صفحة الكاتب : نبيل محمد حسن الكرخي

نبذة عن حياة صفية أم المؤمنين وتفنيد شبهات خصوم الاسلام 
نبيل محمد حسن الكرخي

المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الموقع، وإنما تعبر عن رأي الكاتب.

بسم الله الرحمن الرحيم
 
هذ المقال يجيب عن شبهات يثيرها خصوم الاسلام من الملحدين والمبشِّرين المسيحيين من خلال اختلاق اكاذيب يلحقونها بسيرة حياة ام المؤمنين صفية (رضي الله عنها). ونحاول هنا تسليط اهم الاضواء على سيرة حياتها في الفترة التي رافقت وقوعها في اسر المسلمين ثم اختيارها الاسلام ونبيه (صلى الله عليه وآله) للعيش معه بدلاً من الرجوع الى اهلها. لقد اعتنقت الاسلام عن قناعة تامة، كيف لا وهي قد سمعت اباها وعمها يعترفون بأن النبي محمد (صلى الله عليه وآله) هو نبي آخر الزمان الوارد اسمه وصفته في التوراة ثم يقرِّرون مقاومته!!؟
هذا المقال يُنهي الكثير من الشبهات والاكاذيب التي يرِّوجها خصوم الاسلام، فالوقائع تثبت ان صفية:
1.  كانت ايام يهوديتها تعرف ان رسول الله محمد (صلى الله عليه وآله) هو النبي الموعود في التوراة والكتب اليهودية، وقد سمعت ذلك بنفسها من ابيها وعمّها.
2.  لم تكن على وفاق مع زوجها اليهودي.
3.  وقعت اسيرة بسبب خيانة زوجها لعهد النبي (صلى الله عليه وآله). 
4.  اعتقها النبي (صلى الله عليه وآله) ثم تزوجها بإرادتها وقناعتها. 
5.  تزوجت النبي (صلى الله عليه وآله) بعد مقتل زوجها واستبرائها، في طريق العودة الى المدينة، وبعد عدة اسابيع من وقوعها في الاسر.
6.  نالت منزلة مكرّمة من النبي (صلى الله عليه وآله).
7.  بقيت مخلصة للنبي (صلى الله عليه وآله) وللاسلام، فلم تحدث في الاسلام أي حدث، ولم تقع في اي فتنة ممن وقعت فيها سواها من بعض امهات المؤمنين. ولم يظهر منها اي شائبة تعكر صفو ايمانها بالاسلام.
8.  اوصاها النبي (صلى الله عليه وآله) بالرجوع في شؤون حياتها بعد وفاتها الى امير المؤمنين علي بن ابي طالب (عليهما السلام)، وفي ذلك دلالة لا تخفى.
 
اسمها ونسبها
هي صفية بنت حيي بن أخطب بن ثعلبة بن عبيد من بني النضير[1]. وفي المستدرك: "هي من بني إسرائيل من سبط لاوي بن يعقوب ، كانت زوجة سلام بن مشكم اليهودي فمات ، ثم خلف عليها كنانة بن أبي الحقيق وهما شاعران ، فقُتِلَ عنها كنانة يوم خيبر"[2].
 
معرفتها بصدق نبوة رسول الله محمد (صلى الله عليه وآله وسلم):
"روى ابن إسحاق ، والبيهقي ، وأبو نعيم عن أم المؤمنين صفية بنت حيي رضي الله عنها أنها قالت: "لم يكن أحد من ولد أبي وعمي أبي ياسر أحب إليهما مني، لم ألقهما قط مع ولد لهما إلا أخذاني دونه. فلما قدم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قباء قرية بني عمرو بن عوف غدا إليه أبي ، حيي بن أخطب وعمي أبو ياسر بن أخطب مغلسين، فوالله ما جاءانا إلا مع مغيب الشمس، فجاءانا بأمر أبي كبشة (كالين كسلانين) ساقطين يمشيان الهويني فهششت إليهما كما كنت أصنع، فوالله ما نظر إلي واحد منهما، فسمعت عمي أبا ياسر وهو يقول لأبي حيى بن أخطب: أهو هو؟ قال: نعم . قال: أتعرفه بنعته وصفته؟ قال: نعم والله . قال: فما في نفسك منه؟ قال: عداوته والله ما بقيت""[3].
وأيضاً ذُكِرتْ هذه الحادثة في السيرة النبوية لابن كثير[4].
 
