صفحة الكاتب : الشيخ صادق الحاج احمد الدجيلي

دروس في مواقف
الشيخ صادق الحاج احمد الدجيلي

المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الموقع، وإنما تعبر عن رأي الكاتب.

 مسألة:
قال يحيى بن أكثم للمأمون: يأذن لي أمير المؤمنين أن أسأل أبا جعفر عن مسألة؟ 
فقال له المأمون: استأذنه في ذلك فأقبل عليه يحيى بن أكثم فقال:
أتأذن لي جعلت فداك في مسألة؟ 
فقال أبو جعفر عليه السلام: سل إن شئت
قال يحيى: ما تقول جعلت فداك في محرم قتل صيدا؟.
فقال أبو جعفر عليه السلام: قتله في حل أو حرم عالما كان المحرم أو جاهلا قتله عمدا, أو خطأ، حرا, كان المحرم أو عبدا صغيرا كان أو كبيرا، مبتدئا بالقتل أو معيدا من ذوات الطير كان الصيد أم من غيرها، من صغار الصيد أم من كبارها مصرا على ما فعل أو نادما، في الليل كان قتله للصيد أم في النهار، محرما كان بالعمرة إذ قتله أو بالحج كان محرما؟.
فتحير يحيى بن أكثم وبان في وجهه العجز والانقطاع ولجلج حتى عرف جماعة أهل المجلس أمره , فقال المأمون: الحمد لله على هذه النعمة والتوفيق لي في الرأي ثم نظر إلى أهل بيته فقال لهم: أعرفتم الآن ما كنتم تنكرونه؟ (بحار الأنوار ج ٥٠ ص ٧٤ عن الاحتجاج)
سيقع البحث  في ثلاثة محاور:
 دروس من موقف يحيى ابن اكثم:
دروس من موقف الخليفة المأمون:
دروس من موقف الامام الجواد عليه السلام: 
سنبدا اولاً بيحيى ابن اكثم: الذي كان قاضياً وكان مفتياً.
الاول: التصدي للفتيا والقضاء مع عدم الاهلية والقابلية حيث ان مقام القضاء والفتيا لا بد له علم ومن معرفة غزيرة واحاطة حتى يتصدى.
الثاني:  
العجب والغرور بما لديه من علم ومعرفة  فتصور انه اعلم الناس وافهم الناس.
الثالث: 
عدم معرفته بامام زمانه، والرواية تقول: (من مات ولم يعرف امام زمانه مات ميتة جاهلية). 
الرابع:
  التصور الخاطئ بان العمر, وكبر السن له المدخلية في التفوق العلمي في كل زمن وكل مكان وهذه القاعدة لا يمكن تطبيقها على الائمة (عليهم السلام) نعم هي قاعدة في الجملة صحيحة ولكن هذه القاعدة ليست عامة يمكن تطبيقها في كل زمن .
الخامس:
  (ويمكرون ويمكر الله والله خير الماكرين)الأنفال ٣٠   
أراد هذا الرجل ومن خلفه الخليفة ان يحط من قدر الامام (عليه السلام) ويظهر رفعة علمه ومعرفتة فانعكس الامر وحاق المكر السيء باهله حيث بانت رفعة الامام (عليه السلام) .
السادس:
لماذا سأل يحيى الامام(عليه السلام) عن الحج, لأنه تصور ان الامام لا يعرف احكام الحج لعدم فعله وادائه له لصغر سنه كان عمره الامام حين طرح عليه السؤال تسع سنين واشهر فتصور ابن اكثم ان الامام (عليه السلام) لم يحج او أدا الحج والحج عبادة ومناسكها سريعة, فعلى ذلك لا ترسخ ولا تعلق بالذهن او لان هذه المسالة غير ابتلائية فتصور ان الامام (عليه السلام) لا يعرف المسائل الأبتلائية.
السابع:
    يحيى ابن اكثم طرح سؤال بسيط, يتناسب مع عمر الامام (عليه السلام) لانه كان ابن تسع سنين واشهر واذا الامام (عليه السلام) يجعل من السؤال البسيط صعب ويعقده حتى يعجز كبار العلماء عن اجابته.
الثامن:
  هذا الرجل يحيى كان مؤدباً مع الامام حيث كان يخاطبه بالتفديه في حواره ويظهر احترامه وعجزه للامام (عليه السلام) حينما فصل (عليه السلام) سؤال يحيى ابن اكثم  وهذا يعكس عن نفسية جيدة نسبة ما،بخلاف نفسية ابن ابي ليلى الذي ايضاً تصدى للقضاء، وكان قاضي القضاة في زمن المعتصم العباسي, حيث كان خبيث السريرة, والقضية معروفة في كيفية قطع يد السارق, واجابة الامام (عليه السلام) عليها بكيفية القطع فأظهر قاضي القضاة ابن ابي ليلى الحسد والغضب حتى وشى بالامام عند المعتصم وكان سبباً في قتل الامام سلام الله عليه.
التاسع:
  قال يحيى: ماذا تقول في محرم قتل صيدا, ولم يقل: ما حكم محرم قتل صيداً, يحيى بن اكثم يطرح السؤال: ما تقول, ولم يقل: ما حكم لانه يعلم انه لهذا البيت الطاهر الائمة (عليهم السلام) اراء واحكام خاصة بهم خالفهم فيها العامة.
العاشر:
  الرجل اظهر العجز, بعد ما فصل الامام (عليه السلام) حتى لم يكلف نفسه التفكير والتامل والتدبر ولم يقل امهلني يابن رسول الله (صلى الله عليه واله) ساعة ساعتين وهذا يكشف عن البون الشاسع بين علمه وعلم الامام (عليه السلام).
الحادي عشر:
  يحيى ابن اكثم قد هيئ وأعد لسؤاله قبل طرحه على الامام (عليه السلام) وهو يعد سؤاله من السهل الممتنع ما تقول في محرم قتل صيدا, سؤال ظاهره سهل و صعب والامام كان جوابه بسرعة وبدقة وتفريع متناهي الروعة على سؤاله وهذا يكشف عن فرق فكريٍ جوهري بين يحيى ابن اكثم, وبين الامام (سلام الله عليه).
 
