صفحة الكاتب : د . مصطفى يوسف اللداوي

رؤيةُ مستوطني غلافِ غزةَ للحلِ الدائمِ
د . مصطفى يوسف اللداوي

المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الموقع، وإنما تعبر عن رأي الكاتب.

 أزمة مستوطنات غلاف قطاع غزة أزمةٌ مزمنةٌ مستعصية، متصاعدةٌ مستفعلةٌ، قديمةٌ لا تنتهي، وجديدةٌ لا تتوقف، عميقةٌ غير سطحية، وحقيقية غير وهمية، جذورها متشعبة وفروعها كثيرة، تلقي بظلالها الثقيلة على المستوطنين كلهم، وتربك حياتهم، وتعطل برامجهم وتجمد أنشطتهم، وتنعكس تداعياتها على مختلف جوانب الحياة العامة لتجمعاتهم الاستيطانية، الأمنية والاجتماعية والنفسية والتعليمية والاقتصادية وغيرها، وقد عجزت مختلف الحكومات السابقة عن حلها، وأعياها كثيراً التوصل إلى اتفاقٍ يرضي المستوطنين وقادتهم، ورؤساء البلديات ومجالسهم، رغم الحلول العسكرية والمحاولات الأمنية، وجهود الوسطاء ومساعي الأصدقاء.

فقد أحالت المقاومة الفلسطينية بصواريخها، ورجال الأنفاق بأعمالهم، ومجموعات الإرباك الليلي بفعالياتها المختلفة وابداعاتها الكثيرة، حياتهم إلى جحيمٍ لا يطاق، وتوترٍ لا ينتهي، وتشنجٍ عصبيٍ لا يهدأ ولا يتوقف، حتى غدت شكواهم دائمة، وصراخهم عالي، وعويلهم كبير، واستغاثتهم متواصلة، وطلبهم المساعدة لا يتوقف، وإصرارهم على الحل الدائم والأمن الحقيقي يحرج حكومتهم، ويربك وزير حربهم وقائد أركان جيشهم، وكبار ضباط المنطقة الجنوبية وفق تصنيفاتهم.

يجأر مستوطنو غلاف قطاع غزة بعالي صوتهم، ويضجون بالصراخ في كل مناسباتهم، ويستعرضون أمام زوارهم وقادة جيشهم معاناتهم، ويشكون إلى رئيس حكومتهم بؤس حالهم وسوء أوضاعهم، ويستغلون وسائل الإعلام لإثارة قضيتهم وتسليط الضوء على محنتهم، في محاولةٍ منهم لكسب الرأي العام المحلي والدولي لصالحهم، إذ يعتبرون أنفسهم مظلومين، ويتعرضون للأذى والعدوان، ويرون أنفسهم أنهم أصحاب قضيةٍ عادلةٍ، ومسألةٍ إنسانيةٍ واضحةٍ، وأن من حقهم العيش الكريم الآمن، والاستمتاع بالحياة الهانئة الرغيدة دون خوفٍ وقلقٍ، أو توترٍ وإرباكٍ، ولهذا فهم يحملون حكومتهم مسؤولية ما يواجهون ويعانون، ويطالبونهم بسرعة التحرك ووجوب البحث عن حلٍ سريعٍ ناجعٍ ينقذهم، وعلاجٍ فاعلٍ يحفظ حياتهم ويضمن مستقبلهم، وإلا فإنهم سيبقون تحت رحمة سلاح المقاومة الفلسطينية الذي يتجدد ويتنوع.

