صفحة الكاتب : عبدالله الميالي

الحسين .. مظلوماً
عبدالله الميالي

المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الموقع، وإنما تعبر عن رأي الكاتب.

 كتب رئيس تحرير صحيفة (الدستور) المصرية، الكاتب د. محمد الباز مقاله سيء الصيت (الحُسين ظالماً) في عددها المرقم 3355 في 24 / يناير / 2017 .
حيث حاول من خلال بعض فقرات المقال (ومضمون المقال واضح من عنوانه)! أن ينال من شخصية الإمام الحسين التاريخية التي تسالم المسلمون وغيرهم عليها عبر الأجيال بالتمجيد والتقدير والعظمة والاحترام.
ورغم أنّ أهل مصر الكرام النُجباء وبما عُرف عنهم من حُب لأهل البيت عامة وللإمام الحسين خاصة حتى قال أديبهم الكبير نجيب محفوظ في أحد مؤلفاته (يا أهل مصر هنيئاً لكم بالحسين) لم يقصروا بالرد على الكاتب، فقد وجدتُ من المناسب الرد على حماقة وسخافة بعض فقرات المقال ومنها:
1 ــ (ما الذي كان سيحدث لو أنّ الحسين رضي الله عنه، بايع يزيد بن معاوية عندما طلبت منه البيعة؟)
الذي سيحدث أنّ كل ما سيفعله الطغاة والمنحرفين من طبقة يزيد فصاعداً سيكون جزءاً من شريعة الإسلام، وسيكون ملاعبة القرود وشرب الخمور والزنا بالمحارم سُنّة نبوية محمودة لأنّ خليفة المسلمين فعلها فلم يرد عليه صحابي ولا تابعي، ولانهزمت تعاليم الإسلام الصحيحة مقابل نزوات وشطحات هؤلاء المنحرفين، فجاءت حركة الحُسين لتقول لهؤلاء: ليس هذا الإسلام الذي عرفناه منذ عهد رسول الله وعهد الخلفاء الراشدين.
2 ــ (ما الذي كان سيحدث لو أنه اختار السلام، ولم يضع رحاله في أرض الحرب؟)
لو أنك قرأت حيثيّات وإرهاصات واقعة كربلاء بصورة صحيحة بدون أهواء مسبقة لعرفت أنّ الحُسين لم يختر الحرب والقتال مطلقاً، وكان رجل سلم حتى الرمق الأخير من حياته، فهو لم يُجيّش الجيوش لقتال، وطلب من أنصاره ليلة عاشوراء التفرق عنه ومغادرة أرض كربلاء لأنّ القوم يطلبونه وحده .. وأكبر دليل على سلمية حركة الحُسين اصطحابه عياله من النساء والأطفال بأجمعهم، فهل هذا تصرف من يريد الحرب والقتال، الطرف الآخر هو من أراد الحرب بتلك الطريقة القذرة الوحشية، فكان الحسين مجبراً على خوضها بشرف وإباء وبطولة ورجولة تليق به كشخص يحمل لقب سيد شباب أهل الجنة.
3 ــ (ما الذي كان سيحدث لو أنه دخل إلى منظومة الحكم تحت ظلال يزيد، أو على الأقل لو أنه تفرّغ لدعوة الناس إلى الحق، وعلمهم الإسلام كما عرفه في بيت جده وبيت أبيه على بن أبى طالب من بعده؟(
هذا تناقض سخيف جداً .. فما حركة الحسين إلا تطبيق للإسلام الذي عرفه في بيت جده وبيت أبيه، وهو القائل على لسان جده رسول الله: (من رأى سلطاناً جائراً مستحلاً لحرام الله، ناكثاً لعهد الله، مخالفاً لسُنة رسول الله، يعمل في عباد الله بالإثم والعدوان فلم يُغيّر عليه بفعل ولا قول كان حقاً على الله أن يدخله مدخله) .. فما معنى أن يتفرغ الحسين لدعوة الناس إلى الحق وهو يرى الباطل يحكم؟ ما هذه السذاجة في الطرح وأنت تحمل شهادة الدكتوراه ورئيس تحرير صحيفة؟
4 ــ (لقد أورثنا الحُسين بموقفه من يزيد شقاقاً في الصف الإسلامي لا نزال نعانى منه حتى اليوم.)
نعم أنا أتفق معك في هذه النقطة تماماً، (موقف الحُسين أورثنا شقاقاً) لأنه لا يرضى أن تقود المجتمع جبهة واحدة تتمثل في الانحراف والطغيان والفساد والإثرة والرذيلة والظلم والجور والباطل وبناء القصور والاستحواذ على آلاف الجواري ودسائس المكر والخداع والقتل للحصول على المُلك العقيم، فهذه هي جبهة يزيد ومن رضي بها وعمل بها حتى لو كان يدّعي الانتماء للحسين زوراً، فلابد أن تكون مقابل هذه الجبهة جبهة أخرى تتمثل بالإصلاح والعدالة والفضيلة والحق وأنصاف المظلومين ومنع الإثراء ونشر تعاليم الإسلام السمحة، وهذه هي جبهة الحسين ومن رضي بها وعمل بها.. ومن حق كلّ شخص أن يختار الجبهة التي تلائم هواه ومزاجه (ليهلك من هلك عن بينة ويحيى من حيى عن بينة)، وسوف تتضح نتيجة صحة هذا الاختيار يوم يقف الجميع أمام المحكمة الإلهية.
