صفحة الكاتب : ابو فاطمة العذاري

اطلاله حول الادب الاسلامي عبر عصور الادب التاريخية ... الحلقة الثانية
ابو فاطمة العذاري

المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الموقع، وإنما تعبر عن رأي الكاتب.

 ولنا هنا مقدمتين مهمتين لهما علاقة بهدف الملزمة:

المقدمة الاولى: روايات في مدح الشعر الصالح
وردت العديد من النصوص في احترام ومدح الشعر والشعراء الصالحين وكذلك بالعكس في ذم الشعر والشعراء المفسدين والمنحرفين و من نماذج مدح النوع الصالح أو الشعر الذي قاله المعصوم  بنفسه:
قال النبي(ص): ( إِنَّ مِنَ الشِّعْرِ لَحِكْمَةً وَ إِنَّ مِنَ الْبَيَانِ لَسِحْراً )
قال الصادق(ع):( يا معشر الشيعة علموا أولادكم شعر العبدي فإنه على دين الله ) 
والعبدي هو سفيان بن مصعب العبدي الكوفي ويكنى ( أبي محمد ).
عَنْ عَلِيِّ بْنِ يَقْطِينٍ قَالَ سَأَلْتُ أَبَا الْحَسَنِ(ع) عَنِ الْكَلَامِ فِي الطَّوَافِ وَ إِنْشَادِ الشِّعْرِ وَ الضَّحِكِ فِي الْفَرِيضَةِ أَوْ غَيْرِ الْفَرِيضَةِ أَيَسْتَقِيمُ ذَلِكَ قَالَ ( لَا بَأْسَ بِهِ وَ الشِّعْرُ مَا كَانَ لَا بَأْسَ بِهِ مِنْهُ )
عَنْ زَيْدٍ الشَّحَّامِ فِي حَدِيثٍ أَنَّ أَبَا عَبْدِ اللَّهِ(ع) قَالَ لِجَعْفَرِ بْنِ عَفَّانَ الطَّائِيِّ ( بَلَغَنِي أَنَّكَ تَقُولُ الشِّعْرَ فِي الْحُسَيْنِ(ع) وَ تُجِيدُ قَالَ نَعَمْ فَأَنْشَدَهُ فَبَكَى وَ مَنْ حَوْلَهُ حَتَّى سَالَتِ الدُّمُوعُ عَلَى وَجْهِهِ وَ لِحْيَتِهِ ثُمَّ قَالَ يَا جَعْفَرُ وَاللَّهِ لَقَدْ شَهِدَكَ مَلَائِكَةُ اللَّهِ الْمُقَرَّبُونَ هَاهُنَا يَسْمَعُونَ قَوْلَكَ فِي الْحُسَيْنِ(ع) وَ لَقَدْ بَكَوْا كَمَا بَكَيْنَا وَ أَكْثَرَ وَلَقَدْ أَوْجَبَ اللَّهُ لَكَ يَا جَعْفَرُ فِي سَاعَتِكَ الْجَنَّةَ بِأَسْرِهَا وَ غَفَرَ لَكَ فَقَالَ أَلا أَزِيدُكَ قَالَ نَعَمْ يَا سَيِّدِي قَالَ مَا مِنْ أَحَدٍ قَالَ فِي الْحُسَيْنِ(ع) شِعْراً فَبَكَى وَ أَبْكَى بِهِ إلا أَوْجَبَ اللَّهُ لَهُ الْجَنَّةَ وَ غَفَرَ لَهُ)
عَنْ أَبِي هَارُونَ الْمَكْفُوفِ قَالَ: قَالَ لِي أَبُو عَبْدِ اللَّهِ(ع) ( يَا أَبَا هَارُونَ أَنْشِدْنِي فِي الْحُسَيْنِ(ع) فَأَنْشَدْتُهُ فَقَالَ أَنْشِدْنِي كَمَا تُنْشِدُونَ (يَعْنِي بِالرِّقَّةِ) قَالَ فَأَنْشَدْتُهُ:
    امْرُرْ عَلَى جَدَثِ الْحُسَيْنِ     فَقُلْ لِأَعْظُمِهِ الزَّكِيَّهْ
قَالَ فَبَكَى ثُمَّ قَالَ زِدْنِي فَأَنْشَدْتُهُ الْقَصِيدَةَ الْأُخْرَى قَالَ فَبَكَى فَسَمِعْتُ بُكَاءً مِنْ خَلْفِ السِّتْرِ فَلَمَّا فَرَغْتُ قَالَ يَا أَبَا هَارُونَ مَنْ أَنْشَدَ فِي الْحُسَيْنِ شِعْراً فَبَكَى وَ أَبْكَى عَشَرَةً كُتِبَتْ لَهُمُ الْجَنَّةُ وَ مَنْ أَنْشَدَ فِي الْحُسَيْنِ شِعْراً فَبَكَى وَ أَبْكَى خَمْسَةً كُتِبَتْ لَهُمُ الْجَنَّةُ وَ مَنْ أَنْشَدَ فِي الْحُسَيْنِ شِعْراً فَبَكَى وَ أَبْكَى وَاحِداً كُتِبَتْ لَهُمَا الْجَنَّةُ وَ مَنْ ذُكِرَ الْحُسَيْنُ عِنْدَهُ فَخَرَجَ مِنْ عَيْنِهِ مِنَ الدَّمْعِ مِقْدَارُ جَنَاحِ ذُبَابٍ كَانَ ثَوَابُهُ عَلَى اللَّهِ وَ لَمْ يَرْضَ لَهُ بِدُونِ الْجَنَّةِ)
