صفحة الكاتب : د . نبيل ياسين

من الذي يسيس القضاء.. المالكي أم الهاشمي؟
د . نبيل ياسين

المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الموقع، وإنما تعبر عن رأي الكاتب.

سأتبع مبدأ (لا يعرف الحق بالرجال، وإنما يعرف الرجال بالحق) وتفسير ذلك واضح. فالرجال لايزكون الحق لانهم يميلون بينما الحق ثابت لايميل. ولذلك سأكتب قناعتي لاني ارى الحق واحكم على الرجال والوقائع من خلال هذا الحق.

من الذي يسيس القضاء، المالكي ام الهاشمي؟
دستوريا، فان كلا من المالكي والهاشمي عضوان في الحكومة وموظفان سياسيان يمثلان مناصب دستورية تتطلب احترام القانون والحفاظ على الدستور. وقد أديا اليمين الوارد في الدستور، لان الدستور يطبق بواسطة سيادة القانون. وهذا مبدأ دستوري.  فاذا تم خرق القانون انتهى الدستور وتعطل.

http://www.iraqup.com/up/20120304/LH5da-5Xu3_868285275.jpg

المالكي رئيس وزراء العراق دستوريا وعليه تطبيق القانون حتى على نفسه. وسيتعجب كثيرون حتما وسيقولون: ماذا دهاك يا نبيل، هل تصدق ان المالكي سيطبق القانون على نفسه؟ فاقول يجب ان اصدق بالدستور وهذا امر مهم جدا. فنسبة كبيرة جدا من السياسيين لا تؤمن بالدستور ولاتصدقه. وهذه هي المشكلة. المشكلة في عدم تصديق الدستور والايمان به. وانا اصدّق الدستور العراقي وأومن به ولذلك اطالب واعترض وانتقد حتى لو تم خرق الدستور بمحاولة حرماني من هذا الحق. لاني ساعتمد على ايماني بالدستور للدفاع عن حقي في التعبير وحقوقي الاخرى. ومشكلة السياسيين العراقيين انهم وضعوا دستورا لايصدقونه ولايؤمنون به. اما انا فاصدق بالدستور، ولذلك اؤمن بان الدستور يعلو على رئيس الجمهورية ورئيس الوزراء ومجلس الوزراء ورئيس البرلمان واعضاء البرلمان والموظفين الكبار. وبدون هذا الايمان لا استطيع الاصرار على الدفاع عن حقوقي الدستورية. وعلى جميع العراقيين ان يصدقوا الدستور. فالشعوب التي اقامت انظمة ديمقراطية اقامتها عن طريق تصديقها بالدستور وايمانها به.
المالكي اذن سيطبق القانون على نفسه اذا وجهت اليه تهمة من القضاء بخرق القانون. هذا هو عمل الدستور وسموه وعلوه.
حسنا. ماذا يفعل المالكي، وهو رئيس السلطة التنفيذية، في حالة وجود ادلة وقرائن لاتهام (وليس لتجريم، فالتجريم من صلاحية القضاء) مسؤول في الدولة هو نائب رئيس الجمهورية بممارسة القتل والتفجير والاغتيال؟ لو كنت مكانه لصعقت ولركضت من باب رئاسة الوزراء الى اقرب قاض كما يركض عدائو المائة متر، وسلمته لوائح الاتهام. فالمنصب ليس منصب موظف صغير. انه منصب الرئاسة، والخرق الدستوري يهدد مصير البلاد سياسيا وامنيا وثقافيا. فاذا كانت الرئاسة تمارس القتل والتفجيرات والاغتيالات فهذا يعني ان هناك حالة ثقافية متدنية للممارسة السياسية ولمناصب ادارة الدولة وخرقا للقانون وللدستور وحنثا باليمين.
مافعله المالكي بصفته رئيسا للسلطة التنفيذية هو انه مارس العدو السريع للاعلان عن التهمة عبر وسائل الاعلام قبل ان ينيط بالقضاء تولي هذه المهمة ، فما وجده المالكي يشبه مايجده صحفي محترف مستندا الى المبدأ الصحفي التقليدي: اذا عض كلب انسانا فهذا ليس خبرا، لانه طبيعي . ولكن اذا عض الانسان كلبا فهذا خبر جديد . فنائب لرئيس الجمهورية يمارس الارهاب ويشرف عليه من خلال حمايته مستخدما اجهزة الدولة يعتبر خبرا صاعقا فهو غير مكرر وغير طبيعي. اي ان كثرة الانفجارات والاغتيالات لم تعد خبرا في صحف العرب والعالم . ولكن اتهام نائب رئيس جمهورية في اي بلد بممارسة القتل والتفجير تحت غطاء الدولة يصبح اول الاخبار، فليس من الطبيعي ولا من التلقائي ان تكون (وظيفة) نائب رئيس جمهورية هي القتل والتفجير والاغتيال، وليس هناك دستور في العالم يتضمن مهمات لنائب رئيس جمهورية مثل تلك المهمات.
سأفترض ان المالكي وجدها فرصة للاطاحة بنائب رئيس الجمهورية. فالخصومات والمنافسات السياسية ليست حكرا على حكومة العراق في ظل تباين مكوناتها واحزابها. ففي الحكومة الواحدة التي تمثل حزبا واحدا يحدث هذا ويطيح هذا بذاك ويطلب منه الاستقالة. فالمشكلة ليست كيف استفاد المالكي من اتهام نائب رئيس الجمهورية ،ولكن المشكلة هي كيف يمكن معالجة (تورط) هذا النائب باعمال ارهابية؟ وكيف يمكن بناء وادارة دولة بعض قادتها متهمون بقتل مواطنيها بالجملة؟

