صفحة الكاتب : زكريا الحاجي

حواريّة الإيمان والإلحاد، في تفسير ظاهرة البذل والعطاء ( 1 )
زكريا الحاجي

المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الموقع، وإنما تعبر عن رأي الكاتب.

 بعد أن ضرب وباء كورونا أرجاء البلاد، وتعطلت مصالح النّاس بسبب الإجراءات الاحترازيّة في مواجهته، انتفض المجتمع على مستوى أفراد ومؤسّسات إلى معاضدة المتضرّرين من أصحاب الدّخل المحدود، ممّا دفع الإيمان والإلحاد إلى محاولة تفسير هذه الظاهرة الإنسانيّة في حواريّة جرت بينهما:

•الإلحاد: كيف تفسّر ما نُشاهد من حركة إقبال على الدّعم الخيري، فما الذي يدفع هؤلاء إلى بذل أموالهم التي عانوا في كسبها؟!

•الإيمان: في المجتمعات الميتافيزيقيّة الدّينيّة الأمر واضح، فهي تنشد غايتها خلف عالمها هذا، وتَعتبر العمل في هذه النّشأة ثمناً لحياة أخرى، وهو ما يجعلها تمتلك أهم عنصر يدفعها إلى فعل الخير، ومن ثمّ يكون المجتمع أكثر تكافلاً في مواجهة صعوبات الحياة، كما في مثل هذا الظّرف الذي يعصف بالعالَم.

•الإلحاد: لا أعتقد بذلك، والدليل حتى غير المتديّنين يُبادرون لفعل ذلك، فالأمر لا يَعدو بُعداً إنسانيّاً، فهو مخلوق اجتماعي بالفطرة، يمتلك عنصر الرّحمة والعطف، وهو ما يدفعه إلى بذل المال؛ حتى يُشبع حاجة غريزيّة في نفسه، ممّا يولّد الشّعور بالرّاحة النّاشيء من الرّضا عن الذّات.

•الإيمان: هذا الكلام لا أختلف معك فيه، وهي فطرة حبّ الكمال، والدّافع المُشترك بين النّاس -فيما إذا حافظوا على سلامتها-، وهي إحدى الدلالات الأنفسيّة التي تكشف للإنسان أنّه مُنحدر من مصدر الكمال المطلق، لذا كلّ إنسان سويّ -حتى غير المؤمن-، يشعر بالرّضا بفعل الخير، لأنّه يُماثل بذلك المصدر.

لكنّك لم تسترسل في تتبّع مصدر هذه الدلالة التي تقودك نحو الخالق، ممّا يجعل تفسيرك لا يتعدّى كون ثقافة "البذل والعطاء" مجرّد رياضة روحيّة يحتاج إليها الإنسان للحفاظ على لياقته النّفسيّة، كما يحتاج إلى الرّياضة البدنيّة، وهو ما يجعل الأمر غير مكتمل؛ وذلك أنّ هذه الطبيعة البشريّة تمتلك أيضاً عناصر غريزيّة أخرى مثل حبّ الذّات والتملُّك، وهو ما قد يدفعها إلى اتخاذ إجراءات معاكسة لإجراءات العنصر الأوّل، ومن ثمّ يعود التساؤل: مالذي يدفع الإنسان إلى تغليب العنصر الأوّل؟

•الإلحاد: أكمل!

•الإيمان: يمتلك الإنسان العقل، وهو العنصر الثّالث الذي يفكّ هذا النّزاع الغريزي الدّاخلي، وذلك بترتيب المصالح الغريزيّة بطريقة منطقيّة، تجعل كلّ غريزة تعمل في اتجاهها الطبيعي دون أن تصطدم بالأخرى، إلا أنّه -العنصر الثّالث- هو الآخر يحتاج إلى عامل خارجي وهو الإيمان بديمومة الحياة الإنسانيّة، نحو نشأة أُخرى تكتمل معها الحياة الدنيويّة؛ وذلك بملاحظة جزاء أعمال الإنسان، وهو ما يعني أنّ غريزة الرّحمة والعطف على الآخرين، تدفعه لإجراءات تعود بالنّفع والمصلحة على الذّات من خلال تحصيل ثمن أعظم وأدوم في نشأة أخرى، ومن ثمّ تكون تلك الغرائز تندفع نحو نتيجة واحدة بطريقة متناغمة.

•الإلحاد: هذا اعتراف واضح بأنّ الإنسان يلجأ إلى اختراع مفاهيم خارجيّة يُسكّن بها نفسه، وهو ما يعني أنّ عالم الآخرة مجرّد سراب يتراءى للظمآن.

- كيف يُجيب الإيمان؟!.. سنقرأ ذلك في الحلقة القادمة.

يتّبع..


قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat


زكريا الحاجي
 (للدخول لصفحة الكاتب إضغط هنا)

    طباعة   ||   أخبر صديقك عن الموضوع   ||   إضافة تعليق   ||   التاريخ : 2020/04/14



كتابة تعليق لموضوع : حواريّة الإيمان والإلحاد، في تفسير ظاهرة البذل والعطاء ( 1 )
الإسم * :
بريدك الالكتروني :
نص التعليق * :
 



حمل تطبيق (كتابات في الميزان) من Google Play



اعلان هام من قبل موقع كتابات في الميزان

البحث :





الكتّاب :

الملفات :

مقالات مهمة :



 إنسانية الإمام السيستاني

 بعد إحراجهم بكشف عصيانها وخيانتهم للشعب: المرجعية الدينية العليا تـُحرج الحكومة بمخالفة كلام المعصومين.. والعاصفة تقترب!!!

 كلام موجه الى العقلاء من ابناء شعبي ( 1 )

 حقيقة الادعياء .. متمرجعون وسفراء

 قراءة في خطبة المرجعية : هل اقترب أَجلُ الحكومةِ الحالية؟!

 خطر البترية على بعض اتباع المرجعية قراءة في تاثيرات الادعياء على اتباع العلماء

 إلى دعاة المرجعية العربية العراقية ..مع كل الاحترام

 مهزلة بيان الصرخي حول سوريا

 قراءة في خطبة الجمعة ( 4 / رمضان/ 1437هـ الموافق 10/6/2016 )

 المؤسسة الدينية بين الواقع والافتراء : سلسلة مقالات للشيخ محمد مهدي الاصفي ردا على حسن الكشميري وكتابيه (جولة في دهاليز مظلمة) و(محنة الهروب من الواقع)

 الى الحميداوي ( لانتوقع منكم غير الفتنة )

 السيستاني .. رسالة مهدوية عاجلة

 من عطاء المرجعية العليا

 قراءة في فتوى الدفاع المقدس وتحصين فكر الأمة

 فتوى السيد السيستاني بالجهاد الكفائي وصداها في الصحافة العالمية

 ما هو رأي أستاذ فقهاء النجف وقم المشرّفتَين السيد الخوئي بمن غصب الخلافة ؟

 مواقف شديدة الحساسية/٢ "بانوراما" الحشد..

أحدث مقالات الكتّاب :


مقالات متنوعة :





 لنشر مقالاتكم يمكنكم مراسلتنا على info@kitabat.info

تم تأسيس الموقع بتاريخ 1/4/2010 © محمد البغدادي 

 لا تتحمل الإدارة مسؤولية ما ينشر في الموقع من الناحيتين القانونية والأخلاقية.

  Designed , Hosted & Programmed By : King 4 Host . Net