صفحة الكاتب : ا . د . موسى محمد آل طويرش

كتابة التأريخ أمانة ومسؤولية أخلاقية
ا . د . موسى محمد آل طويرش

المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الموقع، وإنما تعبر عن رأي الكاتب.
  تمثل كتابة التاريخ في مجتمعاتنا العربية والأسلامية أهمية كبيرة لما ينتج عنها من أنعكاست خطيرة على الأستقراروالسلم الأهلي لما يمثله التاريخ من أرتباط وثيق في تكوين تلك المجتمعات الديني والعشائري0   يجب ان نتفق اولاً على مفهوم واضح ومحدد للتاريخ، اذ غالباً ما يذهب الذهن الى التعريف التقليدي للتاريخ وهو (سجل الماضي). 
وهذا المفهوم للتاريخ يتفق مع ما ذهب اليه عدد من المؤرخين وعلى رأسهم الطبري ) الذي اكد على ان التاريخ يمثل (كل الاحداث التي وقعت من وقت آدم والى وقت التدوين .
  الا ان هذا المفهوم يحتمل اكثر من تقييم فهناك من يؤيد هذا الطرح على اعتبار ان مـا يسجله التاريخ
هو كل ما حدث في الماضي زماناً ومكاناً، وآخرون يرون ان التاريخ يشمل فقط النشاطات الانسانية التي مثلت علامات حضارية بارزة ولاتزال آثارها قائمة الى الوقت الحاضر .
   واكثر الآراء جرأة ذلك الذي يفسر التاريخ على انه نتاج لما يتناوله المؤرخون طبقاً لما يقرروه هم انطلاقاً من أمرين: أما لأنه يتوافق مع رغباتهم واهدافهم الذاتية او طبقاً لما متوفر من المعلومات والآثار والوثائق التي تتيح لهم الاطلاع على الاحداث وتدوينها. 
ونميل الى ان التاريخ ليس كل الماضي، ذلك لأن الماضي يحتمل احداث وشخصيات ودول قد يكون لها وزنها وأهميتها الانسانية او لايكون لها ذلك، كما ان المعلومات الواصلة للباحثين ليست هي كل الحقيقة وانما تمثل جانباً منها، لذا يمكن ان نضع لمفهوم التاريخ حدود :
 
أ‌-    -   ماتبقى من الماضي (من آثار،وثائق،دلائل واخبار لها درجه من الموثوقية). 
ب‌-       مارغب او يرغب المؤرخون من ابرازه وتسليط الضوء عليه كلاً لاسبابه واهدافه ومبرراته. 
ج- الاحداث التي تركت بصمات حضارية لايمكن اندثارها ونقلت الانسانية من حالة الى آخر فكرية كانت ام عمرانية او حتى عسكرية. 
 
 وطبقا لذلك فأنه يجب ان نقر بحقيقة لايمكن تجاوزها وهي ان لا نجعل كل مانقل او كًُتب في التاريخ امراً مسلماً به، فكل الافكار والآراء والاوصاف نسبية تخضع للقياس والتجريب والمنطق والمقارنة، وهذه هي مهمة الباحث الاكاديمي في مجال التاريخ. وهذا ماأكده الفيلسوف الفرنسي اميل دوركهايم (1858 -1917م) عندما اكد ان الباحث يجب ان يتحرر من الآراء البديهية الكاذبة التي تسيطر على عقول العامة من التاريخ... لذا فهو رفض مبدأ الحتمية في نقل الحقائق التاريخية كون كل شئ نسبي وخاضع للمراجعة والتدقيق، ان الخشية هنا من الانتقائية في التاريخ طبقاً لاهواء المؤرخ ودوافعه، فقد يلجأ الى تحديد سبب واحد يعزي اليه علة تحريك بقية العوامل والظواهر كالعامل الاقتصادي او الديني. 
   قد يتبادر الى الذهن تساؤل عن    اهمية التاريخ وهنا يمكن ان نحددعدد من النقاط  منها  
 
أ‌- - أن الحاضر هو نتيجة لتفاعلات الماضي وإفرازاته والذي سجله التاريخ من قيم وافكار وفنون وعلوم وغيرها، لذا فأن دراسة التاريخ بمختلف جوانبه هي حالة من التواصل المستمر بين مراحل حياة الانسان. وأن هذا التواصل سيؤدي بالتأكيد الى حالة من الابداع والتطور على اعتبار ان كل زمن هو مكمل للزمن الذي قبله بكل ما فيه من نشاط انساني. 
 
