صفحة الكاتب : شعيب العاملي

حذار حذار.. يا قرّاء العزاء!
شعيب العاملي

المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الموقع، وإنما تعبر عن رأي الكاتب.

بسم الله الرحمن الرحيم

وهلّ الهلال الحزين..

هلال محرّمٍ هذا العام.. على غير ما عهدناه في سالف الأيام..
عاشوراء ليست كما كانت، وإن لفّ السوادُ القرى والبلدات..
إحياءٌ متواضعٌ في بعض القرى، وإلغاءٌ للمجالس والمآتم والمراسم العامة في قرى أخرى.. هذا حال الشيعة في كل العالم لا في بلادنا فحسب.. والسبب معروفٌ، توقياً من الوباء المنتشر..

وكما أن الحذرَ لازمٌ حفظاً للنفس المحترمة..
فإنّ الإحياء لازمٌ لمنع تعطيل شعائر أهل البيت عليهم السلام.

لذا لم يَحزّ في النفس:
- أن يُحجِمَ عن المشاركة في مراسم العزاء من خاف على نفسه الضرر وتعذّرت عليه الوقاية.
- وأن تُلغى بعض المراسم التي تصعب الوقاية فيها.
- وأن تُلغي بعض الجمعيات والهيئات والأحزاب مآتمها، فإن العزاء ليس موقوفاً على أحدٍ كي يُعطّل بتعطيله، وكلٌّ معذورٌ فيما يفعل، ومُثابٌ بإذن الله على طرقه المختلفة في الإحياء ولو في البيوت.

ولكن..
- أن يبادر من ألغى مأتماً إلى العمل الحثيث على إلغاء كلّ المآتم ولو لم يكن فيها أدنى خطر!
- وأن يسعى من عطّل مجلساً ولو معذوراً إلى تعطيل كلّ المجالس دون عذرٍ!
- وأن تُوَجَّهَ الدعوات إلى كل المؤمنين بالامتناع عن حضور المآتم بحجة (الالتزام بقرار القيادات الشيعية الحكيمة)!
- وأن يُطلب من خطباء المنبر عدم تلبية أية دعوة لمجلسٍ عام!
- ثم تصل الأمور ببعضهم لتوسُّل التهديد والوعيد لبعض أصحاب المآتم، وخطباء المنبر! تهديداً مباشراً أو عبر القوى المخوّلة حفظ النظم العام!

كلُّ هذا يدعو إلى التوقُّفِ مليّاً..

- هل صرتم يا شيعة الحسين.. ويا خطباء المنبر.. قُرَّاء العزاء على سيّد الشهداء.. هل صرتم مُتَّهَمِين بإثارة الفتنة؟ ومخالفة شرع الله والتفريط بأرواح المؤمنين؟! وأنتم أكثر الناس حرصاً على امتداد الأوطان؟!

- هل أن مشاركتكم وتلبيتكم لإقامة المآتم التي يحبّها الله ورسوله صارت سبباً للتخاصم فينبغي علينا أن نلغيها؟

تعالوا أيها الأحبة لنرى إلى أين يمكن أن يوصلنا (الخوف الموهوم) والمصطَنَع من الفتنة وإثارة الشقاق والتفرقة وشقّ العصا.

قرونٌ تمرُّ بعد قرون.. يستغلُّ فيها المخالفون أتباع الشقاق عنوان (شقّ عصا المؤمنين) للدعوة إلى الكف عن تناول الصحابة أبداً، بحجّة أنهم أعلام الدين، فيكون الطعنُ فيهم طعناً في الدين.
أودى بهم ذلك إلى المنع عن أهمّ مفردة من مفردات الشعائر الحسينية، وهي ذكر مصيبة الإمام الحسين عليه السلام، والبكاء والتفجُّع على مقتله، فحرّموه ومنعوه!

ينقل ابن حجر (القرن العاشر) في صواعقه عن الغزالي (القرن الخامس) وغيره قولهم:
((يحرم على الواعظ وغيره رواية مقتل الحسين وحكاياته وما جرى بين الصحابة من التشاجر والتخاصم فإنه يهيج على بغض الصحابة والطعن فيهم وهم أعلام الدين)) (الصواعق ص223).

