صفحة الكاتب : محمد جعفر الكيشوان الموسوي

من كان مع الله كان الله معه
محمد جعفر الكيشوان الموسوي

المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الموقع، وإنما تعبر عن رأي الكاتب.

في مناسبة سابقة ذكرنا بأننا نعيش في مملكة الله تعالى خالق هذا الكون ومبتدعه وهو الله سبحانه وتعالى  الحاكم في مملكته بلا وزير ولا معين "ولا أحد من عباده يستشير"، يدبر أمر الخلق ويفصّل الآيات لعل الناس يؤمنون بالخالق الواحد الأحد الفرد الصمد "اللَّهُ الَّذِي رَفَعَ السَّمَاوَاتِ بِغَيْرِ عَمَدٍ تَرَوْنَهَا ۖ ثُمَّ اسْتَوَىٰ عَلَى الْعَرْشِ ۖ وَسَخَّرَ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ ۖ كُلٌّ يَجْرِي لِأَجَلٍ مُّسَمًّى ۚ يُدَبِّرُ الْأَمْرَ يُفَصِّلُ الْآيَاتِ لَعَلَّكُم بِلِقَاءِ رَبِّكُمْ تُوقِنُونَ". ثم ان الحق سبحانه وتعالى لم يغفل عن خلقه فهو حيٌّ قيّومٌ لا تأخذه سِنَةٌ ولا نومٌ "اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ سَبْعَ سَمَاوَاتٍ وَمِنَ الْأَرْضِ مِثْلَهُنَّ يَتَنَزَّلُ الْأَمْرُ بَيْنَهُنَّ لِتَعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ وَأَنَّ اللَّهَ قَدْ أَحَاطَ بِكُلِّ شَيْءٍ عِلْمًا". وهذا يعني أن الكلَّ مراقَب من قِبَل الحق سبحانه "وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لَا تَأْتِينَا السَّاعَةُ ۖ قُلْ بَلَىٰ وَرَبِّي لَتَأْتِيَنَّكُمْ عَالِمِ الْغَيْبِ ۖ لَا يَعْزُبُ عَنْهُ مِثْقَالُ ذَرَّةٍ فِي السَّمَاوَاتِ وَلَا فِي الْأَرْضِ وَلَا أَصْغَرُ مِن ذَٰلِكَ وَلَا أَكْبَرُ إِلَّا فِي كِتَابٍ مُّبِينٍ". عند دخولنا حدود منطقة البلاط الملكي الكبير أومنطقة القصر الملكي أو المنطقة الخضراء في إصطلاح اليوم، حيث مكان جلوس الملك أو الرئيس مع الحاشية والوزراء والمريدين، فإن كلّ حركاتنا وسكناتنا ترصدها وتسجلها كاميرات المراقبة، المخفية منها والظاهرة، بالإضافة إلى الحرس المنتشر والذي يحيط بالبلاط إحاطة محمكة ويراقب كل من يدخل تلك البقعة وإن كان عابر سبيل. هذا الملك أو الرئيس هو في الواقع مخلوق محدود المكان والزمان، فهو يحكم فقط في حدود مملكته مهما إتسعت، وفي زمن معيّن طال أو قَصُر. كاميرات وعيون الملك أو الرئيس ممكن ان تعطب أو أن يعبث بها من لا يريد أن تلتقطه عدساتها ليدخل أو يخرج من البلاط أو من المملكة خلسة فيفلت من الإمساك به وتعرضه للمساءلة على أقل تقدير وفي أحسن الأحوال. كاميرات ملك الملوك لا تتوقف عن التصوير بالصوت والصورة مهما كان الضباب كثيفا ومهما كان المطر غزيرا ومهما كانت الريح شديدة عاتية، حراس ملك الملوك لا يمكن الإفلات من مراقبتهم عند الدخول والخروج من مملكة الملك الحق المبين جل جلاله. لقد نصب الحق سبحانه كاميرات في كلّ ارجاء مملكته وتديرها ملائكته "لَّا يَعْصُونَ اللَّهَ مَا أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ".  