عَنْ صَالِحِ بْنِ عُقْبَةَ عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ ع قَالَ ( مَنْ أَنْشَدَ فِي الْحُسَيْنِ بَيْتاً مِنَ الشِّعْرِ فَبَكَى وَ أَبْكَى عَشَرَةً فَلَهُ وَ لَهُمُ الْجَنَّةُ وَ مَنْ أَنْشَدَ فِي الْحُسَيْنِ بَيْتاً فَبَكَى وَ أَبْكَى تِسْعَةً فَلَهُ وَ لَهُمُ الْجَنَّةُ فَلَمْ يَزَلْ حَتَّى قَالَ مَنْ أَنْشَدَ فِي الْحُسَيْنِ بَيْتاً فَبَكَى وَ أَظُنُّهُ قَالَ أَوْ تَبَاكَى فَلَهُ الْجَنَّة ُ)
وقَالَ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ ع ( مَنْ قَالَ فِينَا بَيْتَ شِعْرٍ بَنَى اللَّهُ تَعَالَى لَهُ بَيْتاً فِي الْجَنَّةِ )
عَنِ الْحَسَنِ بْنِ الْجَهْمِ قَالَ سَمِعْتُ الرِّضَا ع يَقُولُ ( مَا قَالَ فِينَا مُؤْمِنٌ شِعْراً يَمْدَحُنَا بِهِ إِلَّا بَنَى اللَّهُ لَهُ مَدِينَةً فِي الْجَنَّةِ أَوْسَعَ مِنَ الدُّنْيَا سَبْعَ مَرَّاتٍ يَزُورُهُ فِيهَا كُلُّ مَلَكٍ مُقَرَّبٍ وَ كُلُّ نَبِيٍّ مُرْسَلٍ )
عَنْ أَبِي طَالِبٍ الْقُمِّيِّ قَالَ كَتَبْتُ إِلَى أَبِي جَعْفَرٍ ع بِأَبْيَاتِ شِعْرٍ وَ ذَكَرْتُ فِيهَا أَبَاهُ وَ سَأَلْتُهُ أَنْ يَأْذَنَ لِي فِي أَنْ أَقُولَ فِيهِ فَقَطَعَ الشِّعْرَ وَ حَبَسَهُ وَ كَتَبَ فِي صَدْرِ مَا بَقِيَ مِنَ الْقِرْطَاسِ ( قَدْ أَحْسَنْتَ جَزَاكَ اللَّهُ خَيْراً )
وقال عبد الله بن مبارك حججت بعض السنين إلى مكة فبينما أنا سائر في عرض الحاج و إذا صبي سباعي أو ثماني و هو يسير في ناحية من الحاج بلا زاد و لا راحلة فتقدمت إليه و سلمت عليه و قلت له مع من قطعت البر قال مع البار فكبر في عيني فقلت يا ولدي أين زادك و راحلتك فقال زادي تقواي و راحلتي رجلاي و قصدي مولاي فعظم في نفسي فقلت يا ولدي ممن تكون فقال مطلبي فقلت أبن لي فقال هاشمي فقلت أبن لي فقال علوي فاطمي فقلت يا سيدي هل قلت شيئا من الشعر فقال نعم فقلت أنشدني شيئا من شعرك فأنشد 
لنحن على الحوض رواده          نذود و نسقي وراده
‏و ما فاز من فاز إلا بنا         وما خاب من حبنا زاده
‏و من سرنا نال منا السرور    و من ساءنا ساء ميلاده
‏و من كان غاصبنا حقنا             فيوم القيامة ميعاده
ثم غاب عن عيني إلى أن أتيت مكة فقضيت حجتي و رجعت فأتيت الأبطح فإذا بحلقة مستديرة فاطلعت لأنظر من بها فإذا هو صاحبي فسألت عنه فقيل هذا زين العابدين(ع) 
وروي انه كان الامام علي(ع) في جامع  الكوفة فقام إليه رجل من أهل الشام فقال يا أمير المؤمنين إني أسألك عن أشياء فقال سل تفقها و لا تسأل تعنتا فسأله عن أشياء فكان فيما سأله أن قال له أخبرني عن أول من قال الشعر فقال آدم فقال و ما كان من شعره قال لما أنزل إلى الأرض من السماء فرأى تربتها و سعتها و هواءها و قتل قابيل هابيل فقال آدم (ع)
   تغيرت البلاد و من عليها فوجه الأرض مغبر قبيح
   تغير كل ذي لون و طعم و قل بشاشة الوجه المليح
فأجابه إبليس: 
  تنح عن البلاد و ساكنيها فبي في الخلد ضاق بك الفسيح
‏ و كنت بها و زوجك في قرار و قلبك من أذى الدنيا مريح‏
 فلم تنفك من كيدي و مكري إلى أن فاتك الثمن الربيح
‏ فلو لا رحمة الجبار أضحت بكفك من جنان الخلد ريح 
 
