صفحة الكاتب : د . علي عبدالفتاح الحاج فرهود

الإِمامُ المنتظَرُ (غَيبٌ ، وشهادةٌ) / تَحَدٍّ على تَحَدٍّ:
د . علي عبدالفتاح الحاج فرهود

المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الموقع، وإنما تعبر عن رأي الكاتب.

راسلني أَخٌ أَكاديميٌّ غيورٌ على (دينِه ، ومعتقدِه ، وشرفِ انتمائِه ، وعِلمِه) بهذا المنشورِ على هذا الحسابِ الواضحِ في الصورةِ المرفقةِ ؛ يُحاورُني في الردِّ ؛ فكان جوابيَ (التفصيليُّ - الموجزُ) :
هل هذا الحسابُ لطبيبٍ عارفٍ فعلًا ؟! وهل الغايةُ من هذا التحدي إِثباتُ الحجةِ لصاحبِ الدليلِ الحقِّ ؟ فهذا تحدٍّ سامٍ ورائعٌ. أَو أَنه لإِثارةِ الفتنةِ ، والخصومةِ ، والجدالِ بين القارئين على سموِّ مقاماتِهم ؟ فمَن الذي أَطلق هذا التحدي ؟ وما اعتقادُه الفكريُّ ؟ وما تحصيلُه العلميُّ ؟ وهل لديه رفضٌ مطلَقٌ لكلِّ ما يُردُّ به عليه نتيجةَ تعصُّبٍ معيَّنٍ ، أَو أنه يُذعِنُ إِلى الحُجَّةِ الدامغة ؟!
للجوابِ توجدُ آياتٌ لا آيةٌ. ولكنني أَعترضُ عليكَ ، وأُوافقُ على طلبِكَ قبلَ الإِجابةِ بتحدي تحدِّيكَ:
فلانٌ وعِلَّانٌ الذي ترفُضُ أَنتَ الاستدلالَ بروايتِه هو عندنا النبيُّ محمدٌ (صلَّى اللٰـهُ عليه وآلِه) حصرًا ؛ فهو المُخبِرُ بالقرآنِ ، وبالتشريعِ ، وبأَحداثِ الدنيا والآخِرةِ. وليس من (حديثٍ صحيحٍ) قال به الأَئمةُ ، أَوِ الصحابةُ وجرى تناقلُه على مرِّ العصورِ إِلَّا وهو صادرٌ عنِ النبيِّ (صلَّى اللٰـهُ عليه وآلِه) ؛ فهو المعلَّمُ من اللٰهِ تعالى. وإِذا كان شرطُكَ عدمَ الاستدلالِ بروايتِه ؛ فعليكَ أَن ترفُضَ القرآنَ أَساسًا لأَنه روايةٌ عنِ النبيِّ (صلَّى اللٰـهُ عليه وآلِه) عن جبريلَ (عليهِ السلامُ) عنِ اللٰهِ عزَّ وجلَّ ؛ فكيف تطلُبُ آيةً من روايةٍ بلَّغ بها النبيُّ (صلَّى اللٰـهُ عليه وآلِه) وترفُضُ روايةً منه ؟!
أَما القرآنُ فمُجمَلٌ لم يُصرِّحْ باسمِ الإِمامِ المهديِّ (عليهِ السلامُ) تركًا لجُهدِ الناسِ والمؤمنين بتحرِّي الحقيقةِ ، واتِّباعِ إِمامِ الإصلاحِ كما أَنه لم يُصرِّحْ بأَسماءِ أَعداءِ النبيِّ محمدٍ (صلَّى اللٰـهُ عليه وآلِه) الذين عاصروه ، وحاربوه ، أَو تزلَّفوا إِليه بالنفاقِ. وهم بالعشراتِ من (القادةِ الكبارِ)، وبالأُلوفِ من (جهلَةِ الرعيةِ) إِلَّا (أَبا لهبٍ) العدوَّ اللدودَ الذي ذُكِر باسمِه الصريحِ في القرآنِ مستقلًّا بسورةٍ دُعائيةٍ فاضحةٍ له ، ولزوجِه ؛ لأَنَّه ليس عدوًّا جاهلًا بمكانةِ النبيِّ (صلَّى اللٰـهُ عليه وآلِه) ، بل هو عمُّه الذي يعرفُه ، ويعرِفُ صدقَه حقَّ المعرفةِ فاستحقَّ العقابَ الإِلهيِّ تصريحًا باسمِه (لعنًا ، ودعاءً) ؛ ليكونَ ردعًا لسواه ممن يتصورُ أنه يمكنُ أَن يُفلِتَ من عقابِ اللٰهِ تعالى نتيجةَ قرابةٍ ، أَو وساطةٍ ، أَو جاهٍ.
ومن المتحصَّلِ أَننا آمنَّا باللٰهِ تعالى غيبًا ؛ فهل نكونُ كقومِ موسى (عليهِ السلامُ) الذين تجرَّؤُوا ؛ فطلبوا إِليه أَن يُريَهُمُ اللٰهَ جهرةً كي يؤمنوا ؟! ؛ لذا ليس من المناسبِ ، ولا اللازمِ لنا أَن نجِدَ اسمَ الإِمامِ المنتظَرِ (عليهِ السلامُ) واردًا صراحةً في القرآنِ الكريمِ ؛ فالابتلاءُ بالإِيمانِ في ضوءِ الاستدلالِ ، والبحثِ ، والتحرِّي هو الابتلاءُ الذي ينجحُ به المؤمنُ. وأَما من ينتظِرُ الإِشارةَ الجاهزةَ المباشرةَ له كي يتفضَّل بالإِيمانِ ؛ فهذا الذي لا يقوى على الثباتِ عند حصولِ الشُّبُهاتِ ، والفِتَنِ التي تعصِفُ بالفِكْرِ كلَّ حينٍ ؛ فلو أَراد اللٰهُ تقديمَ كلِّ شيءٍ جاهزٍ للناسِ كي يتفضَّلوا بالإِيمانِ لَمَا كانت إِرادتُه في اختبارِ الإِيمانِ بما خَلَقنا عليه من غيبٍ يبقى الإِيمانُ به موكولٌ إِلى المرءِ نفسِه ، ولا إِكراهَ به عليه ﴿وَلَو شاءَ رَبُّكَ لَآمَنَ مَن فِي الأَرضِ كُلُّهُم جَميعًا أَفَأَنتَ تُكرِهُ النّاسَ حَتّى يَكونوا مُؤمِنينَ﴾ [يونس/٩٩].
الآيةُ:
قال اللٰهُ تعالى: ﴿وَإِن مِن أَهلِ الكِتابِ إِلّا لَيُؤمِنَنَّ بِهِ قَبلَ مَوتِهِ وَيَومَ القِيامَةِ يَكونُ عَلَيهِم شَهيدًا﴾ [النساء/١٥٩].
هذه الآيةُ تختصُّ بعيسى (عليهِ السلامُ) ، وهي واضحةٌ وضوحَ الشمسِ بأَنَّ من العارفين من (اليهودِ ، والنصارَى) الذين سيكونون في المستقبل سيؤمنون بعيسى (عليهِ السلامُ) عبدًا للٰهِ ، ورسولًا كان في زمنِ بعثتِه قبلَ الإِسلامِ ، (لا كاذبًا ، ولا ابنًا له ، ولا أَنه قد تجلت فيه الربوبيةُ) كما اعتقد به كذلك (أَهلُ الكتابِ) مذ وُجِد حتى (نزولِه) في آخرِ الزمانِ. والدليلُ هو كلمةُ (قبلَ موتِه) أَي أَنه سيموتُ. ونحن المسلمين ، واليهودُ (مفتعلو القتلِ صَلبًا ، والنصارَى) نؤمنُ بأَنه حيٌّ يُرزَقُ ، ولم يمُتْ بعدُ ؛ فما معنى (لَيُؤمِنَنَّ به) ، و(قبلَ موتِه) ؟ معناه أَنه سيُظْهَرُ علنًا لقضيةٍ كونيةٍ حاسمةٍ على الأَرضِ. وظهورُه هذا لا يعني عودةَ المسيحيةِ دينًا للأَرضِ وللعالَمين ؛ فالدِّينُ الخاتِمُ الحاسمُ اللازمُ هو (الإِسلامُ المحمديُّ) بدليلِ قولِه تعالى: ﴿ما كانَ مُحَمَّدٌ أَبا أَحَدٍ مِن رِجالِكُم وَلكِن رَسولَ اللٰهِ وَخاتَمَ النَّبِيّينَ وَكانَ اللٰهُ بِكُلِّ شَيءٍ عَليمًا﴾ [الأحزاب/٤٠].
إِذًا سيظهَرُ روحُ اللٰهِ عيسى بنِ مربمَ (عليهِ السلامُ) وهو تابعٌ لرسالةِ النبيِّ محمدٍ (صلَّى اللٰـهُ عليه وآلِه) ، عاملٌ بها ؛ ليكونَ حجةً على (أَهلِ الكتابِ) ؛ فيؤمِنوا به ، ويتعايشوا معه ، ويُذعنُوا لتوجيهاتِه (قبل موتِه) الفعليِّ بأَمرِ اللٰهِ تعالى ، لا الصُّوريِّ ﴿ وَما قَتَلوهُ وَما صَلَبوهُ وَلكِن شُبِّهَ لَهُم﴾ [النساء/١٥٧] الذي خَدَعوا وخُدِعُوا به.
فمَن قائدُه الإِسلاميُّ المنزَّهُ عنِ الموبقاتِ ، والجهلِ ، وعن هوى النفسِ ، العالمُ بالقرآنِ وأَسرارِه ، العارفُ بالنبوَّةِ وتشريعِاتِها ؟ إِنه الإِمامُ محمدُ بنُ الحسنِ المنتظَرِ الموعودِ (عليهِ السلامُ) الذي غيَّبه اللٰهُ تعالى لحكمةٍ كما غيَّب أَهلَ الكهفِ إِماتةً ثم إِحياءً بعد (ثلاثمئةٍ وتسعِ سنين) لحكمةٍ ، وكما أَماتَ عُزيرًا (عليهِ السلامُ) مئةَ عامٍ هو وحِمارُه ثم أَحياهما لحكمةٍ ، وكما رفع عيسى (عليهِ السلامُ) إِليه حيًّا وأَرجأ نزولَه إِلى عصرٍ لا يعلمُه إِلَّا هو لحكمةٍ أَيضًا.
الإِمامُ المنتظَرُ (غيبٌ ، وشهادةٌ) والدعوةُ عامَّةٌ لمَن يُريدُ التشكيكَ ، والتحرِّي ، والتوثُّقَ فالإِيمانَ. أَما الذي لا يُؤمن ؛ فنقولُ له بقولِه تعالى: ﴿لا إِكراهَ فِي الدّينِ قَد تَبَيَّنَ الرُّشدُ مِنَ الغَيِّ﴾ [البقرة/٢٥٦] ، ﴿وَلَقَد ضَرَبنا لِلنّاسِ في هذَا القُرآنِ مِن كُلِّ مَثَلٍ وَلَئِن جِئتَهُم بِآيَةٍ لَيَقولَنَّ الَّذينَ كَفَروا إِن أَنتُم إِلّا مُبطِلونَ﴾ [الروم/٥٨].
 


قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat


د . علي عبدالفتاح الحاج فرهود
 (للدخول لصفحة الكاتب إضغط هنا)

    طباعة   ||   أخبر صديقك عن الموضوع   ||   إضافة تعليق   ||   التاريخ : 2020/06/06



كتابة تعليق لموضوع : الإِمامُ المنتظَرُ (غَيبٌ ، وشهادةٌ) / تَحَدٍّ على تَحَدٍّ:
الإسم * :
بريدك الالكتروني :
نص التعليق * :
 



حمل تطبيق (كتابات في الميزان) من Google Play



اعلان هام من قبل موقع كتابات في الميزان

البحث :





الكتّاب :

الملفات :

مقالات مهمة :



 إنسانية الإمام السيستاني

 بعد إحراجهم بكشف عصيانها وخيانتهم للشعب: المرجعية الدينية العليا تـُحرج الحكومة بمخالفة كلام المعصومين.. والعاصفة تقترب!!!

 كلام موجه الى العقلاء من ابناء شعبي ( 1 )

 حقيقة الادعياء .. متمرجعون وسفراء

 قراءة في خطبة المرجعية : هل اقترب أَجلُ الحكومةِ الحالية؟!

 خطر البترية على بعض اتباع المرجعية قراءة في تاثيرات الادعياء على اتباع العلماء

 إلى دعاة المرجعية العربية العراقية ..مع كل الاحترام

 مهزلة بيان الصرخي حول سوريا

 قراءة في خطبة الجمعة ( 4 / رمضان/ 1437هـ الموافق 10/6/2016 )

 المؤسسة الدينية بين الواقع والافتراء : سلسلة مقالات للشيخ محمد مهدي الاصفي ردا على حسن الكشميري وكتابيه (جولة في دهاليز مظلمة) و(محنة الهروب من الواقع)

 الى الحميداوي ( لانتوقع منكم غير الفتنة )

 السيستاني .. رسالة مهدوية عاجلة

 من عطاء المرجعية العليا

 قراءة في فتوى الدفاع المقدس وتحصين فكر الأمة

 فتوى السيد السيستاني بالجهاد الكفائي وصداها في الصحافة العالمية

 ما هو رأي أستاذ فقهاء النجف وقم المشرّفتَين السيد الخوئي بمن غصب الخلافة ؟

 مواقف شديدة الحساسية/٢ "بانوراما" الحشد..

أحدث مقالات الكتّاب :


مقالات متنوعة :





 لنشر مقالاتكم يمكنكم مراسلتنا على info@kitabat.info

تم تأسيس الموقع بتاريخ 1/4/2010 © محمد البغدادي 

 لا تتحمل الإدارة مسؤولية ما ينشر في الموقع من الناحيتين القانونية والأخلاقية.

  Designed , Hosted & Programmed By : King 4 Host . Net