صفحة الكاتب : مجتبى الساده

شبهات المستشرقين عن المهدوية
مجتبى الساده

المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الموقع، وإنما تعبر عن رأي الكاتب.

عند استقراء وتتبع دراسات وبحوث المستشرقين بصورة شاملة ، نجد ان كتاباتهم الموضوعية والمنصفة تتركز في تاريخ العلوم التجريبية عند المسلمين وتاريخهم الحضاري ، أما العلوم الدينية فلا نكاد نجد لها منصفاً في دراساتهم إلا قليلا جداً جداً ، لأنها مرتبطة بالإسلام والدعوة إليه .. وباعتبار أن القضية المهدوية من أعمق العقائد الإسلامية ، وخاصة دورها في الوقت الحاضر والمتوقع في المستقبل ، لذا نجد الاتجاه العام للمستشرقين غير منصف للمهدوية ومزيف لحقائقها ، ومن جهة أخرى نجد القليل جداً جداً من اتسمت بحوثهم بالموضوعية والأمانة ، وخلت اعمالهم من آثار التعصب ، ومع ذلك لا يعني خلو كتاباتهم من الزلات والاخطاء.  

تعد أزمة (المزاعم والشبهات التي يثيرها المستشرقون) من الأزمات التي تعتري معظم الكتابات الاستشراقية الدينية بصورة عامة وبالخصوص حول العقيدة المهدوية ، وسوف نشير إلى بعض تلك المزاعم المختلقة والتخرصات المبتدعة التي ذكرت في دراسات المستشرقين ، وبالتأكيد فأنه يقف خلف هذه الشبهات والاشكالات دوافع دينية (التبشير) أو دوافع سياسية (الاستعمار) .. علماً بأن من يلم بأبسط معارف الدين الإسلامي ، ويطلع على اطروحة مهدوية أهل البيت (ع) يجد أن هذه المزاعم هشة ، ولا تصمد على طاولة البحث العلمي والدراسة والنقاش ، وتفتقر للأدلة والبراهين العقلية والنقلية التي تثبتها أو تؤكدها.

إن رؤية الاستشراق للمهدوية تعكس اهتمامات الغرب ودوافعه التي لا تتطابق مع الحقائق والواقع ، وهذه الأفكار عرضة للنقد ، ومن هذه الرؤى والمواقف الذي تناقلها المستشرقون واحداً عن آخر ، ولاقت رواجاً بينهم بمرور الوقت (الافتراءات والمزاعم التي سنشير لها) ، وسنحاول مناقشته هذه الشبهات بشكل سريع وموجز ، وذلك للوقوف على رؤيتهم وإيضاح مدى ابتعادهم عن الحقيقة ، ومجانبتهم لقواعد البحث العلمي:-

 

· الشبهة (1): أن فكرة المنقذ والمخلص موجودة قبل الإسلام عند ديانات سابقة ، فأخذ المسلمون الفكرة من الديانات الثلاث (اليهودية والمسيحية والزرادشتية) ، كما ذكر ذلك المستشرق جيمس دارمستيتير في كتابه (المهدي الماضي والحاضر) ([1]) ، بمعنى أن عقيدة المسلمين في المهدوية غير أصيلة ، وقد أكد هذا الزعم أيضاً المستشرق فيليب هيتي في بحثه عن (المهدي) الذي كتبه في دائرة المعارف الكاثوليكية الامريكية حيث يقول:"إن المهدي عند الشيعة ما هو إلا انعكاس للمعتقد اليهودي والمسيحي"([2]).   

o جـــ (1): إن الاسباب والدوافع لمثل هذا الزعم واضحة جداً ، بالإضافة لما يشعرون به من خطر ازاء العقيدة المهدوية مستقبلاً ، فعملوا كل ما في وسعهم من أجل تشويه صورتها أمام شعوبهم وأمام كل من يؤمن بها .. ولذا نقول ونؤكد: إن العقل السليم والمنطق العلمي قد يسمح ويقبل بهذا التوهم والافتراء لو كانت اطروحات المخلص للديانات السابقة أغنى وأقدر من الاطروحة المهدوية الإسلامية ، لكن اذا كانت المهدوية التي انبثقت على يد رسول الله (ص) وأهل بيته (ع) أوسع وأكمل وأحكم وأرحب آفاقا مما سبقه ، فكيف يتصور ان يأخذ الغني من الفقير ، وان يستعين العالم بالبسيط ، ولكن الحقيقة أنه التعصب الديني والعداء التاريخي للإسلام.