وبالإضافة إلى التصوير والتسجيل هناك التوثيق والكتابة في السجلات والكتب ـ بكل شفافية ـ وبوضوح تام وعلى أكمل وجه دونما زيادة أو نقصان، فهؤلاء الكتّاب مهرة وبرره "يَعْلَمُونَ مَا تَفْعَلُونَ"، وعرض التسجيل والتوثيق يكون بتاريخ  يوم القيامة والجمهور الحضورهو رؤوس الأشهاد. موقف محرج ومنظر مرعب حقا ومخيف ومفزع، ولهذا فإن أحد العلماء المتقدمين قال ما معناه: " لا تكثر من الأصدقاء والمعارف في الدنيا فإن كانت هناك فضيحة يوم القيامة فيكون من يعرفك قليل". موقف مرعب حقا لأمثالي ولحظة بهجة وسرور للمتقين أمثالكم أيها السادة، الكلّ قد حصل على تذاكر الدخول آنفا لذلك الاجتماع الخطير والمهم والذي تصدر عنه قرارات حاسمة تتضمن تقرير المصير، وقد ثبّت في تلك التذكرة مكان المقعد ودرجته "فَرِيقٌ فِي الْجَنَّةِ وَفَرِيقٌ فِي السَّعِيرِ" كما أن للمتقين مقاعد الدرجة الأولى "إِنَّ الْمُتَّقِينَ فِي جَنَّاتٍ وَنَهَرٍ * فِي مَقْعَدِ صِدْقٍ عِنْدَ مَلِيكٍ مُقْتَدِرٍ". وليس للظالمين المستكبرين سوى "سَأُصْلِيهِ سَقَرَ". وللفريقين علامات منها أن الفريق الناجي يكون كتابه بيمينه "فَأَمَّا مَنْ أُوتِيَ كِتَابَهُ بِيَمِينِهِ فَيَقُولُ هَاؤُمُ اقْرَءُوا كِتَابِيَهْ" فقد أعدَّ العدة لذلك اليوم وعمل بما ينجيه فكان من المسرورين  فقد كفاه الله تعالى ما كان يحذره من شر يوم عبوس خطير جدا "فَوَقَاهُمُ اللَّهُ شَرَّ ذَٰلِكَ الْيَوْمِ وَلَقَّاهُمْ نَضْرَةً وَسُرُورًا". ومنها أن الفريق الهالك يكون كتابه بشماله "وَأَمَّا مَنْ أُوتِيَ كِتَابَهُ بِشِمَالِهِ فَيَقُولُ يَا لَيْتَنِي لَمْ أُوتَ كِتَابِيَهْ" لأنه كتاب فيه (صخام وجه ومخازي وملعوّص). فبلا شك كتاب أسود مثل هذا لا يتمنى صاحبه أن يتصفحه أحد جهارا نهارا. نكتب وننشر عن الفريقين ولا ندري كيف تكون عاقبتنا وكيف سنقف غدا للحساب، يوم يسعى نور المؤمنين بين أيدهم وبأيمانهم "يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا تُوبُوا إِلَى اللَّهِ تَوْبَةً نَّصُوحًا عَسَىٰ رَبُّكُمْ أَن يُكَفِّرَ عَنكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ وَيُدْخِلَكُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ يَوْمَ لَا يُخْزِي اللَّهُ النَّبِيَّ وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ ۖ نُورُهُمْ يَسْعَىٰ بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَبِأَيْمَانِهِمْ يَقُولُونَ رَبَّنَا أَتْمِمْ لَنَا نُورَنَا وَاغْفِرْ لَنَا ۖ إِنَّكَ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ". لا ندري ماذا يكون مصيرنا غدا في ذلك اليوم!!! فهل يا ترى ننال شفاعة من توسلنا بهم  وقدَّمناهم بين يَديّ حاجاتنا؟! وأيُّ حاجة أشد وألح من النجاة من النار وان نُحاسب حسابا يسيرا وأن يرحمنا رحمان الدنيا والآخرة ورحيمهما. حتى في المقطع الأخير من دعاء التوسل نقرأ: "يا سادتي ومولايَّ إنّي توجهت بكم أئمتي وعُدَتي ليوم فقري وحاجتي إلى الله"، فالتوسل بهؤلاء الأطهار محمد وعترته الطاهرة صلوات الله عليهم أجمعين، لا بد أن يكون لأمر بالغ الأهمية وشديد الخطورة وصعب المنال، فأيّ حاجة أهم من "وإستنقذوني من ذنوبي عند الله".

في الميقات..

