صفحة الكاتب : علي جابر الفتلاوي

وقفة مع قصيدة ( صورة من الماضي ) للسيد محمد حسين فضل الله
علي جابر الفتلاوي
           هددتُ  احلامي  على    كَلمي     ونثرتُ  افراحي على الَمي 
           واثرتُ من خلَلِ السكون دُجىً     قيثارتي ، محمومةُ    النغمِ 
           ورشفتُ  كأسي والحياةُ  منىً     في خافقي وعواطفٌ  بدمي
           وضحكتُ للدنيا وفي    شفتي     روحُ الصِبا ونضارةُ  الحلمِ
           حُلُمُ الشبابِ وهل اشدُّ    لظىً      متموّجاً من موجةِ  الضرَمِ 
           تتراقصُ النُعمى به     مَرَحاً      فيعُبُّ  من  سَلسالةِ    قلمي
          ورجعتُ ادراجي وقد طُويت      تلك الرؤى في صفحة العدمِ
          ارنو   الى    قلبي    فألمحُهُ       قفرَ  الخيالِ   يموجُ   بالسأمِ
          والى   حياةٍ    كنتُ  اعهدها       جيّاشةً      بالحبِّ     والنغمِ
          فأرى بها الاشباح َ    غائمةً      في ناظري فأغوصَ في الظُلمِ
          وتثوبُ ذكرى كنتُ   المحها       بين  السنينَ   كخفقةِ   النسَمِ
          فتُعيدُ   لي  الماضي   وريّقه      عَذباً يطيبُ   كقلب     مبتسمِ
         فأعودُ وحدي في السكون وفي   روحي  تهاويلٌ  من    السقمِ   
         أقتاتُ من وحي الخيالِ  فأن      ظمئ البيانُ     مزجتهُ  بدمي
القصيدة من شعر المرحلة الشبابية التي عاشها السيد في النجف الاشرف وكان عمره سبعة عشر عاما ، وبالضبط نظمت في 27 نيسان 1953 للميلاد ، حسب ما جاء في ديوانه ( على شاطئ الوجدان ) ، القصيدة من شعر البيئة النجفية ، بيئة دينية محافظة  جدية بعيدة عن مظاهر اللهو ، في القصيدة يقف السيد في عدة محطات حسب قراءتي لها ، محطة الفرح والآمال الكبيرة وهي بداية القصيدة،ومحطة الالم والسأم والاشباح والمحطة الثالثة الحنين الى الماضي،اما المحطة الاخيرة فهي السكون وما يوحي اليه   ارى ان السكون الذي  يقصده السيد  هو  السكون  الكوني  الكبير ، الذي  يوحي  الى المتفكرين المؤمنين بالله  الشعور بالاطمئنان ، وعدم  الرضوخ  او الاستسلام  للواقع المؤلم او الذي لا يلبي الطموح ، لان السكون الكوني بالنسبة للمؤمنين  يخلق  الآمال الكبيرة ، ويجدد الحياة ، ويدفع للتعلق بالامل الكبير بعد الموت ، وهو امل  النعيم في الاخرة ،آلام الحياة بالنسبة للسيد تعطي أملا للانسان المؤمن للتعويض بالاخرة  وهذه هي المعادلة الاسلامية ، مصادرة القلق من النفوس المؤمنة ، فقدان او عدم  الوصول لبعض الامور الدنيوية، لتعويضها في الحياة الاخرى،ارى ان الشاعر الاسلامي اكثر اطمئنانا في الدنيا من الشاعر المؤدلج للدنيا فقط .
بداية القصيدة الامل والفرح والانفتاح على الحياة بجد واحلام كبيرة  ، الفرح  والامل  هو الطاغي والمسيطر في القصيدة ،امل بالحياة الجادة غير العبثية انطلاقا من قاعدته الدينية التي توظف كل مظاهر الفرح والفوز والنجاح باتجاه الله  تعالى ،  هذا  الشاب المؤمن الموهوب المفعم قلبه بالايمان ،  يعيش الامل الكبير بحياة ملؤها الخير الكثير منطلقا من ثقته بالله تعالى،بداية القصيدة توحي بالفرح والامل ، قيثارته تعزف بأنغام الحياة الجميلة حيث يتحسس حرارتها ، في هذا المقطع هو في غاية الاستمتاع بحياته التي يعيشها حاضرا،الاماني الكبيرة تتجسد امامه ،يعيش حالة الامل والفرح الكبيرين يعيش حلم الشباب الذين يحلمون وبعض احلامهم كبيرة ، واحيانا غير  واقعية ، غير ان احلامه التي يعيشها كأنها واقع،بحيث( تتراقص النعمى به مرحا ) ، ابيات  مقدمة القصيدة تحكي عن الحاضر ، عن الآمال والافراح ، وتوحي انه كان مستمتعا بحياته الحاضرة ، اقصد بطل القصيدة ، لان القصيدة ليست بالضرورة تعكس واقع  الشاعر لكن من يحكي في القصيدة سواء كان الشاعر ام الشخصية التي يتخيلها الشاعرتوحي بهذا الجو المفعم بالفرح ، ( احلامي ..افراحي .. ) في البيت الاول من القصيدة ،حتى كاد الشاعر ينسى كل آلامه ، لان الفرح الطاغي والكبير هو المسيطر . 