· الشبهة (2): التشكيك بأن المهدي (المنقذ والمخلص) آخر الزمان من المسلمين أو من احفاد محمد - الرسول الاكرم (ص) - أو كما يدعي المسلمين بأن المهدي من وِلَّدْ محمد ، ولكن التاريخ يثبت أنه قد مات ولم يترك أحد من الأبناء الذكور ، إذن فكرة المهدي الإسلامي مشكوك بها .. وقد صرح بهذه الفكرة كثير من المستشرقين ومنهم المستشرق جيمس دارمستيتير في كتابه (المهدي الماضي والحاضر) ([3]).  

o جـــ (2): طرح غريب يتجاوز ظاهرة (حكايات العجائز) ، فمن المؤكد دخول وِلَّدْ البنات في ذرية الرجل([4]) ، وإن الإمام المهدي (ع) من نسل النبي محمد (ص) من اولاد ابنته فاطمة الزهراء (ع) كما هو متفق عليه عند جميع المسلمين ، فهو من صلب الإمام الحسين (ع) كما تؤكد الاطروحة المهدوية الإمامية ، أو من نسل الإمام الحسن (ع) كما يقول أهل السنة ، ففي كلتا الاطروحتين هو من نسل النبي الاكرم (ص) ، هذا هو الحق الذي عمي عنه المستشرقون أو أغمضت عيونهم عنه .. أما اذا قلنا أن المهدي ليس من احفاد الرسول محمد (ص) لأنه ليس من وِلَّدْ أحد الذكور ، فعلى هذا الاساس بحسب قول أو زعم المستشرقين انفسهم يكون النبي عيسى (ع) ليس من وِلَّدْ النبي ابراهيم (ع) ، ولا معنى لأن يتشبث المسيحيون بأنه من نسل يعقوب (ع) ، فأن عيسى إنما ينسب إلى بني اسرائيل بأمه مريم ، فإنه لا أب له ، ولكن (جده والد مريم) من وِلَّدْ سليمان بن داود (ع).

لقد تجرأ المستشرقون على هذا الغمز والطعن في المهدوية ، لأنهم وجدوا جذور هذه المطاعن والمزاعم في تراث المسلمين ، وارادوا بذلك تشويه وتقويض المهدوية من محتواها ، وسلخها من محوريتها الإسلامية ، فليس هناك أي مسوغ للشبهة أو مبرر لهذا الافتراء ، ولكن الحقيقة هي ادعاءات لا تستند إلا لرغبتهم في فرضها.  

· الشبهة (3): مدعوا المهدوية في كل البلاد الإسلامية إذا نجح أحد منهم ، فهذا يعني أن تنبؤات محمد صادقة ، ولكن إلى الآن لم يبرهن أحد على نجاح مهمته السماوية ، مما يدعونا للتشكيك في صدق محمد([5]).

o جـــ (3): كيف استدل المستشرقون على هذا الزعم والافتراء؟ ومن اين فُهِمَ ان الرسول الاكرم (ص) كان يقصد وقتنا الحالي ، وليس آخر الزمان؟  ومن أين عُرِفَ أننا في آخر الزمان كما كان يقصده (ص)؟ وهل تحققت شروط ومسوغات خروج المهدوية؟ ومن قال أن هؤلاء المدعين للمهدوية في التاريخ والحاضر ، هم من كان يقصدهم رسول الله (ص) ، حتى نطالب بتحقيق كلامه (ص) ؟ علماً بأن أي من العلامات المحتومة الذي قالها (ص) لخروج المهدي (ع) لم يتحقق منها شئ ، أي حسب منطق واخبار رسول الله (ص) لم يحن موعد خروجة ، فكيف نشكك في صدقه !!! ، أم هي إرادة الطعن في النبي الاكرم (ص) وتشويه صورة المهدوية الحقة. 