 كنت في إحدى المرات في الحج، وكان معنا دكتور في علم الجيولوجيا وكان على درجة كبيرة من الإيمان والتواضع، بعد عقد الإحرام والتلبية في الميقات وقبل أن يتفرق الجمع وقف الدكتور المحترم وقال بأعلى صوته: أيها الأحبة وأيتها الأخوات لقد وُفقتم لقصد أكرم الأكرمين وأرحم الراحمين فأشكروا الله تعالى أن جعلكم من جملة مَن أذن لهم بالوقوف هنا الليلة وبعد أيام إن شاء الله تعالى في صعيد عرفة بمنٍّ منه ورحمة، فإسألوا الله شيئا مهما وثمينا ولا تضيّعوا الفرصة بطلب أشياء دنيوية مادية زائلة ربما نفعها آنيّ وضررها دائم، فالله كريم وغني وذو فضل عظيم، فقال له أحد الحجاج: صدقت يا دكتور سأطاب من الله الملايين الكثيرة. إبتسم الدكتور وقال له: عزيزي، الملايين تنفد وربما لا تدوم لحظات. فقال له ذلك الحاج: لقد حيرتنا يا دكتور فقل أنت لنا ماذا نطلب من الله؟ فقال له الدكتور: أطلبْ من الله الجنّة ورضاه، فهل هناك أهم من الجنّة ورضا الرحمان. بكى ذلك الرجل ولطم وجهه بحرقة وقال: ما أضيعني!!! اللهم إنّا نسألك الجنّة ورضاك والعافية وتمامها ودوامها والشكر عليها يا رحمان يا رحيم يا مجيب.

في خطبة لأمير المؤمنين عليه السلام قال فيها: "أعلموا عباد الله، أن عليكم رصداً من أنفسكم، وعيوناً من جوارحكم، وحفّاظ صدق يحفظون أعمالكم، وعدد أنفاسكم، لا تستركم منهم ظلمة ليل داج ولا يكنّكم منهم باب ذو أرتاج وإنَّ غداً من اليوم قريب".

فلا ندري ماذا يُفعَلُ بنا غدا؟!

لكن الذي (ندريه) اننا نكتب لله وانت سيدي الكريم تنشر لله وأنت أيها السيد المحترم تقرأ لله. الدليل على أني أكتب ـ إن شاء الله ـ لله هو في علم الله. والدليل على أنك سيدي الكريم تنشر لله هو نشرك لمقال يذكر فيه اسم الله تعالى وهذا ما لا يوفق له الجميع للأسف الشديد جدا، والدليل على أنك أيها السيد المحترم تقرأ لله فلا يحتاج لإيضاح لأنك تتصفح ما يُشَمُ منه رائحة ذكر الله تعالى. نسأل الله تعالى أن يجعل أعمالنا ـ كتاباتنا ـ نشرنا ـ مطالعاتنا ـ خالصة لوجهه الكريم  وكفارة لذنوبنا ويعتق بها رقابنا من النار بعفوه. آمين ربَّ العالمين.

الملك الحق سبحانه هو ناصر من إستنصره ومن يستنصر المولى سبحانه يكون قد احسن التوكل عليه ومن أحسن التوكل عليه فقد أخلص النية لله وسلك الطريق الموصلة والمؤدية إلى حيث رضا المولى الكبير المتعال، مجتازا كل العقبات والموانع ومتحديا كلّ المطبات والحواجز لأن معه معين يستعين به عند الشدائد، فما عليه إلاّ أن يرفع يديه ويقول بقلبه قبل لسانه: ياربِّ.. ياربِّ ياربّ "وَقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ ۚ إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِي سَيَدْخُلُونَ جَهَنَّمَ دَاخِرِينَ". الله لا يخلف وعده عندما أمرنا بالدعاء ووعدنا بالإجابة لكننا نحن الين نقضنا العهد ولم نفِ به، فالسبب بعدم الإستجابة هو عدم إلتزامنا بالعهد مع الله وربما نقف طويلا عند هذه المسألة المهمة في قادم الأيام بحول الله وقوته ومشيئته. زكريا النبي عليه السلام نادته الملائكة وبشرته بحيى وهو لا يزال يصلي في المحراب "فَنَادَتْهُ الْمَلَائِكَةُ وَهُوَ قَائِمٌ يُصَلِّي فِي الْمِحْرَابِ أَنَّ اللَّهَ يُبَشِّرُكَ بِيَحْيَىٰ مُصَدِّقًا بِكَلِمَةٍ مِّنَ اللَّهِ وَسَيِّدًا وَحَصُورًا وَنَبِيًّا مِّنَ الصَّالِحِينَ".