يرفض المستوطنون الحلول المؤقتة والإغراءات المالية، والتسهيلات الاقتصادية والرفاهية الاجتماعية، المقدمة من قبل الجيش إلى قطاع غزة، ويرون أنها مكافأة وتقدير تقدمها الحكومة إلى غزة، ويعتقدون أن المقاومة الفلسطينية باتت تحسن استغلال الأوراق الرابحة التي بين يديها للمساومة والابتزاز، فتهدد حيناً وتنفذ أحياناً، وباتت الحكومة الإسرائيلية وكل وزراء الحرب السابقين والحالي، يخضعون لابتزاز المقاومة، ويقبلون برسائلها ويردون عليها عبر صندوق البريد القطري بما تريد وترغب، وهو الصندوق الحصري الذي لا يتوفر فيه سوى بارا سيتامول، وهو ليس إلا مسكن مؤقت، لا يشفي ولا يعالج، ولا يستأصل المرض ولا يقضي على العلة، ويكاد ينتهي مفعوله عند نهاية كل شهر، ولا يستطيع الصمود أكثر إلا بالمزيد منه.

 

يطالب المستوطنون في غلاف قطاع غزة وقادتهم، حكومتهم وجيشهم بسرعة التحرك لإنقاذهم، ووجوب العمل الجاد لإنهاء معاناتهم، وتغيير الشروط التي تتحكم في حياتهم، ويضغطون عليهم لضمان تحقيق أهدافهم القيام بعمليةٍ عسكريةٍ واسعةٍ، تطال مراكز القوة كلها لدى قوى المقاومة الفلسطينية، ولو أدت العملية العسكرية الواسعة إلى نشوبٍ حربٍ كبيرة، فعلى الجيش أن يخوضها بكل قوةٍ، وأن يتهيأ لها ولو كانت طويلة الأمد، إذ أن حرباً قصيرة لن تؤدي الغرض، ولن تحقق الأهداف، بل ربما تنعكس نتائجها لصالح المقاومة، فتزيدها قوةً وإصراراً، وثباتاً وعناداً.

يصر المستوطنون الإسرائيليون على تجريد المقاومة الفلسطينية من سلاحها، وتدمير معسكراتها، ونسف أنفاقها، وهدم مقراتها، وقتل قادتها وملاحقة عناصرها، وإعادة فرض الحصار البري والبحري على سكان قطاع غزة بطريقةٍ أخرى، تمنع تهريب الأسلحة، وتحول دون نقل القدرات القتالية إليه، ويدعون حكومتهم إلى الاستفادة من متانة العلاقة مع النظام المصري، وتفعيل التنسيق الأمني مع القاهرة لضبط الحدود وإغلاق الأنفاق، ومحاربة المجموعات العسكرية، لما لمصر من يدٍ طويلة في القطاع، وثقل كبيرٍ فيه، وخبرة واسعة في التعامل مع سكانه بكل أطيافهم وانتماءاتهم السياسية، وذلك بالنظر إلى حاجتهم الماسة إلى معبر رفح، الذي يمثل بالنسبة لهم شريان الحياة، فضلاً عن دور القاهرة السياسي والتاريخي مع القضية الفلسطينية، الأمر الذي يجعل من نفوذها في غزة نفوذاً كبيراً، وقدرة غير محدودة على فرض شروطها، وضبط الأوضاع وإلزام القوى بسياساتها.

أما إذا قررت الحكومة البحث عن حلٍ سياسي، والاكتفاء باتفاقٍ مع المقاومة عبر وسطاء، فإنهم يطالبون حكومتهم بعدم القبول بأي صفقةٍ معها قبل التزامها بإعادة الجنود الإسرائيليين ورفاتهم، والالتزام التام بضبط الحدود، ووقف العنف ونبذ الإرهاب، وتسليم أسلحتها طوعاً أو كرهاً، أو تفكيكها وإتلافها بضمانة الوسطاء وإشراف مراقبين دوليين، حينها يمكن للحكومة الإسرائيلية القبول بتغيير الواقع الاقتصادي في قطاع غزة، وخلق دعائم اقتصادية حقيقية، وتسهيل دخول الرساميل العربية والأجنبية، وربط مرافق القطاع بغيرها في الخارج، والسماح بحرية التبادل التجاري بين القطاع وأسواق المجتمع الدولي العربية والأوروبية.