علاقتها السيئة بزوجها اليهودي
رغم انها كانت حديثة عهد بالزواج حينما حاصرهم رسول الله (صلى الله عليه وآله)، فقد كانت علاقتها بزوجها اليهودي سيئة، وهو كنانة بن الربيع بن أبي الحقيق، ويتذرّع بأتفه الاسباب ليضربها! كما دلّ على ذلك الشاهد.
فقد جاء في مجمع الزوائد: "كان بعيني صفية خضرة فقال لها النبي صلى الله عليه وسلم ما هذه الخضرة بعينيك قالت قلت لزوجي إني رأيت فيما يرى النائم كأن قمرا وقع في حجري فلطمني وقال أتريدين ملك يثرب"[5]. ايضاً ذكر صاحب المستدرك مثله[6]!!
وفي السيرة الحلبية ان هذه الحادثة أي لطمة عين صفية حدثت حين نزول رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم خيبر[7].
فلم تكن تستحق هذا الضرب ولم تقترف شيئاً سوى رؤيا رأتها في المنام قد تكون اضغاث احلام! وهذا يكشف عن عدم الانسجام الذي كانت تعانيه مع زوجها اليهودي آنذاك.
 
مقتل كنانة بن الربيع بن ابي الحقيق
وهو زوج صفية قبل أن يُقتَل، وكان سبب مقتله في غزوة خيبر، انَّه "هو وأهله من بني أبي الحقيق كانوا صالحوا رسول الله صلى الله عليه وسلم وشرط عليهم أن لا يكتموه كنزا فإن كتموه فلا ذمة لهم وسألهم عن كنز حي بن أخطب فكتموه وقالوا أذهبته النفقات ثم عثر عليه عندهم فانتقض عهدهم فسباهم"[8]. والكنز المشار اليه يسمى في روايات اخرى (مَسك حيي بن اخطب) وفي لسان العرب لابن منظور نقرأ بإختصار: المَسك بالفتح وسكون السين: الجلد، وفي حديث خيبر: أين مَسك حيي بن أخطب كان فيه ذخيرة من صامت وحلي قومت بعشرة آلاف دينار"[9].
وكان كنانة بن الربيع بن ابي الحقيق قبل ذلك من المعادين للاسلام والساعين لحربه، فقد "ذكر موسى بن عقبة في المغازي قال خرج حيي بن أخطب بعد قتل بني النضير إلى مكة يحرض قريشاً على حرب رسول الله صلى الله عليه وسلم وخرج كنانة بن الربيع بن أبي الحقيق يسعى في بني غطفان ويحضهم على قتال رسول الله صلى الله عليه وسلم"[10].
 
اسرها واطلاق سراحها وتزويجها
في المستدرك لما افتُتِحَت خيبر وجُمِعَ الاسرى، أخذها رسول الله (صلى الله عليه وآله) واصطفاها وحجبها وأعتقها وزوجها وقسم لها. وكانت عاقلة من عقلاء النساء، وفي أمالي الشيخ: مسنداً عن صفية قالت: أعتقني رسول الله (صلى الله عليه وآله) وجعل عتقي صداقي"[11].
وكان اسرها في حصن اسمه (القموص) وهو حصن ابي الحقيق اليهودي[12]. قاله أيضاً ابن حجر في فتح الباري[13].
وما اصطفائها من الاسرى الا تكريماً لها، فالنبي (صلى الله عليه وآله) لا يهين المرأة، فكيف إذا كانت من كريمات قومها وابنة زعيمهم، فمكانتها السابقة تجعلها تعيش شقاء الاسر اكثر ممن سواها، ولذلك قام النبي (صلى الله عليه وآله) باستنقاذها من الاسر، فليست هناك عداوة شخصية بين الاسلام وبين اي شخص آخر، بل هي قضية الايمان تحتم الحرب ولكنها حرب عادلة وكريمة بلا تعدي على الضعيف ولا اهانة للبريء. فخيَّرها النبي (صلى الله عليه وآله) بين ان ترجع الى قومها وبين ان يتزوجها، فاختارت رسول الله (صلى الله عليه وآله) لإيمانها به ويقينها بنبوته، وبعدما شرح لها النبي (صلى الله عليه وآله) اسباب قتله لأبيها وزوجها، واقنعها بصواب موقفه، كيف لا وهي توقن انه نبي كموسى (عليه السلام) من عند الله تبارك وتعالى.
 