 

· الشبهة (4): التشكيك في العقيدة المهدوية من الإساس ، واستغلال الكثير من الملابسات والفجوات الفكرية الموجودة في تراث المسلمين للتشكيك في مهدوية أهل البيت (ع) ونسفها من الأصل ،  كما ذكر ذلك المستشرق فيليب هيتي في بحثه عن (المهدي) حيث يقول:"إن هناك رواية تشير إلى كون عيسى هو المهدي نفسه"([6]) ، أو الاستهزاء بالمهدوية وذكر فرية السرداب كما ذكر ذلك المستشرق رونلدسن في كتابه (عقيدة الشيعة) ([7]) والاستشهاد بكلام ابن بطوطة وأهل العامة.

o جـــ (4): إن خبر (لا مهدي إلا عيسى ابن مريم) ([8]) خبر أحاد ، ويعده المحدثيين من الأخبار الضعيفة .. ولما كان الخبر ضعيفاً لا يمكن تقديمه وحتى لو كان صحيحاً على الأخبار المتواترة ، حيث استفاضت الأخبار بكثرة رواتها في الإمام المهدي (ع) ، وأنه من عترة النبي محمد (ص) من ولد فاطمة (ع) وأنه ينزل في زمنه عيسى بن مريم (ع) فيصلي خلفه ويساعده على قتل الدجال ، هذا مضافاً إلى تواتر الأخبار بأن اسمه (م ح م د) ، فلا يصح حينئذ تقديم الخبر الواحد الثقة ، عدا عن الضعيف ، على الأخبار المتواترة .. بكل تأكيد إن اصحاب هذه الشبهة لم يحكموا المعايير العلمية في نقد الحديث ، ولو طبقوا المنهج العلمي لبدأ لهم هذا الحديث الغريب اليتيم (متهافتاً جداً) ، ووضح لهم ان التناقض والتعارض لا يكون قوياً ومستحكماً إلا اذا تكافأت الروايات المتعارضة ، وأين هذا التكافؤ بين الاحاديث المتواترة الواردة في الإمام المهدي وحديث واحد ضعيف تفرد بروايته شخص مجهول .. فلا ندري!! هل المستشرق فيليب هيتي يعلم بطرق الحديث ومتونه أم يجهلها؟ حتى يستشهد بهذا الحديث الوحيد الغريب الضعيف في نفيه للمهدوية الإسلامية ، ومن هنا نعرف حرص المشككين للتمسك بهذا الخبر ، وذلك لقلة ما بأيدهم من أدلة.

 إن هذا الكلام والزعم والافتراء وراءه ما خفي من اغراض ودوافع ، فالتركيز على القول (بمهدوية عيسى) يدل على أن هناك طريقة انتقائية مغرضة (في منهجية البحث) تهدف إلى افراغ المهدوية من أصولها ونسبتها إلى مصادر أخرى ، وزعزعة مكانتها العالية في نفوس المؤمنين .. وكذلك هناك خطأ (منهجي كبير) ، حيث الاعتماد في المصادر على مدرسة واحدة من المسلمين ، دون معرفة الفروق المذهبية أو إدراك الدوافع والاهداف. 

