صفحة الكاتب : صلاح الاركوازي

شهر رمضان عند أهل البيت(عليهم السلام)  ( جزء 2)
صلاح الاركوازي

المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الموقع، وإنما تعبر عن رأي الكاتب.

وقصة صيام أهل بيت العصمة والطهارة ـ هي أن الحسنين (ع) مرضا، فنذر أمير المؤمنين وفاطمة ـ عليهما السلام ـ أن يصوما لله عز وجل أن شفاهما فلما شفاهما الله سبحانه صام الإمام أمير المؤمنين وفاطمة الزهراء والحسنان عليهم السلام، وفضة التي كانت تخدمهم وقد تربت ف مدرستهم، لقد وصلت هذه الخادمة إلى مقام رفيع فكان لها سهم في هذه القصة، إن ذكر مقام أهل البيت (ع) في سورة الدهر دليل على رفعة شأنهم، فمقامهم مقام الأبرار، وهم من المقربين، بل تجاوزوا مقام المقربين.

فعندما يذكر القرآن قصة صيام هؤلاء الأبرار يقول: (ويعطعمون الطعام على حبه مسكيناً ويتيماً وأسيراً)، أحضر الإمام (ع) مقداراً من الحنطة أو الشعير، ثم طحنوه، وصنعوا منه خبزاً لافطارهم فجاءهم مسكين عند الافطار في أول يوم من صيامهم، يطلب طعاماً، فأعطوه حصصهم من الطعام وأفطروا بالماء الخالي.

وفي اليوم الثاني صاموا وعملوا خبزاً من بقية الطحين، فجاءهم يتيم عند الإفطار بطلب طعاماً، فناولوه طعامهم كله، وأفطروا بالماء الخالي.

وجاءهم عند انتهاء اليوم الثالث أسير، فأعطوه ما صنعوه من الخبز وأفطروا بالماء الخالي، فنزلت بحقهم آيات مباركات في سورة (هل أتى) إن حضور فضة واشتراكها معهم في عملهم يبين أن الإنسان العادي يستطيع أن يقوم بمثل هذا العمل.

وبعد هذه المقدمة والذي هو من ارق الدساتير و البرنامج التربوية عند أهل البيت (ع) في شهر رمضان.

فمن الممكن ان يتم تقسيم هذا البرنامج  التربوي عند أهل البيت(عليهم السلام) إلى ثلاثة أقسام هي:

الأول:- برنامج غذائي.

الثاني:-. برنامج اجتماعي

الثالث:- برنامج عبادي.

الأول / البرنامج الغذائي

عند تتبع روايات أهل البيت(عليهم السلام) نجدهم يلتزمون برنامجاً غذائياً معيناً عند السحور، وعند الإفطار فإنهم يتناولون أنواعاً معينه من الطعام، وكانوا يوصون بها إتباعهم.

وأول ما يطالعنا من ذلك حثهم (ع) على تناول الطعام في السحور، لاسيما في صيام شهر رمضان بحيث يعد تركه أمرا مكروهاً، وليس الغرض من ذلك هو إشباع غريزة الطعام، بل لأجل التقوي به على صيام النهار. كما ورد ذلك عن النبي الأكرم(ص) حيث قال: «تعاونوا بأكل السحور على صيام النهار، وبالنوم عند القيلولة على قيام الليل»، وعن أبي عبد الله (ع) قال: «لو ان الناس تسحروا ولم يفطروا إلا على ماء قدروا على ان يصوموا الدهر»، وعن أمير المؤمنين (ع) عن النبي الأكرم(ص) انه قال: «ان الله تبارك وتعالى وملائكته يصلون على المتسحرين والمستغفرين بالأسحار، فليتسحر أحدكم ولو بشربة من ماء».

وأما بالنسبة إلى نوع الطعام الذي يستحب تناوله في السحور فهو (السويق، والتمر، والزبيب، والماء)

فعن أبي عند الله (ع): «أفضل سحوركم السويق والتمر» وعن جابر، عن أبي جعفر (ع): «كان رسول الله(ص) يفطر على الأسودين، قلت: رحمك الله، وما الأسودان؟ قال: التمر والماء، والزبيب والماء، ويتسحر بهما».

هذا كله بالنسبة إلى السحور.

وأما الإفطار فقد ورد الاستحباب في الإفطار على (الحلواء أو الرطب أو الماء ولاسيما الفاتر والتمر أو السكر أو الزبيب أو اللبن أو السويق).

فعن أبي عبد الله (ع): «كان رسول الله (ص) أول ما يفطر عليه في زمن الرطب، الرطب وفي زمن التمر التمر»(.