تخيير صفية بين البقاء في يثرب او اللحاق بأهلها في خيبر
في ذخائر العقبى رواية عن أنس بن مالك وفيها: "أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قد افتتح خيبر وغنم أموالهم وجرت سهام الله في أموالهم واصطفى رسول الله صلى الله عليه وسلم صفية بنت حيى بن أحطب فأعدها لنفسه وخيرها بين اثنين أن يعتقها وتكون زوجته أو تلحق بأهلها فاختارت أن يعتقها وتكون زوجته"[14]. 
 
الحصن الذي اُسِرَتْ فيه
ذكر ابن إسحاق إنَ رسول صلى الله عليه وسلم افتتح حصون خيبر حصناً حصناً ، فكان أول حصونهم افتتح حصن ناعم، ثم القموص حصن ابن أبي الحقيق، فأصاب رسول الله منهم اسرى منهن صفية بنت حيي بن أخطب ، فاصطفاها رسول الله لنفسه ، وكان آخر ما افتتح من حصونهم الوطيح ، والسلالم ، حاصرهم بضعا وعشرين ليلة[15]. وحيث ان زواج النبي (صلى الله عليه وآله) من صفية كان في طريق الرجوع للمدينة، فيعني انها بقيت في الاسر فترة تقارب الشهر بل اكثر، قبل الزواج. لأن غزوة خيبر استمرت تقريباً لمدة شهرين، وكان عدد الحصون ثمانية. (1- حصن ناعم. الذي قلع الامام علي بن ابي طالب (عليهما السلام) بابه. 2- حصن الصَّعْب بن معاذ. 3- حصن قلعة الزبير. 4- حصن أُبَي. 5- حصن النِّزَار. 6-حصن القَمُوص، وكان حصن بني أبي الحقيق من بني النضير]. 7-حصن الوَطِيح. 8- حصن السُّلالم. وفيها ايضا حصون وقلاع غير هذه الثمانية لكنها صغيرة لا تبلغ قوة هذه الحصون في مناعتها وقوتها.
وفي هذه الفترة، فترة انشغال المسلمين بالقتال، هدأ روعها على من قتل من ابيها سابقاً وفي خيبر، لما عرفت سابقاً من الحق بنبوة النبي محمد (صلى الله عليه وآله) وبما حدثها هو نفسه (صلى الله عليه وآله) من حديث يبين فيه سبب مقتل اهلها في طريقهم الى المدينة المنورة. كما يتبين في هذا المقال.
 
زواجه منها في طريق الرجوع
في مسند احمد بن حنبل وصحيح البخاري: "ثم إن نبي الله صلى الله عليه وسلم أعتقها وتزوجها"... "حتى إذا كان بالطريق جهزتها أم سليم فأهدتها له من الليل وأصبح النبي صلى الله عليه وسلم عروسا فقال من كان عنده شئ فليجئ وبه بسط نطعا فجعل الرجل يجئ بالأقط وجعل الرجل يجئ بالتمر جعل الرجل يجئ بالسمن قال وأحسبه قد ذكر السويق قال فحاسوا حيسا وكانت وليمة رسول الله صلى الله عليه وسلم"[16]. 
وايضاً في صحيح البخاري: "فاصطفاها رسول الله صلى الله عليه وسلم لنفسه فخرج بها حتى بلغنا سد الروحاء حلَّت فبنى بها ثم صنع حيسا في نطع صغير ثم قال رسول الله صلى الله عليه وسلم آذن من حولك فكانت تلك وليمة رسول الله صلى الله عليه وسلم على صفية ثم خرجنا إلى المدينة قال فرأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يحوي لها وراءه بعباءة ثم يجلس عند بعيره فيضع ركبته فتضع صفية رجلها على ركبته حتى تركب"[17]. وورد هذا الآمر ايضاً في السنن الكبرى للبيهقي[18]. 
وقال ابن حجر: "قال أنس ودفعها إلى أمي أم سليم حتى تهيئها وتصبنها وتعتد عندها وإطلاق العدة عليها مجاز عن الاستبراء والله أعلم (قوله فبنى بها)"[19].
وهذه الرواية نستفيد منها عدة امور: قوله (حتى بلغنا سد الروحاء حلَّت) اي اصبحت حلالاً بعد انتهاء عدّتها أو انها حاضت واستبرئت نفسها من زوجها القتيل. وفي هذا رد تعضيد لروايات اخرى سنذكرها وفيها رد على خصوم الاسلام الذين يقولون ان الزواج تم مباشرة في ليلة اسرها!!! اخزاهم الله ما اكذبهم!! وما اسراعه بالزواج منها وقد آمنت به، الا لتطييب خاطرها لما جرى لها في الايام السابقة من اسر وقتل لبعض اهلها وزوجها.
ومما نستفيده ايضاً من الرواية السابقة تكريم النبي (صلى الله عليه وآله) لها وجبر خاطرها وانزالها المنزلة التي تستحقها حيث كانت سيدة قومها، فهو بنفسه يضع رجله الشريفة لتصعد عليها لتركب.
 