· الشبهة (5): تزييف حقيقة المهدي المنتظر (ع) وذلك بالإدعاء أنه الدجال المنبوذ في كل الأديان السماوية ، كما يقول الكاتب الامريكي المعاصر: جويل ريتشاردسون في كتابه (المسيح الدجال الإسلامي حقائق صادمة) حيث ذكر: "إن المسلمين ينتظرون المسيح الدجال لا ليرفضوه بل ليقبلوه" ، وزعم أيضاً "إن المهدي يتشابه تماماً مع المسيح الدجال"([9]) .. وقد أكد هذه الافتراءات أيضاً المستشرق (جون ولفوورد) في كتابه (المسيح الدجال) بقوله: "أن المسيح الدجال هو نفسه المهدي الذي ينتظره المسلمون" .. وأكد هذا الزعم أيضاً الكاتب الامريكي المعاصر: مايكل يوسف في كتابه (نهاية الزمان وسر المهدي) .. ودائماً وتكراراً يتم ربط المهدوية بالدجال أو بالنبي الكاذب في كتابات المستشرقين المتأخرين.

o جـــ (5): هذا الزعم والإدعاء محض افتراء ، وليس هناك أي دليل من مصدر إسلامي يؤكد هذا التخرص ، والغريب جداً أن يتهم هؤلاء نبي الإسلام (ص) بأن الدجال من ذريته ، في حين أن المصادر الإسلامية تؤكد أن الرسول (ص) حذر أمته من فتنة الدجال ، وفي الوقت نفسه مدح المهدي وحث المسلمين على إتباعه ، فلا ندري لماذا المستشرقون لم يتطرقوا إلى أحاديث الرسول (ص) حول حقيقة المهدي وحقيقة الدجال اجمالا لإيضاح الرؤية .. ولكن موقف المستشرقين خاضع لافتراضات لا تقوم على دليل ، ومحاولة جعلها في مستوى الحقائق ، مما يعكس صورة للقارئ أن المهدوية (منبع للشر) ، وهذا منهج خطير في اطار قلب الحقيقة والواقع.

· الشبهة (6): الزعم أن فكرة مهدي المسلمين ليست سماوية أو من قبل الوحي ، بل هي نفسية اجتماعية بسبب الظلم الذي تعرض له الشيعة في التاريخ ، حيث يقول المستشرق (دوايت رونلدسن) في كتابه (عقيدة الشيعة): "الاخفاق الذي أصاب الحكومة الأموية في توطيد أركان العدل هو المنشأ لظهور فكرة المهدي"([10]) ، وأكد على الفكرة نفسها المستشرق (جولدتسيهر) في كتابه (العقيدة والشريعة في الإسلام) حيث يقول: "لابد من تأسيس فكرة الآمال الصامتة لتهدئة روع الناس ، ومن أجلى مظاهر فكرة الآمال الصامتة مسألة المهدي"([11]) ، وكذلك المستشرق (فان فلوتن) في كتابه (السيادة العربية) حيث قال: "ولا يفوتنا أن نذكر أولاً أن ذلك المثل الأعلى للعدالة والمساواة قد ظل وهماً من الأوهام ، حتى إن حاجة الشرقيين اليوم إلى مهدي يملأ الأرض عدلاً لم تكن أقل منها في عهد بني أمية .. ولم يكن جور النظام العباسي وعسفه منذ قيام الدولة العباسية بأقل من النظام الأموي المختل ، فحفز النفوس إلى التمسك بعقيدة المهدي والتطلع إلى ظهوره لتخليصها من قسوة ذلك النظام الجديد وجوره"([12]).

o جـــ (6): إن العقيدة المهدوية أصلها وجذورها انبثقت من ركني الإسلام (القرآن الكريم والسنة الشريفة) ، ومنبع الفكرة عند المسلمين هي المصادر الرئيسية للشريعة الإسلامية ، فالفكرة ليست شيعية وليس لها علاقة باضطهاد الشيعة ، فأكابر علماء العامة اخرجوا أحاديث المهدي حيث بلغت فوق الاربعمائة خبر وبطرق متعددة ، إضافة إلى ذلك قام الإجماع بين المسلمين وتصافقت عليه الأخبار المتواترة والتي بلغت المئات ، وكلها دلت على أن خروج المهدي من المحتوم ، وأن تاريخ صدور هذه الأخبار كان قبل نشوء الدولة الأموية عام 41 هـ .. فلا ندري من أي عباءة اخرج دونالدسن وغيره من المستشرقين هذا التوهم ، وبكل تأكيد يهدفون من هذا الموقف والتحليل والاستنتاج اضعاف البعد الغيبي للمهدوية ، واحالة الفكرة إلى اسباب من صنع البشر ، وهذا فيه اسقاط متعمد للجانب العقائدي والبعد الروحي فيها.

