صفحة الكاتب : وليد سلام جميل

الإنتخابات المبكرة في العراق: الواقع والتّحديات
وليد سلام جميل

المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الموقع، وإنما تعبر عن رأي الكاتب.

وضعت الحرب أوزارها وبانت المواقيت المؤجلة منذ شهور وبات الأمر قريباً جداً. بعد الصراعات السياسية المريرة المتعلقة بالإنتخابات المبكرة وموعدها ، ها هو رئيس مجلس الوزراء مصطفى الكاظمي يلقي الكرة في ملعب البرلمان وينهي القيل والقال ويفي بوعده الذي قطعه للشعب في برنامجه الحكومي ، إذ حدّد موعد الإنتخابات المبكرة في يوم السادس من حزيران لسنة 2021 م ، وهذا الإنجاز يُحسب لحركة تشرين العراقية التي انطلقت في الأول من تشرين في السنة الماضية والتي كلّفت العراق وشعبه مجموعة كبيرة جداً من الشهداء والمصابين على طريق الحرية وبناء الدولة الحديثة التي تضمن الحياة الكريمة للشعب العراقي بكلّ ألوانه وأطيافه. ويبقى على رئيس مجلس الوزراء مسؤولية كبرى وهي حصر السلاح بيد الدّولة ومنع استخدامه من قبل الميليشيات للتهديد والترهيب والاغتيال والتزوير وهي مهمة صعبة تحتاج إلى (التحدي) الجريء ، فهذه المسألة هي مسألة مصيرية لإنجاح الإنتخابات وبثّ الثقة في قلوب الشعب ليؤمن بهذه العملية التي فقدت كلّ شروطها منذ إنتخابات سنة 2010 م والتي تتحمل نتيجتها المحكمة الإتحادية التي حرّفت الدّستور لصالح جهة على جهة. إنّ أي إنتخابات من دون ضمان الأمن وإستقلال المفوضية العليا المستقلة للإنتخابات هي مضيعة للوقت وصرف للمال من دون فائدة تعود على الدّولة ومستقبلها.
واجبات البرلمان الثلاثة في هذه المرحلة:
في هذه المدة المتبقية على إجراء الإنتخابات المبكرة ، وهي عشرة أشهر ، تقع على عاتق البرلمان العراقي مسؤوليات عديدة ومن دون إتمامها فلا يمكن أن تُقام الإنتخابات المبكرة إطلاقاً. ويمكن حصر أهم المسؤوليات البرلمانية بالتالي:
1. إتمام قانون الإنتخابات: بعد الضغط الشعبي والحراك الجماهيري التشرينيّ الكبير وما رافقه من فرض معادلات سياسية وإجتماعية جديدة ، أهمها إستقالة الحكومة العراقية لأول مرّة منذ سنة 2003 ، صوّت مجلس النواب‎ ‎في جلسته الرابعة والعشرون يوم الثلاثاء 24/12/2019 على قانون انتخابات مجلس النواب العراقي الجديد والذي فرضه الشارع المنتفض على السّلطات والأحزاب السياسية المتصدّرة للمشهد العراقي. وحسم مجلس النواب في جلسته ، جدلية الكتل السياسية بشأن المادة 15 من قانون الانتخابات الجديد ، حيث حسم الفقرات الخلافية في القانون الانتخابي وتمّ إعتماد الدّوائر المتعددة ، الإنتخاب الفردي ، حساب الفائز طبقاً لمبدأ الحاصل على أعلى عدد من الأصوات في الدائرة الإنتخابية وتقسيم الدوائر على أساس دائرة إنتخابية لكل قضاء في المحافظة. إلّا أنه تمّ تأجيل التّصويت على الملحق الخاص بالقانون والمتعلّق بتنظيم عمل الدوائر الانتخابيّة ، وهو ما بقي معطلاً إلى اليوم مما تسبب في جدلية واسعة وحملة شعبية قام بها الحراك الشعبي العراقي تحت عنوان "حملة إكمال قانون الإنتخابات" وبعد إتمام هذه الفقرة يجب إرسال القانون إلى رئيس الجمهورية للإطلاع والمصادقة عليه ، وتعد القوانين مصادقاً عليها بعد مضي خمسة عشر يوماً من تاريخ تسلمها من قبل رئيس الجمهورية ، حسب ما نصّت عليه المادة 73 ثالثاً من الدستور العراقي النّافذ.