لنبدأ بالخطوة الاولى باتجاه القانون

سيقول كثيرون يجب محاكمة الجميع. وهذا صياح غوغائي لان العقل  الانقلابي والايديولوجي الجمعي يفكر بالطريقة الجمعية ولذلك ترتكب المذابح الجماعية في الانظمة الدكتاتورية. مشكلتنا  هي اننا دائما نعيد الامور الى نقطة الصفر. وهكذا لانتقدم. اريد ان اؤمن بمايلي: ساطالب بتقديم نائب رئيس الجمهورية الى المحكمة ونرى ماذا يحدث. وبعد ذلك نطالب بتقديم اي متهم للمحكمة بغض النظر عن منصبه. هكذا يتحقق حكم القانون.
مشكلة اخرى في العقل السياسي العراقي . اذا القت الشرطة القبض على لص من عصابة من خمسة لصوص فليس من حق اللص الذي القي عليه القبض المطالبة باطلاق سراحه حتى يتم القاء القبض على الاربعة الباقين. صدقوني ان ما يحدث في العراق هو هذا. ما ان يلقى القبض على متهم بالارهاب ويقدم للمحاكمة ويصدر عليه حكم، حتى يصيح الجميع : لايحق لهم القاء القبض على ارهابي ومحاكمته والحكم عليه قبل القاء القبض على جميع الارهابيين مرة واحدة.
اذا اتضح ان نائب رئيس الجمهورية قد قام بتلك الافعال التي يتهم بها، فانه من المرجح ان يكون قد حنث بالقسم ايضا. وهي تهمة واجهها الرئيس الامريكي الاسبق بيل كلينتون عام 1998وادت الى التحقيق معه.
تنص المادة 50 من الدستور العراقي على ان يؤدي عضو مجلس النواب( والرئيس ونوابه ورئيس الوزراء اعضاء في البرلمان اولا) اليمين الدستورية امام المجلس قبل ان يباشر عمله بالصيغة الآتية: اقسم بالله العظيم ان أؤدي مهماتي ومسؤولياتي القانونية ، بتفان واخلاص، وان احافظ على استقلال العراق وسيادته، وارعى مصالح شعبه، واسهر على سلامة ارضه وسمائه ومياهه وثرواته ونظامه الديمقراطي الاتحادي، وان اعمل على صيانة الحريات العامة والخاصة واستقلال القضاء والتزم بتطبيق التشريعات بامانة وحياد والله على ما اقول شهيد).
ولذلك فان قبول نائب رئيس الجمهورية للمثول امام القضاء واجراء المحاكمة هو وفاء للدستور وسيحقق احد امرين كلاهما مهم لتطور وسيادة الدولة القانونية والدستورية في العراق.اما براءته، وهذا يثبت لنا ان الاتهامات سياسية وانها استغلت لتسقيطه والتشهير به، وبالتالي نستطيع ان نثبت استقلال القضاء وعدم التأثير عليه سياسيا، وسيكون ضربة قاصمة  للحكومة ورئيسها. واما ادانته ( اذا ادين بطريقة سليمة) وهذا يحقق سيادة القانون على المناصب ، وان القادة السياسيين ليسوا على ذلك القدر من المسؤولية الدستورية والاخلاقية التي تناط بهم للحفاظ على مواطنيهم وحمايتهم . وهناك شيء اخر هو الحنث بالقسم وهو امر خطير آخر . فقد لايكون اتهام نائب رئيس الجمهورية بممارسة القتل صحيحا ولكنه قد يكون حنث بالقسم او انتهك الدستور. وقد لايكون طبعا.
فالمادة 61  عن اختصاصات مجلس النواب، تقول الفقرة ب فيها  من سادسا( اعفاء رئيس الجمهورية بالاغلبية المطلقة لعدد اعضاء مجلس النواب، بعد ادانته من المحكمة الاتحادية العليا، في احدى الحالات الاتية:
1- الحنث في اليمين الدستورية
2- انتهاك الدستور
3- الخيانة العظمى) .
اما الفقرة أ من سادسا: مساءلة رئيس الجمهورية بناء على طلب مسبب بالاغلبية المطلقة لعدد اعضاء مجلس النواب).واذا اجتهد احد بالقول ان هذا ينطبق على الرئيس فقط ، فاني لا اجتهد واقول ما قاله الدستور في المادة 75، في ثانيا( يحل نائب رئيس الجمهورية محل الرئيس عند غيابه) وثالثا(يحل نائب رئيس الجمهورية محل الرئيس عند خلو منصبه لاي سبب كان) وهذا يعني ان ماينطبق على الرئيس ينطبق على نائبه طالما ان الدستور يؤهل نائب الرئيس لاستلام الرئاسة في الفقرتين المذكورتين.

