلد ناسوته! وبذلك علمنا استحالة ان يتجسد الإله، ليس لأن الإله ليس بقدير بل هو ((عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ))، ولكن التجسد: (ليس بشيء) فلا يمكن التجسد. ومن يزعم ان التجسد شيء وان الإله قادر عليه فنسأله سؤالاً آخر: هل يمكن للإله أن يكون ولو للحظة واحدة ليس بإله؟! هل يستطيع الإله ان يتنازل عن صفاته الإلهية ويكون (لا إله)؟! هذا الأمر مماثل للقول بتجسد الإله، فهي امور ممتنعة بذاتها.

س3- تزعمون ان الإله تجسد مرة بجسد يسوع المسيح، فهل يمكن للأقنوم الثاني أن يتجسد مرة أخرى بجسد شخص آخر غير يسوع؟

س4- لماذا احتاج الإله ليتجسد بهيئة جنين ثم يولد طفلا رضيعاً ينمو الى ان يبلغ ويصبح في مرحلة الشباب ليعلن عن نفسه؟! لماذا لم يتجسد بجسد بشري يخلقه بهيئة الشباب مباشرة ؟!

س5- لماذا تجسد الأقنوم الثاني فقط بجسد بشري ولم يتجسد الأقنوم الأول أو الثالث؟

س6- هل إن ناسوت المسيح الذي تجسّد به الإله هو ناسوت أزلي أم مخلوق؟

س7- لماذا لم يتجسّد الاقانيم الثلاثة معاً لينزلوا للبشرية ويدعوها للتوبة، ألم يكن ذلك أكثر إقناعاً؟

س8- لماذا تجسّد الاقنوم الثالث بهيئة حمامة ونزل على المسيح؟ هل كان الروح القدس مفارقاً لناسوت المسيح؟ وما اهمية نزول الروح القدس ما دام لاهوت المسيح ملازماً لناسوته؟ الا تكفي ملازمة لاهوت المسيح لناسوته حين تعميده!! فما هو وجه الإحتياج لنزول الروح القدس متجسداً بهيئة حمامة؟!

التنكّر لما ورد في العهد القديم من ان الإله: ((لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ))!

العهد القديم أي التناخ اليهودي مضطرب في صفات الله تبارك وتعالى الذي يسمونه (يهوه)، فتارة يقولون ان للإله روحاً[1]، وتارة يقولون انه خلق الإنسان على صورته[2]! وتارة يقولون، ان موسى وهارون وشيوخ اسرائيل رأوا الإله، كما في سفر الخروج (24: 1 و10 و11)، أي إنّه يُرى! وقالوا ان هارون هو الذي صنع العجل الذي قال بنو اسرائيل عنه: (هذه آلهتك يا إسرائيل)[3]! وكأن الإله الذي رآه هارون من قبل كان بهيئة العجل!!؟ بينما نقرأ في سفر أشعياء ما يدل على أن الإله لا يشبهه شيء، في المواضع التالية:

§ (40: 18): (فبمن تشبهون الله، وأي شبه تعادلون به؟). وجاء في التعليق على هذا النص في طبعة الكتاب المقدس (بولس باسيم): (تعبّر هذه الآية عن ان الإله الحق لا يضاهى)[4].

§ (40: 25): («فبمن تشبهونني فأساويه؟» يقول القدوس).

§ (46: 5): (بمن تشبهونني وتسوونني وتمثلونني لنتشابه؟).

وورد ايضاً أنَّ الإله لا يُرى:

في انجيل يوحنا (1: 18): (الله لم يره أحد قط).

في رسالة بولس الى اهل كولسي (1: 15): (الذي هو صورة الله غير المنظور).

وإذا كان الإله ليس كمثله شيء فهذا يعني بطلان تأنسن الإله لأن ناسوت المسيح هو جسد وروح بشرية يتعارض مع كون الإله ليس كمثله شيء.

و في الاسلام نقرأ وصف الله سبحانه وتعالى نفسه في القرآن الكريم، الآية (11) من سورة الشورى، بأنَّه: ((لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ)).

وورد في التفسير التطبيقي للكتاب المقدس في تعليقه على ما ورد في سفر التكوين (1: 26) ما ينفي ان يكون الإنسان بصورة الاله من حيث الجسد، مما يكشف عن وجود اتجاهات في المسيحية ترفض هذا التشبيه، جاء فيه: (كيف خُلقنا على صورة الله؟ لا تعني العبارة: «لنصنع الإنسان على صورتنا كمثالنا» أن الله خلقنا مثله تماماً، وبخاصة بالمعنى الطبيعي (الجسدي)، بل بالحري أننا نعكس مجد الله. الله بلا خطية سرمدي غير محدود. ومع أن الله أعطانا القدرة أن نكون بلا خطية ونحيا إلى الأبد، فإنه أعطانا أيضاً حرية الاختيار أن نطيعه أو أن نعصاه. ولا يمكننا أن نكون مطلقاً مثل الله تماماً، لأنه هو خالقنا الأسمى. وأعظم آمالنا أن نعكس طبيعته عن طريق محبتنا وصبرنا وصفحنا ولطفنا وأمانتنا. لقد خُلقنا على صورة الله، ومن ثم نحن نشاركه الكثير من صفاته وعواطفه. وإدراكنا لهذا هو أساس قيمتنا. فقيمة الإنسان ليست بما يملك أو ينجز، ولا بمقدار جماله الجسدي وجاذبيته ولا بتقبل الناس له. إن قيمتنا هي في إدراكنا أن الله قد خلقنا على صورته. ونقدنا لذواتنا أو الحط من قيمتنا، هو نقد لما خلقه الله. ولأننا مثل الله، يمكن أن نشعر بالرضى عن أنفسنا وعن قدراتنا. فإدراكك أنك شخص له قيمة غير محدودة، يمنحك الحرية أن تحب الله وأن تعرفه معرفة شخصية، وأن تقدم خدمات كبيرة لمن حولك). ورغم ما في هذا النص من تشبيه مرفوض وفق المعتقد الاسلامي، الا ان فيه بيان ان بعض المسيحيين لا يتصورون الإله بصورة بشرية، بخلاف مسيحيين آخرين يظنون ذلك خطأً، كبعض الرسامين المسيحيين المشهورين الذين كانوا يرسمون الإله بهيئة رجل عجوز! كما في لوحة الرسام الشهير مايكل انجلو التي رسمها في سقف كنيسة سيستين في الفاتيكان الذي رسم الإله بهيئة رجل عجوز وبموافقة البابا يوليوس الثاني (1503-1513)م!

والظاهر ان رشيد حمامي قد تأثر ببعضها فكوّن صورة خاطئة عن الإله وانه بهيئة بشرية وبصورة رجل عجوز!! وظن ان الاسلام يقول بذلك!!

هل الإله محبة فقط؟!

يقول رشيد حمامي: {هذه الصورة عن الله التي سبق له ذكرها اثرت فيه جعلته يرى الحياة بقالب معين! وبعدما عمل دروس مراسلة مع التبشرييين اول مفهوم اثّر فيه ان "الله محبة"، يقول كنت اتصورها اغنية لأم كلثوم فقط! وجدتها آية كتابية، يقصد نص في الكتاب المقدس! الله محبة ومن يثبت في المحبة يثبت في الله والله فيه! فما معنى ان يكون الله محبة، هو ممكن ان يكون شعار نقوله وكذا، معنى الله محبة ان الله مصدر كل حب، حبي لأبني مصدره الله! وكذلك حبي لبنتي ووالدي وزوجتي ووطني، فالله منبع للحب ومصدر نأخذ منه، فالاسماء الحسنى التسعة والتسعين كلها ليس فيها ان الله محبة}! ويقول: {ليس في الاسماء الحسنى ان الله محبة}!

وبيان اخطاء كلامه يكمن من عدّة جهات.

رشيد حمامي لم يفهم الاسلام ولم يطلع عليه، بل قادته عقده الشخصية لتركه والارتداد عنه، وإلا فكيف يزعم انه ليس بين الاسماء الحسنى اسم (المحب) فماذا برأيه معنى أسم (الودود)؟ وهو المتكلم بالعربية، ولو قال اجنبي هذا الكلام لربما عذرناه. اليس معنى الود هو الحب مع إظهاره في السلوك؟ فكيف يجحد ان يكون من ضمن الاسماء الحسنى محبة بل فيها ما هو اعظم من المحبة وهو الود، أي المحبة الظاهرة في السلوك.

