صفحة الكاتب : الشيخ احمد صالح ال حيدر

الإمام العسكري _صلوات الله عليه _حصن العقيدة وملهم الهمم 
الشيخ احمد صالح ال حيدر

المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الموقع، وإنما تعبر عن رأي الكاتب.

عندما يكون الكلام عن أئمة أهل البيت عليهم السلام فإن الاحرف والمعاني تضطرب خجلا لعدم استيعاب فضائلهم واستغراق  جهودهم في ابقاء الدين المحمدي الاصيل وشعائره الربانية ، ونأخذ في رحلة مع هذه الاسطر  بعض الجوانب العملية التي رسّخها إمامنا المظلوم الحسن بن علي العسكري _صلوات اللّٰه عليه _ عند الشيعة رغم الظروف الصعبة والشديدة التي كانت تُحيط بالامام _صلوات اللّٰه عليه_من اقصاء وتهميش ونفي ومحاولة لفصله عن الشيعة عندما كان في سامراء حيث أنهم لم يكتفوا بنفيه مع ابيه الهادي _صلوات اللّٰه عليه_بل احاطوا به مراقبةً ومنع التواصل مع شيعته مما أدى إلى أن بعض الشيعة تفتعل الطرق للوصول إليه كما هي طريقة الوفود التي كانت تأتي إلى سامراء لتجارة ولكن كان الهدف الحقيقي هو اللقاء بالامام العسكري عليه السلام والكثير من اجلاء الشيعة تخّفوا  بعناوين متعددة لكي لا يجذبوا انظار السلطة الحاكمة وجهازها الأمني الذي كان يضيّق على الامام ،فرغم كل ذلك كان الامام عليه السلام منشغلا بوظائفه الشرعية وكان يوجه الشيعة إلى طلب المعارف ويهذبوا أنفسهم بالاخلاق العالية والترفع عن الرذائل وتوجيه عوائلهم وبيوتهم إلى الاستقامة على جادة الدين ورغم كل ذلك كانت الحوادث السياسية تعصف بالامة في هذه الفترة ضعف السلطة العباسية وانهماك الملوك بملذات الدنيا وحياة القصور كان المسلمون يصبحون على شظف من العيش فكانت هناك ثورات كبيرة كثورة الزنج التي اتخذ منها الأمام عليه السلام موقف الصمت بسبب أن قائدها مدعي للنسب الشريف من جهة ومنحرف عقائديا وفكريا من جهة أخرى فلم يُعطِ شرعية للسلطة كذلك فاختار الصمت ،رغم ذلك كانت التيارات الدخيلة والمنحرفة تنشط وكان الإمام عليه السلام حصن العقيدة الصلب وملهم الهمم في الدفاع عن الدين، فابرز التيارات التي نشطت هي التصّوف والفلسفة التي دخلت من خلال حركة الترجمة التي تبنتها السلطة العباسية آنذاك وهي مزيج من الفلسفة اليونانية والهندية والمصرية القديمة والايرانية القديمة فاعتنق الكثير من المترجمين هذه الأفكار واخذوا ينظّرون لها وتكونت لهم مدارس وفي زمان الإمام العسكري صلوات اللّٰه عليه رد هذه الأفكار ووقف ضدها ولم يرتضي لشريعة جده الخاتم وآبائه الطاهرين _صلوات اللّٰه عليهم_ أن تُلوث بهذه الأفكار المنحرفة والتيارات الباطلة، 
فقضى بأبي وأمي حياته القصيرة التي لاتتجاوز التسعة والعشرون ربيعا في هكذا أجواء مضطربة وعلى كافة الاصعدة ،وايضا مهّد لكيفية تعايش الشيعة في زمن الغيبة  عن طريق نظام الوكالة بعد اتساع رقعة الشيعة وخصوصا نحو الشرق _بسبب أن النحو الغربي كان امويا _ فحافظ على كيان الشيعة واسس نظاما يتعايشون فيه ويحافظون على ارواحهم واموالهم وعقيدتهم ،فكان للامام عليه السلام وكلاء في كل الامصار التي تقطنها الشيعة وابرزهم :
۱- إبراهيم بن عبدة النيسابوري من أصحاب العسكريين ، كان وكيلا له في نيسابور
۲- أيوب بن نوح بن درّاج النخعي كان وكيلاً للعسكريين .
۳- أيوب بن الباب، أنفذه من العراق وكيلاً إلى نيسابور.
٤- أحمد بن إسحاق الرازي.
٥- أحمد بن إسحاق القمي الأشعري كان وكيلاً له بقم.
٦- جعفر بن سهيل الصيقل.
۷- حفص بن عمرو العمري الجمّال.
۸- عثمان بن سعيد العمري السمّان (الزيّات) وهو أول السفراء الأربعة.
۹- علي بن جعفر الهمّاني من وكلاء أبي الحسن وأبي محمد .
۱۰- القاسم بن العلاء الهمداني من وكلائه ووكلاء ابنه الإمام المهدي (عجل الله فرجه).
۱۱- محمد بن أحمد بن جعفر (الجعفري) القمي العطّار.
۱۲- محمد بن صالح بن محمد الهمداني.
۱۳- محمد بن عثمان بن سعيد العمري.