ب‌-  - ان التعرف على نشاط الشعوب والامم والحضارات الانسانية ومراقبة تطورها ومصيرها لايمكن ان يكون الا من خلال دراسة ذلك النشاط وتتبع آثاره في اطاره التاريخي. 
 
ج- ان التاريخ هو الاداة الكاشفة لميزات الامم والشعوب وصفاتهم التي يتصفون بها، الامر الذي يساعدنا على فهم ودراسة وتحليل سياسات الامم والمتوقع منها. اذ ان (معرفة الماضي  يكسب الانسان الخبرة والتأمل)، مثلاً دراسة التاريخ الامريكي، وكيفية نشوء الدولة الامريكية على حساب السكان الاصليين الذين ابيدوا، وايضا معرفة ممن تكوّن هذا الشعب وكيف، سيعطينا الامكانية في فهم وتوقع السياسة الامريكية والاسلوب الذي يفكر فيه الانسان الامريكي ومعرفة العلة التاريخية لتلك السياسة، وهذا الامر ينطبق على الشعب الياباني والانكليزي والفرنسي وغيرهم. 
 
د- ان التاريخ هو افضل طريق واسلوب للحكم على الاحداث والمواقف والأفعال وفهم الوقائع لاسيما اذا كان الباحث صادقاً وحيادياً وعلمياً. 
    مثلاً للاجابة عن تساؤل لماذا نزلت الديانات السماوية كلها في المنطقة العربية ؟
 
   هناك من يعطي تفسيراً سلبياً يتعلق بحاجة مجتمعات هذه المنطقة للاصلاح، وهناك من يعطي تفسيراً ايجابياً مفاده ان الله سبحانه تعالى أختار شعوب المنطقة كمادة صالحة لنشر الديانات السماوية كونهم اهل لتحمل هذه المسؤولية والدفاع عنها. وهناك من يعطي بعداً جغرافياً انطلاقاً من اهمية المنطقة. 
 
هـ- وجد العديد من المفكرين ان دراسة التاريخ توضح وتكشف القوانين التي تنسق حركة التاريخ وبالتالي يمكن استخلاص العديد من النتائج، او حتى بناء فر لحاجات وضرورات وتحديات فرضتها عليه الطبيعة.               
من الامور المهمة في كتابة التاريخ هو تحديد مراحله أي تقسيمه الى حقب معينة طبقاً لاحداث وتطورات فاصلة في التاريخ، وقد تم التركيز على هذا الموضوع لاهداف عدة من بينها تسهيل عملية دراسة التاريخ من خلال تقسيمه الى مراحل ودراسة كل مرحلة على حدة مع ايجاد الاواصر التي تربط مرحلة بأخرى. وهناك هدف آخر يتمثل بتسويق أفكار وايديولوجيات معينة لاسيما عندما يقسم التاريخ على اساس ديني او اقتصادي او عسكري.. الخ ونميل الى تقسيم التاريخ الى قديم ووسيط وحديث ومعاصر.
 
 المنهج العلمي و الجديه في كتابة التاريخ 
 
    في العصر الحديث وضع العديد من المفكرين تعريفاً للمنهج العلمي في كتابة التاريخ ومنهم الفيلسوف الايطالي فيكو   الذي وضع تعريفا للمنهج العلمي : (سعي وراء المعرفة بأتباع اساليب علمية مقننة). وهو كذلك (استقصاء منظم يهدف الى اضافة معارف يمكن توصيلها والتحقق من صحتها عن طريق الاختبار العلمي). وهو ايضا (استقصاء دقيق يهدف الى اكتشاف الحقائق والقواعد العامة التي يمكن التحقق منها مستقبلاً).
   من خلال ماذهب اليه العديد من المفكرين والفلاسفة يمكن وضع تعريف لمفهوم المنهج العلمي هو : (مجموعة من القواعد والخطوات العلمية المتفق عليها والتي يستند اليها الباحث للوصول الى الحقائق التاريخية وابرازها وتحليلها واستخلاص النتائج التي يمكن التحقق منها واثباتها، ولهذا يتبع الباحث سلسة متسقة من الخطوات تبدأ بأختيار الموضوع وتنتهي بأختبار النتائج). 
  