فكم من محب يكتم حبه ولا يظهره، بينما الود هو السلوك الذي يظهر الحب، فكل ودود هو محب قد اظهر حبه، وليس العكس فكم من محب قد كتم حبه ولم يظهره، ففي الاسماء الحسنى نجد اسمه تعالى (الودود)، وهو يعني الحب واظهار الحب تجاه عباده. لقد احب الله سبحانه عباده فجعل الملائكة تسجد لأبيهم آدم (عليه السلام) واحبهم وودَّهم فسخّر لهم السموات والأرض. ولمن يتوب هيّأ له المغفرة والجنة. فأي ودٍّ أعظم من هذا وأي محبة أكبر؟! هذا هو الاسلام.

ومن الاسماء الحسنى أسم، (الحنّان)، والرؤوف والرفيق واللطيف والمجيب والمغني والمغيث

ونقتبس من كلام الاستاذ حلمي القمص يعقوب ما يصلح ان يكون رداً على كلام "الاخ رشيد"، حيث رد على مسلم يقول بأن صورة الإله في العهد القديم هي انه الجبار المنتقم العادل وفي العهد الجديد انه محبة فقط! فقال: (الله كامل في ذاته متكامل في صفاته، فلا نستطيع أن نقول أن الله مُحب وحنَّان ورؤوف فحسب، لأنه هو عادل أيضًا، وعدله يستوجب الانتقام من الأشرار عاجلًا أم آجلًا، وكما أن رحمة الله كاملة، فعدله كامل أيضًا، وقد صوَّر الناقد أن العهد القديم يصوّر الله على أنه العادل المنتقم الجبار فحسب، فأورد الناقد بعض الآيات التي تؤيد رأيه هذا، مثل: "أَعْطُوا عِزًّا ِللهِ. عَلَى إِسْرَائِيلَ جَلاَلُهُ وَقُوَّتُهُ فِي الْغَمَامِ. مَخُوفٌ أَنْتَ يَا اَللهُ مِنْ مَقَادِسِكَ" (مز 68: 34، 35).. " لاَ مِثْلَ لَكَ يا رب عَظِيمٌ أَنْتَ وَعَظِيمٌ اسْمُكَ فِي الْجَبَرُوتِ. مَنْ لاَ يَخَافُكَ يَا مَلِكَ الشُّعُوبِ" (إر 10: 6، 7).. إلخ، وقال أن هذا يوافق المعتقد الإسلامي ولا يوافق المعتقد المسيحي، وتغافل الناقد صورة الله الرحيم الرؤوف طويل الأناة في العهد القديم، فجاء عنه:

· " الرَّبُّ الرَّبُّ إِلهٌ رَحِيمٌ وَرَؤُوفٌ بَطِيءُ الْغَضَبِ وَكَثِيرُ الإِحْسَانِ" (خر 34: 6).

· "الرَّبُّ طَوِيلُ الرُّوحِ كَثِيرُ الإِحْسَانِ يَغْفِـرُ الذَّنْبَ وَالسَّيِّئَةَ لكِنَّهُ لاَ يُبْرِئُ" (عد 14: 18).

· " لأَنَّ الرَّبَّ إِلهَكُمْ حَنَّانٌ وَرَحِيمٌ وَلاَ يُحَـوِّلُ وَجْهَهُ عَنْكُمْ إِذَا رَجَعْتُمْ إِلَيْهِ" (2أي 30: 9).

· " وَأَنْتَ إِلهٌ غَفُورٌ وَحَنَّانٌ وَرَحِيمٌ طَوِيـلُ الرُّوحِ وَكَثِيرُ الرَّحْمَةِ، فَلَمْ تَتْرُكْهُمْ" (نح 9: 17).

· " أَمَّا أَنْتَ يا رب فَإِلهٌ رَحِيمٌ وَرَؤُوفٌ طَوِيلُ الرُّوحِ وَكَثِيرُ الرَّحْمَةِ وَالْحَقِّ" (مز 86: 15).

· " الرَّبُّ رَحِيمٌ وَرَؤُوفٌ طَوِيلُ الرُّوحِ وَكَثِيرُ الرَّحْمَةِ" (مز 103: 8).

· (راجع أيضًا مز 111: 4، 112: 4، 116: 5، 145: 8، يؤ 2: 13، يون 4: 2).

فواضح تمامًا أن العهد القديم أعطى صورة متكاملة متوازنة عن الله، فهو الإله العادل المنتقم من الأشرار المعاندين المخالفين، وهو الإله الحنون الرؤوف الرحوم بالنسبة للتائبين الراجعين إليه بكل قلوبهم، ونحن كمسيحيين بلا شك نؤمن بكل ما جاء في العهد القديم.،.....، صوَّر الناقد أيضًا أن المسيحيين يعرفون عن الله أنه إله المحبة وحسب، وتغافل تمامًا أن المسيحيين يعرفون أيضًا أن الله عادل منتقم من الأشرار والأثمة، فجاء في العهد الجديد:

· " وَأَمَّا بَنُو الْمَلَكُوتِ فَيُطْرَحُونَ إِلَى الظُّلْمَةِ الْخَارِجِيَّةِ. هُنَاكَ يَكُونُ الْبُكَاءُ وَصَرِيرُ الأَسْنَانِ" (مت 8: 12).

· الذي دخل إلى حفلة العرس بدون استعداد: "حِينَئِذٍ قَالَ الْمَلِكُ لِلْخُدَّامِ ارْبُطُوا رِجْلَيْهِ وَيَدَيْهِ وَخُذُوهُ وَاطْرَحُوهُ فِي الظُّلْمَةِ الْخَارِجِيَّةِ هُنَاكَ يَكُونُ الْبُكَاءُ وَصَرِيرُ الأَسْنَانِ" (مت 22: 13).

· العبد الذي أخفى فضة سيده ولم يتاجر بها صدر ضده الحكم: "وَالْعَبْدُ الْبَطَّالُ اطْرَحُوهُ إِلَى الظُّلْمَةِ الْخَارِجِيَّةِ هُنَاكَ يَكُونُ الْبُكَاءُ وَصَرِيرُ الأَسْنَانِ" (مت 25: 30).

· قال بولس الرسول عن الإنسان الرافض التوبة: "أَمْ تَسْتَهِينُ بِغِنَى لُطْفِهِ وَإِمْهَالِهِ وَطُولِ أَنَاتِهِ غَيْرَ عَالِمٍ أَنَّ لُطْفَ اللهِ إِنَّمَا يَقْتَادُكَ إِلَى التَّوْبَةِ. وَلكِنَّكَ مِنْ أَجْلِ قَسَاوَتِكَ وَقَلْبِكَ غَيْرِ التَّائِبِ تَذْخَرُ لِنَفْسِكَ غَضَبًا فِي يَوْمِ الْغَضَبِ وَاسْتِعْلاَنِ دَيْنُونَةِ اللهِ الْعَادِلَةِ" (رو 2: 4، 5).

· قال بولس الرسول عن الذين يضطهدون الأبرياء: "بَيِّنَةً عَلَى قَضَاءِ اللهِ الْعَادِلِ.. إِذْ هُــوَ عَـادِلٌ عِنْدَ اللهِ أَنَّ الَّذِينَ يُضَايِقُونَكُمْ يُجَازِيهِمْ ضِيقًا" (2تس 1: 5، 6).

· في نهاية العالم: "يُرْسِلُ ابْنُ الإِنْسَانِ مَلاَئِكَتَهُ فَيَجْمَعُونَ مِنْ مَلَكُوتِهِ جَمِيعَ الْمَعَاثِرِ وَفَاعِلِي الإِثْمِ. وَيَطْرَحُونَهُمْ فِي أَتُونِ النَّارِ. هُنَاكَ يَكُونُ الْبُكَاءُ وَصَرِيرُ الأَسْنَانِ" (مت 13: 41، 42).

· "وَأَمَّا الْخَائِفُونَ وَغَيْرُ الْمُؤْمِنِينَ وَالرَّجِسُونَ وَالْقَاتِلُونَ وَالزُّنَاةُ وَالسَّحَرَةُ وَعَبَدَةُ الأَوْثَانِ وَجَمِيعُ الْكَذَبَةِ فَنَصِيبُهُمْ فِــي الْبُحَيْرَةِ الْمُتَّقِدَةِ بِنَارٍ وَكِبْرِيتٍ" (رؤ 21: 8).

· (راجع أيضًا: مت 13: 20، 18: 23 - 34، 21: 12، 13، 19، 40 - 46، 23: 13 - 18، 25: 11، 12، لو 13: 3، 5، 19: 27، يو 15: 2، 6، أع 5: 4، 10، 12: 23، 1كو 5: 5، عـب 6: 7، 8).)[5].