في مقال سابق قبل عدة سنوات ذكرت قصة من بين القصص التي قصها علينا من كان يتولى أمر تربيتنا وتعليمنا، فحفظناها منذ الصغر. قصة عجوز وحيدة قد روضّت نفسها بالتقوى، وحاربت الشيطان والهوى، فكانت لها عند جبّار السماوات والأرض منزلة رفيعة ومقاما محمودا، فما قصتها؟

هَدَمَ كوخي وأنا غائبة..

القصة تقول أن أحد الملوك أراد أن يستمتع بالنظر إلى الطبيعة وجمالها من شرفة قصره الشاهق، مقابل تلك الشرفة كان هناك كوخ لإمرأة عجوز لا حول ولا قوة لها إلاّ بالله خالقها ومدبر أمرها وحارسها. وقع نظر الملك على ذلك الكوخ المتواضع فقال: كوخ من طين وأبوابه من قصب أمام قصري يفسد المنظر الجميل ولا يليق بيّ.. ثم سال الخدم الذين يقفون خلفه لتنفيذ أوامره بلا تردد: من يكون صاحب هذا الكوخ وكيف تجرأ أن يجعله امام قصري الفخم؟

قالوا له: تملكه امرأة عجوز وحيدة.

قال: إحضروها الساعة.

قالو: سمعا وطاعة. ذهبوا لإحضارها لكنهم لم يعثروا عليها. فرجعوا إلى الملك وقالوا له: أيها الملك لقد بحثنا عنها في كل زاوية لكننا لم نجدها.

قال: أهدموا الكوخ هذا في الحال، فلا أحب هذا المنظر القبيح أمام قصري الجميل ولتذهب العجوز إلى الجحيم.

قالوا: تحت أمر الملك. ذهبوا إلى الكوخ فهدموه ورجعوا فاخبروا الملك بذلك فإبتسم وبدت على وجهه  امارات السرور والفرح. إنتهت قصة الملك... فهو بدأ يستمتع بالمنظر الجميل بدون الكوخ البسيط المتواضع لِأَمَةِ الله العجوز المسكينة. نعم.. إنتهت قصة الملك!

لكن بدأت قصة العجوز، فقد عادت إلى كوخها لتجده وقد سُوّي بالأرض فلا أثر له ولا شاخص. تألمت كثيرا وحزنت وإغرورقت عيناها بالدموع، فذلك الكوخ الصغير هو ملاذها وسكنها وقصرها وبيتها ومسكنها وهو يعني كل شيء بالنسبة لها. في ذلك االكوخ كان يُعبدُ خالق هذا الكون ومدبر أمر الخلائق، في ذلك الكوخ كان يُذكر إسم الله بُكرةً وعشيا، لا كما في ذلك القصر، شغلت النعمة ساكنيه عن المُنعِم، حسب تعبير العلماء. إجتمع بعض الناس حول العجوز ينظرون إليها بعطف وشفقة. سألتهم وهي تبكي حزنا على بيتها ومسكنها ومُلكِها: مَن هَدَمَ كوخي أيها النّاس؟

قالوا لها: هدمه الملك بعدما بحث عنك ليعاقبك فلم يجدك فإنتبهي لذلك.

قالت لهم: ليس الامر له، سأذهبُ وأَشْكُوَنَّهُ إلى مَلِكِ المُلُوك.

على الفور وهي بذلك التوجه إلى الله والإنقطاع إليه ذهبت حيث لا يراها أحد ورفعت يديها إلى السماء وخاطبت الحق سبحانه، ناصر من لا ناصر له:

"هَدَمَ كوخي وأنا غائبة فأينَ كنتَ أنت؟"

وهي لا زالت واقفة قبل أن تبرح مكانها، أمر الله مَلَكاً أن يضرب بجناحه القصر ومن فيه ويسويه بالأرض إستجابة لدعوة تلك المظلومة.

تعليق..

