صفحة الكاتب : الشيخ ليث الكربلائي

البداء في يوم الظهور وفائدة الدعاء بتعجيل الفرج
الشيخ ليث الكربلائي

المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الموقع، وإنما تعبر عن رأي الكاتب.

تعرَّفنا في المقال السابق على معنى البداء وموقعه من علامات الظهور، وألمحتُ في وقتها الى أنّ البداء لن يقع في أصل قضية الظهور لأنها من المحتوم فضلاً عن كونها وعدٌ وخُلفُ الوعد قبيح يستحيل صدوره من واجب الوجود، وبقيت مسألة ذات صلة بهذا البحث وهي السؤال عن وقوع البداء في موعد الظهور (يوم الظهور) من حيث تقديمه وتأخيره؟.

في مقام الجواب برز اتجاهان:

الاتجاه الأول: يرى أن للظهور يوما معلوما لا يتقدم ولا يتأخر. وعمدة ما يمكن الاستدلال به لهذا الاتجاه:

1- خبر موسى الحناط عن الامام الصادق ع قال: " أيام الله ثلاثة يوم يقوم القائم ويوم الكرَّة ويوم القيامة " بصائر الدرجات: 18 وقريب من هذا النص ما ورد في تفسير القمي 1/ 367 في ذيل قوله تعالى: "وذكرهم بأيام الله" مع ابدال يوم الكرَّة (الرجعة) بيوم الموت.

وتقريب الاستدلال أنه قرَنَ يوم الظهور بيوم القيامة وهي اشارة الى أنه مثله يوماً معلوماً لا يتقدم ولا يتأخر ولا يقع فيه البداء.

 ولكن هذا الدليل لا يفي بالمطلوب من جهة أن رواية البصائر ضعيفة بالحناط فهو مجهول لم يوثقه أحد ورواية تفسير القمي هي الاخرى لا يمكن التعويل عليها لا أقل من جهة عدم امكان نسبة ما في هذا التفسير الى القمي وتمييزه عمّا أضافه تلميذه فيه شبه متعذر .

2- الدليل الآخر الذي يمكن أن يُستفاد منه ذلك هو لسان طائفتين من الروايات الأولى بلسان أن المهدي ع "سيصلح الله أمره في ليلة" راجع مثلا: كمال الدين:152 والثانية هي الروايات الدالة على ان ظهوره عليه السلام يكون في يوم الجمعة او ما شابه ذلك من تعيين اليوم او السنة كالذي رواه الشيخ الصدوق في الخصال: 394.

وتقريب الاستدلال أن هذه الروايات تشير الى ان للظهور ليلة او يوماً معلوماً وكونه معلوما ينافي قبوله للتقديم والتأخير (البداء) ..

ولكن هي الأخرى لا تفي بالدلالة على المطلوب فمع غض النظر عن أسانيدها لا تفي متونها بإفادة عدم وقوع البداء فيه وذلك أن أقصى ما تدل عليه أن الله تعالى سيتكفل بأمر ظهوره ع في ليلة او يوم الجمعة او سنة وِترٍ أما هل تلك الليلة قابلة للتقديم والتأخير وهل يوم الجمعة المشار إليه قابل للتقديم الى جمعة قريبة او التأخير الى البعيدة هذه حيثية مسكوت عنها في الرواية .

ومنه يتضح أن هذا الاتجاه غير معضود بما يفي من الأدلة .

الاتجاه الثاني: وهو يرى أن يوم الظهور قابل للتقديم والتأخير فهو من هذه الجهة خاضع للبداء .

ومقتضي البداء هو الظروف بمعنى أنّ توفر الأرضية اللازمة لإنجاح هذا المشروع الإلهي يساهم في تقديم ظهوره بينما تتسبب بيئة الخذلان أو الظروف المعوِّقة لقيام تلك الدولة بتأخير ظهوره المبارك .