وهذا الكلام من باحث مسيحي ينقض فيه تماماً كل كلام "الاخ رشيد" عن المسيحية ومحبة الله فقط.

وهناك كلام مهم كتبه القديس اغناطيوس الانطاكي في رسالته الى أهل أفسس (14: 1و2): (لا يخفى عليكم أيٌ من تلك الامور، إن كان لكم إيمان كامل ومحبة كاملة من نحو يسوع المسيح. لأن تلك هي بداية ونهاية الحياة: الإيمان هو البداية، والمحبة هي النهاية، والإثنان حين يتوحدان معاً، هما الله. وكل ما يساهم في الرفعة، إنما ينبع منهما. ما من إنسان يعترف بالإيمان ويخطيء، ولا أحد يقتني المحبة فيكره. تُعرف الشجرة من ثمرها، هكذا فإن الذين يعترفون أنهم خاصة المسيح، نعرفهم من أفعالهم. لأن العمل[6] ليس ما يَعد به الإنسان الآن، بل ما يحفظه حتى المنتهى في قوة الإيمان)[7]. وفي هذا النص يربط بين المحبة والاعمال الصالحة، بنفس المفهوم القرآني.

أمّا السؤال لماذا لا يطلق المسلمون اسم (المحب) على الله تعالى ولماذا هو ليس من الاسماء الحسنى؟ ولماذا لا يقبلون باستخدام تعبير (الله محبة)؟ جواب ذلك هو ان المسلمين لا يستخدمون في وصف الله تبارك وتعالى أي أسم فيه نقص، مثلاً أسم (الشجاع) لإحتياجه للجسمية، وأسم (العفيف) لأنه يتطلب غريزة الشهوة، وهكذا. يقول السيد منير الخباز: (علماؤنا يقولون: بعض الأسماء وإن كانت فيها ممدحة إلا أنها تشتمل على جهة النقص، بينما بعض الأسماء خالصة في الحسن ليس فيها أي نقص وأي شائبة، فمثلاً: العفيف اسم حسن، لكن فيه شائبة نقص، لأن فلان إذا كان عفيفًا فهو يملك غريزة ويملك شهوة، لكنه يحارب شهوته، ولذلك سمّي عفيفًا، فكلمة العفيف تستبطن الإشارة إلى جهة نقص، إذ لو لم يكن لدى فلان شهوة لما كان لوصفه بالعفة معنى، وعلى هذا فكلمة عفيف وإن كانت اسمًا حسنًا، إلا أنها تشتمل على جهة نقص. كذلك كلمة شجاع مثلاً، فإن الإنسان الشجاع يشتمل على جسم؛ لأن مظهر الشجاعة إنما يتحقق بإقدام الجسم في المخاطر والمهالك، فكلمة الشجاع مع أنها صفة مدح، إلا أنها تشتمل على جهة نقص، وهي وجود جسم يتقدم به هذا الشخص في المهالك، ولذلك لا يصح أن يقال: الله شجاع؛ لأن كلمة الشجاع تعني وجود جسم يقدم به الشجاع على المخاطر والمزالق والمهالك، وكذلك لا يصح أن يقال: الله عفيف؛ لأن كلمة عفيف وإن كانت صفة حسنة، إلا أنها تستبطن وجود شهوة وغريزة، والله ليس له شهوة ولا غريزة. إذن هناك أسماء كثيرة جيدة ولكنها تشتمل على جهة نقص، ولذلك لا يصح إطلاقها على الله «تبارك وتعالى»، وإنما الأسماء التي يصح إطلاقها عليه هي الأسماء الخالصة في الحسن التي لا تشير إلى أي نوع من النقص والذم، كالعليم والقادر والحي والحكيم مثلاً، فإن هذه الأسماء لا تشتمل على أي جهة نقص، فهي خالصة في الحسن، فتطلق على الله «تبارك وتعالى»، وأما كلمة عفيف وشجاع وإن كانت جيدة إلا أنها تشتمل على جهة نقص، فلا يصح إطلاقها على الله، وهذا معنى قوله: ﴿وَلِلَّهِ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَى﴾ أي: الأسماء الخالصة في الحسن التي لا تشتمل على نوع من النقص أو نوع من الذم أو نوع من الإشارة إلى حد أو قيد أو جسم أو غريزة أو شهوة أو ما شابه ذلك)[8].

ولذلك لا يستخدمون أسم (المحب) لأن فيه جهة نقص وهو أن المحب قد لا يكون حبه ظاهراً دائماً ولأن المحب قد لا يكون قادراً دائماً على مواصلة محبوبه، ولأن الحب يصاحبه الألم واللوعة، ولأن الحب وحده لا يكفي بل يتطلب دائماً شيئاً إضافياً، ولذلك نجد قوله تعالى في الآية (31) من سورة آل عمران (عليهم السلام): ((قُلْ إِن كُنتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ ۗ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَّحِيمٌ)). فمحبة الانسان لله توجب اتباع نبيه (صلى الله عليه وآله) ومحبة الله تبارك وتعالى للمحب له والمتَّبع لنبيه تتبعها المغفرة. ولذلك فقد استخدم الاسلام اسم (الودود) في وصفه تعالى وهو الحب مع إظهار تلك المحبة. فالله سبحانه ليس فقط يحب البشر بل أظهر لهم حبه بانواع النِعَم التي أنعم بها عليهم لدرجة عجزهم عن إحصائها جميعها[9]. فالله ودود، وليس محباً فقط. وهذا الاسم أعظم بكثير مما في المسيحية من قولهم "الله محبة"!

قال تعالى في الآية (14) سورة البروج: ((وَهُوَ الغَفُورُ الوَدُودُ)).

وقال تعالى في الآية (90) من سورة هود (عليه السلام): ((وَاسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ ثُمَّ تُوبُوا إِلَيْهِ إِنَّ رَبِّي رَحِيمٌ وَدُودٌ)).

قال الشيخ الطبرسي: (( رحيم ودود ) * عظيم الرحمة متودد إلى عباده بكثرة الإنعام عليهم، مريد لمنافعهم)[10].

وقال السيد الطباطبائي: (والودود من أسماء الله تعالى، وهو فعول من الود بمعنى الحب إلا ان المستفاد من موارد استعماله انه نوع خاص من المحبة وهو الحب الذي له آثار وتبعات ظاهرة كالألفة والمراودة والاحسان، قال تعالى : ( ومن آياته ان خلق لكم من أنفسكم أزواجا لتسكنوا إليها وجعل بينكم مودة ورحمة ) الروم : 21. والله سبحانه يحب عباده ويظهر آثار حبه بإفاضة نعمه عليهم ( وإن تعدوا نعمة الله لا تحصوها ) إبراهيم : 34 فهو تعالى ودود لهم)[11]. وقال أيضاً: (ولم يرد في كلامه تعالى إطلاق المودة على حب العباد لله سبحانه وإن ورد العكس كما في قوله : ( إن ربي رحيم ودود ) هود : 90، وقوله : و ( هو الغفور الودود ) البروج : 14، ولعل ذلك لما في لفظ المودة من الاشعار بمراعاة حال المودود وتعاهده وتفقده، حتى قال بعضهم - على ما حكاه الراغب - إن مودة الله لعباده مراعاته لهم)[12].

وقال الشيخ ناصر مكارم الشيرازي: (وكلمة " الودود " صيغة مبالغة مشتقة من الود ومعناه المحبة، وذكر هذه الكلمة بعد كلمة " رحيم " إشارة إلى أن الله يلتفت بحكم رحمته إلى المذنبين التائبين، بل هو إضافة إلى ذلك يحبهم كثيرا لأن رحمته ومحبته هما الدافع لقبول الاستغفار وتوبة العباد)[13].