وعنه (ع) أيضا: «كان رسول الله (ص) إذا افطر بدا بحلواء يفطر عليها، فان لم يجد فسكرة أو تمرات، فإذا أعوز ذلك كله فماء فاتر، وكان يقول: ينقي المعدة والكبد، ويطيب النكهة والفم، ويقوي الأضراس، ويقوي الحدق ويجلو الناظر، ويغسل الذنوب غسلا، ويسكن العروق الهائجة، والمرة الغالبة ويقطع البلغم، ويطفيء الحرارة عن المعدة، ويذهب بالصداع».وعنه (ع) أيضا: «ان علياً (عليه السلام) كان يستحب ان يفطر على اللبن»([16]) وروي أيضا انه (ع) كان يفطر على السويق(.

وروي ان النبي (ص) كان يفطر على الأسودين: التمر والماء، والزبيب والماء

وقبل ان اختم الحديث عن البرنامج الغذائي أود الإشارة إلى مسألة وقت الإفطار، أينبغي كونه قبل صلاة المغرب ام بعدها؟.

الوارد في نصوص أهل البيت (عليهم السلام) هو استحباب تقديم الصلاة، لان الصلاة مع الصوم أفضل منها بدونه، وقد قال الإمام الصادق (ع) لمن سأله عن ذلك «أبدا بالصلاة فإنها أفضل من الإفطار، وتكتب صلاتك وأنت صائم أحب إلي»([19])

ولكن هذا الاستحباب مشروط بالقدرة والطاقة، وان النفس لا تنازع الإنسان على الإفطار، لما روي عنهم (عليهم السلام) : «ان كنت ممن تنازعك نفسك للإفطار وتشغلك شهوتك عن الصلاة فابدأ بالإفطار ليذهب عنك وسواس النفس اللوامة).

وهناك شرط آخر، وهو ان لا يكون معه قوم يخشى ان يحبسهم عن عشائهم فليفطر معهم وأود ان أقف عند هذه النقطة قليلا لأؤكد ان من أخلاقيات الإسلام لزوم احترام إرادة الجماعة ومراعاة حالهم، فالصلاة وان كانت أهم من الإفطار ولكن احترام إرادة الآخرين تجعل من الإفطار أهم من الصلاة، هكذا الأمر في صلاة الجماعة فان إتيان الصلاة مع مستحباتها متأنيا أفضل من أدائها بدون ذلك، ولكن على الإمام ان يراعي اضعف مأموميه وان استلزم ذلك الاقتصار على واجبات الصلاة فقط.

ليس مقام الأئمة (ع) من البساطة بحيث نصفهم بأنهم أشخاص جيدون يقول الإمام الرضا (ع): لا يمكن أن تعرفوا الإمام وهو كالشمس الطالعة في الأفق بحيث لا تنالها الأيدي والأبصار، أين العقول من هذا؟ وأين الاختيار من هذا؟ فكما أنه ليس، بمقدور أحد أن تصل يده إلى نجوم السماء، كذلك لا يصل عقل الإنسان لادراك مقام الإمام.

 

عندما رحل الإمام الباقر (ع)، جاء سالم بن أبي حفصة إلى الإمام الصادق (ع) وقال: لقد ارتحل الذي كان ينقل عن رسول الله (ص) بلا واسطة على الرغم من أنه لم يكن قد رأى النبي (ص) ولم يتعرض للسؤال من هذه الجهة، مات ولا يوجه مثله، فسكت الإمام الصادق (ع) لحظة ثم قال: قال الله كذا. فقال سالم بن أبي حفصة: الإمام الباقر (ع) كان ينقل عن النبي (ص) بلا واسطة والإمام الصادق (ع) ينقل عن الله بلا واسطة.

المقصود أن ما جاء في سورة الدهر لم يكن ليبين المقام الشامخ السامي للأئمة (ع)، فهذه الخصوصية كانت لتلامذتهم أيضاً، لقد كان قولهم عندما اعطوا الطعام لليتيم والأسير والمسكين (إنما نطعمكم لوجه الله لا نريد منكم جزاءً ولا شكوراً)، (الإنسان: 9) وكان كلام فضة مثل كلامهم، إذن يستطيع الإنسان العادي، بسبب التربية على خط أهل البيت (ع)، أن يصل إلى سر الصيام (الصوم لي) نحن لا نعطي من أنفسنا، علينا ان نتمثل على الأقل بهذه السيدة التي تربت في بيت الأئمة (ع)، ولا يحسن ان نقول: إن الطريق مسدود، ولا يمكن الوصول أو نقول: أين نحن من أولئك؟ نعم أين نحن من الأئمة؟ صحيح، ولكن ليس صحيحاً أن نقول أين نحن من تلامذة الأئمة (ع)؟

يتحمل الإنسان الصائم الجوع والعطش استجابة للأمر الإلهي، لأن الله سبحانه كلفه بذلك، فهو صبر لله تعالى ويرتقي هذا الحديث عن الحديث الأول درجة، فهو يبين طاعة الله عز وجل، فتحمل الجوع وعطش الدنيا يذكره بجوع وعطش الآخرة، إضافة على تحرره من سيطرة الشهوة، كما أنه سبب للعمل الصالح والهداية والتذكير بيوم القيامة، ويبين هذا الحديث أن للصوم أسراراً دنيوية وأخروية ومع ذلك لم يبين السر النهائي للصوم.