ومما يروى عن الصادق مدحه للشاعر المعروف الكميت فقد قال(ع): ( اللهم اغفر للكميت ما قدَّم وأخِّر ، وما أسرَّ وأعلن ، وأعطه حتى يرضى )
 
***************
المقدمة الثانية: كلام للشهيد الصدر
وقبل ان نخوض في ثنايا كلامنا من النافع أكيدا إن ننقل للقارئ الكريم ما قاله السيد الشهيد الصدر في موقعين مهمين من خطب صلاة الجمعة ونعتبر كلامه دافع إرشادي مهم للاطلاع والاستفادة بما نحن فيه فقد قال السيد في الخطبة الأولى من الجمعة الثلاثين:
(  وقول الشعر مروي بالتواتر عن عدد من المعصومين (عليهم السلام). وديوان امير المؤمنين (عليه السلام) مشهور وهو وان كان كل واحد منه (اي كل واحد من اشعاره)  ضعيف السند الا ان مجموعه متواتر كما ان الشعر مروي عن عدد مهم من علمائنا (قدس الله اسرارهم) كالشريف المرتضى والشريف الرضي والشيخ البهائي والسيد الحبوبي وغيرهم كثير ومع ذلك يقول المتزمتون من الحوزة الشريف ينافي وضع وحال رجال الدين والحوزة والمرجعية ويضر بهم وهذا باطل قطعا لان فيه اسوة بالمعصومين (عليهم السلام) وكما ان لنا اسوة حسنة برسول الله (صلى الله عليه واله) بنص القرآن كذلك لنا اسوة حسنة بالمعصومين (عليهم السلام) من اهل بيته ومن جملة اعمالهم القطعية اليقينية هو قول الشعر ولئن كان رسول الله (صلى الله عليه واله) لا يقول الشعر كما قال الله تعالى : ((وما علمناه وما ينبغي له)) فانه ايضا كان اميا بحسب الظاهر لا يقرأ ولا يكتب فهل علينا ان نكون كذلك اميين ان هذه الصفات صفات خاصة به لمصالح عامة ترتبط برسالته وهي ليست شاملة للمعصومين (عليهم السلام) حتى ولا لامير المؤمنين (عليه السلام) فضلا عن غيرهم من الناس لوضوح ان امير المؤمنين لم يكن اميا بينما رسول الله كان اميا ظاهرا وامير المؤمنين واضح انه في اعلى درجات القراءة والكتابة لوضوح ان للمعصومين ايضا اسوة برسول الله (صلى الله عليه واله) (كول لا !) مع انهم كانوا يقرأون الشعر وكانوا يقرأون ويكتبون قطعا ولم يكونوا اميين مثله اذن فهاتان الصفتان ليس فيها اسوة برسول الله (صلى الله عليه واله) لا للمعصومين ولا لغيرهم ولا يشملها اطلاق الاية الكريمة وبالاخرة ما من عام الا وقد خص بل كان فيها اسوة مع المعصومين (سلام الله عليهم) ولو كان في هاتين الصفتين اسوة برسول الله (صلى الله عليه واله) لكان المعصومون احق بها وبفعلها وبتنفيذها ولم يفعلوا اكيدا مضافا الى امكان تفسير الشعر المنفي عن رسول الله (صلى الله عليه واله) بالباطل يعني نفي الباطل عنه والشعور الوهمي وليس الشعر الذي نعرفه وهو المراد بقوله تعالى : ((الشعراء يتبعهم الغاوون)) فليس كل الشعراء يتبعهم الغاوون وانما المبطلون واهل الباطل يتبعهم الغاوون وكلهم هكذا طبعا كما قد نسب اليه بيت من الشعر وهو قوله حين ادميت او جرحت اصبعه في احدى الغزوات:
 ما انت الا اصبع دميت       وفي سبيل الله ما لقيت
فاذا كان لا يعلم الشعر اطلاقا اذن لا يصدر منه ولا بيت شعر واحد هذا مضافا الى ما في الشعر من فوائد جمة دينية ودنيوية وقد كان اغلب شعر المعصومين (عليهم السلام) موعظة وحكم وتخويف وترغيب وهو اشد تأثيرا في النفس من النثر بلا شك واما كون الشعر فيه مفاسد فهذا صحيح غير ان ذلك ناشيء من عدم تورع الشعراء او بعض الشعراء في الحقيقة ومن تورطهم في الحرام واطاعتهم لانفسهم الامارة بالسوء ويمكن للفرد الشاعر المتورع ان يتجنب كل ذلك في شعره ويقصره على طاعة الله ودين الله والامور النافعة كما فعل المعصومون (سلام الله عليهم) ولذا نسمع احد الشعراء يقول وهي ابيات معروفة ربما اكثركم سامعيها :
ما الشعر الا شعور تهيج فيه العواطف 
                 وخيره ما تراه عن الحقيقة كاشف )
 