5 ــ (لم يلتزم الحُسين عليه السلام بفلسفة جده النبي الأعظم، ولو قلت إنه تحوّل إلى أسطورة، وأصبح رمزاً لكل المقهورين والمظلومين ومسلوبي الحقوق، سأقول لك: وما الذي يستفيده هؤلاء من أسطورة الحُسين؟ إنهم لا يحصلون على حقوقهم أيضاً، لا ينعمون بحياتهم)
وهل أنت تعرف فلسفة جده أكثر منه؟ وبينك وبينهما 1400 سنة!! .. إذا كان الحسين لا يعرف فلسفة جده وأنت تعرفها أفضل منه، إذاً:
فيا موتُ زُر إنّ الحياةَ ذميمةٌ ــــ ويا نفسُ جِدّي إنّ دهركِ هازلُ!
سأكتفي للرد على هذه العبارة الساذجة جداً! بمقطعين أحدهما كتبه الأديب الألمعي والقلم اللوذعي عباس محمود العقاد رحمه الله في كتابه (الحسين أبو الشهداء) فقد أجاد وأفاد:
(وصل الأمر في عهد يزيد إلى حدٍّ لا يُعالج بغير الاستشهاد ... الدُعاة المستشهدون يخسرون حياتهم وحياة ذويهم، ولكنهم يرسلون دعوتهم من بعدهم ناجحة متفاقمة، فتظفر في نهاية مطافها بكل شيء .. إنّ الشهادة خصم ضعيف مغلوب في اليوم والأسبوع والعام، ولكنها أقوى الخصوم الغالبين في الجيل والأجيال ومدى الأيام.)
والثاني كتبه الأديب والمفكر خالد محمد خالد رحمه الله في كتابه (أبناء الرسول في كربلاء):
(إنّ أعظم ما صنع الحسين وأهله وصحبه في ذلك اليوم هو أنهم جعلوا الحق قيمة ذاته، ومثوبة نفسه، فلم يعد النصر مزية له، ولم تعد الهزيمة إزراء به .. وإنّ الأقدار لم تدع رؤوس أبناء الرسول تُحمل على أسنة رماح قاتيلهم، إلا لتكون مشاعل على طريق الأبد، للمسلمين خاصة، وللبشرية الرائدة كافة، يتعلمون في ضوئها الباهر: أنّ الحق وحده هو المقدس، وأنّ التضحية وحدها هي الشرف، وأنّ الولاء المطلق للحق والتضحية العادلة في سبيله، هما وحدهما اللذان يجعلان للإنسان والحياة قيمة ومعنى.)
فإذا كنتَ يا جناب الدكتور لا تعرف معنى المبادئ والقِيَم والمُثل والتضحية في سبيلها فهذا شأنك وشأن من هم على شاكلتك.
7 ــ (لقد ظلم الحُسين الفقراء والمساكين والمعوزين، خدعهم عندما قال لهم قاتلوا عن الحق وأنتم ضعفاء، كان يجب أن يعلمهم أن يدافعوا عن حقهم بعد أن يصبحوا أقوياء، لأنهم بذلك يمكن أن يحصلوا على حقهم، الذي لن يسمح لهم أحد به إلا إذا كانوا أقوياء.)
بكلامك هذا تكون قد افتريت وكذبت وتقوّلت على الإمام الحسين ظلماً وعدواناً، فلم نقرأ ولم نسمع أنّ الحسين قال (قاتلوا عن الحق وأنتم ضعفاء) وهذه مصادر التاريخ بين أيدينا، فلست وحدك من يقرأ! .. كما أنّ دعوة الحسين للفقراء والمظلومين بطلب حقوقهم، ليست حالة شاذة انفرد بها الحسين وحده، بل هي أصلاً إحدى مبادئ الإسلام الأصيلة، وما عليك إلا مراجعة صحاح وكتب المسلمين وما أكثرها لتجد مئات الأحاديث حولها، ولولا الإطالة لجئتك بعدد منها.
8 ــ (حبوا الحسين، اعشقوه، علقوا صُوَره على حوائط بيوتكم، اذهبوا إلى ضريحه، اطلبوا شفاعته، واصلوا تعظيم أسطورته.. لكن أنصحكم وأنتم في حربكم مع الحياة، لا تتعاملوا بمنطقه، فمنطق يزيد هو الأجدى.)!
الصورة التي ترسمها للحسين في ذهنك وتطلب منا أن نحبه، ونعشقه، ونعلّق صورته، ونزور ضريحه، ونطلب شفاعته، ونعظّم أسطورته، لا تسمح لنا أن نفعل ذلك أبداً .. (فحُسينك) هذا باهت بلا طعم ولا لون ولا رائحة، وهو أحد الرعية الذين لا حول لهم ولا قوة فما الداعي إذاً أن نحبه ونعشقه ونعلق صورته ونزور ضريحه ونطلب شفاعته ونعظّم أسطورته، إذا كان كغيره من أفراد المجتمع (لا يهش ولا ينش)! .. نعم منطق يزيد هو الأجدى في حسابات الربح والخسارة الدنيوية الدنيئة، وانتهاز الفرص للمتسلقين والانتهازيين والمنتفعين والأنانيين والظالمين، فهؤلاء قدوتهم وأيقونتهم (يزيد) حتى وإن كانوا ينتمون ظاهراً لجبهة الحسين.. ولكن الحياة ليست كلها كذلك، فهناك من يطلب مفردات الفضيلة والمبادئ ونصرة المظلوم ومحاربة الظلم والدعوة إلى العدل والمساواة وإحقاق الحق، وهؤلاء قدوتهم وأيقونتهم (الحسين) بغض النظر عن انتمائهم العقائدي والفكري والأيديولوجي.


قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat


عبدالله الميالي
 (للدخول لصفحة الكاتب إضغط هنا)

    طباعة   ||   أخبر صديقك عن الموضوع   ||   إضافة تعليق   ||   التاريخ : 2020/08/27



كتابة تعليق لموضوع : الحسين .. مظلوماً
الإسم * :
بريدك الالكتروني :
نص التعليق * :
 



حمل تطبيق (كتابات في الميزان) من Google Play



اعلان هام من قبل موقع كتابات في الميزان

البحث :





الكتّاب :

الملفات :

مقالات مهمة :



 إنسانية الإمام السيستاني

 بعد إحراجهم بكشف عصيانها وخيانتهم للشعب: المرجعية الدينية العليا تـُحرج الحكومة بمخالفة كلام المعصومين.. والعاصفة تقترب!!!

 كلام موجه الى العقلاء من ابناء شعبي ( 1 )

 حقيقة الادعياء .. متمرجعون وسفراء

 قراءة في خطبة المرجعية : هل اقترب أَجلُ الحكومةِ الحالية؟!

 خطر البترية على بعض اتباع المرجعية قراءة في تاثيرات الادعياء على اتباع العلماء

 إلى دعاة المرجعية العربية العراقية ..مع كل الاحترام

 مهزلة بيان الصرخي حول سوريا

 قراءة في خطبة الجمعة ( 4 / رمضان/ 1437هـ الموافق 10/6/2016 )

 المؤسسة الدينية بين الواقع والافتراء : سلسلة مقالات للشيخ محمد مهدي الاصفي ردا على حسن الكشميري وكتابيه (جولة في دهاليز مظلمة) و(محنة الهروب من الواقع)

 الى الحميداوي ( لانتوقع منكم غير الفتنة )

 السيستاني .. رسالة مهدوية عاجلة

 من عطاء المرجعية العليا

 قراءة في فتوى الدفاع المقدس وتحصين فكر الأمة

 فتوى السيد السيستاني بالجهاد الكفائي وصداها في الصحافة العالمية

 ما هو رأي أستاذ فقهاء النجف وقم المشرّفتَين السيد الخوئي بمن غصب الخلافة ؟

 مواقف شديدة الحساسية/٢ "بانوراما" الحشد..

أحدث مقالات الكتّاب :


مقالات متنوعة :





 لنشر مقالاتكم يمكنكم مراسلتنا على info@kitabat.info

تم تأسيس الموقع بتاريخ 1/4/2010 © محمد البغدادي 

 لا تتحمل الإدارة مسؤولية ما ينشر في الموقع من الناحيتين القانونية والأخلاقية.

  Designed , Hosted & Programmed By : King 4 Host . Net