ثانيا / البرنامج الاجتماعي

ويتلخص هذا البرنامج عند أهل البيت (عليهم السلام) بعبارة مختصرة هي (التفكير بالآخرين) فعندما يشعر الغني بالجوع يشعر حينئذ بمعاناة الفقراء والمساكين، وعندما يمتنع الزوج عن مواقعة زوجته يشعر بمعاناة العزاب من أولاده فيشعر بمدى حاجة ابنه إلى الزواج وحاجة ابنته إلى ذلك أيضا.

مما يؤكد هذا الغرض أي (التفكير بالغير) جملة من الروايات التي تحدثت عن علة الصوم وحكمته، فمن ذلك ما روي عن أبي عبد الله (ع) في علة الصيام حيث قال: ((إنما فرض الله الصيام ليستوي به الغني والفقير، وذلك ان الغني لم يكن ليجد حس الجوع فيرحم الفقير، لان كلما أراد شيئا قدر عليه،))[27].

ولهذا ورد الحث الأكيد على تفطير الصائمين، فعن الصادق (ع): ((ان أيما مؤمن اطعم مؤمنا نعمة في شهر رمضان، كتب الله له اجر من اعتق ثلاثين رقبة مؤمنة وكان له عند الله(تعالى) دعوة مستجابة))[28].

ومما يروى في هذا المجال عن الإمام زين العابدين (ع) مع ما يروى عنه من الإكثار من العبادات والتهجد والتسبيح والتهليل والدعاء في هذا الشهر، يروى انه كان عند الإفطار يأمر بإشعال النيران ووضع القدور وطبخ الطعام، وبعد أن ينضج يأمر غلمانه أن اغرفوا لإل فلان، ولإل فلان .. وهكذا ويروى عنه أيضا انه كان يجمع عبيده في آخر ليلة في شهر رمضان فيقول لهم انتم أحرار لوجه الله تعالى، ولكن أدعو لي ان يعتقني ربي يوم القيامة كما أعتقت رقابكم.


قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat


صلاح الاركوازي
 (للدخول لصفحة الكاتب إضغط هنا)

    طباعة   ||   أخبر صديقك عن الموضوع   ||   إضافة تعليق   ||   التاريخ : 2020/04/28



كتابة تعليق لموضوع : شهر رمضان عند أهل البيت(عليهم السلام)  ( جزء 2)
الإسم * :
بريدك الالكتروني :
نص التعليق * :
 



حمل تطبيق (كتابات في الميزان) من Google Play



اعلان هام من قبل موقع كتابات في الميزان

البحث :





الكتّاب :

الملفات :

مقالات مهمة :



 إنسانية الإمام السيستاني

 بعد إحراجهم بكشف عصيانها وخيانتهم للشعب: المرجعية الدينية العليا تـُحرج الحكومة بمخالفة كلام المعصومين.. والعاصفة تقترب!!!

 كلام موجه الى العقلاء من ابناء شعبي ( 1 )

 حقيقة الادعياء .. متمرجعون وسفراء

 قراءة في خطبة المرجعية : هل اقترب أَجلُ الحكومةِ الحالية؟!

 خطر البترية على بعض اتباع المرجعية قراءة في تاثيرات الادعياء على اتباع العلماء

 إلى دعاة المرجعية العربية العراقية ..مع كل الاحترام

 مهزلة بيان الصرخي حول سوريا

 قراءة في خطبة الجمعة ( 4 / رمضان/ 1437هـ الموافق 10/6/2016 )

 المؤسسة الدينية بين الواقع والافتراء : سلسلة مقالات للشيخ محمد مهدي الاصفي ردا على حسن الكشميري وكتابيه (جولة في دهاليز مظلمة) و(محنة الهروب من الواقع)

 الى الحميداوي ( لانتوقع منكم غير الفتنة )

 السيستاني .. رسالة مهدوية عاجلة

 من عطاء المرجعية العليا

 قراءة في فتوى الدفاع المقدس وتحصين فكر الأمة

 فتوى السيد السيستاني بالجهاد الكفائي وصداها في الصحافة العالمية

 ما هو رأي أستاذ فقهاء النجف وقم المشرّفتَين السيد الخوئي بمن غصب الخلافة ؟

 مواقف شديدة الحساسية/٢ "بانوراما" الحشد..

أحدث مقالات الكتّاب :


مقالات متنوعة :





 لنشر مقالاتكم يمكنكم مراسلتنا على info@kitabat.info

تم تأسيس الموقع بتاريخ 1/4/2010 © محمد البغدادي 

 لا تتحمل الإدارة مسؤولية ما ينشر في الموقع من الناحيتين القانونية والأخلاقية.

  Designed , Hosted & Programmed By : King 4 Host . Net