ومن وصايا الإمام العسكري عليه السلام وإرشاداته لشيعته

وتضمّنت وصايا الإمام ورسائله ، بيان الأحكام الشرعيّة ومسائل الحلال والحرام كما اشتملت على خطوط للتعامل مع الآخرين وكان ذلك بمثابة منهاج سلوكي ليسير عليه شيعته ويقيموا علائقهم وفقاً له فيما بينهم وبين أبناء المجتمع الذي يعيشون فيه وإن اختلفوا معهم في المذهب والمعتقد ، ومن هذه الوصايا :

۱ ـ قوله عليه السلام : « أوصيكم بتقوى الله والورع في دينكم ، والإجتهاد لله ، وصدق الحديث وأداء الأمانة إلى من ائتمنكم من برّ أو فاجر ، وطول السجود ، وحسن الجوار ، فبهذا جاء محمّد صلّى الله عليه وآله وسلّم ، صَلّوا في عشائرهم ، واشهدوا جنائزهم وعودوا مرضاهم ، وأدّوا حقوقهم ، فإنّ الرجل منكم إذا ورع في دينه ، وصدق في حديثه ، وأدّى الأمانة ، وحسَّن خلقه مع الناس قيل : هذا شيعي فيسرّني ذلك ، اتّقوا الله وكونوا زيناً ولا تكونوا شيناً ، جُرّوا إلينا كلّ مودّة ، وادفعوا عنّا كلّ قبيح فإنّه ما قيل فينا من حُسْن فنحن أهله وما قيل فينا من سوء فما نحن كذلك. لنا حقٌّ في كتاب الله وقرابة من رسول الله وتطهيرٌ من الله لا يدّعيه أحد غيرنا إلّا كذّاب. أكثروا ذكر الله وذكر الموت وتلاوة القرآن والصلاة على النبي صلّى الله عليه وآله وسلّم ، فإنّ الصلاة على رسول الله عشر حسنات ، احفظوا ما وصّيتكم به واستودعكم الله وأقرأ عليكم السلام ». (۱)

۲ ـ وقال عليه السلام : « أمرناكم بالتختّم في اليمين ونحن بين ظهرانيكم والآن نأمركم بالتختم في الشمال لغيبتنا عنكم إلى أن يظهر الله أمرنا وأمركم فإنّه أوّل دليل عليكم في ولايتنا أهل البيت ».

وقال عليه السلام لهم : « حدثوا بهذا شيعتنا » (۲).

۳ ـ وكتب الإمام الحسن العسكري عليه السلام وصيّته إلى أحد أعلام أصحابه ، هو علي بن الحسين بن بابويه القمي جاء فيها :

« أوصيك ... بتقوى الله وإقامة الصلاة ، وإيتاء الزكاة فإنّه لا تقبل الصلاة من مانع الزكاة ، وأوصيك بمغفرة الذنب وكظم الغيظ ، وصلة الرحم ، ومواساة الإخوان ، والسعي في حوائجهم في العسر واليسر والحلم عند الجهل ، والتفقّه في الدين ، والتثبت في الأمور ، والتعاهد للقرآن ، وحسن الخلق ، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ، قال الله تعالى : ( لَا خَيْرَ فِي كَثِيرٍ مِنْ نَجْوَاهُمْ إِلَّا مَنْ أَمَرَ بِصَدَقَةٍ أَوْ مَعْرُوفٍ أَوْ إِصْلَاحٍ بَيْنَ النَّاسِ ) واجتناب الفواحش كلّها ، وعليك بصلاة الليل فإنّ النبي صلّى الله عليه وآله وسلّم أوصى علياً عليه السلام فقال : يا علي عليك بصلاة الليل ، عليك بصلاة الليل ، عليك بصلاة الليل ، ومن استخفّ بصلاة الليل فليس منّا ، فاعمل بوصيّتي وأمر جميع شيعتي بما أمرتك به حتّى يعملوا به ، وعليك بالصبر وانتظار الفرج فإنّ النبي صلّى الله عليه وآله وسلّم قال : أفضل أعمال أمّتي انتظار الفرج ... » (۳).

وبذلك رسم الإمام الحسن العسكري عليه السلام منهجاً واضحاً لشيعته للسير عليه وهو يتضمّن مبادئ وأحكام الشريعة الإسلاميّة وما تدعو إليه من خلق رفيع ، وحسن تعامل مع الناس سواء كانوا موافقين لشيعته في المبدأ أو مخالفين لهم ، وتلك هي أخلاق الإسلام المحمدي العلوي الاصيل

٤ ـ وصوّر الإمام الحسن العسكري عليه السلام الواقع الذي كان يعيشه وما كان يحتويه من اختلاف الناس ومواليه بتوقيع خرج عنه عليه السلام إلى بعض مواليه حيث طلب من الإمام عليه السلام إظهار الدليل ، فكتب عليه السلام :