يعتقد المستوطنون الإسرائيليون الخائفون الوجلون، القلقون المهزوزون، الهاربون المختفون، أن قطاع غزة أرضٌ رخوةٌ، وأن اجتياحها سهلٌ، والسيطرة عليها ممكنةٌ، وفرض الشروط عليها ميسورٌ، وما علموا أن المقاومة الفلسطينية قد اشتد ساعدها وقست شوكتها، وانبرى سهمها واشتد قوسها، وقوي رجالها، وتدربت عناصرها، وتنوعت أسلحتها، وتعددت وسائلها، وأبدع أبناؤها بالجديد والغريب والمفاجئ، وأن الشعب بات كله مقاومة، يحتضنها ويرفدها، ويحفظها ويمدها، ويعرف كيف يصد وكيف يرد، فالنزوح لم يعد في قاموسه، والاستسلام ليس في وارده، والتسليم بعودة الاحتلال في عرفه مستحيل، فأنَّى لجيشهم العاجز عن الرد، ولحكومتهم المرتعشة القرار، أن يحققوا أحلامهم، وينفذوا مشاريعهم، ضد غزة العصية، ومقاومتها الفتية، وشعبها الحر الأبي.


قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat


د . مصطفى يوسف اللداوي
 (للدخول لصفحة الكاتب إضغط هنا)

    طباعة   ||   أخبر صديقك عن الموضوع   ||   إضافة تعليق   ||   التاريخ : 2020/10/12



كتابة تعليق لموضوع : رؤيةُ مستوطني غلافِ غزةَ للحلِ الدائمِ
الإسم * :
بريدك الالكتروني :
نص التعليق * :
 



حمل تطبيق (كتابات في الميزان) من Google Play



اعلان هام من قبل موقع كتابات في الميزان

البحث :





الكتّاب :

الملفات :

مقالات مهمة :



 إنسانية الإمام السيستاني

 بعد إحراجهم بكشف عصيانها وخيانتهم للشعب: المرجعية الدينية العليا تـُحرج الحكومة بمخالفة كلام المعصومين.. والعاصفة تقترب!!!

 كلام موجه الى العقلاء من ابناء شعبي ( 1 )

 حقيقة الادعياء .. متمرجعون وسفراء

 قراءة في خطبة المرجعية : هل اقترب أَجلُ الحكومةِ الحالية؟!

 خطر البترية على بعض اتباع المرجعية قراءة في تاثيرات الادعياء على اتباع العلماء

 إلى دعاة المرجعية العربية العراقية ..مع كل الاحترام

 مهزلة بيان الصرخي حول سوريا

 قراءة في خطبة الجمعة ( 4 / رمضان/ 1437هـ الموافق 10/6/2016 )

 المؤسسة الدينية بين الواقع والافتراء : سلسلة مقالات للشيخ محمد مهدي الاصفي ردا على حسن الكشميري وكتابيه (جولة في دهاليز مظلمة) و(محنة الهروب من الواقع)

 الى الحميداوي ( لانتوقع منكم غير الفتنة )

 السيستاني .. رسالة مهدوية عاجلة

 من عطاء المرجعية العليا

 قراءة في فتوى الدفاع المقدس وتحصين فكر الأمة

 فتوى السيد السيستاني بالجهاد الكفائي وصداها في الصحافة العالمية

 ما هو رأي أستاذ فقهاء النجف وقم المشرّفتَين السيد الخوئي بمن غصب الخلافة ؟

 مواقف شديدة الحساسية/٢ "بانوراما" الحشد..

أحدث مقالات الكتّاب :


مقالات متنوعة :





 لنشر مقالاتكم يمكنكم مراسلتنا على info@kitabat.info

تم تأسيس الموقع بتاريخ 1/4/2010 © محمد البغدادي 

 لا تتحمل الإدارة مسؤولية ما ينشر في الموقع من الناحيتين القانونية والأخلاقية.

  Designed , Hosted & Programmed By : King 4 Host . Net