وأيضاً فإنَّ أسم الله: (الرحمن) أوسع من المحبة، فالرحمة تشمل الكائنات والموجودات جميعها، فهو الرحمن قد وسعت رحمته كلَّ شيء وهو الرحيم فلا تنفكُّ عنهُ الرحمةَ[14]. والرحمة تظهر مظاهرها في المخلوقات وهي نِعمُ الله سبحانه وتعالى، بينما المحبة لا يشترط في معناها ان تظهر آثارها، وحتى في المسيحية يقولون أن الله أحب الناس لدرجة ان ضحى بأبنه المسيح لينقذ المؤمنين به يوم الدينونة! فهي محبة جلبت الويل والألم على المسيح حتى لو كان من حيث ناسوته فقط. فالمحبة بالمفهوم الإنساني قد تلازم الألم أوالتضحية أوالكتمان أوالسريّة، بينما الله الودود والرحمن والرحيم يغفر للانسان بمجرد ندمه وتوبته عن المعاصي فلا يضطر الإله للتضحية بأبنه ليصبح له الحق بغفران ذنوب عباده، فهو العظيم القدير يغفر مباشرة، ولا يعوقه شيء عن المغفرة بلا "ضريبة القربان"، ولا توجد عنده خطيئة اصلية متوارثة من عهد آدم (عليه السلام) لأن في ميزان عدالة الله تبارك وتعالى كما في الآية (164) من سورة الأنعام: ((وَلاَ تَكْسِبُ كُلُّ نَفْسٍ إِلاَّ عَلَيْهَا وَلاَ تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى)). فلا يحاسب إنسان بجريرة إنسان آخر حتى لو كان أباه أو جده او آدم (عليه السلام). إنَّه هو الرحمن الرحيم الودود.

يقولون "الله محبة" ونقول بقول القرآن الكريم: ((وَهُوَ الغَفُورُ الوَدُودُ))[15]. ونقول بقول القرآن الكريم: ((وَاسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ ثُمَّ تُوبُوا إِلَيْهِ إِنَّ رَبِّي رَحِيمٌ وَدُودٌ))[16]، استغفروا الله ايها الناس وتوبوا اليه ستجدونه رحيماً لا تنفك عنه الرحمة وودوداً يظهر لكم حبه عبر مغفرته ونِعَمِهِ عليكم. هذه هي عظمة الاسلام، مغفرة بلا ألم ولا تضحية، فكيف يضحي الله وهو العظيم القدير، وإنما يطلب التضحية العاجز الذي يضحي بشيء للحصول على شيء آخر، والله لا يعجزه شيء في السموات ولا في الارض، قال الله تعالى في الآية (44) من سورة فاطر: ((وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُعْجِزَهُ مِن شَيْءٍ فِي السَّمَوَاتِ وَلاَ فِي الأَرْضِ إِنَّهُ كَانَ عَلِيماً قَدِيراً)).

والرحمة في الاسلام ومنهجه يمكن اختصاره في قوله تعالى في سورة ابراهيم (عليه السلام) وعلى لسانه: ((فَمَن تَبِعَنِي فَإِنَّهُ مِنِّي ۖ وَمَنْ عَصَانِي فَإِنَّكَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ)).

*****

ويتحدث البابا فرنسيس رأس الكنيسة الكاثوليكية في العالم عن معاقبة الله سبحانه للأشرار: (يُقدم إنجيل اليوم أُسلوبين للعمل ولعيش التاريخ: يُقدم من جهة، نظرة رَبّ البيتِ الذي ينظر بعيدًا، ومن جهة أخرى، نظرة الخَدم الذين ينظرون إلى المشكلة. الخدم يهتمون بحقلٍ خالٍ من الأعشاب الضّارة، أمّا ربُّ البيت فيهتم بالقمح الطيب. يدعونا الربّ يسوع إلى أن نتبنى نظرة الله، تلك التي تحدق بالقمح الطيب، وتعرف كيف تحافظ عليه حتى بين الأعشاب الضارة. إن الله لا يتعاون مع من يبحث عن نواقص وعيوب الآخرين. الله يتعاون مع مَن يتعرف على الخير الذي ينمو بصمتٍ في حقل الكنيسة والتاريخ، ويعززه حتى يَنضُجَ. وعندها سيكون الله، وفقط الله وَحده، الذي سيكافئ الصالحين ويعاقب الأشرار)[17]. إذن الله سبحانه ليس محبة فقط بل هو عادل حكيم، يعاقب الاشرار ويكافيء الصالحين. وهذا كلام رأس الكنيسة الكاثوليكية المسيحية، وعلى رشيد حمامي ان يتعلم جيداً تعاليم الدين الجديد الذي ارتد اليه قبل ان يهاجم الاسلام بدوافع من عقده النفسية التي ساقته للارتداد عنه.

ونقرأ في سفر ميخا (3: 4): (حينئذ يصرخون إلى الرب فلا يجيبهم، بل يستر وجهه عنهم في ذلك الوقت كما أساءوا أعمالهم). فالله ليس محبة فقط.

في الملوك الاول (8: 39): (فاسمع أنت من السماء مكان سكناك واغفر، واعمل وأعط كل إنسان حسب كل طرقه كما تعرف قلبه. لأنك أنت وحدك قد عرفت قلوب كل بني البشر).

في سفر اخبار الايام الثاني (7: 14): (فإذا تواضع شعبي الذين دعي اسمي عليهم وصلوا وطلبوا وجهي، ورجعوا عن طرقهم الردية فإنني أسمع من السماء وأغفر خطيتهم وأبرئ أرضهم).

في سفر اخبار الايام الثاني (6: 39): (فاسمع من السماء من مكان سكناك صلاتهم وتضرعاتهم، واقض قضاءهم، واغفر لشعبك ما أخطأوا به إليك).

في سفر اشعياء 0(55: 7): (ليترك الشرير طريقه، ورجل الإثم أفكاره، وليتب إلى الرب فيرحمه، وإلى إلهنا لأنه يكثر الغفران).

في حزقيال (18: 21): (فإذا رجع الشرير عن جميع خطاياه التي فعلها وحفظ كل فرائضي وفعل حقا وعدلا فحياة يحيا. لا يموت).

في حزقيال (18: 22): (كل معاصيه التي فعلها لا تذكر عليه. في بره الذي عمل يحيا).