2. تشريع قانون المحكمة الإتحادية: تُعدُّ المحكمة الإتحادية العليا أهمّ ركن من الأركان المتممة للعملية الإنتخابية ، إذ تحدّثت المادة 93 من الدستور العراقي عن إختصاص المحكمة الاتحادية العليا ونصّت في الفقرة سابعاً من المادة على أنّ "المصادقة على النتائج النهائية للانتخابات العامة لعضوية مجلس النواب" هي من إختصاص المحكمة الإتحادية لا غير.
تمّ إقرار قانون المحكمة الإتحادية العليا رقم (30) لسنة 2005 في أيام الحكومة الإنتقالية برئاسة أياد علاوي ، ويتكون القانون من 11 مادة تحدد مهامها وآلية عملها ومستحقاتها إلّا أنّها نصّت في الفقرة الثالثة من المادة السادسة على أن يستمر رئيس واعضاء المحكمة الاتحادية العليا بالخدمة دون تحديد حد أعلى للعمر إلّا إذا رغب بترك الخدمة. وهذه الفقرة تعطي الصلاحية بإستمرارهم إلى حين وفاتهم ولا توضّح ما هو الحل في حالة وفاة أحدهم أو رغبته بترك الخدمة!. ورغم أنّ الدستور العراقي قد ترك الأمر إلى مجلس النّواب في الفقرة الثانية من المادة 92 ، ونصّ على أن " تتكون المحكمة الاتحادية العليا، من عددٍ من القضاة، وخبراء في الفقه الإسلامي، وفقهاء القانون، يُحدد عددهم، وتنظم طريقة اختيارهم، وعمل المحكمة، بقانونٍ يُسن بأغلبية ثلثي أعضاء مجلس النواب." إلّا أنّ مجلس النّواب تقاعس عن مهامه ولم ينجز هذا القانون المهم والضروري ، رغم أننا في الدورة البرلمانية الرابعة!.
ولاحظنا كيف أنّ هذه المسألة المهمة قد طفت على السّطح أخيراً وخاصة بعد تجاوز أعمار غالبية أعضاء المحكمة الإتحادية ال90 سنة!
أعلن مجلس القضاء الأعلى في بيان غير مسبوق يظهر مدى الخلافات العميقة ما بين مجلس القضاء الأعلى والمحكمة الإتحادية العليا والذي اعتبر فيه أن قرارات المحكمة الإتحادية غير ملزمة وليست دستورية بسبب اختلال نصابها. وأصدر مجلس القضاء إعماما رسميا إلى جميع السلطات القضائية والمحاكم المختصـة بشأن نصاب انعقاد المحكمة الاتحادية. وقال إن "النصاب غير مكتمل من الناحية القانونية بسبب احالة أحد اعضائها على التقاعد، وعدم وجود نص دستوري يحدد آلية ترشيح وتعيين بديل جديد محله".وذكر المجلس في بيانه أن "قانون المحكمة النافذ يوجب أن تتكون المحكمة من رئيس وثمانية أعضاء، ولا يكون انعقادها صحيحاً إلا بحضور جميع أعضائها، وطالما أن أحد أعضاء المحكمة أحيل على التقاعد فقد اختلّ نصاب المحكمة، وبالتالي فإنّ كل ما يصدر عنها معدوم ولا يمكن أن يوصف قرارها بأنه ملزم". فيما ترفض المحكمة الإتحادية تفسير مجلس القضاء الأعلى.
إنّ هذا الخلل هو بسبب مجلس النواب العراقي الذي لم يشرّع الكثير من القوانين التي أحالها الدستور إلى السلطة التشريعية ومنها قانون المحكمة الإتحادية ، إذ لا يمكن التصديق على نتائج الإنتخابات من دون هذه المحكمة التي تملك الحق في ذلك من دون غيرها.
على مجلس النواب العراقي أن يعمل على تشريع هذا القانون في هذه المدّة ليمكن التّصديق على نتائج الإنتخابات المبكرة إن أقيمت بموعدها الذي حدده رئيس مجلس الوزراء.