     من المهم جداً للباحث في الدراسات التاريخية ان يضع امامه سؤالاً محدداً : لماذا يدرس التاريخ ؟ ماهو الهدف.هل هو فعلاً باحث يطمح في التعمق في البحث التاريخي رغبة منه بالوصول الى الحقائق التاريخية واظهارها ونقلها بامانة وحرص الى الاجيال القادمة انطلاقاً من اعتقاده بأهمية وخطورة هذه المهمة الجسيمة. 
    ان حب البحث التاريخي والتعلق به والتفاني من اجله هو عامل مهم واساسي عند طالب التاريخ فتراه يستعذب التعب للوصول الى الحقيقة من مصادرها الاصلية، وتراه صبوراً لايتسلل اليه الملل في البحث عن المصادر والوثائق، وبالتالي فهو لايتحجج بصعوبة الظروف، اوعدم القدرة على الوصول الى ادواته الوثائقية لتبرير ضعف البحث وعدم الوصول الى نتائج مهمة. 
     سأورد هنا مثالاً وهو المؤلف الامريكي ويل دورانت المولود عام 1885 في ولاية ماساشوستس الامريكية، والذي افنى جزء كبير من حياته في البحث والدراسة من اجل الحقائق التاريخية، واستطاع خلال الاعوام من 1935 حتى عام 1965  اصدار عشرة اجزاء من كتاب قصة الحضارة، بدأها بالجزء الاول عن تاريخ الشرق القديم وصولاً الى الثورة الفرنسية، وتناول خلال هذه الاجزاء سير الحضارات وتطورها والاحداث السياسية وشخصياتها والحروب فضلاً عن الفكر والدين والعلوم وغيرها من  مفردات النشاط الانساني. 
 
    وعمل على جمع معلوماته من خلال الرحلات الكثيرة والواسعة التي قام بها الى معظم انحاء العالم للاطلاع عن الآثار والوثائق والمصادر الاصلية، وذلك برفقة زوجته (التي هي في الأصل تلميذته)  اذ ساعدته في البحث والتصنيف ومن ثم الخروج بهذا الجهد العلمي الكبير. والملفت في الامر هنا انه في عام 1965 وضع الجزء الاخير الذي تناول الثورة الفرنسية وتوقف عندها على اعتبار ان ماتلا ذلك  من الاحداث هو في (دور الغليان والتكوين) مما يجعل البحث فيه امراً محفوف بالمخاطر من الناحية العلمية وهذا الرأي فيه احترام كبير للمصداقية والابتعاد عن الاحكام التاريخية المشكوك في اثباتها .  
    اننا نجد الباحث الصادق ينسى نفسه غارقاً في مطالعاته وتحليلاته وتصنيفاته ومقارناته دون تعب او ملل. وعلى عكس ذلك فأن الباحث السطحي ستكون دراسته باهته او تافهة لاقيمة علمية لها وستكون قيمتها أقل من قيمة الورق والحبر الذي اتفق عليها، وان الباحث نفسه سوف لايكون مقنعاً كمتخصص في التاريخ يحترمه الأخرون ويرجعون اليه لنهل المعرفة والاستفسار عن الآراء التاريخية. 
 (ان هؤلاء العاكفون المتفرغون للدرس والبحث في كافة العلوم والفنون (ومنهم المؤرخون) هم الذين يقوم على اكتافهم على نحو اساس تقدم الانسانية وازدهار الحضارة)  
 
 
- المصداقية :- 
    تمثل المصداقية من اكثر المواضيع خطورة في كتابة التاريخ وذلك لما للتاريخ من آثار كبيرة لاتقتصر على المرحلة التي يكتب فيها البحث التاريخي وانما تمتد الى مراحل اخرى. 
 قد يكتب التاريخ لاهداف غير سليمة وغير علمية مثلاً :- 
أ) محاولة تمجيد الحكام وتطويع او ليّ الحقائق التاريخية خدمة او تقرباً وتنفيذاً لسلطة الحكام. 
يقول ابن خلدون في مقدمته :- 
(اذ يرى تقرب العلماء الى اصحاب المراتب العليا يؤدي بهم الى قلب الحقائق وتزييفها... فالناس مطلعون الى الدنيا واسبابها من حساب الثروة...وليسوا في الاكثر راغبين في الفضائل  او متنافسين عليها). 
ب) محاولة تطويع الاحداث خدمة لغايات واهداف سياسية او طائفية او عقائديه من خلال ابراز جوانب من مرحلة تاريخية معينة وتسليط الضوء عليها بكثافة مع محاولة اخفاء او التقليل من اهمية الجوانب الاخرى. 
من ذلك يقول المفكر دوركهايم :- 
(يجب ان يتحرر الباحث من تلك الآراء البديهية الكاذبة التي تسيطر على عقول العامة من الناس وان يزيل عن كاهله نير قواعد التفكير في التقليدي، وهي تلك القواعد التي تنقلب مستبدة قاهره في نهاية الامر وذلك بسبب شدة أُلفتهُ اياها...). 
   ان كل الاشياء لها وجهان ومنها الاشخاص والاحداث ويمكن للمرء ان ينظر الى الحدث من جانبه المضيئ ويبرزه او ينظر اليه من جانبه السيئ ويبرزه. انما المحايد والموضوعي فأنه ينظر الى الوجهين في نظرة واحدة ويبين حقيقية الأشياء دون تحيز او تميز. 
   