والنص الرهيب في سفر التثنية (28: 15-68)، ننقله بطوله لأهميته في الكشف عن تهافت مزاعم "الأخ رشيد" في إن إله المسيحية فقط "محبة"! حيث جاء فيه: (ولكن إن لم تسمع لصوت الرب إلهك لتحرص أن تعمل بجميع وصاياه وفرائضه التي أنا أوصيك بها اليوم، تأتي عليك جميع هذه اللعنات وتدركك: ملعونا تكون في المدينة وملعونا تكون في الحقل. ملعونة تكون سلتك ومعجنك. ملعونة تكون ثمرة بطنك وثمرة أرضك، نتاج بقرك وإناث غنمك. ملعونا تكون في دخولك، وملعونا تكون في خروجك. يرسل الرب عليك اللعن والاضطراب والزجر في كل ما تمتد إليه يدك لتعمله، حتى تهلك وتفنى سريعا من أجل سوء أفعالك إذ تركتني. يلصق بك الرب الوبأ حتى يبيدك عن الأرض التي أنت داخل إليها لكي تمتلكها. يضربك الرب بالسل والحمى والبرداء والالتهاب والجفاف واللفح والذبول، فتتبعك حتى تفنيك. وتكون سماؤك التي فوق رأسك نحاسا، والأرض التي تحتك حديدا. ويجعل الرب مطر أرضك غبارا، وترابا ينزل عليك من السماء حتى تهلك. يجعلك الرب منهزما أمام أعدائك. في طريق واحدة تخرج عليهم، وفي سبع طرق تهرب أمامهم، وتكون قلقا في جميع ممالك الأرض. وتكون جثتك طعاما لجميع طيور السماء ووحوش الأرض وليس من يزعجها. يضربك الرب بقرحة مصر وبالبواسير والجرب والحكة حتى لا تستطيع الشفاء. يضربك الرب بجنون وعمى وحيرة قلب، فتتلمس في الظهر كما يتلمس الأعمى في الظلام، ولا تنجح في طرقك بل لا تكون إلا مظلوما مغصوبا كل الأيام وليس مخلص. تخطب امرأة ورجل آخر يضطجع معها. تبني بيتا ولا تسكن فيه. تغرس كرما ولا تستغله. يذبح ثورك أمام عينيك ولا تأكل منه. يغتصب حمارك من أمام وجهك ولا يرجع إليك. تدفع غنمك إلى أعدائك وليس لك مخلص. يسلم بنوك وبناتك لشعب آخر وعيناك تنظران إليهم طول النهار، فتكلان وليس في يدك طائلة. ثمر أرضك وكل تعبك يأكله شعب لا تعرفه، فلا تكون إلا مظلوما ومسحوقا كل الأيام. وتكون مجنونا من منظر عينيك الذي تنظر. يضربك الرب بقرح خبيث على الركبتين وعلى الساقين، حتى لا تستطيع الشفاء من أسفل قدمك إلى قمة رأسك. يذهب بك الرب وبملكك الذي تقيمه عليك إلى أمة لم تعرفها أنت ولا آباؤك، وتعبد هناك آلهة أخرى من خشب وحجر، وتكون دهشا ومثلا وهزأة في جميع الشعوب الذين يسوقك الرب إليهم. بذارا كثيرا تخرج إلى الحقل، وقليلا تجمع، لأن الجراد يأكله. كروما تغرس وتشتغل، وخمرا لا تشرب ولا تجني، لأن الدود يأكلها. يكون لك زيتون في جميع تخومك، وبزيت لا تدهن، لأن زيتونك ينتثر. بنين وبنات تلد ولا يكونون لك، لأنهم إلى السبي يذهبون. جميع أشجارك وأثمار أرضك يتولاه الصرصر. الغريب الذي في وسطك يستعلي عليك متصاعدا، وأنت تنحط متنازلا. هو يقرضك وأنت لا تقرضه. هو يكون رأسا وأنت تكون ذنبا. وتأتي عليك جميع هذه اللعنات وتتبعك وتدركك حتى تهلك، لأنك لم تسمع لصوت الرب إلهك لتحفظ وصاياه وفرائضه التي أوصاك بها. فتكون فيك آية وأعجوبة وفي نسلك إلى الأبد. من أجل أنك لم تعبد الرب إلهك بفرح وبطيبة قلب لكثرة كل شيء. تستعبد لأعدائك الذين يرسلهم الرب عليك في جوع وعطش وعري وعوز كل شيء. فيجعل نير حديد على عنقك حتى يهلكك. يجلب الرب عليك أمة من بعيد، من أقصاء الأرض كما يطير النسر، أمة لا تفهم لسانها، أمة جافية الوجه لا تهاب الشيخ ولا تحن إلى الولد، فتأكل ثمرة بهائمك وثمرة أرضك حتى تهلك، ولا تبقي لك قمحا ولا خمرا ولا زيتا، ولا نتاج بقرك ولا إناث غنمك، حتى تفنيك. وتحاصرك في جميع أبوابك حتى تهبط أسوارك الشامخة الحصينة التي أنت تثق بها في كل أرضك. تحاصرك في جميع أبوابك، في كل أرضك التي يعطيك الرب إلهك. فتأكل ثمرة بطنك، لحم بنيك وبناتك الذين أعطاك الرب إلهك في الحصار والضيقة التي يضايقك بها عدوك. الرجل المتنعم فيك والمترفه جدا، تبخل عينه على أخيه وامرأة حضنه وبقية أولاده الذين يبقيهم، بأن يعطي أحدهم من لحم بنيه الذي يأكله، لأنه لم يبق له شيء في الحصار والضيقة التي يضايقك بها عدوك في جميع أبوابك. والمرأة المتنعمة فيك والمترفهة التي لم تجرب أن تضع أسفل قدمها على الأرض للتنعم والترفه، تبخل عينها على رجل حضنها وعلى ابنها وبنتها بمشيمتها الخارجة من بين رجليها وبأولادها الذين تلدهم، لأنها تأكلهم سرا في عوز كل شيء، في الحصار والضيقة التي يضايقك بها عدوك في أبوابك. إن لم تحرص لتعمل بجميع كلمات هذا الناموس المكتوبة في هذا السفر، لتهاب هذا الاسم الجليل المرهوب، الرب إلهك، يجعل الرب ضرباتك وضربات نسلك عجيبة. ضربات عظيمة راسخة، وأمراضا ردية ثابتة. ويرد عليك جميع أدواء مصر التي فزعت منها، فتلتصق بك. أيضا كل مرض وكل ضربة لم تكتب في سفر الناموس هذا، يسلطه الرب عليك حتى تهلك. فتبقون نفرا قليلا عوض ما كنتم كنجوم السماء في الكثرة، لأنك لم تسمع لصوت الرب إلهك. وكما فرح الرب لكم ليحسن إليكم ويكثركم، كذلك يفرح الرب لكم ليفنيكم ويهلككم، فتستأصلون من الأرض التي أنت داخل إليها لتمتلكها. ويبددك الرب في جميع الشعوب من أقصاء الأرض إلى أقصائها، وتعبد هناك آلهة أخرى لم تعرفها أنت ولا آباؤك، من خشب وحجر. وفي تلك الأمم لا تطمئن ولا يكون قرار لقدمك، بل يعطيك الرب هناك قلبا مرتجفا وكلال العينين وذبول النفس. وتكون حياتك معلقة قدامك، وترتعب ليلا ونهارا ولا تأمن على حياتك. في الصباح تقول: يا ليته المساء، وفي المساء تقول: يا ليته الصباح، من ارتعاب قلبك الذي ترتعب، ومن منظر عينيك الذي تنظر. ويردك الرب إلى مصر في سفن في الطريق التي قلت لك لا تعد تراها، فتباعون هناك لأعدائك عبيدا وإماء، وليس من يشتري»)!!

المسيح يحمل السوط لمعاقبة المسيحيين: يروي المسيحيون ان مريم العذراء قالت للقديسة فيرونيكا جولياني في احد انخطافاتها: (يا ابنتي... هنالك مسيحيون يعيشون كالوحوش. لم يعد الايمان موجوداً في المؤمنين. يعيشون كما لو كان الله غير موجود. إبني يحمل السوط في يده لمعاقبتهم. آه من من الكهنة وكم من المكرّسين (رجال ونساء) يُهينون الله! جميعهم يدوسون على الاسرار، يزدرون بدم أبني الثمين للغاية، ويجعلونه تحت أقدامهم، هؤلاء الناس يصيبون بالعدوى مجتمعات ومدن بكاملها. إنهم مثل الطاعون، يسمون أنفسهم مسيحيين لكنّهم أسوأ من الملحدين. صلِّ يا ابنتي، صومي وقومي بالتكفير واجعلي كل الآخرين يفعلون الشيء نفسه حتى يضع الله السوط جانباً)[18]،،، (في رؤيا أخرى وصفت لها العذراء الكلّية الطهارة اسوأ أمكنة في جهنم. قالت: "يا ابنتي أريد منكِ أن تصفي السبع مستويات، الأشد عذاباً، الموجودة في جهنّم، ولمن توجد هذه الأمكنة". " المستوى الأول هو حيث قُيِّدَ لوسيفورس، وعرشه يهوذا الخائن بشخصه، ومعهم كل امثال يهوذا.

المستوى الثاني هو الموقع حيث يذهب اليه كل رجال الإكليروس وأساقفة الكنيسة المقدسة، الذين منذ أن رُفعوا في الكرامة والشرف، حرّفوا العقيدة، أفسدوا الإيمان، وداسوا على جسد ودم المسيح، إبني، بإرتكابهم العديد من الخطايا الهائلة.

في المستوى الثالث الذي شاهدتيه، هناك تسقط كل نفوس المكرّسين من الرجال والنساء.

في الرابع، كل المعرّفين الذين ضلّلوا وأهلكوا أرواح التائبين.

في المستوى الخامس، أرواح القضاة ووكلاء العدالة.

المستوى السادس مُعدّ لجميع الرؤساء في الحياة الدينية (الآباء الرؤساء والأمهات الرئيسات المسؤولين عن الكهنة والراهبات في الأديرة).

وفي المستوى السابع أخيراً، هناك يتعذّب جميع الذين أرادوا أن يعيشوا حسب أهوائهم، وارتكبوا جميع أنواع الخطايا، على الأخص خطايا شهوات الجسد")[19]،،، (في مناسبة أخرى، التفتت السيدة العذراء الى القديسة فيرونيكا وقالت لها: "في لحظة انخطاف تم احضاركِ الى جهنم للخضوع الى معاناة جديدة، وعند وصولكِ شاهدتِ الكثير من الأرواح تسقط وتهبط الى أسفل، ولكل واحد منها مكان العذاب الخاص بها. وجُعلتِ تفهمين أن جميع تلك النفوس هي من شعوب متنوعة، من بلاد مختلفة، أي من المسيحيين وغير المؤمنين، رجال دين وكهنة. هؤلاء الآخرون هم الأقرب الى لوسيفورس، ويعانون عذابات لا يمكن للعقل البشري إدراكه. عند وصول تلك النفوس، يحتفل الجحيم بأسره، وبلحظة يختبرون كل عذابات الملعونين، لأنهم اهانوا الله")[20].

هذه هي الثقافة الدينية المسيحية بخصوص العقاب في الآخرة، ليست المحبة هي جزاء مرتكبي الخطايا بل العذاب في الجحيم. فالله سبحانه احب البشر وبذل لهم انواع النِعَمْ، فإذا استغلوها في الطاعة والتوبة كان لهم النعيم في الآخرة، وإذا استغلوها للخطايا والجحود كان لهم العقاب البدي.