معنى هدمَ كوخي وأنا غائبة هو أني لو كنت حاضرة ساعة هدم كوخي لدافعت عن ملكي وبيتي ومسكني ولما إستطاع ذلك الملك أن يهدمه إلاّ أن أموت قبل هدمه، وأنت يارب حيّ قيوم لا تأخذك سنّة ولا نوم هل كنت غائبا كذلك..؟؟؟!!! تعني بها: أين نصرك لمن لا حول له ولا قوة له إلاّ بك، أين إستجابتك لدعوة هذه العجوز التي لا تنام الليل وهي تناجيك وتتضرع بين يديك وقد أفنت عمرها مقتنعة بما رزقتها وخصصتها  من رزق حسن كريم شاكرة لك غير منكرة ولا جاحدة، فأيّ رزق أعظم من رزق العافية، وأي مكانة أعظم من القرب من الله وإن كان العيش في كوخ صغير متواضع بسيط، شُيّدَ من طينٍ وقصبٍ. وأي فقر أعظم من البعد عن الله سبحانه وتعالى وإن كان العيش في قصور شاهقة وبروج مشيّدة وناطحات وعمارات فيها يُعصى الله ولا يُطاع، وفيها ما فيها من مجالس المعاصي والموبقات التي تهز اركان عرش ملك الملوك. دعوة عجوز مظلومة منقطعة إلى الله القادر المقتدر، مؤمنة أن الحق سبحانه معها كل حين ودليل ذلك أنها هي مع الله ولا تعبد إلاّ إياه،   دعوتها خرقت الحجب فإستجابها الله تعالى. فلا يغرنَّك أيها الإنسان المخلوق من ضعف ومن عدم إن أمهلك الله القادر المقتد بعض الوقت، أو أنه أراد سبحانه ان يستدرجك من حيث لا تشعر فإحذر الله وإتقه وسارع إلى مغفرة من ربك ولا تأخذك العزة بالإثم ـ أعني نفسي وأذكّرها هنا ـ "وسارعوا إلى مغفرة من ربكم وجنة عرضها السماوات والأرض أعدت للمتقين". لا يغرنّكَ النعيم الزائل فتظلم الفقراء وتستقوي عليهم بمالك وجاهك وربعك ورجلك وخيلك فإن لهؤلاء خالق خلقهم وهو ينصر من استنصره منهم ويخذلك فتهلك.

الله معنا..

 مذ كنا في بطون أمهاتنا ومن قبل ذلك إلى يوم البعث والنشور والحساب والجزاء وما بعد ذلك "هُوَ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ اسْتَوَىٰ عَلَى الْعَرْشِ ۚ يَعْلَمُ مَا يَلِجُ فِي الْأَرْضِ وَمَا يَخْرُجُ مِنْهَا وَمَا يَنزِلُ مِنَ السَّمَاءِ وَمَا يَعْرُجُ فِيهَا ۖ وَهُوَ مَعَكُمْ أَيْنَ مَا كُنتُمْ ۚ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ". فهو معنا ويعلم منقلبنا ومثوانا ولا تخفى عليه خافية من أعمالنا الصالحة والسيئة، الحسنة والقبيحة وهو معنا من فوق عرشه.عليُّ أعلى، مطلع على نياتنا قبل أعمالنا، وعلى ضمائرنا قبل سعينا "وَإِن تَجْهَرْ بِالْقَوْلِ فَإِنَّهُ يَعْلَمُ السِّرَّ وَأَخْفَى". وهو معنا عندما نكتب وننشر وننقد ونعارض ونبارك، فمن كانت كتاباته للناس فقد وقع أجره على الناس إن أنصفوه وإن ظلموه، ومَن كانت كتاباته لله ولنصرة الحق وأهله فليكن صدره واسعا وصبره جميلا ويذكر الله كثيرا فسوف يكون هدفا للمتربصين،  أمّا أجره فقد وقع على الله تعالى وسيكون بإذن الله  مرشحا بأن يكون من جملة من تتلقاهم الملائكة غدا: هذا يومكم "لَا يَحْزُنُهُمُ الْفَزَعُ الْأَكْبَرُ وَتَتَلَقَّاهُمُ الْمَلَائِكَةُ هَٰذَا يَوْمُكُمُ الَّذِي كُنتُمْ تُوعَدُونَ". عجبت لمن يستبدل هذا المقام بقليل الحطام، وترحيب الملائكة بزجر الزبانية "أُولَٰئِكَ الَّذِينَ اشْتَرَوُا الضَّلَالَةَ بِالْهُدَىٰ فَمَا رَبِحَت تِّجَارَتُهُمْ وَمَا كَانُوا مُهْتَدِينَ".