الدروس من موقف الخليفة المأمون:
 
الاول:
  التكبر على خلق الله حيث ان الخليفة يرى نفسه افضل الناس واشرفهم واعلاهم, حيث هو الذي يعقد المجلس و يهيئه وهو الذي يحضر العلماء والناس وهو الحكم الفصل فيه.
الثاني:
  خداع الناس وتقديم انفسهم للناس بانهم خلفاء رسول الله (صلى الله تعالى عليه واله) وانهم اشرف الخلق وافضل الناس بعده.
الثالث:
  اعتماد العاجز الضعيف على عاجز ضعيف مثله حيث ان الخليفة كان ضعيف اعتمد على يحيى ابن اكثم الذي هو ايضاً ضعيف مثله فضم الضعيف الى الضعيف لا يولد قوي.
الرابع:
  العباسيون يعلمون انهم مغتصبون لحق غيرهم فارادوا خداع انفسهم وتثبيت حكمتهم ودعواهم بأي صورة وباي شك, من الاشكال ولو كانت تلك الصورة ملتوية وصورة التفاف على الحق.
الخامس:
  بان بهذا الموقف رفعت الامام وعلوه وانه احق بهذا المكان من الخليفة.
السادس:
  المكابرة وعدم اخذ الدروس, والمواقف المتكررة مع الائمه سلام الله عليهم, حيث هذه الأمور جرت مع ابيه الرضا سلام الله عليه ولكن هذا الخليفة لم يتعض ولم يرتدع وبقى على طغيانه وعلى جهله وتكبره.
السابع:
  الحكام الظالمون يساهمون من حيث لا يعلمون باظهار منزلة ومقام الامام المعصوم عليه السلام كحال الليل في أظهار النجوم والقمر، فلولا الباطل لما بان الحق ولولا الكذب لما عرف الصدق ولولا الجهل لما مودح العلم.
  ففرعون باقواله واعماله اظهار منزلة ومقام موسى (عليه السلام) ومعاوية كشف عن منزلة ومكانة علي (عليه السلام) وهكذا باقي الحكام أعداء اهل البيت (عليهم السلام) كحال هذا الخليفة اظهر منزلة ومقام الامام الجواد (سلام الله عليه)
 
الثامن:
  بعد ما ظهر من الامام تقدمه ورفعته وسموه وعلاقته بالله تعالى كان على الخليفه واتباعه من الامة اطاعة الامام ورضوخهم للحق واتباعه ولكن لم نرى ذلك واضحاً.
 
دروس في موقف الامام الجواد عليه السلام:
 
الاول:
للامام علم خاص لا يكسب و يستحصل بالاسباب الطبيعية الاعتيادية
 
الثاني:
 إن الله عز وجل هو من ينصر اوليائه ويعزهم ويرفعهم(ولينصرن الله من ينصره إن الله لقويٌ عزيزٌ).الحج ٤٠ 
 
الثالث:
  الشمول والاحاطة العلمية حيث بان ما للامام (عليه السلام) من سعة علم وإلمام كامل بجوانب المسألة فهذه مسالة واحدة لديه هذا التفريع و التفصيل فكيف باكل المسائل.
 
الرابع:
  أسلوب الامام البلاغي و الأخلاقي حيث راعى نفس السؤال وفرع عليه و لم يسال سؤالاً جديدا يحيى بن أكثم.
 