فإذا سلّمنا جدلاً ان الإله محبة دائمة! فهذه النصوص تدل على انه يحبهم ولا يغفر لهم الا إذا تابوا! فما هي قيمة المحبة بدون مغفرة! ولذلك جاء في الاسلام انه سبحانه (الودود) أي الذي يحب ويظهر حبه في فعله نعمة ومغفرة وقبول للتوبة. ولذلك أيضاً في القرآن الكريم نقرأ في الآية (31) من سورة آل عمران (عليهم السلام): ((قُلْ إِن كُنتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ ۗ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَّحِيمٌ))، فالمحبة القرآنية تكون دائماً مصاحبة للمغفرة ولطاعة الانسان لتعاليم خالقه. فليست هناك محبة دائمة، لأن الله تعالى ليس فقط محبة، بل هو العادل والعظيم والكريم والغفور والرحيم والمنتقم والجبار والمتكبّر.

مخافة الله في المسيحية: في المسيحية هناك وجود لثقافة مخافة الله سبحانه وإن كانت ضعيفة أو قلَّما يركزون عليها لأن المبشّرين يطمِّعون الناس بالمحبة لكي يستسهلوا اعتناق المسيحية حتى لو كان ذلك الأمر زائفاً، فقد تعلموا من بولس أن يكذبوا من اجل البشارة!!

ففي اعمال الرسل (9: 31): (وأما الكنائس في جميع اليهودية والجليل والسامرة فكان لها سلام، وكانت تبنى وتسير في خوف الرب، وبتعزية الروح القدس كانت تتكاثر).

وفي المزامير (68: 32-35): (يا ممالك الأرض غنوا لله. رنموا للسيد. سلاه. للراكب على سماء السماوات القديمة. هوذا يعطي صوته صوت قوة. أعطوا عزاً لله. على إسرائيل جلاله، وقوته في الغمام. مخوف أنت يا الله من مقادسك. إله إسرائيل هو المعطي قوة وشدة للشعب. مبارك الله).

وقال الأب متى المسكين عن الله سبحانه: (ان الله صعب صعب ومريع جداً وويل وويل لمن يستهين بلطفه وطول اناته. هذا ما نقوله لأنفسنا التي عاشت في دلال المسيح، ولكن الذي لم يشفق على ابنه وجعله يقبل الاهانة والضرب والتعذيب والتشهير والفضيحة والصليب وتقطيع الجسد بالمسامير ويتركه معلقاً في الهواء حتى يلفظ انفاسه ليرفعنا من حالة كحالة اسرائيل التي خانته نحن الامم، هذا امر مرعب ويحتاج الى وقفة تأمل لنقرر نوع الحياة التي سنحياها تحت اسمه وتحت كرامته وتحت وصاياه)[21].

وقال أيضاً: (لقد استلمت الكنيسة تراثاً طويلاً وعميقاً من العهد القديم. وأغلى وأجمل ما في هذا التراث أن الله في العهد القديم خالق مهوب، سيِّد وربٌّ: «إن كنتُ أباً فأين كرامتي، وإن كنتُ سيِّداً فأين هيبتي» (ملاخي 1: 6). الله في العهد القديم سيِّد ورب، له كل الهيبة والكرامة. هذا ميراث استلمناه. الكنيسة والمسيحية في هذه الأيام بدأت تضعف، ليس فقط بسبب ضعف المحبة، ولكن لأن الأساس الذي تُبنَى عليه المحبة ليس موجوداً، أَلا وهو مخافة الله. الأب عندما يربِّي ابنه، يُربِّيه على المخافة، فيبدأ الطفل يشعر بمخافة نحو أبيه. وعندما يكبر الطفل، يحبه والده ويعتبره أخاً له. ولكن إن لم تكن المحبة متأصِّلة على المخافة، فإنها لن تعيش. بمعنى آخر، لو أن الابن عاش مُدلَّلاً ولم يتعلَّم المخافة، ثم يحاول أن يُكوِّن علاقة على أساس المحبة، فلابد أن تفشل هذه العلاقة، لأن الابن - في هذه الحالة - سوف يستهزئ بأبيه، وأبوه لن ينال هيبته ولا كرامته، وللأسف هذه الصفة هي السائدة في هذا الجيل)،...، (كل محبة بدون مخافة، لا تعيش ولا تقوم، بل تصبح دالَّة على أساس نفسي مريض. )،...، (ثم جاء العهد الجديد وكلَّل المخافة بالمحبة. جاء المسيح وأعلن لنا عن حب الآب، الحب الباذل الذي رأيناه في الصليب. هذه المحبة التي أعلنها الآب في العهد الجديد في شخص يسوع، لا يمكن أن تُبنَى إلاَّ على المخافة. اختبر نفسك وجرِّب وابدأ أن تحب الله بدون مخافة في القلب، ستجد نفسك تصنع حماقات، إذ بينما تحب الله، تُخطئ في نفس الوقت، لأن المخافة امتنعت، فصار سهلاً عليك أن تُخطئ. فلا يمكن أن تُدعى هذه محبة، لا يمكن أن نقول إننا نحب الله ونفعل الخطية، أية خطية. ويمكنك أن تراقب نفسك وأنت تُخطئ وتُفرِّط بشفتيك طول النهار. لذلك ها أنا أردتُ أن تُسجَّل هذه الكلمة حتى لا تُنسى على مرِّ الأيام)[22].

هل فهمت يا رشيد حمامي العلاقة بين المحبة والخوف في المسيحية، وهل انتبهت الى قول الأب متى المسكين: (اختبر نفسك وجرِّب وابدأ أن تحب الله بدون مخافة في القلب، ستجد نفسك تصنع حماقات)! إذن لا تصنع الحماقات يا "رشيد"!

اما في الاسلام فانظر الى نصوص محبة الله عزَّ وجلَّ وطريقته:

ـ روى الشيخ الطوسي في أماليه بسنده عن أيوب بن نوح بن دراج، قال: (حدثنا علي بن موسى الرضا (عليه السلام)، عن أبيه موسى بن جعفر، عن أبيه جعفر بن محمد، عن أبيه، عن جده، عن الحسين بن علي، عن علي بن أبي طالب (عليهم السلام)، عن رسول الله (صلى الله عليه وآله) قال : أوحى الله (عز وجل) إلى نجيه موسى بن عمران (عليه السلام): يا موسى أحببني وحببني إلى خلقي. قال: يا رب إني أحبك، فكيف أحببك إلى خلقك؟ قال : أذكر لهم نعمائي عليهم، وبلائي عندهم، فإنهم لا يذكرون إذ لا يعرفون مني إلا كل خير)[23]. ولذلك نجد القرآن الكريم غالباً ما يذكّر الناس بنِعَم الله عزَّ وجلَّ عليهم وان يكونوا من الشاكرين، لأن في عرفان النعمة والإمتنان لها تظهر محبة الله سبحانه في نفوس الناس فيحبون الله ويطيعونه ويحبهم الله تبارك وتعالى.

ـ وفي الصحيفة السجادية، من ادعية الامام علي السجاد زين العابدين (عليه السلام) يقول في احدها: (اللهم اقذف في قلوب عبادك محبتي، وضمن السماوات والأرض رزقي، وألق الرعب في قلوب أعدائك مني، وآنسني برحمتك، وأتمم علي نعمتك، واجعلها موصولة بكرامتك إياي، وأوزعني شكرك، وأوجب لي المزيد من لدنك، ولا تنسني، ولا تجعلني من الغافلين، أحببني وحببني، وحبب إلي ما تحب من القول والعمل حتى أدخل فيه بلذة، وأخرج منه بنشاط، وأدعوك فيه بنظرك مني إليه لأدرك به ما عندك من فضلك الذي مننت به على أوليائك، وأنال به طاعتك، إنك قريب مجيب)[24]. حيث ربط فيه بين شكر النعمة وبين حب الله سبحانه وتعالى.

هل "مسيح الأناجيل" متواضع؟!