صارت رواية مقتل الحسين عليه السلام في بطون الكتب وعلى المنابر وفي الجلسات، ونقل (حكاياته) أمراً مُحرَّماً!
يرى هؤلاء أن للحسين عليه السلام (حكاياتٌ) يجب أن تُطمَس لئلا تُهَيِّجَ على (بغض الصحابة والطعن فيهم)!

لماذا يا ابن حجر؟
لأن هذا يخالف الاعتقاد في جلالة الصحابة وبراءتهم من كلّ نقص!
يقول: ((بخلاف ما يفعله الوعاظ الجهلة فإنهم يأتون بالأخبار الكاذبة الموضوعة ونحوها ولا يبينون المحامل والحق الذي يجب اعتقاده فيوقعون العامة في بغض الصحابة وتنقيصهم)) (الصواعق ص224).

فحذار حذار.. يا خطباء المنبر.. وقرّاء العزاء على سيّد الشهداء!
حذار من أن تكونوا من الوعّاظ الجهلة! الذين لا يبيّنون المحامل الحسنة ليزيد بن معاوية وقتلة سيّد الشهداء!
إن أردتم ذكر مقتل الإمام الحسين عليه السلام فلا يجوز لكم ذلك إلا في مقام الدفاع عن الصحابة وتبرئتهم من كلّ نقص!

ماذا حلّ بمن بكته السماء والأرض؟ والإنس والجن؟! وما يُرى وما لا يُرى من خلق ربنا؟!
ماذا جرى على من بكاه الحبيب المصطفى صلى الله عليه وآله والعترة الطاهرة والأنبياء والمرسلون والملك المقربون؟!

ليس علينا أن نغوص فيه ونتعمّق إلا لتبرئة الصحابة! حفظاً للدين! ومنعاً لشقّ عصا المسلمين!

تبدأ (الحكايات) من ههنا..
حينما نصبَ المخالفُ لنا إماماً لم (ينصبه الله تعالى) واتّبعه اتباعاً أعمى زاده الله مرضاً وأعمى قلبه عن الهداية، فآل به الأمر إلى منع ذكر مقتل الحسين عليه السلام!

لكنّ الشيعي مُنزّهٌ عن أن يتّخذ إماماً دون المعصوم فيطيعه في كلّ ما قال، ولو خالف أمر الله، والشيعي مبرّأٌ عن أن يتكلَّف لغير المعصوم ما يجعله به في منزلة المعصوم.

ولا يخاف الشيعي من التهويل، فإنه يعلم أن خطاب التحذير من الفتنة وشقّ العصا لا يوجّه لمن يقيم المآتم، بل يوجّه لقلّة مشتبهة تسعى لإلغاء كلّ مأتم..
يوجه هذا الخطاب لمن يحاول أن يفرض رأيه على اخوته المؤمنين انتصاراً أعمى لمن يحبّ.
المؤمن لا يلزم أحداً بالحضور في المآتم.. لكنه يعلم أن البشرية كلّها أعجز من أن تمنعه من إقامة مأتم أو حضوره!

مآتم الحسين أيُّها الأحبة أكبر من المؤمنين جميعاً، ومن ترونهم (كباراً وقيادات شيعية) يرون أنفسهم صغاراً أمام ذكرى الحسين عليه السلام، وهو الحق الذي لا ريب فيه!

لا تستفزنّكم العصبية والحميّة، فيعزّ عليكم أن لا تطاعوا في رأيكم.

لقد عصي الله تعالى فما ثارت ثائرة بعضكم كما هو الحال لمّا عُصي قولكم!
أفأنتم أعزُّ من الله تعالى وأمنع وأقدر؟!
إن الله تعالى (لم يُعصَ مغلوباً)، فأمركم الله أن تنتصروا له بمحاولة منع مجالس حبيبه الحسين عليه السلام؟!

لا تسخطوا الحسين بالحماقات أيّها الأحبة!
فتستجلبوا العداوة في المناسبة التي ستجمع الشيعة بعد الشتات!
إن ذكرى الحسين عليه السلام هي التي يجمع الله تعالى عليها الشيعة للانتقام من بني أميّة، فهل عندنا ثأرٌ من بني أميّة أعظم من قتل الحسين عليه السلام؟!