الخامس:
لعل في هذا التفريع, نفهم ذلك الحدث التاريخي الذي يقول: طرح على الامام في مجلس واحد ثلاثين الف سؤال, فيأتي  إعترض كيف يسع الزمان ان يطرح ثلاثون الف سؤال؟
  بمعنى: ان المسالة تحتمل وجوهاً وتفريعات كثيرة جداً تربو على ثلاثين الفا.
 
 
السادس:
من القلب الامام عليه السلام (الجواد) ومن اثار جوده  هو جوده بالعلم والمعرفة على الغير.
 
السابع:
 تناغم القران وهذا الموقف المعصومي حيث كان عمر الامام (عليه السلام) تسع سنين واشهر ويحيى ابن زكريا(عليهم السلام) فتحدث القرأن عنه (واتيناه الحكم صبيا) وهذا دليل على صدق وصحة القران الكريم و فهمه بالعتره.
 
الثامن:
  طلب المامون من الامام (عليه السلام) ان يسال يحيى, فقال له: (اخبرني عن رجل نظر الى امرأة اول النهار فكان نظره اليها حراماً عليه فلما ارتفع النهار حلة له فلما زالت الشمس حرمت عليه فلم كان وقت العصر حلة له فلما غربة الشمس حرمت عليه فلما دخل وقت العشاء الآخرة حلة له فلما كان وقت انتصاف الليل حرمت عليه فلما طلع الفجر حلة له ما حال هذه المرأة وبماذا حلة له و حرمت عليه فقال له يحيى بن اكثم : لا والله لا أهتدي الى جواب هذا السؤال ولا اعرف الوجه فيه )(بحار الأنوار ج٥٠ ص٧٨) الامام عليه السلام سال في نفس المورد, ونفس الأسلوب, وهذا يكشف ان يحيى كان لديه علم في الجملة و ليس لديه علم تفصيلي بالمسائل .
 
التاسع:
  عدم الحديث والاجابة عن مسالة دون معرفتها بفروعها و تفصيلاتيها لأن الأحكام تابعه للعناوين
 
العاشر:
 
هذا الحوار دليل على عظمة الله و قدرته و إنه هو من علم الامام فالانسانُ ضعيف لا علم له ( وما أُتيتم من العِلم إلا قليلا).الإسراء ٨٥  
( وفوقَ كلِ ذِى عِلمٍ عليم). يوسف ٧٦


قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat


الشيخ صادق الحاج احمد الدجيلي
 (للدخول لصفحة الكاتب إضغط هنا)

    طباعة   ||   أخبر صديقك عن الموضوع   ||   إضافة تعليق   ||   التاريخ : 2020/07/22



كتابة تعليق لموضوع : دروس في مواقف
الإسم * :
بريدك الالكتروني :
نص التعليق * :
 



حمل تطبيق (كتابات في الميزان) من Google Play



اعلان هام من قبل موقع كتابات في الميزان

البحث :





الكتّاب :

الملفات :

مقالات مهمة :



 إنسانية الإمام السيستاني

 بعد إحراجهم بكشف عصيانها وخيانتهم للشعب: المرجعية الدينية العليا تـُحرج الحكومة بمخالفة كلام المعصومين.. والعاصفة تقترب!!!

 كلام موجه الى العقلاء من ابناء شعبي ( 1 )

 حقيقة الادعياء .. متمرجعون وسفراء

 قراءة في خطبة المرجعية : هل اقترب أَجلُ الحكومةِ الحالية؟!

 خطر البترية على بعض اتباع المرجعية قراءة في تاثيرات الادعياء على اتباع العلماء

 إلى دعاة المرجعية العربية العراقية ..مع كل الاحترام

 مهزلة بيان الصرخي حول سوريا

 قراءة في خطبة الجمعة ( 4 / رمضان/ 1437هـ الموافق 10/6/2016 )

 المؤسسة الدينية بين الواقع والافتراء : سلسلة مقالات للشيخ محمد مهدي الاصفي ردا على حسن الكشميري وكتابيه (جولة في دهاليز مظلمة) و(محنة الهروب من الواقع)

 الى الحميداوي ( لانتوقع منكم غير الفتنة )

 السيستاني .. رسالة مهدوية عاجلة

 من عطاء المرجعية العليا

 قراءة في فتوى الدفاع المقدس وتحصين فكر الأمة

 فتوى السيد السيستاني بالجهاد الكفائي وصداها في الصحافة العالمية

 ما هو رأي أستاذ فقهاء النجف وقم المشرّفتَين السيد الخوئي بمن غصب الخلافة ؟

 مواقف شديدة الحساسية/٢ "بانوراما" الحشد..

أحدث مقالات الكتّاب :


مقالات متنوعة :





 لنشر مقالاتكم يمكنكم مراسلتنا على info@kitabat.info

تم تأسيس الموقع بتاريخ 1/4/2010 © محمد البغدادي 

 لا تتحمل الإدارة مسؤولية ما ينشر في الموقع من الناحيتين القانونية والأخلاقية.

  Designed , Hosted & Programmed By : King 4 Host . Net