مهرها جاريتها رزينة ويقال عتقها مهرها
في احد الاقوال ان مهرها هو جارية وأسمها رزينة، ورأي آخر يقول مهرها عتقها.
قال ابن فهد الحلّي: (أنه لما أسرت صفية بنت حيي بن أخطب من ولد هارون بن عمران عليه السلام اصطفاها النبي صلى الله عليه وآله لنفسه في الغنيمة في فتح خيبر ، ثم أعتقها وتزوجها وجعل عتقها صداقها بعد أن حاضت حيضة)[20]. 
وفي بحار الانوار: "صفية بنت حيي بن أخطب النضري ، من خيبر ، اصطفاها لنفسه من الغنيمة، ثم أعتقها وتزوجها وجعل عتقها وصداقها ، وتوفيت سنة ست وثلاثين"[21].
وفي مسند احمد بن حنبل: "أن النبي صلى الله عليه وسلم أعتق صفية بنت حيى وجعل ذلك صداقها"[22].
وفي السيرة الحلبية: "وأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم بالغنائم أي التي غنمت قبل الصلح فجمعت وأصاب رسول الله صلى الله عليه وسلم سبايا منها صفية رضى الله تعالى عنها بنت حيى ابن أخطب من سبط هارون بن عمران أخي موسى عليهما الصلاة والسلام فاصطفى رسول الله صلى الله عليه وسلم صفية لنفسه وجعلها عند أم سليم التي هي أم أنس خادمه صلى الله عليه وسلم حتى اهتدت وأسلمت ثم اعتقها صلى الله عليه وسلم وتزوجها وجعل عتقها صداقها أي أعتقها بلا عوض وتزوجها بلا مهر لا في الحال ولا في المآل أي لم يجعل لها شيئا غير العتق"[23]. 
وفي مجمع الزوائد أنَّ رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أعتقها وخطبها وتزوجها وأمهرها رزينة وذكر هذه الرواية كل من الطبراني وأبو يعلى[24]. ورزينة هو أسم جاريتها. 
وقال ابن كثير وهو يتحدث عن (أمة الله) ابنة رزينة: "وقد تقدم في ترجمة ابنتها أمة الله أنه عليه السلام أمهر صفية بنت حيى أمها رزينة"[25].
 
تكريمه لها
في مجمع الزوائد للهيثمي: "عن صفية بنت حيى قالت ما رأيت أحدا أحسن خلقا من رسول الله صلى الله عليه وسلم لقد رأيته وقد ركب بي من خيبر على عجز ناقته ليلا فجعلت أنعس فضرب رأسي مؤخرة الرحل فمسني بيده يقول يا هذه مهلا يا بنت حيى مهلا حتى إذا جاء الصهباء قال إني أعتذر إليك يا صفية مما صنعت بقومك انهم قالوا لي كذا وقالوا لي كذا"[26].
وأيضاً: "عن ابن عمر قال كان بعيني صفية خضرة فقال لها النبي صلى الله عليه وسلم ما هذه الخضرة بعينيك قالت قلت لزوجي إني رأيت فيما يرى النائم كأن قمرا وقع في حجري فلطمني وقال أتريدين ملك يثرب قالت وما كان أبغض إلى من رسول الله صلى الله عليه وسلم قتل أبى وزوجي فما زال يعتذر إلى وقال يا صفية ان أباك ألب على العرب وفعل وفعل حتى ذهب ذلك من نفسي"[27].
وفي السيرة الحلبية: "وعن صفية رضى الله تعالى عنها أنها قال انتهيت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وما من الناس أحد أكره إلى منه قتل أبى وزوجي وقومي فقال صلى الله عليه وسلم يا صفية أما إني أعتذر إليك مما صنعت بقومك إنهم قالوا لي كذا وكذا وقالوا في كذا وكذا وفى رواية إن قومك صنعوا كذا وكذا وما زال صلى الله عليه وسلم يعتذر إلى حتى ذهب ذلك من نفسي فما قمت من مقعدي ومن الناس أحد أحب إلى منه صلى الله عليه وسلم وأعرس بها رسول الله صلى الله عليه وسلم بعد أن طهرت من الحيض في قبة بعد أن دفعها صلى الله عليه وسلم لأم سليم لتصلح من شأنها"[28].
وتحدث الصالحي الشامي عن تكريم النبي (صلى الله عليه وآله) لصفية بحيث خرج من اعتكافه تكريماً لها[29].
 