ونورد هنا امثلة عدة على ذلك  : 
المثال الاول : 
  هناك من ينظر الى الجانب الايجابي في شخصية رئيس وزراء العراق بعد ثورة تموز 1958 عبد الكريم قاسم، فهو النزيه الذي توفي وليس لديه أي املاك او اموال وكان ينام على الارض ويعيش كالفقراء...الخ ويبدأ الباحث ابراز هذه الجوانب ويبني على اساسها احكاماً. 
    في ذات الوقت هناك باحث يركز على الجوانب السلبية في شخصية عبد الكريم قاسم فهو الديكتاتور المتفرد بالسلطة، اعدم اقرب رفاقه كرفعت الحاج سري وناظم الطبقجلي، واضطهاده للقوميين، والسياسة الاقتصادية الخاطئة التي من بين نتائجها جعل العراق مستورداً للحبوب بعد ان كان مصدراً لها. ويبدأ الباحث ايضا بناء احكاماً على ذلك. 
  والصحيح هو وصف شحصية عبد الكريم قاسم بحياديه بأيجابياتها وسلبياتها وبموجب هذه الحيادية يجب ان تبنى الاحكام، الامر الذي يجعلها تتمتع بالمصداقية. 
 المثال الثاني :
   عندما يتحدث باحث ما عن ثورة العشرين مثلاً فأنه لاهداف معينة يحاول القاء الضوء على معركة صغيرة او على شخصية قد تكون ثانوية ويعمل على تضخيم دورها على حساب معارك وشخصيات محورية واساسية في احداث الثورة وتفاصليها وذلك لغايات غير علمية. 
 
المثال الثالث : 
   عندما يدرس الفكر الماركسي حرب عام 1870 بين بروسيا و فرنسا فأنه يركز على نقطة واحدة في هذه الحرب وهي (   كومنة باريس) بأعتبارها اول تطبيق عملي للنظرية الماركسية،في الوقت الذي شهدت فرنسا مواقف واحداث تحكي مقاومة الشعب الفرنسي للاحتلال البروسي، اذ كانت هناك شخصيات واحداث ومعارك مهمة وكبيرة جعلها الفكر الماركسي ثانوية لغايات واهداف محددة تكمن في ابراز امكانية تطبيق النظرية الماركسية على الرغم من فشل هذه التجربة وضئالة اهميتها على المستوى الفرنسي. 
    ان ابرز مهمات الباحث في التاريخ هو التجرد من خلفياته الدينية والطائفية والعقائدية عندما يكتب بحثه التاريخي خدمة للحقيقة وابتعاداً عن المحاباة وعدم الدقة. 
   قد يبدو هذا الامر صعباً بسبب الطبيعة الانسانية والتأثيرات المختلفة ولكن الشيء المطلوب هنا هو ليس تجرد الباحث من خلفياته المذكورة، وانما القصد هو ان يكون امينا في نقل الاحداث دون محاباة و انحياز. 
  ان اهمية ذلك ليست آنية وانما هي اهمية مستمره متواصله عبر السنين كون ان الذي يكتب قد يكون مصدراً للاجيال القادمة تبني عليه احكاماً  او حتى مواقف. 
   والامثلة لدينا كثيرة على ذلك لاسيما في تاريخنا الاسلامي، اذ نقلت الينا أخبار المؤرخين احداث وتطورات لايزال الناس الى الوقت الحاضر يختلفون بسببها ويتقاتلون احياناً دون ان يكون لديهم القدره على أثبات الوقائع المنقولة لهم، وانما يتحمل مسؤولية نقلها مجموعة المؤرخين الذين اوصلوها لنا، ولا نعرف درجة مصداقية هذه الاخبار لاسيما اذا عرفنا انها لم تدون فور حدوثها وانما نقلت عن طريق الرواية الشفهية المتعاقبة من جيل الى جيل، فالبلاذري وهو من اوائل المؤرخين المسلمين توفي عام 892 م أي بعد مايقارب من ثلاث قرون من انطلاق الاسلام في المدينة المنورة في عام 622م، والطبري وهو من اهم من كتبوا التاريخ الاسلامي لسعة المواضيع التي تناولها فقد توفي في 923م أي بعد قرابة اربعة قرون من انطلاق الاسلام في المدينة المنورة وهكذا المسعودي المتوفي عام 956م. 
  واذا عرفنا ان الاحداث عندما تحصل فان كل شخص يصفها حال وقوعها من وجهة نظره، وكثيراً ماتختلف الروايات عن احداث وقعت قبل وقت قصير فكيف تلك الاحداث التي تنقل طبقاً للروايات من جيل الى جيل حتى تصل الى المؤرخ بعد مئات السنين.  
ان هذا ليس تشكيكاً في الكاتب او المؤرخ او الروايات وانما تأكيداً لحقيقة هي ان التاريخ الذي كتب هو نسبي وليس مطلق والروايات قابلة للمصداقية فضلاً عن كونها قابلة للتشكيك. 
الحقيقة الثانية التي نؤكد عليها هي الامانة الثقيلة التي تقع على الباحث في التاريخ في نقل الاحداث التي قد تكون سبباً لاتخاذ مواقف واحكام مصيرية بالنسبة لمجتماعات الانسانية. 
وهنا تشخص امامنا قصيدة للشاعر معروف الرصافي حول صدقية الروايات التاريخية اذ يقول : 
   فما كتب التاريخ في كل ما حوت 
                                 لقرائها الا حاديث ملفق 
    نظرنا لامر الحاضرين فرابنا 
                                 فكيف بأمر الغابرين نصدق
 