· الشبهة (7): إن فكرة مهدي المسلمين مختلقة من الخيال ، وليست هناك أدلة تثبت المهدي لا من القرآن ولا من السنة ، حيث يقول المستشرق (دوايت رونلدسن) في كتابه (عقيدة الشيعة): "إن روايات المهدي موضوعة في عصر ما قبل تدوين السنة النبوية ، وان الكتب الروائية السُنّية قد خلت من هذه الروايات " .. وقال أيضاً: "إن سر وضع الحديث عند الشيعة هو ان القرآن لم يذكر الإمام فأستغلوا السنة لذلك"([13]). 

o جـــ (7): نؤكد ونقول: لا تقتصر البشارة بالإمام المهدي (ع) على القرآن الكريم والأحاديث الشريفة فقط ، بل إن الأديان والكتب السماوية التي سبقت الإسلام قد بشرت به أيضاً ، ولإيضاح منبع فكرة المهدوية بالنسبة للمسلمين نذكر:-

- بالنسبة للقرآن الكريم: من قال كل ما لم يذكر في القرآن ليس له وجود ، ثم من قال ان الإمام المهدي (ع) لم يرد له ذكر في القرآن ، فإن هناك آيات وإشارات عديدة (بالعشرات) فسرتها الأحاديث الشريفة في المهدي المنتظر .. وإن من يطلع على المعارف القرآنية يدرك أن كتاب الله قد تطرق إلى القضية المهدوية بطرق وأساليب شتى ، ويمكن تلخيص منهج القرآن الكريم بالآتي:

أولاً: تحدث القرآن عن وجود إمام لكل زمان وبعنوان (الإمامة) ، والمهدي إمام الزمان الحالي ([14]).

ثانياً: بشر القرآن بوعد إلهي بنشر العدل في كافة بقاع الأرض ، على يد الإمام المهدي (عج)([15]).

ثالثاً: ذكر القرآن بعض الحوادث المرافقة لقيام الإمام المهدي(ع) ([16]).

من هنا نؤكد أن لفظة أو مصطلح (المهدي) لم يذكر في القرآن صراحة ، ولكن هناك بعض الآيات الكريمة مفسرة ومؤولة في المهدي المنتظر .. ويمتلك التراث الشيعي الاثني عشري مجموعة كبيرة من الكتب والأبحاث التي تتحدث عن الإمام المهدي في القرآن الكريم ، فنجد مثلا في كتاب (المحجة فيما نزل في القائم الحجة) لهاشم البحراني ، حيث ذكر 120 آية كريمة فسرت او أُولت في المهدي.    

- بالنسبة للسنة الشريفة([17]): قد تحدث الرسول (ص) بما لا يدع مجالاً للشك من أن وجود المهدي في الأمة ثابت ، فقد وردت أحاديث الإمام المهدي في العديد من الكتب المعتبرة عند أهل السنة ، منها على سبيل المثال مسند أحمد وسنن ابن ماجة وسنن أبي داود وسنن الترمذي ، أما بالنسبة للشيعة الإمامية فقد اتفقت كلمتهم وتوحدت كتبهم في ذكر أحاديث الإمام المهدي (عج) .. إن النصوص والروايات الشريفة قد تواترت حول المهدي وأخباره وعلامات ظهوره ، ويمكن القول إن موضوع المهدي قد احتل مساحة واسعة من الحديث والرواية ، فنجد مثلا في موسوعة (معجم أحاديث الإمام المهدي) ما مجموعه 1861 حديثاً متعلقة بالمهدي ، استخرجت من مصادر مختلفة.