في أحد المطاعم..

كنت ذات يوم واقفا في الصف (الطابور) لأشتري سندويشة فلافل من أحد مطاعم الحلال المعروفة. حينما أقتربت من صندوق الدفع (المحاسب) سمعت الرجل الذي كان يقف قبلي يطلب من العامل أن يعمل له خصما لوجبة كانت كما يبدو (دسمة جدا) فقال العامل له: أعتذرعن تلبية طلبك فالمطعم محاط بالكاميرات التي تراقب الزبائن وكذلك العاملين لكني أستطيع ان أزيدك وجبة مجانية (بلاش) فهذه الوجبة لا تميزها الكاميرات. فعلا قد حصل ذلك الرجل على ما وعده العامل فأصبحت وجبته (دسمة زائد واحد). وصل دوري فقلت للعامل: لم تعمل له خصما لأن الكاميرات تكشفك لكنك أعطيته وجبة مجانا فكاميرات الله قد سجلت تلك اللقطة فسارع إلى محوها قبل ان تثبت في سجل الأعمال السيئة. إصفّر وجه ذلك المخلوق وكاد أن يغمى عليه وذهب إلى مدير المطعم في مكتبه في الطابق العلوي وقص عليه قصته، سامحه المدير وأكرمه كذلك لأنه لم يخنه بالغيب واعترف له بالذنب. فهل أيها السادة الأفاضل قصصنا على الله قصص تجاوزاتنا وظلمنا أنفسنا قبل ظلمنا غيرنا، وطلبنا منه العفو والصفح والمغفرة ونعترف له أن الذي عملناه هو بجهالاتنا وليس إستخفافا بمراقبته لنا وإطلاعه على أحوالنا "وَهُوَ الَّذِي يَقْبَلُ التَّوْبَةَ عَنْ عِبَادِهِ وَيَعْفُو عَنِ السَّيِّئَاتِ وَيَعْلَمُ مَا تَفْعَلُونَ". كنت ولا أزال أقول للأولاد: لا بأس عليكم ولا ترثيب إن أخطأتم في قول او فعل مع الآخرين شريطة ان تعترفوا بتلك الأخطاء لأن الإعتراف بالخطأ ربما يحول ويمنع من تكراره مرّة أخرى عكس الإصرار على الخطأ فإنه يزيد من نسبة تكرارها مستقبلا. إن لم تعترفوا إنكم قد أخطأتم فيكاد يكون مستحيلا تصحيح الخطا والإقلاع عنه وإجتنابه. وهذا هو حال بني البشر على نحوٍ أعمٍّ وأشمل.

 الواقع اننا نخشى مراقبة الخلائق لنا فنحاول ان نظهر امامهم على افضل واحسن واتم ما يُرام، تماما كما نلبس أنظف الملابس وأجملها ونتعطر بأزكى العطور وأكثرها فوحاناً وأطولها ثباتاً حينما نذهب لمقابلة مَن نهتم به ونسعد بملاقاته، لكننا ـ يا للخيبة ـ نقف بين يدي المتفضل علينا بالنعم الجِسام، نصلي بملابس العمل التي يُشك في طهارتها أصلا، كما أننا لا نتطيّب ولا نهتم بالنظافة بعد الطهارة، هذه أيضا مشكلة عويصة، كيف يجتمع الإيمان مع الأوساخ، المادية منها والمعنوية! وأمّا مراقبة الخالق تعالى فلا تخطر على بال ساهٍ منا حاشا القاري الكريم. كاميرات ملك الملوك تبدأ بجوارحنا "يَوْمَ تَشْهَدُ عَلَيْهِمْ أَلْسِنَتُهُمْ وَأَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُمْ بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ" فتنطق بإذن الله الذي أنطق كل شيء، فأين المفر يامن لا ترجون لقاء الله واطمأنت لقوبكم لهذه الدنيا فظلمتم عباد الله وخدعتم أنفسكم قبل ان تخدعوا غيركم وظلمتم أنفسكم في المقام الأول، فأول الظلم وأكبره هو ظلم النفس وحملها على المعاصي وتجاوز بعض حدود الله. "إن الذين لا يرجون لقاءنا ورضوا بالحياة الدنيا واطمأنوا بها والذين هم عن آياتنا غافلون".

تعليق..