الامانة العلمية :-
    وهي من الامور الاساسية والتي تدخل ضمن الاخلاقيات التي تميز الباحث العلمي. فالباحث الذي يستخدم المصادر والوثائق ويستقي منها المعلومات والافكار عليه ان يذكر تلك المصادر بأمانة، وهو في ذلك يحقق أمرين الاول عام يتعلق باحترام وحماية حقوق الاخرين وجهودهم وهو جزء من شخصية الباحث الملتزم. والامر الثاني هو حماية الباحث نفسه لأن احترام مبدأ الأمانة العلمية يعني استمراره ليشمل حماية جهد الباحث نفسه عندما يستخدم بحثه كمصدر في المستقبل، اذ ان الباحث لايقبل الا ان يشار اليه لانه جهده العلمي ومن حقه على الباحثين ذكر ذلك الجهد. 
    وتشمل الامانة العلمية ايضا مصداقية الباحث في ذكر المصدر الحقيقي للمعلومه، لانه في احيان كثيرة يلجأ الباحث الى وضع مصادر في الهامش لم يراها هو فعلاً وانما قرأ عنها في مصادر اخرى وذلك رغبة منه في اظهار نفسه وكأنه تفحص كل هذه المصادر بأدعاء بذل الجهد الكافي.  . 
   ان الامانة العلمية صفة مهمة من صفات الباحث بل من ابرز صفات الانسان العلمي الذي يدعي الثقافة والوعي وينوي الولوج الى الحياة العلمية والاكاديمية.
 