امام نائب رئيس الجمهورية وامام النواب مايلي الآن:
اولا: اما ان يصدر البرلمان استدعاء لنائب رئيس الجمهورية، وله في البرلمان، واحد وتسعون رفيقا او عضوا من قائمته ، فهو سيكون في امان من عدم نزاهة البرلمان ويحقق معه في التهم المنسوبة اليه.
ثانيا: واما ان يمثل امام القضاء مع طلب ضمانات من البرلمان وهيئة الرئاسة والرأي العام والقضاء نفسه ويدافع عن نفسه ضد التهم. فاذا اتضح انه بريء منها سيكون بطلا بدل ان يكون (ضحية) ويمكن له ان يطيح بالمالكي اذا اتضح ان التهم ملفقة وانها (مشغولة) سياسيا. وساكون انا وغيري من العراقيين قد اكتشفنا مؤامرات الحكومة ضد منافسيها وصدقنا بجميع التهم التي تكال للحكومة بالاطنان.
ثالثاـ ان يهرب من وجه العدالة خارج اقليم كردستان ،لاننا كعراقيين لانريد لهذا الاقليم ان يكون مأوى للخارجين على القانون، و(دولة) اخرى خارجة على القانون الدولي ايضا.
لكني اعتقد ان السيد النائب سينتظر مؤتمر القمة العربية الذي من المحتمل (وهذا تحذير للحكومة العراقية مني ارجو ان تاخذه باعتبارها) ان يجعل من الوضع الداخلي في العراق الموضوع الرئيس لجدول اعماله، او يحول (جدول) الاعمال الرسمي الى (جدل) الاعمال غير الرسمي ويشغل القمة بموضوع  الخلافات العراقية الداخلية.