يقول أمير المؤمنين عليه السلام:
سَيَجْمَعُ هَؤُلَاءِ لِشَرِّ يَوْمٍ لِبَنِي أُمَيَّةَ كَمَا يَجْمَع‏ قَزَعَ الْخَرِيفِ يُؤَلِّفُ اللَّهُ بَيْنَهُم‏... وَلَعَلَّ اللَّهَ يَجْمَعُ شِيعَتِي بَعْدَ التَّشَتُّتِ لِشَرِّ يَوْمٍ لِهَؤُلَاءِ (الكافي ج2 ص64-66).

فلنحافظ على القلوب المؤتلفة في ذكرى عاشوراء.. وليكفّ كلّ منا لسانه عن أخوته الموالين، وليعذر كلٌّ منا الآخر في فعله، وكلٌّ يحيي ذكرى الحسين عليه السلام كما يراه الأصوَبَ في كل عام.

وحذارِ حذارِ من إثارة الشقاق بالسعي لمنع المجالس بالقوة مهما كانت التبريرات.. حيث يستوي المانع المحبّ مع المبغض إن كان المنع بالغلبة.. مع أنهما معا عاجزان عن ذلك المنع..

سيدي يا صاحب العصر والزمان.
أنت المعزى، عظم الله لك الأجر في جدك الحسين، جعلنا الله ممن يسير في ركبك للثأر من قتلته، وجمع الله كلمة الشيعة تحت رايتك، وعجل لنا في ظهورك.

وانا لله وإنا إليه راجعون

ثاني أيام المحرم 1442 للهجرة.


قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat


شعيب العاملي
 (للدخول لصفحة الكاتب إضغط هنا)

    طباعة   ||   أخبر صديقك عن الموضوع   ||   إضافة تعليق   ||   التاريخ : 2020/08/22



كتابة تعليق لموضوع : حذار حذار.. يا قرّاء العزاء!
الإسم * :
بريدك الالكتروني :
نص التعليق * :
 



حمل تطبيق (كتابات في الميزان) من Google Play



اعلان هام من قبل موقع كتابات في الميزان

البحث :





الكتّاب :

الملفات :

مقالات مهمة :



 إنسانية الإمام السيستاني

 بعد إحراجهم بكشف عصيانها وخيانتهم للشعب: المرجعية الدينية العليا تـُحرج الحكومة بمخالفة كلام المعصومين.. والعاصفة تقترب!!!

 كلام موجه الى العقلاء من ابناء شعبي ( 1 )

 حقيقة الادعياء .. متمرجعون وسفراء

 قراءة في خطبة المرجعية : هل اقترب أَجلُ الحكومةِ الحالية؟!

 خطر البترية على بعض اتباع المرجعية قراءة في تاثيرات الادعياء على اتباع العلماء

 إلى دعاة المرجعية العربية العراقية ..مع كل الاحترام

 مهزلة بيان الصرخي حول سوريا

 قراءة في خطبة الجمعة ( 4 / رمضان/ 1437هـ الموافق 10/6/2016 )

 المؤسسة الدينية بين الواقع والافتراء : سلسلة مقالات للشيخ محمد مهدي الاصفي ردا على حسن الكشميري وكتابيه (جولة في دهاليز مظلمة) و(محنة الهروب من الواقع)

 الى الحميداوي ( لانتوقع منكم غير الفتنة )

 السيستاني .. رسالة مهدوية عاجلة

 من عطاء المرجعية العليا

 قراءة في فتوى الدفاع المقدس وتحصين فكر الأمة

 فتوى السيد السيستاني بالجهاد الكفائي وصداها في الصحافة العالمية

 ما هو رأي أستاذ فقهاء النجف وقم المشرّفتَين السيد الخوئي بمن غصب الخلافة ؟

 مواقف شديدة الحساسية/٢ "بانوراما" الحشد..

أحدث مقالات الكتّاب :


مقالات متنوعة :





 لنشر مقالاتكم يمكنكم مراسلتنا على info@kitabat.info

تم تأسيس الموقع بتاريخ 1/4/2010 © محمد البغدادي 

 لا تتحمل الإدارة مسؤولية ما ينشر في الموقع من الناحيتين القانونية والأخلاقية.

  Designed , Hosted & Programmed By : King 4 Host . Net