الشجاعه في طرح الافكار :- 
    اذا وجد الباحث ان الموضوع الذي سيتناوله في البحث والدراسه سيجبره على المحاباة اوالمداهنة او حجب جزء من الحقائق التاريخية المهمة تحت أي مبرر (كالخوف من السلطة) او الخشية من إثارة مجموعة من الناس، فان عليه ان لايبحث هذه الموضوع وينتقل الى موضوع آخر ويترك الامر لباحثين اكثر قدرة على ذكر الحقائق كاملة. 
   على الباحث اذاً ان يكون أميناً في نقل الاحداث (لايكذب ولاينتحل ولا ينافق ولايخفي الوقائع والحقائق والتي قد لا ترضيه او لا ترضي قومه وان لايكون متحيزاً.. وان يحرر نفسه قدر المستطاع من الميل والاعجاب والكراهية 0 
   وانطلاقاً من ذلك فأنه عند اختياره لموضوع البحث يضع امامه القدره على اظهارالحقائق التاريخية كاملة،  ان كان وقائع او استنتاجات، فالبحث التاريخي كما ذكرنا سابقاً هو امانه ثقيله يحملها الباحث تجبره على العمل بجدية للوصول الى الحقائق وذكرها دون مواربه، وهذا يتطلب شجاعه كافية لان قول الحق له تبعاته التي يجب على الباحث ان يضعها في حساباته. 
    وتبرز الشجاعة ايضاً في اسلوب البحث العلمي وقيام الباحث برفض كل ماهو جاهز ومنغلق، فيما نطلق عليه الابداع. اذ ان شجاعة الباحث تجعله يعمل بكل ماأوتى من قدره لاظهار بحثه بأفضل صورة، حتى لو تطلب الامر خروجاً عن المألوف في التحليل والتقويم والتسميات التي وضعها اساتذة سابقين والاساليب المستخدمة التي تحدد الباحث، ولكن هنا عليه ان يكون مقنعاً ويتحمل مسؤولية اقناع الاخرين لها  بتلك الخطوات. 
  ان المخترعات العلمية كلها بدأت بسيطة ثم اضاف اليها الانسان في كل مرحلة تطوراً جديداً حتى وصلت الى المرحلة المتطورة جداً، وهذا مايسمى الابداع الانساني. فالسيارة الأن هي ليست السيارة التي تم اختراعها قبل اكثر من قرن من الزمان. اذاً الجمود والانغلاق يعني ان الباحث لم يتقدم ولم يضيف شيئاً جديداً، وان لانطلاق نحو ابداع اضافات جديدة وكسر الآليات الجامدة لهو شجاعة تحسب للباحث وان قوبلت بالصعوبات والاعتراضات من قبل تلك الآليات ورجا لها.     
 
 
لمزيد من التفاصيل يمكن مراجعة كتاب (كتابة التاريخ وفق المنهج الاكاديمي) د. موسى محمد آل طويرش      

قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat


ا . د . موسى محمد آل طويرش
 (للدخول لصفحة الكاتب إضغط هنا)

    طباعة   ||   أخبر صديقك عن الموضوع   ||   إضافة تعليق   ||   التاريخ : 2012/03/03



كتابة تعليق لموضوع : كتابة التأريخ أمانة ومسؤولية أخلاقية
الإسم * :
بريدك الالكتروني :
نص التعليق * :
 



حمل تطبيق (كتابات في الميزان) من Google Play



اعلان هام من قبل موقع كتابات في الميزان

البحث :





الكتّاب :

الملفات :

مقالات مهمة :



 إنسانية الإمام السيستاني

 بعد إحراجهم بكشف عصيانها وخيانتهم للشعب: المرجعية الدينية العليا تـُحرج الحكومة بمخالفة كلام المعصومين.. والعاصفة تقترب!!!

 كلام موجه الى العقلاء من ابناء شعبي ( 1 )

 حقيقة الادعياء .. متمرجعون وسفراء

 قراءة في خطبة المرجعية : هل اقترب أَجلُ الحكومةِ الحالية؟!

 خطر البترية على بعض اتباع المرجعية قراءة في تاثيرات الادعياء على اتباع العلماء

 إلى دعاة المرجعية العربية العراقية ..مع كل الاحترام

 مهزلة بيان الصرخي حول سوريا

 قراءة في خطبة الجمعة ( 4 / رمضان/ 1437هـ الموافق 10/6/2016 )

 المؤسسة الدينية بين الواقع والافتراء : سلسلة مقالات للشيخ محمد مهدي الاصفي ردا على حسن الكشميري وكتابيه (جولة في دهاليز مظلمة) و(محنة الهروب من الواقع)

 الى الحميداوي ( لانتوقع منكم غير الفتنة )

 السيستاني .. رسالة مهدوية عاجلة

 من عطاء المرجعية العليا

 قراءة في فتوى الدفاع المقدس وتحصين فكر الأمة

 فتوى السيد السيستاني بالجهاد الكفائي وصداها في الصحافة العالمية

 ما هو رأي أستاذ فقهاء النجف وقم المشرّفتَين السيد الخوئي بمن غصب الخلافة ؟

 مواقف شديدة الحساسية/٢ "بانوراما" الحشد..

أحدث مقالات الكتّاب :


مقالات متنوعة :





 لنشر مقالاتكم يمكنكم مراسلتنا على info@kitabat.info

تم تأسيس الموقع بتاريخ 1/4/2010 © محمد البغدادي 

 لا تتحمل الإدارة مسؤولية ما ينشر في الموقع من الناحيتين القانونية والأخلاقية.

  Designed , Hosted & Programmed By : King 4 Host . Net