القتل السياسي جريمة
حتى الان ، وبناء على ما تقدم ، يبدو نائب رئيس الجمهورية طارق الهاشمي هو الذي يسيس القانون . وهذا اكبر امتحان امام القانون وامام السياسة . ان الاستقرار السياسي لايحققه غير القانون. فالقانون هو من يلجم النفوذ السياسي عن خرق الدستور.
والواقع اننا اذا اخذنا القانون من وجهة نظر (فنية) فسنجد ان عمل القضاة ذو طبيعة سياسية كما يقول  الامريكي جاك بيلتاسون في كتابه ( دور المحاكم الاتحادية في العمل السياسي) الذي صدر في 1955  فهو ينظر الى عمل الهيئة القضائية بانه وجه من اوجه النشاط الحكومي السياسي لكنه وجه يشبه مايستعمله العلماء في مختبرات الحكومة ، اي استخدام الوسائل الفنية في عمل الحكومة السياسي. ولا اعتقد ان نائب رئيس الجمهورية يعرف ذلك . لكن النزاع السياسي حول عمل الهيئات القضائية يحصل غالبا ويتركز في النزاع حول اختيار القضاة حيث يدعي معظم رؤساء امريكا انهم يختارون قضاة فقهاء في القانون وذوي خبرة ثم في النزاع حول اصدار القرارات من قبل الجماعات ذات المصالح ولكن معظم هؤلاء يخشون ممارسة التأثير على القاضي بالطريقة التي يمارسون فيها التأثير على عضو الكونغرس ولذلك تلجأ هذه الجماعات الى ممارسة الضغوط على القضاء عن طريق رفع الدعاوى واستخدام محامين مهرة ذوي اجور عالية والاستمرار في تقديم المذكرات والالتماسات واخيرا النزاع حول تنفيذ الاحكام وهو مايعني ان الهيئات التنفيذية قد تطبق القرارات القضائية بصورة غير صحيحة او تؤجل تطبيقها بشكل غير مكشوف.
لكن هذا لم يدفع ايا من رؤساء الولايات المتحدة الى احتقار القانون وتعطيل العدالة، من نيكسون الى كلينتون على سبيل المثال. فلماذا يعطل نائب رئيس الجمهورية سير العدالة ويطعن بالقضاء؟ ان من حق اي عراقي ان يشكو نائب رئيس الجمهورية الى المحكمة بسبب إهانته للقضاء وتشكيكه بالقانون واشاعته الخوف من تطبيق العدالة في العراق. واذا استطاع الهاشمي اثبات عدم نزاهة القضاء في العراق فسنرفع شكوى ضد انعدام نزاهة واستقلال القضاء لان ذلك يطال حقوق كل مواطن عراقي. واذا استطاع الهاشمي اثبات تدخل المالكي في القضاء وتوجيهه له سياسيا فسنرفع شكوى ضد المالكي الى المحكمة ايضا. وبدون هذا لن يكون هناك قانون في العراق ولن تكون هناك سلطة قضائية وسنظل نمارس السياسة في الطعن بالقضاء والشكوى من المالكي بانه يسيس القضاء.
بدون البدء من نقطة انطلاق لن نصل الى اي حل للازمات المتكررة. وعلى السياسيين دعم هذا الموقف.
في 7-7-2005 ضربت عدة تفجيرات مدينة لندن. بعد دقائق وقف ديفيد كاميرون الذي كان زعيما للمعارضة في البرلمان امام خصمه رئيس الوزراء توني بلير وقال اننا اليوم في صف واحد مع رئيس الوزراء في كل مايتخذ من إجراءات لحماية المواطنين من الارهاب. لم يقل الزعيم المعارض انها فرصتي للاطاحة بغريمي. فالوطن ومواطنوه في خطر. انا مع رئيس الوزراء في متابعة هذه القضية وتحمله مسؤولية ايصالها الى القضاء، وانا ضد نائب رئيس الجمهورية في اصراه على تسييس القضية واصراره على حلها سياسيا، اي اعفاء الدستور من الوجود وتعطيل القانون. وانا مع نائب رئيس الجمهورية في طلبه ان يكون القضاء عادلا ونزيها. لكنه لايطلب ذلك وانما يتهم القضاء. وانا لست معه حين قال انه بريء وان حمايته بريئة فقد وضع نفسه بمقام القضاء وهو متهم.وهذه سابقة خطيرة.