3. حلّ مجلس النّواب: لإجراء الإنتخابات المبكرة يُفترض أولاً حلّ مجلس النّواب وتبعاً لذلك تتحول الحكومة تلقائياً إلى حكومة تصريف أمور يومية ، وهذا الإجراء يوضّحه الدّستور العراقي في المادة 64 منه والتي تنصّ على: أولاً:- يُحل مجلس النواب، بالأغلبية المطلقة لعدد أعضائه، بناءً على طلبٍ من ثلث أعضائه، أو طلبٍ من رئيس مجلس الوزراء وبموافقة رئيس الجمهورية، ولا يجوز حل المجلس في أثناء مدة استجواب رئيس مجلس الوزراء.
ثانياً:- يدعو رئيس الجمهورية، عند حل مجلس النواب، إلى انتخاباتٍ عامة في البلاد خلال مدةٍ أقصاها ستون يوماً من تاريخ الحل، ويعد مجلس الوزراء في هذه الحالة مُستقيلاً، ويواصل تصريف الأمور اليومية.
فلا يمكن إجراء الإنتخابات المبكرة بمجرد أن أعلن عنها رئيس مجلس الوزراء بل يقتضي ذلك أن يحلّ مجلس النّواب نفسه وأن يدعو رئيس الجمهورية بعد ذلك لإجراء الانتخابات المبكرة.
الحراك السّياسي للقوى الوطنية المستقلة: يُخطئ من يعتقد أن حركة تشرين التي انطلقت في الأول من تشرين الماضي بأنها لم تحقق طموحاتها وأنها قدّمت ضحايا من دون منفعة. إنّ حركة تشرين حرّكت المياه الرّاكدة وأجبرت القوى السياسية على الخضوع لها وما زالت تفرض شروطها وقد طوّرت مفهوم حبّ الوطن من خلال فعالياتها وشعاراتها السلمية وعلى رأسها شعار (نريد وطن) ، حيث يبرز هذا الشعار التّحول الكبير من المطالبة بالخدمات إلى المطالبة بالوطن المسلوب.
ما ينقص الحركة التشرينية الشعبية هو الحراك السياسي ، فلا يمكن لحركة أن تنجح من دون هاتين الركيزتين ، وأعني الحركة الشعبية والسياسية معاً. فلم نلاحظ النّخب والأكاديميين قد قدّموا مشروعاً سياسيا طموحاً مكتوباً لمناقشته ودراسته وإمكانية أن تلتفّ الجماهير حوله رغم علمنا بوجود حركة بهذا الإتجاه ، ولكن السؤال المهم هو: هل بإمكانها وضع برامج فعّالة واختيار ممثلين وطنيين كفوئين ونزيهين وإقناع الجماهير بمشروعها في هذه المدة القصيرة؟ وكيف للمستقلين أن يرشحوا أنفسهم في ظلّ السلاح المنفلت والمليشيات التي تهدد المعارضين تهديدا وجودياً بعمليات إغتيالات منظّمة كما حدث مع نخب كثيرة أمثال هشام الهاشمي وعلاء مشذوب؟!
ليس الأمر سهلا بالتأكيد ومواجهة السلاح المنفلت هي المهمة الكبرى التي على الحكومة التعامل معها وإلا فلن يكون معنى لإنتخابات تحت سطوة التهديد والقتل. إنني أخشى أن لا تستطيع الحكومة القيام بذلك مما يؤدي إلى عزوف المستقلين عن الترشيح وبالتالي عزوف الشعب عن الإنتخابات وهذا سيكون من صالح القوى السياسية نفسها إذ أن القانون الجديد للإنتخابات يكون إحتساب الفائزين فيه من خلال حساب أعلى الأصوات فإن كان في دائرة ما مرشح تابع لقوى سياسية قائمة وتحت تهديد السلاح ينسحب المستقلون فإن ذلك سيؤدي إلى فوزه بالتأكيد ولو انتخبه خمسة أشخاص فقط!. إنّ حدوث سيناريو كهذا يؤدي بالتأكيد إلى نهاية حلم التغيير الديمقراطي عن طريق صناديق الإقتراع وبسلمية تامة ويحول مستقبل العراق إلى طريق آخر وهو ما نخشاه. أعتقد بأنّ الإنتخابات القادمة إن لم تسير بشكل صحيح فإنّ الشعب العراقي سيتحول من التغيير السّلمي إلى التغيير العنيف مما يؤدي إلى كوارث لا تُحمدُ عقباها.
 


قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat


وليد سلام جميل
 (للدخول لصفحة الكاتب إضغط هنا)

    طباعة   ||   أخبر صديقك عن الموضوع   ||   إضافة تعليق   ||   التاريخ : 2020/09/30



كتابة تعليق لموضوع : الإنتخابات المبكرة في العراق: الواقع والتّحديات
الإسم * :
بريدك الالكتروني :
نص التعليق * :
 



حمل تطبيق (كتابات في الميزان) من Google Play



اعلان هام من قبل موقع كتابات في الميزان

البحث :





الكتّاب :

الملفات :

مقالات مهمة :



 إنسانية الإمام السيستاني

 بعد إحراجهم بكشف عصيانها وخيانتهم للشعب: المرجعية الدينية العليا تـُحرج الحكومة بمخالفة كلام المعصومين.. والعاصفة تقترب!!!

 كلام موجه الى العقلاء من ابناء شعبي ( 1 )

 حقيقة الادعياء .. متمرجعون وسفراء

 قراءة في خطبة المرجعية : هل اقترب أَجلُ الحكومةِ الحالية؟!

 خطر البترية على بعض اتباع المرجعية قراءة في تاثيرات الادعياء على اتباع العلماء

 إلى دعاة المرجعية العربية العراقية ..مع كل الاحترام

 مهزلة بيان الصرخي حول سوريا

 قراءة في خطبة الجمعة ( 4 / رمضان/ 1437هـ الموافق 10/6/2016 )

 المؤسسة الدينية بين الواقع والافتراء : سلسلة مقالات للشيخ محمد مهدي الاصفي ردا على حسن الكشميري وكتابيه (جولة في دهاليز مظلمة) و(محنة الهروب من الواقع)

 الى الحميداوي ( لانتوقع منكم غير الفتنة )

 السيستاني .. رسالة مهدوية عاجلة

 من عطاء المرجعية العليا

 قراءة في فتوى الدفاع المقدس وتحصين فكر الأمة

 فتوى السيد السيستاني بالجهاد الكفائي وصداها في الصحافة العالمية

 ما هو رأي أستاذ فقهاء النجف وقم المشرّفتَين السيد الخوئي بمن غصب الخلافة ؟

 مواقف شديدة الحساسية/٢ "بانوراما" الحشد..

أحدث مقالات الكتّاب :


مقالات متنوعة :





 لنشر مقالاتكم يمكنكم مراسلتنا على info@kitabat.info

تم تأسيس الموقع بتاريخ 1/4/2010 © محمد البغدادي 

 لا تتحمل الإدارة مسؤولية ما ينشر في الموقع من الناحيتين القانونية والأخلاقية.

  Designed , Hosted & Programmed By : King 4 Host . Net