فهذه الاحصائيات تعطي فكرة عامة عن مكانة المهدوية عند المسلمين ، ومصدر انبثاق وجذور الفكرة لديهم.

 

· الشبهة (8): مهدي المسلمين هو الذي يشكل الكثير من المشاكل والمتاعب للعالم ، فمغامرات مدعي المهدوية في التاريخ الماضي والحاضر خير دليل ، وكذلك المستقبل المنظور والمحتمل للمهدي لن يختلف عن الوضع الحالي .. وقد صرح بهذه الفكرة بعض من المستشرقين ولعل أولهم جيمس دارمستيتير في مقدمة  كتابه (المهدي الماضي والحاضر) ([18]).  

o جـــ (8): إن رؤية معظم المستشرقين للمهدوية من الناحية الفلسفية تقوم على أساس صراع الحضارات ومعارضة الثقافات ، وهذه الرؤية تأصلت في اطار فكري لا ينسجم مع روح ومبادئ وأهداف المهدوية ، المبنية على أسس نشر القسط والعدل لكل البشرية ، ومصداقيتها أنها من وحي السماء وليس من صنع البشر .. ولكن الكتابات والابحاث الاستعمارية لا تقبل هذا الكلام: لأن المهدوية تتعارض مع مصالحهم ولابد من محاربتها والقضاء عليها .. علماً بأن الكثير من مدعي المهدوية انطلقوا في مهمتهم بتدبير ودعم ومساندة من المخابرات الاجنبية ، واوضح مثال على ذلك: البهائية والقاديانية والبابية.

سلك المستشرقون الذين تناولوا العقيدة المهدوية منهجاً واحداً يكاد لا يختلف ، وما ذكرنا لمثل هذه المزاعم والإختلاقات التي اقتبسناها من بعض كتب المستشرقين إلا عرض صورة توضيحية لمواقفهم ونظرتهم ورؤيتهم للمهدوية الإسلامية .. وليس هناك شك من أنهم قد غالوا في آرائهم وبالغوا في إظهار الشبهات إلى حد كبير بهدف التقليل من أصالة العقيدة المهدوية ، وتقويض مبادئها ، والقضاء عليها من الأساس.

وبعد أن أشرنا بشكل موجز إلى رؤية المستشرقين للمهدوية ، يمكننا الخروج بالنقاط التالية:-

- إن معظم الاراء والاستنتاجات الاستشراقية التي صدرت بحق المهدوية ، تدل على أنها كانت احكاماً مبنية على افكار مسبقة.

- أطلق المستشرقون مصطلحات (كالخرافة والأسطورة وبلغة الاستهزاء) بحق المهدوية ، وهذا لا يمت إلى منهج البحث العلمي بأية صلة ، ولكنه دلالة واضحة على الأهداف والدوافع التي ينطلقون منها.

- ركز المستشرقون على بعض الروايات والاخبار الضعيفة عند المسلمين ، وكان الهدف منها النيل من أصالة المهدوية ومكانتها والتشكيك فيها.

- إشكالات واخطاء منهجية عديدة في بحوثهم عن المهدوية - مقصودة - ، ابعدتهم عن الموضوعية العلمية والمنطق العقلي ، ولكنها في الأساس تخدم اغراضهم.

- التشكيك في أصالة المهدوية الإسلامية واضفاء صفة التبعية ، أو أنها مقتبسة من ديانات سابقة ، أو إن الفكرة ليست سماوية (من قبل الوحي) بل نتيجة لظلم واضطهاد سياسي.

- الصاق الفكرة بالطائفة الشيعية فقط ، وأخذ ماكتب من طعن وتشويه بالمهدوية في كتب وتراث المدارس الإسلامية الأخرى أخذ المسلمات بلا ادنى تحليل أو نقاش. 

بنظرة كلية شاملة وبتتبع دقيق نلحظ ان المستشرقين لهم مواقف ورؤى ثابتة من المهدوية ، فتكرار المزاعم والشبهات واجترارها باستمرار ، ومن دون أي تجديد أو تطوير فيها ، يدل على عدم علمية أو منطقية هذه الاشكالات ، إنما للتشكيك والتشويه والرغبة في فرض الافتراءات.