يبين العهد الجديد أن "مسيح الأناجيل الأربعة" قبل ما يقيم لعازر من الموت بكى، وقبل ان يطعم الجموع تحنن، واشفق على المراة الأرملة قبل ما يقيم ابنها من الموت. وكان يقول اذهب ولا تخبر، وان المسيح قال ذات مرة ان ابن الانسان لم ياتِ ليُخدَم بل ليخدِم! مما يدل على تواضعه الواضح! ولكنهم يخفون الصورة المقابلة لـ "مسيح الأناجيل الأربعة" والتي وردت في نفس العهد الجديد! فهو كان يخاطب امه بقوله: مالي ولك يا امرأة!! ففي انجيل يوحنا (2: 3و4): (ولما فرغت الخمر، قالت أم يسوع له: «ليس لهم خمر». قال لها يسوع: «ما لي ولك يا امرأة؟ لم تأت ساعتي بعد»).

كان ينبز غير اليهودي بالكلاب والخنازير. كما في الموعظة على الجبل (7: 6): (لا تعطوا القدس للكلاب، ولا تطرحوا درركم قدام الخنازير، لئلا تدوسها بأرجلها وتلتفت فتمزقكم)! وفي انجيل متى (15: 26): (فأجاب وقال: «ليس حسنا أن يؤخذ خبز البنين ويطرح للكلاب»)!

كان "مسيح الاناجيل" يتكلم بالامثال لكي لا يُغفَر لبعض الناس! وكان يستصغر الناس وفهمهم وثقافتهم ولذلك كان يترفع عن ان يتحدث معهم بالكلام البسيط والصريح والمباشر والذي عادةً يكون بحسب مستواهم الفكري، وبخلاف ذلك تكلم معهم بالامثال المبهمة!! وكان لا يخاطب الناس بالحقائق الدينية بصراحة ولم يقل لهم أنه إله أو إبن إله أو الاقنوم الثاني، لأنهم من وجهة نظره غير مؤهلين للاطلاع على هذه الحقائق، وفضَّل ان يخاطبهم بالامثال! وحتى تلاميذه لم يقل لهم أنه الأقنوم الثاني! ولم يحدثهم بكل الحقائق الدينية فضلاً عن مخاطبة الناس!! فلم يكشف للناس انه ابن الإله ولا الإله، وكان يأمر تلاميذه بأن لا يكشفوا ذلك لهم[25]!! فلم يكن حريصاً على ان يحصل جميع الناس على التوبة والمغفرة. حيث جاء في انجيل متى (13: 10-15): (فتقدم التلاميذ وقالوا له: «لماذا تكلمهم بأمثال؟» فأجاب وقال لهم: «لأنه قد أعطي لكم أن تعرفوا أسرار ملكوت السماوات، وأما لأولئك فلم يعط. فإن من له سيعطى ويزاد، وأما من ليس له فالذي عنده سيؤخذ منه. من أجل هذا أكلمهم بأمثال، لأنهم مبصرين لا يبصرون، وسامعين لا يسمعون ولا يفهمون. فقد تمت فيهم نبوة إشعياء القائلة: تسمعون سمعا ولا تفهمون، ومبصرين تبصرون ولا تنظرون. لأن قلب هذا الشعب قد غلظ، وآذانهم قد ثقل سماعها. وغمضوا عيونهم، لئلا يبصروا بعيونهم، ويسمعوا بآذانهم، ويفهموا بقلوبهم، ويرجعوا فأشفيهم)!! وفي انجيل مرقس (4: 11و12): (فقال لهم: «قد أعطي لكم أن تعرفوا سر ملكوت الله. وأما الذين هم من خارج فبالأمثال يكون لهم كل شيء، لكي يبصروا مبصرين ولا ينظروا، ويسمعوا سامعين ولا يفهموا، لئلا يرجعوا فتغفر لهم خطاياهم»)!! وفي ترجمة العهد الجديد (بولس باسيم): (لئلا يتوبوا فيُغفَر لهم)!! تصوروا ان المسيح بحسب رواية الاناجيل لا يريد ان يتوب الناس ولا ان يُغفَر لهم!! فأين هو التواضع المزعوم!! وأين الرحمة وأين المحبة المزعومة؟!!

وفي لوقا (8: 10): (فقال: «لكم قد أعطي أن تعرفوا أسرار ملكوت الله، وأما للباقين فبأمثال، حتى إنهم مبصرين لا يبصرون، وسامعين لا يفهمون). وعادةً يخاطب الحكماء والانبياء الانسان قليل الفهم بكلام أبسط تركيباً واسرع فهماً، وإنما تكون الامثال الملغّزة للناس الأكثر ذكاءً، نعم هناك أمثال بسيطة الفهم أو مباشرة الفهم يتم مخاطبتها عموم الناس، وليس كأمثال "مسيح الأناجيل" التي تحتاج شرحاً وتفسيراً مليئاً بالدلالات التي يتصورونها، كما يشير لذلك علماء المسيحية في شروحهم للأناجيل الأربعة!

كان "مسيح الاناجيل" يأتي بالمعجزات كإعلان عن نفسه! فقد ورد في انجيل يوحنا (2: 11) بخصوص معجزة تحويل الماء الى خمر، حيث جاء فيه: (هذه بداية الآيات فعلها يسوع في قانا الجليل، وأظهر مجده، فآمن به تلاميذه)!

وكان "مسيح الاناجيل" يغضب سريعا،فذات مرّة لعن التينة لأنها كانت بلا ثمر وكان هو جائع!! ففي انجيل متى (21: 18-20): (وفي الصبح إذ كان راجعا إلى المدينة جاع، فنظر شجرة تين على الطريق، وجاء إليها فلم يجد فيها شيئا إلا ورقا فقط. فقال لها: «لا يكن منك ثمر بعد إلى الأبد!». فيبست التينة في الحال. فلما رأى التلاميذ ذلك تعجبوا قائلين: «كيف يبست التينة في الحال؟»).

هل الإله يقدم القرابين؟!

يقولون أن الإله قدّم أبنه قرباناً لكي يصبح له الحق في محو الخطيئة الاصلية وبقية الخطايا!! إنَّ القربان يقدمه عادةً الادنى الى الأعلى، فإذا كان المسيح قدّم نفسه قرباناً للإله الأب الأقنوم الأول فهذا معناه انهما غير متساويين في درجة الإلوهية!!

قال بولس في رسالته الى اهل افسس (5: 2): (واسلكوا في المحبة كما أحبنا المسيح أيضا وأسلم نفسه لأجلنا، قربانا وذبيحة لله رائحة طيبة).

في الرسالة الى العبرانيين (10: 1-31): (لأن الناموس، إذ له ظل الخيرات العتيدة لا نفس صورة الأشياء، لا يقدر أبدا بنفس الذبائح كل سنة، التي يقدمونها على الدوام، أن يكمل الذين يتقدمون. وإلا، أفما زالت تقدم؟ من أجل أن الخادمين، وهم مطهرون مرة، لا يكون لهم أيضا ضمير خطايا. لكن فيها كل سنة ذكر خطايا. لأنه لا يمكن أن دم ثيران وتيوس يرفع خطايا. لذلك عند دخوله إلى العالم يقول: «ذبيحة وقربانا لم ترد، ولكن هيأت لي جسدا. بمحرقات وذبائح للخطية لم تسر. ثم قلت: هنذا أجيء. في درج الكتاب مكتوب عني، لأفعل مشيئتك يا ألله». إذ يقول آنفا: «إنك ذبيحة وقربانا ومحرقات وذبائح للخطية لم ترد ولا سررت بها». التي تقدم حسب الناموس. ثم قال: «هنذا أجيء لأفعل مشيئتك يا ألله». ينزع الأول لكي يثبت الثاني. فبهذه المشيئة نحن مقدسون بتقديم جسد يسوع المسيح مرة واحدة. وكل كاهن يقوم كل يوم يخدم ويقدم مرارا كثيرة تلك الذبائح عينها، التي لا تستطيع البتة أن تنزع الخطية. وأما هذا فبعدما قدم عن الخطايا ذبيحة واحدة، جلس إلى الأبد عن يمين الله، منتظرا بعد ذلك حتى توضع أعداؤه موطئا لقدميه. لأنه بقربان واحد قد أكمل إلى الأبد المقدسين. ويشهد لنا الروح القدس أيضا. لأنه بعدما قال سابقا: «هذا هو العهد الذي أعهده معهم بعد تلك الأيام، يقول الرب، أجعل نواميسي في قلوبهم وأكتبها في أذهانهم ولن أذكر خطاياهم وتعدياتهم في ما بعد». وإنما حيث تكون مغفرة لهذه لا يكون بعد قربان عن الخطية. فإذ لنا أيها الإخوة ثقة بالدخول إلى «الأقداس» بدم يسوع، طريقا كرسه لنا حديثا حيا، بالحجاب، أي جسده، وكاهن عظيم على بيت الله، لنتقدم بقلب صادق في يقين الإيمان، مرشوشة قلوبنا من ضمير شرير، ومغتسلة أجسادنا بماء نقي. لنتمسك بإقرار الرجاء راسخا، لأن الذي وعد هو أمين. ولنلاحظ بعضنا بعضا للتحريض على المحبة والأعمال الحسنة، غير تاركين اجتماعنا كما لقوم عادة، بل واعظين بعضنا بعضا، وبالأكثر على قدر ما ترون اليوم يقرب، فإنه إن أخطأنا باختيارنا بعدما أخذنا معرفة الحق، لا تبقى بعد ذبيحة عن الخطايا، بل قبول دينونة مخيف، وغيرة نار عتيدة أن تأكل المضادين. من خالف ناموس موسى فعلى شاهدين أو ثلاثة شهود يموت بدون رأفة. فكم عقابا أشر تظنون أنه يحسب مستحقا من داس ابن الله، وحسب دم العهد الذي قدس به دنسا، وازدرى بروح النعمة؟ فإننا نعرف الذي قال: «لي الانتقام، أنا أجازي، يقول الرب». وأيضا: «الرب يدين شعبه». مخيف هو الوقوع في يدي الله الحي!).