( ونثرت افراحي على ألمي ) هو يقرّ ان احلام مرحلة الشباب كبيرة ، واحيانا   تعبر المعقول والواقع : 
                حلمُ الشباب وهل اشدّ لظىً      متموجاً  من موجةِ    الضرمِ 
يشبّه السيد احلام الشباب بالنار المستعرة ذات الحرارة العالية  ، واذ  نحن  نعيش في الفرح والامل والحياة الشبابية الطامحة  ،  نرى  الشاعر  ينتقل من  هذا  الجو  الملئ بالافراح والامال الكبيرة الى جو اخر مختلف تماما عن الاول ، ينتقل بصورة مفاجئة الى فقدان الامل ، وكأنه يعيش في العدم :
            ورجعت ادراجي وقد طويتُ      تلك الرؤى في صفحة العدمِ
انها مفاجأة كبيرة ، انها انتكاسة ضاعت فيها الاحلام والآمال وتبدد الفرح  واصبحت وكأنها من العدم ، هنا الشاعر وبانتقالة بارعة يوحي بشعره المنطلق من وجدان شاب ان الحياة لا يمكن ان تستقيم لاحد ، والانسان فيها بين مد وجزر ، فليس كل ما   يحلم به الانسان يتحقق ، ولا كل ما ينعم به يدوم ، الحياة فرح وحزن ، والم وراحة ،  قلبه الذي كان يعيش ربيع الحياة ، واذا به قد اصابه الملل والسأم : 
           ارنو  الى    قلبي     فالمحه       قفر الخيال  يموج    بالسأم
القلب تتبخر منه الآمال خلال مسيرة الحياة الطويلة بالنسبة  للبعض  ،  القصيرة  في مسيرة الزمن  ، الحياة التي كانت  جياشة بالحب والامل والفرح  تحولت  الى  اشباح غائمة وتحولت في نظره الى ظلام دامس ، لكن شاعرنا هل يستسلم كما استسلم  اهل الدنيا ، استسلموا لدنياهم ، ناسين حياتهم الاخرى  ، الانسان عندما  يمر في مثل  هذه الظروف فرح ثم حزن ، وراحة وامل والم ، هل يصاب بالقنوط واليأس والاحباط  ام يواصل حياته من جديد ،انسان الايمان بالله تعالى لا يمكن ان يستسلم للاحباط واليأس والقنوط ، لانه يبقى يعيش الامل بالله تعالى ، ومنتظرا لرحمته ولطفه ، وحتى  لو  لم يصب شيئا من الدنيا ، فأنه يبقى متعلقا بأمل الاخرة ونعيمها وجزائها  وتعويضها هذا لا يعني ان يترك المؤمن العمل في الدنيا ويتكل على امل الاخرة  ، ليس  هكذا  فلسفة الاسلام ،بل الاسلام يقول لاتباعه(اعمل لدنياك كأنك تعيش ابدا واعمل لاخرتك كأنك تموت غدا) ، وهكذا  كان  السيد  اذ يصاب باحباط الحاضر يسلي الروح بعذوبة  ايام الماضي ، ماضيه الذي يتذكره كأنه نسمات طيبة حلوة تشعره بالانتعاش ، شعور من الرومانسية الهادئة غير اليائسة ،رومانسية الاسلامي المتعلق بالله تعالى ، لا يمكن ان يصاب بالاحباط لانه يتطلع دائما الى الامام ،الاسلامي ان لم يحقق آماله الدنيويه فأنه يصبر ولا ييأس لانه يتطلع الى نعيم الاخرة .
              فأعود وحدي في السكون وفي      روحي  تهاويل  من السقم             ارى السكون الذي يعنيه الشاعر هو سكون الكون الكبير ، وايحاءاته للانسان المؤمن تلك الايحاءات التي تربطه بالله تعالى ، وتعيد الى نفسه الامل والتجدد  والتطلع   نحو المستقبل ، متجاوزا آلامه واحزانه الى مستقبل افضل في الحياة الدنيا  ،  اضافة  الى مستقبله في الاخرة وتلك هي المعادلة الاسلامية بالنسبة للانسان المؤمن ، عدم اليأس والاستسلام وعدم الركون الى الدنيا بشكل نهائي بل الركون النهائي لما بعد الدنيا لان الدنيا جسر للعبور نحو النعيم الدائم .
         اقتات من  وحي  الخيال  فأن ظمئ  البيان  مزجته  بدمي 
اصرار على عدم الرضوخ والاستسلام  ، يوحي بقوة الايمان في  نفس  هذا  الشاعر الشاب المفعمة روحه بالايمان ، القصيدة بمجملها تفصح عن مواهب هذا الشاب وعن امكانياته  الشعرية ، وكذلك عن قوة ايمانه بالله تعالى .
          