وقال السيد( قدس ) في موضع اخر في الجمعة الرابعة والاربعين الخطبة الثانية:
(انه لا شك ان العنصر الرئيسي  في ارتفاع اهمية نظم الشعر العربي في الاسلام عامة وفي المذهب خاصة وتعمقه وكثرته انما سببه ثورة الحسين (عليه افضل الصلاة والسلام) وحركته المقدسة التي اوجبت واوجدت كما يقول الخبر : (حرارة في قلوب شيعته لن تخمد الى يوم القيامة) الامر الذي انتج ان تقول مئات الشعراء بل الاف الشعراء في هذه المناسبة الشجية انواعا من الشعر بما فيها الشعر القريض والشعر الشعبي وهو الامر الذي سبب ايضا ان يختص الشعراء الموالين جزاهم الله خيرا في كل الاجيال بافضل القصائد العربية واكثرها رصانة وجمالا مما هو غير موجود في سائر مذاهب الاسلام فضلا عن غير المسلمين وهو (وهذه العبارة ايضا مشهورة والتفكير فيها راجح جدا) الذي عبر عنه الدكتور طه حسين الذي هو اشهر الادباء في مصر والى الان حين قال : لا زال الشعر رافضيا وهي كلمة مشهورة ومشكورة منه توفي رحمه الله قبل عشرين سنة لكن ذكره لا زال موجودا اكيدا وسيبقى وقوله (لا زال) يعني كان ولا زال وسيبقى على نفس  الحال وبالرغم من نقطة القوة هذه التي لا تعدلها نقطة واهمية عالية جدا وشكرا لله على حسن فضله، فاننا نعلم ان كل شاعر سواءا كان فصيحا ام شعبيا ينظم الشعر في الحسين (عليه السلام) واصحابه بمقدار ما يفهم من ثورة الحسين ومن اقواله ومن افعاله ولا نتوقع من الشاعر ان يتعدى فهمه الشخصي بطبيعة الحال بل لعل ذلك يكون في عداد المستحيل في حين اننا نعلم بكل تاكيد ان بين فهمنا للحسين (عليه السلام) وواقع الحسين (عليه السلام) وحقيقة مقاصده بونا شاسعا وفجوة ضخمة جدا (كول لا. سبحان الله !)يعني اننا لا نفهم الحسين (عليه السلام) حقيقة ولا يمكن ان نفهمه حقيقة كل ما في الامر اننا يمكن ان نقترب نحو هذا الفهم قدما او اقداما بالتعلم والتكامل والاطلاع على بعض حقائق  الكتاب  والسنة واذا نحن لم نكن بهذا الصدد اي ننظم شعر ونحن لا نعلم ما الحسين وما اصحاب الحسين ومن الحسين ومن زينب ومن الاصحاب والاولاد فاذا نحن لم نكن بهذا الصدد اذن فنحن معاتبون ومعاقبون لاننا نكون قد كذبنا على المعصومين (عليهم السلام) المتمثلين بالحسين نفسه (سبحان الله كول لا !) ولربما السجاد ايضا (عليه السلام) واصحاب المعصومين (عليهم السلام) يكفي  اننا نلتفت الى ان اغلب الاشعار الفصيحة والشعبية التي قيلت بهذا الصدد تحمل جانبين باطلين في فهم المشاعر الحسينية لو صح التعبير :
الجانب الاول : الجانب الاسري والعاطفة الدنيوية الشخصية التي يشعر بها الشاعر هو نفسه تجاه ولده ووالديه واخيه وزوجته فهو يضيفها الى الحسين والى اصحاب الحسين (عليهم افضل الصلاة والسلام) في حين لو كان شيء من ذلك مهما قل لديهم لما ترك الرجال زوجاتهم واطفالهم ولما ترك النساء ازواجهن ولما افتخرن ان يكن من المسبيات مع زينب (سلام الله عليها) وغير زينب من نساء الحسين (عليه السلام) فهذه تضحية حقيقية وهذا ونحوه من العواطف الحقة لا تكون عند نفي العاطفة الاسرية تماما واسقاطها من النفس حقيقة فاذا كان ذلك في النساء والرجال من الاصحاب فكيف باهل البيت (عليهم السلام) وهم السادة انفسهم (سلام الله عليهم) وكيف بالحسين بشخصه الذي هو معصوم ومفترض الطاعة.