الهوامش:

[1] سفر التكوين (1: 2).

[2] سفر التكوين (1: 26و27).

[3] سفر الخروج (32: 4).

[4] الكتاب المقدس / دار المشرق في بيروت / جمعيات الكتاب المقدس في المشرف / صادق على طبعها بولس باسيم النائب الرسولي للاتين، بيروت 1988م - ص1590.

[5] مقال بعنوان: (هل قول المزمور: "الرَّبُّ الْقَدِيرُ الْجَبَّارُ الرَّبُّ الْجَبَّارُ فِي الْقِتَالِ" (مز 24: 8) يتفق تمامًا مع مفهوم العقيدة الإسلامية عن الله الجبار، بينما يتعارض مع مفهوم العقيدة المسيحية عن الله إله المحبة؟)، مقتبس من كتاب الاستاذ حلمي القمص يعقوب وعنوانه: (كتاب النقد الكتابي: مدارس النقد والتشكيك والرد عليها (العهد القديم من الكتاب المقدس))، منشور في موقع الانبا تكلا هيمانوت، تراث الكنيسة القبطية الآرثوذكسية، عبر الرابط:

اضغط هنا

[6] يُشار في هامش المصدر الى ان العمل هو المسيحية، كما في رومية 3:3.

[7] الآباء الرسوليين، رسائل إغناطيوس الانطاكي / ترجمة د. جرجس كامل يوسف / مراجعة وإضافة هوامش: مينا فؤاد توفيق / دار النشر الاسقفية في القاهرة / الطبعة الأولى، 2012م – ص30.

[8] مقال بعنوان (أهل البيت والأسماء الحسنى)، منشور بتاريخ 26/5/1997م، في الموقع الالكتروني للسيد منير الخباز، عبر الرابط:

اضغط هنا

[9] قال تعالى في الآية (18) من سورة النحل: ((وَإِن تَعُدُّوا نِعْمَةَ اللَّهِ لَا تُحْصُوهَا ۗ إِنَّ اللَّهَ لَغَفُورٌ رَّحِيمٌ)).

[10] تفسير جوامع الجامع / الشيخ الطبرسي - ج2 ص187.

[11] تفسير الميزان / السيد الطباطبائي - ج10 ص374.

[12] تفسير الميزان / السيد الطباطبائي - ج18 ص46.

[13] الأمثل في تفسير كتاب الله المنزل / الشيخ ناصر مكارم الشيرازي - ج7 ص41.

[14] ورد في المزامير، الفصل (136): (إن إلى الأبد رحمته) وهي قد تحمل معنى أسمه (الرحيم)، ولكن لم يرد في الكتاب المقدس أن رحمة الله سبحانه وسعت كل شيء!!

[15] الآية (14) سورة البروج.

[16] الآية (90) من سورة هود (عليه السلام).

[17] النص الكامل لصلاة التبشير الملائكي يوم الأحد 19 تموز 2020م، والمنشورة بموقع (zenit)، تحت عنوان: (تحمّل الاضطهاد والعداوة هو جزء من الدعوة المسيحية)، عبر الرابط:

اضغط هنا

[18] مقال بعنوان: (حقائق خطيرة عن جهنم تخبرها السيدة العذراء للقديسة فيرونيكا جولياني)، منشور في الموقع الالكتروني (فيرونيكا جولياني)، عبر الرابط:

اضغط هنا

[19] الموقع الالكتروني (فيرونيكا جولياني)، تحت عنوان: (حقائق خطيرة عن جهنم تخبرها السيدة العذراء للقديسة فيرونيكا جولياني)، عبر الرابط:
اضغط هنا 
[20] الموقع الالكتروني (فيرونيكا جولياني)، تحت عنوان: (حقائق خطيرة عن جهنم تخبرها السيدة العذراء للقديسة فيرونيكا جولياني)، عبر الرابط:
أضغط هنا 
[21] النبوة والانبياء في العهد القديم / الآب متى المسكين / مطبعة دير القديس أنبا مقار – وادي النطرون / الطبعة الثالثة، 2014م – ص227.

[22] الأب متّى المسكين / ص كلمة أُلقيت على الرهبان يوم 7 أكتوبر سنة 1976م. منشورة في مجلة مرقس الشهرية،عبر الرابط:

أضغط هنا

[23] الأمالي / الشيخ الطوسي - ص484.

[24] الصحيفة السجادية (ابطحي) - الإمام زين العابدين (ع) - ص 146 و147.

[25] راجع مقالنا الموسوم ("مسيح الأناجيل الأربعة" وصواب رفض اليهود له)، المنشور في الموقع الالكتروني (كتابات في الميزان)، عبر الرابط: 
اضغط هنا 


قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat


نبيل محمد حسن الكرخي
 (للدخول لصفحة الكاتب إضغط هنا)

    طباعة   ||   أخبر صديقك عن الموضوع   ||   إضافة تعليق   ||   التاريخ : 2020/11/11



كتابة تعليق لموضوع : أخطاء محاضرة "الأخ رشيد" عن الإله – ( 2 / 7 )
الإسم * :
بريدك الالكتروني :
نص التعليق * :
 



حمل تطبيق (كتابات في الميزان) من Google Play



اعلان هام من قبل موقع كتابات في الميزان

البحث :





الكتّاب :

الملفات :

مقالات مهمة :



 إنسانية الإمام السيستاني

 بعد إحراجهم بكشف عصيانها وخيانتهم للشعب: المرجعية الدينية العليا تـُحرج الحكومة بمخالفة كلام المعصومين.. والعاصفة تقترب!!!

 كلام موجه الى العقلاء من ابناء شعبي ( 1 )

 حقيقة الادعياء .. متمرجعون وسفراء

 قراءة في خطبة المرجعية : هل اقترب أَجلُ الحكومةِ الحالية؟!

 خطر البترية على بعض اتباع المرجعية قراءة في تاثيرات الادعياء على اتباع العلماء

 إلى دعاة المرجعية العربية العراقية ..مع كل الاحترام

 مهزلة بيان الصرخي حول سوريا

 قراءة في خطبة الجمعة ( 4 / رمضان/ 1437هـ الموافق 10/6/2016 )

 المؤسسة الدينية بين الواقع والافتراء : سلسلة مقالات للشيخ محمد مهدي الاصفي ردا على حسن الكشميري وكتابيه (جولة في دهاليز مظلمة) و(محنة الهروب من الواقع)

 الى الحميداوي ( لانتوقع منكم غير الفتنة )

 السيستاني .. رسالة مهدوية عاجلة

 من عطاء المرجعية العليا

 قراءة في فتوى الدفاع المقدس وتحصين فكر الأمة

 فتوى السيد السيستاني بالجهاد الكفائي وصداها في الصحافة العالمية

 ما هو رأي أستاذ فقهاء النجف وقم المشرّفتَين السيد الخوئي بمن غصب الخلافة ؟

 مواقف شديدة الحساسية/٢ "بانوراما" الحشد..

أحدث مقالات الكتّاب :


مقالات متنوعة :





 لنشر مقالاتكم يمكنكم مراسلتنا على info@kitabat.info

تم تأسيس الموقع بتاريخ 1/4/2010 © محمد البغدادي 

 لا تتحمل الإدارة مسؤولية ما ينشر في الموقع من الناحيتين القانونية والأخلاقية.

  Designed , Hosted & Programmed By : King 4 Host . Net