إننا مطالبون بتصحيح الرؤية عن مهدوية أهل البيت (ع) لدى الشعوب والرأي العام (الآخر) ، وطرحها بصورتها الحقيقية وشكلها الحضاري ، وإيضاح المستقبل المتألق الذي ينتظر البشرية على يد الإمام المهدي (عج) .. فلو أحسنا عرض المهدوية وأوضحنا أهدافها ، وعملنا على الترويج لها ، وكان ذلك بحكمة وبأساليب علمية وحضارية ، فسيتم حينها دحض كل الشبهات والمزاعم التي ينشرها المستشرقون بيسر وسهولة. 

 

([1])  The Mahdi Past and Present , 1st  Edition, 1st Chapter, Pages 11-15 , 1885, NY- USA

([2])  See (al-Mahdi) in New Catholic Encyclopedia, Second Edition, Volume 9 – Page 48, 2002, USA

       دائرة المعارف الكاثوليكية الامريكية – لفظة (المهدي) ، المجلد 9 ، ص 48 .. كتب بواسطة: فيليب هيتي.

([3])  The Mahdi Past and Present , 1st  Edition, 2nd Chapter, Page 16 , 1885, NY- USA

([4])  قال تعالى في كتابه الكريم: {وَوَهَبْنَا لَهُ إِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ ۚ كُلًّا هَدَيْنَا ۚ وَنُوحًا هَدَيْنَا مِن قَبْلُ ۖ وَمِن ذُرِّيَّتِهِ دَاوُودَ وَسُلَيْمَانَ وَأَيُّوبَ وَيُوسُفَ وَمُوسَىٰ وَهَارُونَ ۚ وَكَذَٰلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ (84) وَزَكَرِيَّا وَيَحْيَىٰ وَعِيسَىٰ وَإِلْيَاسَ ۖ كُلٌّ مِّنَ الصَّالِحِينَ (85) وَإِسْمَاعِيلَ وَالْيَسَعَ وَيُونُسَ وَلُوطًا ۚ وَكُلًّا فَضَّلْنَا عَلَى الْعَالَمِينَ} ، سورة الانعام : آية 84-86.

([5])  The Mahdi Past and Present: Translator’s Preface – Ada S. Ballin , Page 4

([6])  دائرة المعارف الكاثوليكية الامريكية – لفظة (المهدي) ، المجلد 9 ، ص 48 .. كتب بواسطة: فيليب هيتي.

([7])  كتاب: عقيدة الشيعة ، دوايت رونلدسن ، تعريب ع.م. الطبعة الأولى 1946م – القاهرة ، ص 247 و 248.

([8])  ذكر الحديث ابن ماجه في سننه ج2 ص340 حديث 4039 ، ولقد ضعف جمع من علماء أهل العامة هذا الحديث الغريب ، وقد قدحوا بمحمد بن خالد الجندي من سلسلة سند الرواة ، وقالوا عنه مجهول.

([9])  The Islamic Antichrist – Joel Richardson , 2009 , Pages 80 , 94 & 187

([10])  كتاب: العقيدة والشريعة في الإسلام  ، اجناس جولدتسيهر (1850م -1921م) ، ترجمة: محمد يوسف موسى وآخرون ، الطبعة الأولى 1959م – القاهرة ، الناشر: المركز القومي للترجمة ، ص 85.

([11])  كتاب: عقيدة الشيعة ، دوايت دونالدسن ، تعريب ع.م. الطبعة الأولى 1946م – القاهرة ، ص 231.

([12])  كتاب: السيادة العربية ، ج. فان فلوتن ، ص  132 .. وكتاب : السيطرة العربية ، ج. فان فلوتن ، ص 118.

([13])  كتاب: عقيدة الشيعة ، دوايت دونالدسن ، الطبعة الأولى 1946م – القاهرة ، ص 231.