ويمكن الاستدلال لهذا الاتجاه بعدة أدلة:

1- موثقة أبي بصير عن أبي عبد الله الصادق عليه السلام قال: قلت له ع: " ما لهذا الأمر أمدٌ ينتهي إليه ويريح أبداننا؟ قال ع: " بلى، ولكنكم أذعتم فأخره الله " الغيبة، النعماني: 299 .

ولا يُناقَش في سند هذا الحديث من جهة الحسين بن علي الوارد في جميع النسخ المطبوعة بتحقيق فارس حسون لأنه تصحيف الحسن بن علي (عند مراجعة النسخ المخطوطة لكتاب الغيبة اتضح ان بعض النسخ فيها الحسن بن علي وبعضها الحسين بن علي ولكن الراجح هو الحسن إذ ليس في مشايخ ابن عقدة من اسمه الحسين بن علي) والمراد به الحسن بن علي بن فضال وهو ثقة .

وأيضا لا يناقَش فيه من جهة سعدان بن مسلم لأنه ثقة على مبنى السيد الخوئي لوقوعه في اسناد القمي وكذلك على مبنى السيد السيستاني حفظه الله لأنه من مشايخ صفوان بن يحيى وابن ابي عمير وعلى وثاقته أمارات كثيرة استقصيتها في بحث سابق بعنوان (نظرة في أدلة استحباب زيارة الأربعين) منشور على النت.

وأما تقريب الاستدلال بهذه الرواية فهي نص في المطلوب حيث أن تأخير الظهور المبارك بسبب إذاعة السر هو عين البداء، وهذا النص معضود بروايات أخرى تدل على ما دل عليه ليس ههنا متسعٌ لاستقصائها .

2- يمكن تعضيد هذا الاتجاه بلسان بعض روايات المنع من التوقيت كخبر أبي بصير عن الصادق عليه السلام قال: " أبى الله إلا أن يخالف وقت الموقتين " الكافي: 1/ 368 

وروايات أخرى كثيرة في هذا الباب استشهد بعضها في مقام بيان علة المنع من التوقيت بقصة الكليم موسى ع وتأخيره عشر ليال واستشهد بعضها الآخر بقصة رفع العذاب عن قوم يونس وغيرها من مصاديق البداء.

 وفضلا عن كل ذلك يمكن على ضوء هذا الاتجاه فهم روايات المنع من التوقيت بصورة عامة لأن وقت الظهور قابل للمحو والاثبات فلا معنى لتوقيته وهذا في نفسه يصلح أن يكون مرجحا لهذا الاتجاه كما لا يخفى.

3- روايات أدعية تعجيل الفرج وهي روايات كثيرة متظافرة منها الدعاء المشهور المروي عن غير واحد الذي أوله: " اللهم عرفني نفسك .." حتى يقول: " اللهم عجل فرجه وأيده بالنصر، وانصر ناصريه، واخذل خاذليه " كمال الدين: 543؛ مصباح المتهجد: 422.

وفي خبر احمد بن اسحاق عن الامام العسكري ع: "والله ليغيبنّ غيبة لا ينجو فيها من الهلكة إلاّ من ثبّته الله عز وجل على القول بإمامته ووفّقه للدعاء بتعجيل فرجه" كمال الدين: 384. وغيرها روايات كثيرة

فالدعاء بتعجيل الفرج يعد نصا في المطلوب لأنه لا معنى له غير قبول وقت الظهور للتقديم وإلا انقلب الدعاء لغواً .

