صفحة الكاتب : نزار حيدر

أَسْحارٌ رَمَضانِيَّةٌ السَّنةُ السَّابِعَةُ (٢١)
نزار حيدر

المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الموقع، وإنما تعبر عن رأي الكاتب.

{إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ أُولَٰئِكَ هُمْ خَيْرُ الْبَرِيَّةِ}.

منذُ لحظةِ إِعتلائهِ سِدَّة الخِلافة، وكلُّهُم يعرِفُونَ أَنَّ هذهِ الآية نزلَت بحقِّهِ، سعى أَميرُ المُؤمنينَ (ع) [تُصادفُ اللَّيلة ذِكرى إِستشهادهِ في مِحرابِ الصَّلاة] أَنيُغيِّر حالَ الأَمَّة التي تكرَّست فيها ظواهِر الفساد المالي والإِداري وكذلك ظاهرة التمييز في العطاء التي أَنتجت طبقيَّة إِقتصاديَّة وإِجتماعيَّة بشَكلٍ واسعٍ كان قدحاربها الإِسلام بشتَّى الطُّرُق الإِنسانيَّة، إِلَّا أَنَّهُ ابتُليَ بجماعةٍ مُتقلِّبة المِزاج لم تثبُت على موقفٍ! يُقسِمونَ على شَيْءٍ في اللَّيلِ ينقلبُون عليهِ في النَّهارِ،يستعدُّون لأَمرٍ في الصَّباح يُغيِّروهُ في اللَّيلِ، إِذا دعاهُم للقتالِ في الصَّيفِ استاذنُوهُ حتَّى يحلَّ الشِّتاء، وإِذا جاءَ الشِّتاءُ استاذنُوهُ ليحلَّ الصَّيف!.

إِنَّ هذا النَّوع منَ الأُمم والشُّعوب لا تستفيد من فُرص التَّمكين أَبداً إِذا استَوطنَ الفشلُ في شخصِيَّتها وتمكَّنت منها أَسبابهُ وعلى رأسِها التَّواكُل والتَّثاقُلوالتَّبرير، إِذ ستكُونُ فُرص التَّمكين أَكبر من حجمِها لا طاقةَ لها باستيعابِها، كما أَنَّها عادة تُضيِّع فُرصة وجودِ إِمامٍ عادلٍ شُجاع مُتمكِّن قادرٍ على تمكينِهاكأَميرِ المُؤمنينَ (ع) الذي وصفَ الحالُ بقولهِ {فَإِذَا أَمَرْتُكُمْ بِالسَّيْرِ إِلَيْهِم فِي أَيَّامِ الحَرِّ قُلْتُمْ؛ هذِهِ حَمَارَّةُ القَيْظِ أَمْهِلْنَا يُسَبَّخُ عَنَّا الحَرُّ، وَإِذَا أَمَرْتُكُمْ بِالسَّيْرِ إِلَيْهِمْفِي الشِّتَاءِ قُلْتُمْ؛ هذِهِ صَبَارَّةُ القُرِّ، أَمْهِلْنَا يَنْسَلِخْ عَنَّا البَرْدُ، كُلُّ هذا فِرَاراً مِنَ الحَرِّ وَالقُرِّ، فَإِذَا كُنْتُمْ مِنَ الحَرِّ وَالقُرِّ تَفِرُّونَ فَأَنْتُمْ وَاللهِ مِنَ السَّيْفِ أَفَرُّ!}.

أَمَّا عندما كانَ يدعوهُم للبذلِ كعُنصرٍ أَساسٍ من عناصرَ التَّمكين فكانُوا يتحجَّجُونَ بأَلفِ ذريعةٍ وذريعةٍ، فوصفهُم بقولهِ (ع) {فَلاَ أَمْوَالَ بَذَلُْتموهَا لِلَّذِي رَزَقَهَا،وَلاَ أَنْفُسَ خَاطَرْتُمْ بِهَا لِلَّذِي خَلَقَهَا، تَكْرُمُونَ بِاللهِ عَلَى عِبَادِهِ، وَلاَ تُكْرِمُونَ اللهَ فِي عِبَادِهِ! فَاعْتَبِرُوا بِنُزُولِكُمْ مَنَازِلَ مَنْ كَانَ قَبْلَكُمْ، وَانْقِطَاعِكُمْ عَنْ أَصْلِ إِخْوَانِكُمْ!} حتَّى كانت النَّتيجة النهائيَّة والطبيعيَّة كما وصفها (ع) {أُنْبِئْتُ بُسْراً قَدِ اطَّلَعَ الَيمنَ، وَإِنِّي وَاللهِ لاََظُنُّ هؤُلاءِ القَوْمَ سَيُدَالُونَ مِنْكُمْ بِاجْتِماعِهمْ عَلَى بَاطِلِهمْ،وَتَفَرُّقِكُمْ عَنْ حَقِّكُمْ، وَبِمَعْصِيَتِكُمْ إِمَامَكُمْ في الحَقِّ، وَطَاعَتِهِمْ إِمَامَهُمْ في البَاطِلِ، وَبِأَدَائِهِمُ الاَْمَانَةَ إِلَى صَاحِبِهِمْ وَخِيَانَتِكُمْ، وَبِصَلاَحِهمْ في بِلاَدِهِمْ وَفَسَادِكُمْ، فَلَوائْتَمَنْتُ أَحَدَكُمْ عَلَى قَعْبٍ لَخَشِيتُ أَنْ يَذْهَبَ بِعِلاَقَتِهِ}.