الجانب الثاني : الجانب القبلي. اعوذ بالله من الجانب القبلي الذي كان ولا زال وسيبقى يضرنا ما لم يخرج الشيطان من الساحة والجانب القبلي هو ما اشرنا اليه في الاضواء من التاكيد على جانب الاسرة والنسب وكأن الحرب (حرب الحسن (عليه السلام)) بين اسرتين متعاديتين لا بين الحق والباطل وذلك في مثل قول الشاعر :
قوضي يا خيام عليا نزار       فلقد قوض العماد الرفيع
واملأي العين يا امية نوما    فحسين على الصعيد صريع
وكأن بني امية انتصروا على الحسين فقط وغير ذلك كثير في حين إننا نعلم أن هذا من غير المحتمل ان يخطر في بال الحسين (عليه السلام) وأصحابه طرفة عين فضلا عن ان يكون هو الهدف الرئيسي لهم ولو كان هو الهدف الرئيسي لكانوا على باطل والعياذ بالله وعلى طلب الدنيا وحاشاهم وقد كان الاعتذار أساسا للشعراء حين يريدون التجنب عن الكذب فإنهم يقولون وكذلك بعض الخطباء الحسينيين المتورعين يقولون : ان هذا بلسان الحال لا بلسان المقال وهذا مسموع وماشي جيلا بعد جيل فنسألهم انك هل تعرف حالهم (سلام الله عليهم) بلسان الحال حقيقة لتقول ان كلامك بلسان الحال وهل ان حالهم كما تقول أنت لكي تكون صادقا او ان حالهم ليس كذلك وانما انت الكاذب فمثلا لو اكد الشاعر على الجانب الاسري او الجانب القبلي اللذان ذكرناهما بعنوان انه بلسان الحال لكان كاذبا لا محالة وكان من الكذب على المعصومين (سلام الله عليهم) ونحن لا نريد من اي شاعر او ناثر ان يكذب على الحسين (عليه السلام) واصحابه وانما لا بد ان يبين حالهم باقصى ما يستطيع من الصحة والدقة وبحسب ما نستطيع ان ندرك حالهم (سلام الله عليهم) فان له عدة جوانب اي واحدة منها اخذناها كانت حقا على اي حال وقليل التعرض لها في شعر الشعراء في القريض والعامي معا :
الجانب الاول : التمرد على كل ظلم وطغيان وخاصة ظلم وطغيان بني امية او حكم بني امية عامة ويزيد الشارب للخمور واللاعب للقرود كما يصفه الحسين (عليه السلام) خاصة وبيان ذلك للمجتمع عمليا بحيث لا يكون معه مجال للشك.
الجانب الثاني : عرض البديل او الايدولوجية الصالحة والحقة بعد ان فشلت وتفشل ايديولوجيات الظالمين والمستعمرين متمثلا (اي الايديولوجية الحقة) بالاسلام الحقيقي الذي دافع عنه الحسين بكل وجوده.
الجانب الثالث : بيان ان هداية المجتمع والدفاع عن الطبقات المحرومة والمستضعفة يستحق الفداء باعظم الفداء واعظم انواع التضحية بالنحو الذي قدمه الحسين (عليه السلام) في عرصة كربلاء كما قال تعالى : ((في سبيل الله والمستضعفين)).
الجانب الرابع : اعطاء النموذج للثورات على الظلم والتمرد على الطغيان في كل عصر فمهما كانت اي ثورة قريبة من فكرة ثورة الحسين او كانت اقرب كانت على حق وكلما كانت ابعد كانت على باطل كائنة كانت لا نستثني من ذلك شيئا على وجه الكرة الارضية وكل واحد من قادة الثورات يعلم بنقاط القوة والضعف في نفسه كما قال تعالى : ((بل الانسان على نفسه بصيرة ولو  القى معاذيره)).
الجانب الخامس : ان الثواب الالهي الجسيم والدرجات العلى عند الله تبارك وتعالى تستحق الفداء لها باعظم انواع الفداء كما ورد :(لك درجات لن تنالها الا بالشهادة) من قال ذلك ؟ رسول الله (صلى الله عليه واله) حسب الرواية فلذا انطاع الحسين (عليه السلام) طائعا لكلام جده الرسول وقدم كل هذه التضحيات في سبيل تلك الدرجات العلى.
الجانب السابع : جانب التذلل والخشوع والتواضع امام الله سبحانه وترك العجب والرياء وهذا ما طبقه امير المؤمنين (عليه السلام) حين كان يجلس على التراب حين سماه الرسول بابي تراب (كول لا !) وطبقه الرسول  نفسه حين كان يجلس جلسة العبد ويأكل مع العبيد (كول لا !)  وطبقه الحسين (عليه السلام) حين عرض جسده للدوس تحت حوافر الخيل وعرض خيامه للنهب والحرب ونساءه للسبي (سلام الله عليهم اجمعين) قائلا : (شاء الله ان يراهن سبايا) ويقول : (هون ما نزل بي انه بعين الله) ويقول حسب الرواية :
تركت الخلق طرا في هواك      وايتمت العيال لكي اراك
ولو قطعتني في الحب اربا  لما مال الفؤاد الى سواك
فهذه بعض الجوانب التي يمكن ادراكها من مستويات المعصومين (سلام الله عليهم) واصحاب المعصومين والحسين واصحاب الحسين (عليهم السلام) فهل في الشعر العربي او الشعر الشعبي شيء من ذلك ؟ انا لا اقول انه غير موجود اطلاقا ولكن لا شك ان نسبته قليلة بازاء اضفاء الاذكار والعواطف الدنيوية التي نسبت الى الحسين (عليه السلام) خاصة واهل البيت والاصحاب عامة في الاشعار الفصيحة والشعبية فمن هنا اطالب الخطباء والشعراء بمختلف مستوياتهم واماكنهم ان يبداوا من الان بتصحيح افكارهم واشعارهم عن الحسين (عليه السلام) واصحابه وكل المعصومين فلا ينظموا الا بلسان الحال الذي يكون اقرب الى الحق لا انه يكون اقرب الى الباطل والعياذ بالله ويستمر ذلك جيلا بعد جيل حتى لا نسمع من الاشعار الباطلة والمنحرفة شيئا بعد هذا الزمان بعون الله سبحانه وتعالى وحسن هدايته وتوفيقه والافضل في هذا الطريق هو ان يكون الشعر باشراف الحوزة الشريفة في كل مكان وفي كل زمان فما قالته الحوزة للشاعر انه حق اخذ به وضمنه في شعره او قل نظمه في شعره. وما قالت له الحوزة انه باطل ومشكوك او ان انطباعه سيء او لا مصلحة في ذكره ونحو ذلك تركه الى غيره والحمد لله الافكار الحقة كثيرة فانظم ما تقتنع بانه حق فقط من حيث ان كلمة الحوزة هي الكلمة الفصل ولا اقصد السيد محمد الصدر وانما قصدت وقلت انها الحوزة في كل مكان وزمان لانها مهما كان حالها فانها الاقرب والافضل والافهم في فهم الدين وشريعة سيد المرسلين واتجاهات المعصومين (عليهم السلام).) 
 

قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat


ابو فاطمة العذاري
 (للدخول لصفحة الكاتب إضغط هنا)

    طباعة   ||   أخبر صديقك عن الموضوع   ||   إضافة تعليق   ||   التاريخ : 2010/11/22



كتابة تعليق لموضوع : اطلاله حول الادب الاسلامي عبر عصور الادب التاريخية ... الحلقة الثانية
الإسم * :
بريدك الالكتروني :
نص التعليق * :
 



حمل تطبيق (كتابات في الميزان) من Google Play



اعلان هام من قبل موقع كتابات في الميزان

البحث :





الكتّاب :

الملفات :

مقالات مهمة :



 إنسانية الإمام السيستاني

 بعد إحراجهم بكشف عصيانها وخيانتهم للشعب: المرجعية الدينية العليا تـُحرج الحكومة بمخالفة كلام المعصومين.. والعاصفة تقترب!!!

 كلام موجه الى العقلاء من ابناء شعبي ( 1 )

 حقيقة الادعياء .. متمرجعون وسفراء

 قراءة في خطبة المرجعية : هل اقترب أَجلُ الحكومةِ الحالية؟!

 خطر البترية على بعض اتباع المرجعية قراءة في تاثيرات الادعياء على اتباع العلماء

 إلى دعاة المرجعية العربية العراقية ..مع كل الاحترام

 مهزلة بيان الصرخي حول سوريا

 قراءة في خطبة الجمعة ( 4 / رمضان/ 1437هـ الموافق 10/6/2016 )

 المؤسسة الدينية بين الواقع والافتراء : سلسلة مقالات للشيخ محمد مهدي الاصفي ردا على حسن الكشميري وكتابيه (جولة في دهاليز مظلمة) و(محنة الهروب من الواقع)

 الى الحميداوي ( لانتوقع منكم غير الفتنة )

 السيستاني .. رسالة مهدوية عاجلة

 من عطاء المرجعية العليا

 قراءة في فتوى الدفاع المقدس وتحصين فكر الأمة

 فتوى السيد السيستاني بالجهاد الكفائي وصداها في الصحافة العالمية

 ما هو رأي أستاذ فقهاء النجف وقم المشرّفتَين السيد الخوئي بمن غصب الخلافة ؟

 مواقف شديدة الحساسية/٢ "بانوراما" الحشد..

أحدث مقالات الكتّاب :


مقالات متنوعة :





 لنشر مقالاتكم يمكنكم مراسلتنا على info@kitabat.info

تم تأسيس الموقع بتاريخ 1/4/2010 © محمد البغدادي 

 لا تتحمل الإدارة مسؤولية ما ينشر في الموقع من الناحيتين القانونية والأخلاقية.

  Designed , Hosted & Programmed By : King 4 Host . Net