ولا يُناقش في ذلك بأن الدعاء مسألة اختيارية والظهور أمر حتمي ولا يصح تعليق ما هو محتوم على ما هو اختياري لجواز تخلّف المقدمة الاختيارية مما يُفضي الى عدم تحقق المحتوم لعدم تحقق مقدمته الاختيارية وهو خُلفٌ... لأنه يُجاب على ذلك ببيان أمرين:

الأول: لا محذور في تعليق الامور المحتومة على مقدمات اختيارية إذا وقع في علم الله تعالى مسبقا أن تلك المقدمات ستتحقق قطعا من دون أن يضر علمه المسبق بتحققها بوقوعها بنحو الاختيار كما هو واضح وعلى هذا تجري كثير من المحتومات ولكن لا أجد الحاجة في استقصائها لأن المسألة التي نحن في صددها ليست من هذا اللون كما سيتضح من النقطة التالية

الثاني: هناك حلقة مفقودة في الاشكال المذكور حيث أن المتوقف على الدعاء في مسألتنا هو تقديم وتأخير وقت الظهور وليس أصل الظهور وسبق أن المحتوم هو أصل قضية الظهور لا وقتها المعيّن .

وخلاصة البحث أن الوعد تعلق بأصل الظهور لا بوقته لذا فإن المحتوم هو أصل الظهور أما وقته فموقوف خاضع للبداء قابل للتقديم والتأخير بحسب الظروف المهيئة له والتي من جملتها دعاء المؤمنين واستعدادهم فضلا عن ملائمة الوضع ككل لإعلان قيام الدولة الإلهية .

 


قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat


الشيخ ليث الكربلائي
 (للدخول لصفحة الكاتب إضغط هنا)

    طباعة   ||   أخبر صديقك عن الموضوع   ||   إضافة تعليق   ||   التاريخ : 2020/05/12



كتابة تعليق لموضوع : البداء في يوم الظهور وفائدة الدعاء بتعجيل الفرج
الإسم * :
بريدك الالكتروني :
نص التعليق * :
 



حمل تطبيق (كتابات في الميزان) من Google Play



اعلان هام من قبل موقع كتابات في الميزان

البحث :





الكتّاب :

الملفات :

مقالات مهمة :



 إنسانية الإمام السيستاني

 بعد إحراجهم بكشف عصيانها وخيانتهم للشعب: المرجعية الدينية العليا تـُحرج الحكومة بمخالفة كلام المعصومين.. والعاصفة تقترب!!!

 كلام موجه الى العقلاء من ابناء شعبي ( 1 )

 حقيقة الادعياء .. متمرجعون وسفراء

 قراءة في خطبة المرجعية : هل اقترب أَجلُ الحكومةِ الحالية؟!

 خطر البترية على بعض اتباع المرجعية قراءة في تاثيرات الادعياء على اتباع العلماء

 إلى دعاة المرجعية العربية العراقية ..مع كل الاحترام

 مهزلة بيان الصرخي حول سوريا

 قراءة في خطبة الجمعة ( 4 / رمضان/ 1437هـ الموافق 10/6/2016 )

 المؤسسة الدينية بين الواقع والافتراء : سلسلة مقالات للشيخ محمد مهدي الاصفي ردا على حسن الكشميري وكتابيه (جولة في دهاليز مظلمة) و(محنة الهروب من الواقع)

 الى الحميداوي ( لانتوقع منكم غير الفتنة )

 السيستاني .. رسالة مهدوية عاجلة

 من عطاء المرجعية العليا

 قراءة في فتوى الدفاع المقدس وتحصين فكر الأمة

 فتوى السيد السيستاني بالجهاد الكفائي وصداها في الصحافة العالمية

 ما هو رأي أستاذ فقهاء النجف وقم المشرّفتَين السيد الخوئي بمن غصب الخلافة ؟

 مواقف شديدة الحساسية/٢ "بانوراما" الحشد..

أحدث مقالات الكتّاب :


مقالات متنوعة :





 لنشر مقالاتكم يمكنكم مراسلتنا على info@kitabat.info

تم تأسيس الموقع بتاريخ 1/4/2010 © محمد البغدادي 

 لا تتحمل الإدارة مسؤولية ما ينشر في الموقع من الناحيتين القانونية والأخلاقية.

  Designed , Hosted & Programmed By : King 4 Host . Net