اين قادة العراق من تكريس المبادئ؟
يخلط الهاشمي بين السلطة القضائية وبين السلطة التنفيذية. فيتهم السلطة القضائية ويحتقرها من خلال موقفه السياسي من رئيس الوزراء. والسبب هو عدم ايمانه الايديولوجي بفصل السلطات. هناك مبدأ ديمقراطي في قضية الفصل بين السلطات يقول (ينبغي ان يظل القضاة بمعزل عن السياسة وان لايُسمح للشؤون السياسية بان تنال من  نظرتهم الحقوقية وممارستها باناة ورويّة). وهذا مطلب يمكن ان يرفعه الهاشمي ونحن نرفعه معه.لكن هذا لا يعني رفض القضاء . وهذا مطلب يرفعه الهاشمي ونحن نعارضه لانه مطلب سياسي غوغائي.
لانعرف حتى الان ما اذا كان القضاء العراقي مسيسا ام لا. نسمع ونقرأ اراء حول هذا التسييس. وامام الشعب العراقي فرصة تاريخية يستطيع الهاشمي ان يقوم بدور بطولي فيها فيخضع للقضاء وسنرى ما اذا كان القضاء مسيسا ام لا؟ من الذي يكرس مبادئ حريات الشعوب غير (قادتها)؟ ولكن اذا كان (قادتها) بهذا القدر من الحمق والعناد واحتقار العدالة والهروب ثم التحدي فلن نرجو ذلك منهم.

قضية رأي وقضية جنائية وقضية غير دستورية
اذا كانت قضية صالح المطلك قضية رأي، فان قضية الهاشمي قضية جنائية. والواقع ان ثقافة المسؤولين العراقيين ثقافة سياسية شخصية وقع الدستور ضحية لها. فرئيس مجلس النواب اخترع (حقا دستوريا) للنواب لايوجد في الدستور حين قال  شراء سيارات مصفحة هو (حق دستوري). هكذا يواجه الدستور تحديات بقائه حيا.ان اعتبار كل شهوة ورغبة شخصية للسياسيين والنواب (حقا دستوريا) يجعل من الشعب العراقي ضحية لمثل هذا الدستور الذي لايخدم الا النواب والسياسيين. والدساتير تصدر عادة لتقر حقوق الشعب اولا ، وليس حقوق اعضاء البرلمان. فمن يراجع الدستور سيجد ان جميع الحقوق التي نص عليها للمواطنين لايتم التفكير بها.
وهذا تسييس للدستور. والواقع ان شراء سيارات مصفحة للنواب عمل غير دستوري. فالشعب لايكون في خدمة الحكومة في النظام الديمقراطي وانما العكس. اما النظام الدكتاتوري فهو الذي يضع الشعب في خدمة الحكومة.
واذا كان السياسيون العراقيون يلجأون لاديانهم وطوائفهم ليهيجوها فان ذلك يعني ان القتل والارهاب يعطى صبغة دينية وطائفية مما يهدد فعلا بتحويل العراق الى غابة زواحف تشبه حروب الديناصورات. وهنا ينبغي ان نذهب الى الحل الوحيد المتبقي امام العراق والعراقيين وهو الدولة المدنية، تلك التي يقود السياسة فيها القانون ولاتقود السياسة فيها القانون.كم سنكتشف من غياب الدولة حين تُتهم ما يعتبر انه من مؤسسات الدولة العليا وهي مجلس الرئاسة، بالقيام باعمال قتل وتفجيرات واغتيالات؟ وبغض النظر عن نتائج القضاء، فان هذه القضية تشير بوضوح تام لالبس فيه ان الدولة العراقية غائبة، وان سلطات متعددة ومتداخلة  تسميها التصريحات(اختراقات امنية) حلت محل الدولة.
في العلمانية لايحدث ذلك.العلمانية تعني دولة القانون. ولاتعني دولة السلطات التي تعمل فوق القانون او تجعل من القانون اداة لتصفية الحسابات مع المعارضين .في العلمانية لايستطيع نائب رئيس الجمهورية ان يسيس موضوع الارهاب او الاتهام بالارهاب. فاين هي الدولة التي يتحدى فيها نائب رئس جمهورية القانون والقضاء ؟ من هو الذي يسيس القضاء؟ رئيس الوزراء ام نائب رئيس الجمهورية؟. حياديا، استطيع التأكيد ان رئيس الوزراء موظف تنفيذي. تأتيه معلومات من وزارة الداخلية عن تورط حمايات رئيس الجمهورية باعمال عنف مسلحة وقع فيها قتلى وجرحى ، ويتم التحقيق مع هذه الحمايات ويتضح، ان لها علاقة، مزعومة ،مع واحد من اهم ممثلي الدولة هو نائب رئيس الجمهورية. ويأمر القضاء بالقاء القبض  على المتهم في نظر القانون.
قد تكون سلسلة اخطاء حدثت. لكن الحالة واضحة جدا. هناك خرق مخيف للقانون من قبل شخص يفترض انه يحمي القانون. وبدل ان يقوم الشخص المتهم بزعم ضلوعه في العنف وخرق القانون بالاتصال بالقانون، يقوم باعلان تسييس القضية واتهام القضاء بالتسييس.
فمن يسيس القضاء ويحاول ان يجعل نفوذه السياسي فوق العدالة؟