كيد عائشة وحفصة لها
وما كانتا لتكيدان صفية لولا ما وجدتاه من معاملة حسنة لها من رسول الله (صلى الله عليه وآله) ومكانة خاصة لصفية بنحو ما، وهذا يُعرَف من سيرة عائشة وحفصة مع بقية نساء النبي (صلى الله عليه وآله) وغيرة كل منهما التي طالما أظهرتاها تجاه بعض نساء النبي (صلى الله عليه وآله).
وفي عمدة القاريء للعيني: "((يا أيها الذين آمنوا لا يسخر قوم من قوم)) قال المفسرون: يعني لا يطعن بعضهم على بعض أي لا يستهزئ قوم بقوم عسى أن يكونوا خيرا منهم عند الله . قالوا: إن بعض الصحابة استهزأ بفقراء الصفة ، وأزواج النبي صلى الله عليه وسلم، عيرن أم سلمة بالقصر، وأن صفية بنت حيي أنت النبي صلى الله عليه وسلم ، فقالت: إن النساء يعيرنني ويقلن: يا يهودية بنت يهوديين، فقال صلى الله عليه وسلم: هلا قلت: إن أبي هارون وعمي موسى وإن زوجي محمد؟ فنزلت هذه الآية[30]. وورد في المستدرك للحاكم[31]، وسنن الترمذي[32]، قريب من هذا اللفظ.
 