A_fatlawy@yahoo.com

قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat


علي جابر الفتلاوي
 (للدخول لصفحة الكاتب إضغط هنا)

    طباعة   ||   أخبر صديقك عن الموضوع   ||   إضافة تعليق   ||   التاريخ : 2012/02/24



كتابة تعليق لموضوع : وقفة مع قصيدة ( صورة من الماضي ) للسيد محمد حسين فضل الله
الإسم * :
بريدك الالكتروني :
نص التعليق * :
 



حمل تطبيق (كتابات في الميزان) من Google Play



اعلان هام من قبل موقع كتابات في الميزان

البحث :





الكتّاب :

الملفات :

مقالات مهمة :



 إنسانية الإمام السيستاني

 بعد إحراجهم بكشف عصيانها وخيانتهم للشعب: المرجعية الدينية العليا تـُحرج الحكومة بمخالفة كلام المعصومين.. والعاصفة تقترب!!!

 كلام موجه الى العقلاء من ابناء شعبي ( 1 )

 حقيقة الادعياء .. متمرجعون وسفراء

 قراءة في خطبة المرجعية : هل اقترب أَجلُ الحكومةِ الحالية؟!

 خطر البترية على بعض اتباع المرجعية قراءة في تاثيرات الادعياء على اتباع العلماء

 إلى دعاة المرجعية العربية العراقية ..مع كل الاحترام

 مهزلة بيان الصرخي حول سوريا

 قراءة في خطبة الجمعة ( 4 / رمضان/ 1437هـ الموافق 10/6/2016 )

 المؤسسة الدينية بين الواقع والافتراء : سلسلة مقالات للشيخ محمد مهدي الاصفي ردا على حسن الكشميري وكتابيه (جولة في دهاليز مظلمة) و(محنة الهروب من الواقع)

 الى الحميداوي ( لانتوقع منكم غير الفتنة )

 السيستاني .. رسالة مهدوية عاجلة

 من عطاء المرجعية العليا

 قراءة في فتوى الدفاع المقدس وتحصين فكر الأمة

 فتوى السيد السيستاني بالجهاد الكفائي وصداها في الصحافة العالمية

 ما هو رأي أستاذ فقهاء النجف وقم المشرّفتَين السيد الخوئي بمن غصب الخلافة ؟

 مواقف شديدة الحساسية/٢ "بانوراما" الحشد..

أحدث مقالات الكتّاب :


مقالات متنوعة :





 لنشر مقالاتكم يمكنكم مراسلتنا على info@kitabat.info

تم تأسيس الموقع بتاريخ 1/4/2010 © محمد البغدادي 

 لا تتحمل الإدارة مسؤولية ما ينشر في الموقع من الناحيتين القانونية والأخلاقية.

  Designed , Hosted & Programmed By : King 4 Host . Net