وبهذا النَّص حدَّدَ (ع) شرُوط التَّمكين بغضِّ النَّظر عن الخلفيَّة أَو حتَّى الإِلتزام الدِّيني، وهيَ؛

وحدةُ الصَّف، فالتَّفريقُ وتمزيقُ المُجتمعُ للسَّيطرةِ عليهِ من أَهم سياسات الطُّغاة، يقولُ تعالى {إِنَّ فِرْعَوْنَ عَلَا فِي الْأَرْضِ وَجَعَلَ أَهْلَهَا شِيَعًا يَسْتَضْعِفُ طَائِفَةًمِّنْهُمْ يُذَبِّحُ أَبْنَاءَهُمْ وَيَسْتَحْيِي نِسَاءَهُمْ ۚ إِنَّهُ كَانَ مِنَ الْمُفْسِدِينَ}.

ولذلكَ حذَّرَ القُرآن الكريم من الخلافِ الذي يمزِّق وحدة الصَّف لأَنَّهُ يُفقد الأُمَّة إِرادتَها وعزمَها، يقُولُ تعالى {وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلَا تَنَازَعُوا فَتَفْشَلُوا وَتَذْهَبَرِيحُكُمْ ۖ وَاصْبِرُوا ۚ إِنَّ اللَّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ}.

طاعةُ القائد، فالعِصيانُ يُفسِدُ الخُططِ والمناهِج، يقولُ (ع) {وَأَفْسَدْتُمْ عَلَيَّ رَأْيِي بِالعِصْيَانِ وَالخذْلاَن}.

أَداء الأَمانة بمعناها الأَوسع خاصَّةً على صعيدِ حفظِ الأَسرارِ والمسؤُوليَّة في إِطارِ مؤَسَّسات الدَّولة، يقولُ تعالى {وَإِذَا جَاءَهُمْ أَمْرٌ مِّنَ الْأَمْنِ أَوِ الْخَوْفِأَذَاعُوا بِهِ ۖ وَلَوْ رَدُّوهُ إِلَى الرَّسُولِ وَإِلَىٰ أُولِي الْأَمْرِ مِنْهُمْ لَعَلِمَهُ الَّذِينَ يَسْتَنبِطُونَهُ مِنْهُمْ ۗ وَلَوْلَا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ لَاتَّبَعْتُمُ الشَّيْطَانَ إِلَّاقَلِيلًا}.

النَّزاهةُ والصَّلاح، يقولُ (ع) {لاَ يُقِيمُ أَمْرَ اللهِ سُبْحَانَهُ إلاَّ مَنْ لاَ يُصَانِعُ، وَلاَ يُضَارِعُ، وَلاَ يَتَّبِعُ الْمَطَامِعَ}.

والفاشلُون لا يتحمَّلون مسؤُوليةَ شيءٍ ولا يعترفُونَ بتقصيرٍ وإِنَّما يبحثُونَ دوماً عن شمَّاعات يعلِّقُونَ عليها فشلهُم وهزيمتهُم، وهوَ ما يُشيرُ إِيهِ كلامُ الإِمام (ع) مَعَ أَصحابهِ، فهُم لا يعترفُونَ بجُبنهِم وخذلانهِم لَهُ (ع) وإِنَّما يتحجَّجونَ بالحرِّ والبردِ هرباً مِن المسؤُوليَّة حتَّى قَالَ (ع) {قَاتَلَكُمُ اللهُ! لَقَدْ مَلاَْتُمْ قَلْبِي قَيْحاً،وَشَحَنْتُمْ صَدْرِي غَيْظاً، وَجَرَّعْتُمُونِي نُغَبَ التَّهْمَامِ أَنْفَاساً، وَأَفْسَدْتُمْ عَلَيَّ رَأْيِي بِالعِصْيَانِ وَالخذْلاَن، حَتَّى قَالَتْ قُريْشٌ: إِنَّ ابْنَ أَبِي طَالِب رَجُلٌ شُجَاعٌ، وَلْكِنْ لاَعِلْمَ لَهُ بِالحَرْبِ.