صدق ايمانها
ومن دلائل صدقها في ايمانها، انَّها لم تُحدِثْ الفِتَنْ انتقاماً لمقتل اهلها ولم تكد للاسلام. وهذا يدل على ايمانها الحقيقي بنبوة رسول الله محمد (صلى الله عليه وآله). كما انها سألت النبي (صلى الله عليه وآله) لمن ترجع بعده وقد قُتِلَ جميع اهلها فارشدها الى امير المؤمنين علي بن ابي طالب (عليه السلام).
ففي الامالي للشيخ الطوسي: عن أبي إسحاق السبيعي، قال: دخلنا على مسروق الأجدع، فإذا عنده ضيف له لا نعرفه وهما يطعمان من طعام لهما ، فقال الضيف : كنت مع رسول الله (صلى الله على وآله) بحنين، فلما قالها عرفنا أنه كانت له صحبة مع النبي (صلى الله عليه وآله)، قال: فجاءت صفية بنت حيي ابن أخطب إلى النبي (صلى الله عليه وآله) فقالت: يا رسول الله، إني لست كأحد من نسائك ، قتلت الأب والأخ والعم ، فإن حدث بك شئ فإلى من ؟ فقال لها رسول الله (صلى الله عليه وآله) : إلى هذا - وأشار إلى علي بن أبي طالب ( عليه السلام )[33].
وأيضاً روى البخاري في تاريخه: "عن صفية بنت حيى قالت قلت يا رسول الله ليس من نسائك أحد الا ولها عشيرة تلجأ إليها غيري فان حدث بك حدث فإلى من؟ قال إلى عليّ"[34]. 
فهي ليست فقط انتمت للمجتمع المسلم بل ارادت ان تواصل بقائها فيه والاندماج معه، فقد اصبحت مسلمةً كاملةً، بل أماً للمؤمنين بكل ما لهذه الامومة من التزام بوصايا القرآن الكريم لهن وارشادات النبي (صلى الله عليه وآله)، وفي مقدمتها قوله تعالى في سورة الاحزاب:
((يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُل لِّأَزْوَاجِكَ إِن كُنتُنَّ تُرِدْنَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا وَزِينَتَهَا فَتَعَالَيْنَ أُمَتِّعْكُنَّ وَأُسَرِّحْكُنَّ سَرَاحًا جَمِيلًا (28) وَإِن كُنتُنَّ تُرِدْنَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَالدَّارَ الْآخِرَةَ فَإِنَّ اللَّهَ أَعَدَّ لِلْمُحْسِنَاتِ مِنكُنَّ أَجْرًا عَظِيمًا (29) يَا نِسَاءَ النَّبِيِّ مَن يَأْتِ مِنكُنَّ بِفَاحِشَةٍ مُّبَيِّنَةٍ يُضَاعَفْ لَهَا الْعَذَابُ ضِعْفَيْنِ ۚ وَكَانَ ذَٰلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرًا (30) وَمَن يَقْنُتْ مِنكُنَّ لِلَّهِ وَرَسُولِهِ وَتَعْمَلْ صَالِحًا نُّؤْتِهَا أَجْرَهَا مَرَّتَيْنِ وَأَعْتَدْنَا لَهَا رِزْقًا كَرِيمًا (31) يَا نِسَاءَ النَّبِيِّ لَسْتُنَّ كَأَحَدٍ مِّنَ النِّسَاءِ ۚ إِنِ اتَّقَيْتُنَّ فَلَا تَخْضَعْنَ بِالْقَوْلِ فَيَطْمَعَ الَّذِي فِي قَلْبِهِ مَرَضٌ وَقُلْنَ قَوْلًا مَّعْرُوفًا (32) وَقَرْنَ فِي بُيُوتِكُنَّ وَلَا تَبَرَّجْنَ تَبَرُّجَ الْجَاهِلِيَّةِ الْأُولَىٰ ۖ وَأَقِمْنَ الصَّلَاةَ وَآتِينَ الزَّكَاةَ وَأَطِعْنَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ)).
ففضّلت صفية دين الله ورسوله، والبقاءَ في المجتمع الاسلامي على الرجوع الى المجتمع اليهودي في خيبر. رضي الله عنها.
وقال الصالحي الشامي: "في حلم صفية - رضي الله تعال عنها - وروى أبو عمر بن عبد البر أن جارية لصفية قالت لعمر إن صفية - رضي الله تعالى عنها - تحب السبت، وتصل اليهود، فبعث إليها فسألها، فقالت: أما السبت فإني لم أحبه منذ أبدلني الله تعالى يوم الجمعة، وأما اليهود فإن لي فيهم رحما فأنا أصلها ، ثم قالت للجارية : ما حملك على ما صنعت ؟ قالت: الشيطان، قالت: اذهبي فأنت حرة"[35].
 
وفاتها:
في المستدرك: "توفيت صفية سنة اثنتي وخمسين في زمن معاوية وقبرت بالبقيع"[36].

 
________________________________________
الهوامش:
[1] الخصائص الفاطمية - الشيخ محمد باقر الكجوري - ج 2 - ص 147.
[2] مستدرك سفينة البحار - الشيخ علي النمازي الشاهرودي - ج 6 - ص 304.
[3] سبل الهدى والرشاد - الصالحي الشامي - ج 3 - ص 377.
[4] السيرة النبوية - ابن كثير - ج 2 - ص 298
[5] مجمع الزوائد - الهيثمي - ج 9 - ص 250.
[6] مستدرك سفينة البحار - الشيخ علي النمازي الشاهرودي - ج 4 - ص 22
[7] لسيرة الحلبية - الحلبي - ج 2 - ص 748.
[8] شرح مسلم - النووي - ج 9 - ص 221.
[9] لسان العرب / ابن منظور / نشر ادب الحوزة في قمن المشرّفة / طبعة محرّم 1405هـ – ج10 ص486.
[10] فتح الباري - ابن حجر - ج 7 - ص 301.
[11] مستدرك سفينة البحار - الشيخ علي النمازي الشاهرودي - ج 6 - ص 304.
[12] أحاديث أم المؤمنين عائشة - السيد مرتضى العسكري - ج 1 - ص 39.
[13] فتح الباري - ابن حجر - ج 7 - ص 359 - 362
[14] ذخائر العقبى - احمد بن عبد الله الطبري - ص 189 - 190
[15] تاريخ خليفة بن خياط - خليفة بن خياط العصفري - ص 49
[16] مسند احمد - الإمام احمد بن حنبل - ج 3 - ص 102 ، و صحيح البخاري - البخاري - ج 1 – ص98.
[17] صحيح البخاري - البخاري - ج 3 - ص 42 – 43.
[18] السنن الكبرى - البيهقي - ج 6 - ص 304 
[19] فتح الباري - ابن حجر - ج 7 - ص 367.
[20] المهذب البارع - ابن فهد الحلي - ج 3 - شرح ص 341.
[21] بحار الأنوار - العلامة المجلسي - ج 22 - ص 204.
[22] مسند احمد - الإمام احمد بن حنبل - ج 3 - ص 202 – 203.
[23] السيرة الحلبية - الحلبي - ج 2 - ص 748.
[24] مجمع الزوائد - الهيثمي - ج 9 - ص 251
[25] السيرة النبوية - ابن كثير - ج 4 - ص 645
[26] مجمع الزوائد - الهيثمي - ج 9 - ص 15 - 19
[27] مجمع الزوائد - الهيثمي - ج 9 - ص 250.
[28] السيرة الحلبية - الحلبي - ج 2 - ص 749.
[29] سبل الهدى والرشاد - الصالحي الشامي - ج 11 - ص 216.
[30] عمدة القاري - العيني - ج 22 - ص 122.
[31] المستدرك - الحاكم النيسابوري - ج 4 - ص 28
[32] سنن الترمذي - الترمذي - ج 5 - ص 367 - 368
[33] الأمالي - الشيخ الطوسي - ص 34.
[34] التاريخ الكبير - البخاري - ج 7 - ص 311
[35] سبل الهدى والرشاد - الصالحي الشامي - ج 11 - ص 217
[36] المستدرك - الحاكم النيسابوري - ج 4 - ص 28
 


قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat


نبيل محمد حسن الكرخي
 (للدخول لصفحة الكاتب إضغط هنا)

    طباعة   ||   أخبر صديقك عن الموضوع   ||   إضافة تعليق   ||   التاريخ : 2020/09/18



كتابة تعليق لموضوع : نبذة عن حياة صفية أم المؤمنين وتفنيد شبهات خصوم الاسلام 
الإسم * :
بريدك الالكتروني :
نص التعليق * :
 



حمل تطبيق (كتابات في الميزان) من Google Play



اعلان هام من قبل موقع كتابات في الميزان

البحث :





الكتّاب :

الملفات :

مقالات مهمة :



 إنسانية الإمام السيستاني

 بعد إحراجهم بكشف عصيانها وخيانتهم للشعب: المرجعية الدينية العليا تـُحرج الحكومة بمخالفة كلام المعصومين.. والعاصفة تقترب!!!

 كلام موجه الى العقلاء من ابناء شعبي ( 1 )

 حقيقة الادعياء .. متمرجعون وسفراء

 قراءة في خطبة المرجعية : هل اقترب أَجلُ الحكومةِ الحالية؟!

 خطر البترية على بعض اتباع المرجعية قراءة في تاثيرات الادعياء على اتباع العلماء

 إلى دعاة المرجعية العربية العراقية ..مع كل الاحترام

 مهزلة بيان الصرخي حول سوريا

 قراءة في خطبة الجمعة ( 4 / رمضان/ 1437هـ الموافق 10/6/2016 )

 المؤسسة الدينية بين الواقع والافتراء : سلسلة مقالات للشيخ محمد مهدي الاصفي ردا على حسن الكشميري وكتابيه (جولة في دهاليز مظلمة) و(محنة الهروب من الواقع)

 الى الحميداوي ( لانتوقع منكم غير الفتنة )

 السيستاني .. رسالة مهدوية عاجلة

 من عطاء المرجعية العليا

 قراءة في فتوى الدفاع المقدس وتحصين فكر الأمة

 فتوى السيد السيستاني بالجهاد الكفائي وصداها في الصحافة العالمية

 ما هو رأي أستاذ فقهاء النجف وقم المشرّفتَين السيد الخوئي بمن غصب الخلافة ؟

 مواقف شديدة الحساسية/٢ "بانوراما" الحشد..

أحدث مقالات الكتّاب :


مقالات متنوعة :





 لنشر مقالاتكم يمكنكم مراسلتنا على info@kitabat.info

تم تأسيس الموقع بتاريخ 1/4/2010 © محمد البغدادي 

 لا تتحمل الإدارة مسؤولية ما ينشر في الموقع من الناحيتين القانونية والأخلاقية.

  Designed , Hosted & Programmed By : King 4 Host . Net