« وإنما خاطب الله عَزَّ وجَلَّ العاقل وليس أحد يأتي بآية ويظهر دليلاً أكثر ممّا جاء به خاتم النبيين وسيّد المرسلين ، فقالوا : ساحر وكاهن وكذّاب ، وهدى الله من اهتدى ، غير أن الأدلّة يسكن إليها كثير من الناس وذلك أن الله عَزَّ وجَلَّ يأذن لنا فنتكلّم ، ويضع ويمنع فنصمت ، ولو أحبّ أن لا يظهر حقاً ما بعث النبيين مبشّرين ومنذرين يصدعون بالحقّ في حال الضعف والقوّة ، وينطقون في أوقات ليقضي الله أمره وينفذ حكمه.
الناس في طبقات شتى ، والمستبصر على سبيل نجاة متمسك بالحقّ ، متعلق بفرع أصيل غير شاك ولا مرتاب ، لا يجد عنه ملجأ ، وطبقة لم تأخذ الحقّ من أهله ، فهم كراكب البحر يموج عند موجه ، ويسكن عند سكونه ، وطبقة استحوذ عليهم الشيطان شأنهم الردّ على أهل الحقّ ، ودفع الحقّ بالباطل ، حسداً من عند أنفسهم فدع من ذهب يذهب يميناً وشمالاً فالراعي إذا أراد أن يجمع غنمه جَمعها في أهون السعي ، ذكرت ما اختلف فيه موالي فإذا كانت الوصيّة والكبر فلا ريب ومن جلس مجالس الحكم فهو أولى بالحكم ، أحسن رعاية من استرعيت وإيّاك والإذاعة وطلب الرياسة فإنهما يدعوان إلى الهلكة » (٤).

مصادر الاحاديث

۱. تحف العقول : ٤٨٧ ـ ٤٨٨.
۲. تحف العقول : ٤٨٧ ـ ٤٨٨.
۳. شعب الإيمان : ٢ / ٤٣ ح ١١٢٤ وعنه في الأنوار البهية ، القمي : ٣١٩.
٤. الخرائج والجرائح : ٤٤٩ ح ٣٥ وعن الدلائل في كشف الغمّة : ٣ / ٢٠٦ ، ٢٠٧.

أحمد صالح آل حيدر


قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat


الشيخ احمد صالح ال حيدر
 (للدخول لصفحة الكاتب إضغط هنا)

    طباعة   ||   أخبر صديقك عن الموضوع   ||   إضافة تعليق   ||   التاريخ : 2020/10/25



كتابة تعليق لموضوع : الإمام العسكري _صلوات الله عليه _حصن العقيدة وملهم الهمم 
الإسم * :
بريدك الالكتروني :
نص التعليق * :
 



حمل تطبيق (كتابات في الميزان) من Google Play



اعلان هام من قبل موقع كتابات في الميزان

البحث :





الكتّاب :

الملفات :

مقالات مهمة :



 إنسانية الإمام السيستاني

 بعد إحراجهم بكشف عصيانها وخيانتهم للشعب: المرجعية الدينية العليا تـُحرج الحكومة بمخالفة كلام المعصومين.. والعاصفة تقترب!!!

 كلام موجه الى العقلاء من ابناء شعبي ( 1 )

 حقيقة الادعياء .. متمرجعون وسفراء

 قراءة في خطبة المرجعية : هل اقترب أَجلُ الحكومةِ الحالية؟!

 خطر البترية على بعض اتباع المرجعية قراءة في تاثيرات الادعياء على اتباع العلماء

 إلى دعاة المرجعية العربية العراقية ..مع كل الاحترام

 مهزلة بيان الصرخي حول سوريا

 قراءة في خطبة الجمعة ( 4 / رمضان/ 1437هـ الموافق 10/6/2016 )

 المؤسسة الدينية بين الواقع والافتراء : سلسلة مقالات للشيخ محمد مهدي الاصفي ردا على حسن الكشميري وكتابيه (جولة في دهاليز مظلمة) و(محنة الهروب من الواقع)

 الى الحميداوي ( لانتوقع منكم غير الفتنة )

 السيستاني .. رسالة مهدوية عاجلة

 من عطاء المرجعية العليا

 قراءة في فتوى الدفاع المقدس وتحصين فكر الأمة

 فتوى السيد السيستاني بالجهاد الكفائي وصداها في الصحافة العالمية

 ما هو رأي أستاذ فقهاء النجف وقم المشرّفتَين السيد الخوئي بمن غصب الخلافة ؟

 مواقف شديدة الحساسية/٢ "بانوراما" الحشد..

أحدث مقالات الكتّاب :


مقالات متنوعة :





 لنشر مقالاتكم يمكنكم مراسلتنا على info@kitabat.info

تم تأسيس الموقع بتاريخ 1/4/2010 © محمد البغدادي 

 لا تتحمل الإدارة مسؤولية ما ينشر في الموقع من الناحيتين القانونية والأخلاقية.

  Designed , Hosted & Programmed By : King 4 Host . Net