كاميرات المراقبة مهمتها الأساسية هي أن تحذرك قبل أن تصورك ولهذا تجد أن معظم أماكن الكاميرات تسبقها لافتات تنبه بأن المكان الفلاني مُراقب بالكاميرات، ذات الشيء بالنسبة إلى الكاميرات التي تسجل سرعة السيارات في بعض الشوارع التي ينبغي لسبب ما أن تسير المركبات بسرعة معينة، هناك إشارات ولوحات تنبيه بأن الكاميرات تبعد بضعة أمتار. إذن الغرض من الكاميرات هو للتنبية وبعدها تصوير من لا يلتزم بحدود السرعة. نفس الشيء: "وَهُوَ مَعَكُمْ أَيْنَ مَا كُنْتُمْ"، فالذي يؤمن بأن الله معه ويحصي أعماله أولا بأول يكون ذلك الإيمان رادعا له ومانعا من إرتكاب ما يسخط الله ويغضبه. وهذه إحدى أهم وأنفع ثمرة وفائدة من ثمار وفوائد معية الله سبحانه. فالله تعالى معنا يسمعنا ويرانا إن عملنا خيرا او شرا، من كان الله معه فلا يخشى مواجهة الطاغوت مهما على في الأرض واستكبر وطغى"قَالَ لَا تَخَافَا ۖ إِنَّنِي مَعَكُمَا أَسْمَعُ وَأَرَىٰ". بـ"إنني معكما" نجا موسى وهارون عليهما السلام وكان فرعون وجنوده من المغرقين. من كان مع الله أمن وإطمان وفاز ونجا، ومن لم يكن مع الله غرق وهلك عاجلاً أو آجلاً.

 

نسأل الله العافية

 

 


قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat


محمد جعفر الكيشوان الموسوي
 (للدخول لصفحة الكاتب إضغط هنا)

    طباعة   ||   أخبر صديقك عن الموضوع   ||   إضافة تعليق   ||   التاريخ : 2020/09/30



كتابة تعليق لموضوع : من كان مع الله كان الله معه
الإسم * :
بريدك الالكتروني :
نص التعليق * :
 



حمل تطبيق (كتابات في الميزان) من Google Play



اعلان هام من قبل موقع كتابات في الميزان

البحث :





الكتّاب :

الملفات :

مقالات مهمة :



 إنسانية الإمام السيستاني

 بعد إحراجهم بكشف عصيانها وخيانتهم للشعب: المرجعية الدينية العليا تـُحرج الحكومة بمخالفة كلام المعصومين.. والعاصفة تقترب!!!

 كلام موجه الى العقلاء من ابناء شعبي ( 1 )

 حقيقة الادعياء .. متمرجعون وسفراء

 قراءة في خطبة المرجعية : هل اقترب أَجلُ الحكومةِ الحالية؟!

 خطر البترية على بعض اتباع المرجعية قراءة في تاثيرات الادعياء على اتباع العلماء

 إلى دعاة المرجعية العربية العراقية ..مع كل الاحترام

 مهزلة بيان الصرخي حول سوريا

 قراءة في خطبة الجمعة ( 4 / رمضان/ 1437هـ الموافق 10/6/2016 )

 المؤسسة الدينية بين الواقع والافتراء : سلسلة مقالات للشيخ محمد مهدي الاصفي ردا على حسن الكشميري وكتابيه (جولة في دهاليز مظلمة) و(محنة الهروب من الواقع)

 الى الحميداوي ( لانتوقع منكم غير الفتنة )

 السيستاني .. رسالة مهدوية عاجلة

 من عطاء المرجعية العليا

 قراءة في فتوى الدفاع المقدس وتحصين فكر الأمة

 فتوى السيد السيستاني بالجهاد الكفائي وصداها في الصحافة العالمية

 ما هو رأي أستاذ فقهاء النجف وقم المشرّفتَين السيد الخوئي بمن غصب الخلافة ؟

 مواقف شديدة الحساسية/٢ "بانوراما" الحشد..

أحدث مقالات الكتّاب :


مقالات متنوعة :





 لنشر مقالاتكم يمكنكم مراسلتنا على info@kitabat.info

تم تأسيس الموقع بتاريخ 1/4/2010 © محمد البغدادي 

 لا تتحمل الإدارة مسؤولية ما ينشر في الموقع من الناحيتين القانونية والأخلاقية.

  Designed , Hosted & Programmed By : King 4 Host . Net