صفحة الكاتب : عبدالله الميالي

قراءة لقصيدة الجواهري (آمنت بالحسين)
عبدالله الميالي

 قصيدة متألقة خرجت من معطف الجواهري، لا تليق إلا بشخصية الحسين بن علي عنوان البطولة والشهادة والمبادئ والإباء.
هي سحابة جادت بها سماء الجواهري، لا تمطر إلا في كربلاء الحسين، فلنعم المادح ولنعم الممدوح.
فيها من السلاسة والرهافة والوضوح بمقدار ما فيها من فنون الصنعة الشعرية، فلا عجب أن تُكتب بماء الذهب، وتُطرّز على ضريح سيد الشهداء.
فِـداءٌ لمـثواكَ من مَضْــجَعِ ـــ تنــوّرَ بــالأبــلَــــــجِ الأروَعِ
بـأعبقَ من نَفحـاتِ الجِنـانِ ـــ رَوحَاً ، ومن مِسكِها أَضـوَعِ
ورعيَاً ليومِكَ يومِ الطُّفوفِ ـــ وسَقـياً لأرضِكَ مِن مَصـرَعِ
فيا أيهـا الوِترُ في الخالـدين ـــ فـــذَّاً ، إلـى الآنَ لَـم يُشفــعِ
*****
حين يقف الشاعر للمناجاة، يجد نفسه صغيراً مقابل عظمة وشموخ سيد الشهداء، فتراه يتشمّم تراب مدفنه، ويستنشق نسيم كرامته، ويُعفّر خدّه بالتراب الذي وطئته سنابك الخيل .. تُحلّق به الذكريات إلى عالم آخر: يعاين بها يداً دامية مقطوعة الإصبع تمتد من ضريح الإمام إلى عالمٍ هابط يضجّ بالظلم والضيم، لكي تُهدي الضمائر المجدبة والنفوس الصغيرة إلى حياة خصبة، إلى حرمٍ آمن لا خوف فيه ولا ذُل.
شممـتُ ثَــراكَ فهـبّ النَّسِـيمُ ــ نَسِيـمُ الكرامـةِ مِن بَلقـعِ
وعَفَّرْتُ خَدِّي بحيثُ استراحَ ــ خَـدٌّ تفرَّى ولـم يَضـرعِ
وحيثُ سـنابِكُ خـيلِ الطّغــاةِ ــ جـالت عليـهِ ولم يَخشَـعِ
وَخِلتُ وقد طارتِ الذكرياتُ ــ بِروحي إلى عَالَـمٍ أرفـعِ
وطفتُ بقبرِكَ طَوفَ الخيالِ ــ بصومعـةِ المُلهَـمِ المُبـدعِ
كـأنّ يـداً مِن وراءِ الضّريحِ ــ حمراءَ مبتـورَة الإصبـعِ
تَمُـدُّ إلــى عـالَــمٍ بــالخُنـوعِ ــ والضَّيـمِ ذِي شَرَقٍ مُتـرَعِ
تخبّطَ فـي غــابــةٍ أطبقـتْ ــ علـى مُذئِبٍ منـه أو مُسبِـعِ
لِتُبدِلَ منهُ جَدِيـبَ الضّميرِ ــ بآخــرَ مُعْشَـوْشِـبٍ مُمــرِعِ
وتدفـعَ هذي النفوسَ الصغارَ ــ خوفــاً إلـى حَــرَمٍ أَمنَـعِ
*******
يرى في الإمام الحسين حلقة وصل بين ماضي الأمة وحاضرها، فالحسين هنا قصيدة تترنم بها الأجيال، بل الحسين هو بيت القصيد كما يقولون .. يمتطي الحسين صهوة الزمان ليسوقها تلقاء الخلود، وكلّ ما استجدّ في الطريق هو تبع لهذه الأصالة المتفردة، ومنساق خلفها.
ويا واصِلاً من نشيدِ الخُلود ـــ خِتَامَ القصيـدةِ بالمَطلـعِ
يَسِيرُ الوَرَى بركابِ الزمانِ ــ مِن مُستقيـمٍ ومن أظلَـعِ
وأنتَ تُسـيِّرُ رَكـبَ الخُلـــودِ ــ مــا تستجِــدّ لـــهُ يَتبــعِ
*********
لا يعبأ الشاعر وهو يستذكر الحسين، بما نقله الرواة من حقّ وباطل، وما تراكم من غبار السنين وما زخرفته يد السياسة هنا أو هناك، فللشاعر رؤيته الخاصة وهو يبحث عن حقيقة الحسين أمام هذا الكم الهائل من الروايات والضجيج التي ظاهرها حُب الحسين وباطنها التكسّب باسمه للوصل إلى منافع دنيوية رخيصة بعيدة كل البعد عن مبادئ وقِيم وشعارات الحسين، ليكتشف الشاعر بعد أن أزاح حجاب القرون أنّ الحسين هو أعظم وأروع صورة عرفتها حياة الإنسانية، وهو أكبر من المأساة والتراجيديا التي أرادوها أن نتقوقع فيها .. إنه يُقدّس الحسين على طريقته الخاصة، تقديس مُبرّأ من الإدعاء والصور المصطنعة.
تمثَّلتُ يومَكَ في خاطـري ــ وردّدتُ صوتكَ في مسمعـي
ومحّصتُ أمركَ لم أرتهِـبْ ــ بِنقلِ "الــرُّواةِ" ولـم أُخـدعِ
وقُلْتُ: لعـــلَّ دَوِيَّ السـنين ــ بـأصـداءِ حــادثِـكَ المُفجِــعِ
وما رتّل المخلصونَ الدّعَاةُ ــ مِـن مُـرسلينَ ومِـن سُجّــعِ
ومِن ناثراتٍ عليكَ المسـاءَ ــ والصّبـحَ بالشّعـرِ والأدمُــعِ
لعـلّ السـياسـةَ فيمــا جَنـتْ ــ علـى لاصـقٍ بِكَ أو مُدّعـي
يداً في اصطباغِ حديثِ الحُسين ــ بلـونٍ أُرِيـدَ لَــهُ مُمتِـعِ
ولمّـا أَزَحتُ طِـلاءَ القُــرُونِ ــ وسِترَ الخِداعِ عَنِ المخـدَعِ
أريـدُ الحقـيقـة فــي ذاتِهـــا ــ بغـيرِ الطبيعــةِ لَــم تُطبــعِ
وجدتُكَ في صورةٍ لـم أُرَعْ ــ بـأَعظـمَ منهـــا ولا أروعِ
فقَــدَّسْتُ ذِكـراكَ لَـم انتحِـلْ ــ ثِيـــابَ التُّقَـــاةِ ولَــم أَدّعِ
********
صِدق العاطفة وصِدق القول أهم ميزات هذه القصيدة الخالدة، فلا عجب أن يقول الجواهري عنها (وهو ماركسي الهوى قلباً وقالباً) لأحد أقربائه: هذه القصيدة ستدخلني الجنة، أترى أنّ الجنة هي لمن يصلّون ويصومون فحسب؟ أنا مؤمن على طريقتي الخاصة!
فأسلـمَ طـوعــاً إليكَ القِيــــادَ ــ وأعطاكَ إذْعــانَـهُ المُهطِـــعِ
فنـوّرتَ ما اظلمّ مِن فكـرتي ــ وقَوّمتَ ما اعوجّ من أضلُعِـي
وآمَنتُ إيمـانَ مَنْ لا يَـرَى ــ سِوَى العقل في الشكّ مِن مَرجعِ
بــأنّ الإباءَ ووحـيَ السّمــاءِ ــ وفيـضَ النُّبـوّةِ ، مِـن مَنبـــعِ
تجمَّعُ فــي جوهــرٍ خـالـصٍ ــ تَنــزّهَ عَـن عَرَضِ المطمــعِ


قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat


عبدالله الميالي
 (للدخول لصفحة الكاتب إضغط هنا)

    طباعة   ||   أخبر صديقك عن الموضوع   ||   إضافة تعليق   ||   التاريخ : 2020/08/27



كتابة تعليق لموضوع : قراءة لقصيدة الجواهري (آمنت بالحسين)
الإسم * :
بريدك الالكتروني :
نص التعليق * :
 



حمل تطبيق (كتابات في الميزان) من Google Play



اعلان هام من قبل موقع كتابات في الميزان

البحث :





الكتّاب :

الملفات :

مقالات مهمة :



 إنسانية الإمام السيستاني

 بعد إحراجهم بكشف عصيانها وخيانتهم للشعب: المرجعية الدينية العليا تـُحرج الحكومة بمخالفة كلام المعصومين.. والعاصفة تقترب!!!

 كلام موجه الى العقلاء من ابناء شعبي ( 1 )

 حقيقة الادعياء .. متمرجعون وسفراء

 قراءة في خطبة المرجعية : هل اقترب أَجلُ الحكومةِ الحالية؟!

 خطر البترية على بعض اتباع المرجعية قراءة في تاثيرات الادعياء على اتباع العلماء

 إلى دعاة المرجعية العربية العراقية ..مع كل الاحترام

 مهزلة بيان الصرخي حول سوريا

 قراءة في خطبة الجمعة ( 4 / رمضان/ 1437هـ الموافق 10/6/2016 )

 المؤسسة الدينية بين الواقع والافتراء : سلسلة مقالات للشيخ محمد مهدي الاصفي ردا على حسن الكشميري وكتابيه (جولة في دهاليز مظلمة) و(محنة الهروب من الواقع)

 الى الحميداوي ( لانتوقع منكم غير الفتنة )

 السيستاني .. رسالة مهدوية عاجلة

 من عطاء المرجعية العليا

 قراءة في فتوى الدفاع المقدس وتحصين فكر الأمة

 فتوى السيد السيستاني بالجهاد الكفائي وصداها في الصحافة العالمية

 ما هو رأي أستاذ فقهاء النجف وقم المشرّفتَين السيد الخوئي بمن غصب الخلافة ؟

 مواقف شديدة الحساسية/٢ "بانوراما" الحشد..

أحدث مقالات الكتّاب :


مقالات متنوعة :





 لنشر مقالاتكم يمكنكم مراسلتنا على info@kitabat.info

تم تأسيس الموقع بتاريخ 1/4/2010 © محمد البغدادي 

 لا تتحمل الإدارة مسؤولية ما ينشر في الموقع من الناحيتين القانونية والأخلاقية.

  Designed , Hosted & Programmed By : King 4 Host . Net