([14])  قال تعالى: {يَوْمَ نَدْعُو كُلَّ أُنَاسٍ بِإِمَامِهِمْ} ، سورة الإسراء : آية 71.

([15])  قال تعالى: {وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُم فِي الْأَرْضِ} ، سورة النور : آية 55.

([16])  قال تعالى: {وَاسْتَمِعْ يَوْمَ يُنَادِ الْمُنَادِ مِن مَّكَانٍ قَرِيبٍ & يَوْمَ يَسْمَعُونَ الصَّيْحَةَ بِالْحَقِّ ذَلِكَ يَوْمُ الْخُرُوجِ}، مصداق لعلامة الصيحة السماوية ، سورة ق : آية 41-42.

([17])  الأحاديث الشريفة: هي وحي يوحى ، قال تعالى: {وَمَا يَنطِقُ عَنِ الْهَوَىٰ & إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَىٰ} سورة النجم: آية 3 و 4 ..  وقد قال تعالى: {مَّن يُطِعِ الرَّسُولَ فَقَدْ أَطَاعَ اللَّه} سورة النساء : آية 80.

([18])  The Mahdi Past and Present , 1st Edition, Page 5 , 1885, NY- USA

 


قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat


مجتبى الساده
 (للدخول لصفحة الكاتب إضغط هنا)

    طباعة   ||   أخبر صديقك عن الموضوع   ||   إضافة تعليق   ||   التاريخ : 2020/09/12



كتابة تعليق لموضوع : شبهات المستشرقين عن المهدوية
الإسم * :
بريدك الالكتروني :
نص التعليق * :
 



حمل تطبيق (كتابات في الميزان) من Google Play



اعلان هام من قبل موقع كتابات في الميزان

البحث :





الكتّاب :

الملفات :

مقالات مهمة :



 إنسانية الإمام السيستاني

 بعد إحراجهم بكشف عصيانها وخيانتهم للشعب: المرجعية الدينية العليا تـُحرج الحكومة بمخالفة كلام المعصومين.. والعاصفة تقترب!!!

 كلام موجه الى العقلاء من ابناء شعبي ( 1 )

 حقيقة الادعياء .. متمرجعون وسفراء

 قراءة في خطبة المرجعية : هل اقترب أَجلُ الحكومةِ الحالية؟!

 خطر البترية على بعض اتباع المرجعية قراءة في تاثيرات الادعياء على اتباع العلماء

 إلى دعاة المرجعية العربية العراقية ..مع كل الاحترام

 مهزلة بيان الصرخي حول سوريا

 قراءة في خطبة الجمعة ( 4 / رمضان/ 1437هـ الموافق 10/6/2016 )

 المؤسسة الدينية بين الواقع والافتراء : سلسلة مقالات للشيخ محمد مهدي الاصفي ردا على حسن الكشميري وكتابيه (جولة في دهاليز مظلمة) و(محنة الهروب من الواقع)

 الى الحميداوي ( لانتوقع منكم غير الفتنة )

 السيستاني .. رسالة مهدوية عاجلة

 من عطاء المرجعية العليا

 قراءة في فتوى الدفاع المقدس وتحصين فكر الأمة

 فتوى السيد السيستاني بالجهاد الكفائي وصداها في الصحافة العالمية

 ما هو رأي أستاذ فقهاء النجف وقم المشرّفتَين السيد الخوئي بمن غصب الخلافة ؟

 مواقف شديدة الحساسية/٢ "بانوراما" الحشد..

أحدث مقالات الكتّاب :


مقالات متنوعة :





 لنشر مقالاتكم يمكنكم مراسلتنا على info@kitabat.info

تم تأسيس الموقع بتاريخ 1/4/2010 © محمد البغدادي 

 لا تتحمل الإدارة مسؤولية ما ينشر في الموقع من الناحيتين القانونية والأخلاقية.

  Designed , Hosted & Programmed By : King 4 Host . Net