للهِ أَبُوهُمْ! وَهَلْ أَحدٌ مِنْهُمْ أَشَدُّ لَهَا مِرَاساً، وَأَقْدَمُ فِيهَا مَقَاماً مِنِّي؟! لَقَدْ نَهَضْتُ فِيهَا وَمَا بَلَغْتُ العِشْرِينَ، وها أنا ذا قَدْ ذَرَّفْتُ عَلَى السِّتِّينَ! وَلكِنْ لا رَأْيَ لَمِنْ لاَيُطَاعُ!}.

وعندما عجزُوا عن توفيرِ أَسبابِ التَّمكين ودَّ (ع) بقولهِ {أَيُّهَا الشَّاهِدةُ أَبْدَانُهُمْ، الْغَائِبَةُ عَنْهُمْ عُقُولُهُمْ، الْـمُخْتَلِفَةُ أَهْوَاؤُهُمْ، المُبْتَلَى بِهمْ أُمَرَاؤُهُمْ، صَاحِبُكُمْ يُطِيعُاللهَ وَأَنْتُمْ تَعْصُونَهُ، وَصَاحِبُ أَهْلِ الشَّامِ يَعْصِي اللهَ وَهُمْ يُطِيعُونَهُ، لَوَدِدْتُ وَاللهِ أَنَّ مُعَاوِيَةَ صَارَفَني بِكُمْ صَرْفَ الدِّينَارِ بِالدِّرْهَمِ، فَأَخَذَ مِنِّي عَشَرَةً مِنْكُمْ وَأَعْطَانِيرَجُلاً مِنْهُمْ!}.

١٤ مايس [أَيَّار] ٢٠٢٠

لِلتَّواصُل؛

E_mail: nahaidar@hotmail.com


قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat


نزار حيدر
 (للدخول لصفحة الكاتب إضغط هنا)

    طباعة   ||   أخبر صديقك عن الموضوع   ||   إضافة تعليق   ||   التاريخ : 2020/05/15



كتابة تعليق لموضوع : أَسْحارٌ رَمَضانِيَّةٌ السَّنةُ السَّابِعَةُ (٢١)
الإسم * :
بريدك الالكتروني :
نص التعليق * :
 



حمل تطبيق (كتابات في الميزان) من Google Play



اعلان هام من قبل موقع كتابات في الميزان

البحث :





الكتّاب :

الملفات :

مقالات مهمة :



 إنسانية الإمام السيستاني

 بعد إحراجهم بكشف عصيانها وخيانتهم للشعب: المرجعية الدينية العليا تـُحرج الحكومة بمخالفة كلام المعصومين.. والعاصفة تقترب!!!

 كلام موجه الى العقلاء من ابناء شعبي ( 1 )

 حقيقة الادعياء .. متمرجعون وسفراء

 قراءة في خطبة المرجعية : هل اقترب أَجلُ الحكومةِ الحالية؟!

 خطر البترية على بعض اتباع المرجعية قراءة في تاثيرات الادعياء على اتباع العلماء

 إلى دعاة المرجعية العربية العراقية ..مع كل الاحترام

 مهزلة بيان الصرخي حول سوريا

 قراءة في خطبة الجمعة ( 4 / رمضان/ 1437هـ الموافق 10/6/2016 )

 المؤسسة الدينية بين الواقع والافتراء : سلسلة مقالات للشيخ محمد مهدي الاصفي ردا على حسن الكشميري وكتابيه (جولة في دهاليز مظلمة) و(محنة الهروب من الواقع)

 الى الحميداوي ( لانتوقع منكم غير الفتنة )

 السيستاني .. رسالة مهدوية عاجلة

 من عطاء المرجعية العليا

 قراءة في فتوى الدفاع المقدس وتحصين فكر الأمة

 فتوى السيد السيستاني بالجهاد الكفائي وصداها في الصحافة العالمية

 ما هو رأي أستاذ فقهاء النجف وقم المشرّفتَين السيد الخوئي بمن غصب الخلافة ؟

 مواقف شديدة الحساسية/٢ "بانوراما" الحشد..

أحدث مقالات الكتّاب :


مقالات متنوعة :





 لنشر مقالاتكم يمكنكم مراسلتنا على info@kitabat.info

تم تأسيس الموقع بتاريخ 1/4/2010 © محمد البغدادي 

 لا تتحمل الإدارة مسؤولية ما ينشر في الموقع من الناحيتين القانونية والأخلاقية.

  Designed , Hosted & Programmed By : King 4 Host . Net