اقتل ثم سيّس.. او فاهرب وسيّس

وتحدث سلسلة اخطاء اخرى. فنائب رئيس الجمهورية يعتقد ان منطقة اقليم كردستان منطقة خارجة عن القانون، فيلجأ اليها ليكون بمنجى عن العدالة. ويواصل من هناك نشاطا ضد القانون بدل ان يطالب ، اذا كان يشك بالعدالة وفق ثقافته ، بضمانات قضائية كاملة. لكنه سيس القضية ودفع القادة الاكراد الى ورطة النزاع مع القضاء والقانون.كما انه يتخذ من ذريعة ادخال الاعلام في الاتهام سببا لعدم المثول امام القضاء وهذا لايبرر الغاء التهمة.
ان اخطر ما يفكر به الهاشمي جسده في قوله في رسالته (هذه القضية سياسية ولا بد لها من حل سياسي) . معنى ذلك ان جرائم القتل لاتخضع للقانون لانها تعبير عن موقف سياسي. القانون ليس وجهة نظر. والقتل ليس نشاطا سياسيا. وهذا تحقير آخر لثلاثين مليون عراقي وهدر لحياتهم.واخطر ما واجهه العراق بعد سقوط نظام صدام هو تسييس جميع الظواهر والاحداث بلا استثناء. فالارهاب مسيس ولايخضع للقانون، والمصالحة الوطنية فشلت لانها تخضع للتسييس من جميع اطرافها ولا تدخل في اطار قانوني. والاغتيالات مسيسة وتجد تبريرها في الخلاف السياسي .والوظائف مسيسة وهذا معنى المحاصصة. والفساد مسيس ويجري اضعاف القانون امام النفوذ السياسي للفساد.والقانون مسيس لان الذي يتهم بجريمة قتل يقول ان السبب سياسي لان هدف القتل اصلا كان سياسيا.
لقد اشاع نائب رئيس الجمهورية، خلافا لموقعه والتزامه الدستوري، الذعر وسط العراقيين وبضمنهم انا. فقد صور لنا السلطة التنفيذية وكأنها سلطة غوغائية تتيح لنفسها اتهام اي عراقي بتهمة الارهاب استنادا الى قانون رقم 4 ارهاب، وان اي مواطن عراقي، وانا من هؤلاء المواطنين، معرض لذلك بغض النظر عن دينه ومذهبه وقوميته ورأيه طالما ان الموضوع هو (ارادة) شخص في السلطة التنفيذية. وهذا بحد ذاته عمل مناف للقانون.انا الان خائف من تلفيق اي تهمة لي وفق مايشيعه نائب رئيس الجمهوية لان لي ملاحظات على الحكومة، رغم اني اعرف ان الدستور لايعرّف الاختلاف بالرأي على انه ارهاب. لكن تصريحات النائب توحي بان نخاف  من اختلاف الرأي.
كيف يمكن لقضية اتهام بالارهاب ان تحل حلا سياسيا؟ هذا مايريده نائب رئيس الجمهورية. اي انه يريد ضرب القانون ب (قندرة) كمايقول العراقيون. ومشكلة العراق حتى الان هي غياب فعل القانون وسيادته. اي ان السياسيين يواصلون ضرب القانون بقنادرهم. اي يطبق القانون على خمسة وعشرين مليون فقير عراقي ولايطبق على خمسة وعشرين شخصا فوق القانون.هل هذه هي العدالة في الاسلام ام في الديمقراطية؟ هل هذه هي العدالة في العراق ام تركيا ام السعودية ام ايران؟
اسوأ ما قرأته عن الهاشمي هي رسالته للمالكي. هل يعتقد هذا الرجل بعد كل هذه التهم وبعد هروبه واحتقاره للقضاء وإهانته للقانون ان يعود قائدا من جديد حتى لو اقتضى الامر ان يقبل يد المالكي؟ لا اعتقد ان العراقيين يريدون سياسيين من هذا النوع. فالازمة الحقيقية في العراق اليوم هي ازمة ثقة، لابين السياسيين انفسهم وانما ازمة ثقة بين الشعب العراقي وبين هؤلاء السياسيين الذين يجنون على الشعب العراقي الذي سلمهم مقاليد اموره وندم كثيرا.


قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat


د . نبيل ياسين
 (للدخول لصفحة الكاتب إضغط هنا)

    طباعة   ||   أخبر صديقك عن الموضوع   ||   إضافة تعليق   ||   التاريخ : 2012/03/05



كتابة تعليق لموضوع : من الذي يسيس القضاء.. المالكي أم الهاشمي؟
الإسم * :
بريدك الالكتروني :
نص التعليق * :
 



حمل تطبيق (كتابات في الميزان) من Google Play



اعلان هام من قبل موقع كتابات في الميزان

البحث :





الكتّاب :

الملفات :

مقالات مهمة :



 إنسانية الإمام السيستاني

 بعد إحراجهم بكشف عصيانها وخيانتهم للشعب: المرجعية الدينية العليا تـُحرج الحكومة بمخالفة كلام المعصومين.. والعاصفة تقترب!!!

 كلام موجه الى العقلاء من ابناء شعبي ( 1 )

 حقيقة الادعياء .. متمرجعون وسفراء

 قراءة في خطبة المرجعية : هل اقترب أَجلُ الحكومةِ الحالية؟!

 خطر البترية على بعض اتباع المرجعية قراءة في تاثيرات الادعياء على اتباع العلماء

 إلى دعاة المرجعية العربية العراقية ..مع كل الاحترام

 مهزلة بيان الصرخي حول سوريا

 قراءة في خطبة الجمعة ( 4 / رمضان/ 1437هـ الموافق 10/6/2016 )

 المؤسسة الدينية بين الواقع والافتراء : سلسلة مقالات للشيخ محمد مهدي الاصفي ردا على حسن الكشميري وكتابيه (جولة في دهاليز مظلمة) و(محنة الهروب من الواقع)

 الى الحميداوي ( لانتوقع منكم غير الفتنة )

 السيستاني .. رسالة مهدوية عاجلة

 من عطاء المرجعية العليا

 قراءة في فتوى الدفاع المقدس وتحصين فكر الأمة

 فتوى السيد السيستاني بالجهاد الكفائي وصداها في الصحافة العالمية

 ما هو رأي أستاذ فقهاء النجف وقم المشرّفتَين السيد الخوئي بمن غصب الخلافة ؟

 مواقف شديدة الحساسية/٢ "بانوراما" الحشد..

أحدث مقالات الكتّاب :


مقالات متنوعة :





 لنشر مقالاتكم يمكنكم مراسلتنا على info@kitabat.info

تم تأسيس الموقع بتاريخ 1/4/2010 © محمد البغدادي 

 لا تتحمل الإدارة مسؤولية ما ينشر في الموقع من الناحيتين القانونية والأخلاقية.

  Designed , Hosted & Programmed By : King 4 Host . Net