صفحة الكاتب : يحيى غالي ياسين

قارىءُ السماء
يحيى غالي ياسين

المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الموقع، وإنما تعبر عن رأي الكاتب.

تتفق معي أن القراءةَ والكتابة ، طرق التعليم ووسائل الوعي والثقافة ، التجارب والخبرات وصقل المواهب والمهارات .. هي أدواتٌ وطرق تُكتسب بها المعارف ، وهي في أعلى قيمتها تُعتبر علوم آلية لا غائية ، بمعنى تُدرس لغيرها لا لذاتها ، وهي بالتالي عبارة عن وسائل متيّسرة لغايات وأهداف ونتائج مرجوة ترفع من قدر الإنسان وتعينه على إدارة أموره وترتيب شؤونه بأفضل وجه ممكن .

والسؤال ، مَن كان يمتلك تلك المعارف وحاصل على غايات تلك الأدوات والآلات المعرفية وحاصل على تلك النتائج والكمالات ولكن من غير استعمال لتلك الوسائل والأدوات ولم يستثمر تلك الطاقات ، كيف يمكنك تفسير ظاهرته هذه غير التقليدية وحالته الأستثنائية ؟

هكذا هو رسولنا الكريم صلوات الله عليه ، لم يقرأ كتاباً ، ولم يتخذ استاذاً ، ولم يُعرف له طريقا معرفياً تقليدياً رغم استوائه على أعلى درجات العلم والمعرفة والفراسة ، البلاغة والفصاحة والبيان ، الحلم والأدب والأخلاق ، التدبير والادارة والقيادة ، فهو المعلّم القدير ، والسراج المنير ..!!

لم يكن صلوات الله عليه قارئا أرضيا لتلك المعارف ولم يتخذ سبلها المتعارفة ومواردها الطبيعية بل كان يقرأ من السماء وتُقرِأهُ السماء قراءةً لا تُنسى ( سَنُقْرِئُكَ فَلَا تَنسَىٰ ) وتُشرف على معارفه التي يتلقاها بشتى فروعها ، كان يقرأ باسم ربه الذي خلق ، ربه الاكرم الذي علّم بالقلم ، كان لا ينطق عن الهوى إن هو إلا وحي يوحى ، أدّبه ربُّه فأحسن تأديبه ..

لم يتعقل البعض هذا الاستثناء ولم يتجرّع هذا التفرد والتميّز المعرفي للرسول محمد صلوات الله عليه فحاول أن يعطي له تفسيرات تتناسب ومستواه المتدني ( وَلَقَدْ نَعْلَمُ أَنَّهُمْ يَقُولُونَ إِنَّمَا يُعَلِّمُهُ بَشَرٌ ۗ لِّسَانُ الَّذِي يُلْحِدُونَ إِلَيْهِ أَعْجَمِيٌّ وَهَٰذَا لِسَانٌ عَرَبِيٌّ مُّبِينٌ ) .. وأنى لهم ذلك وقد ( عَلَّمَهُ شَدِيدُ الْقُوَىٰ ) .

وبقولهم هذا فإنهم اساءوا لأنفسهم ولربهم ايضاً ( وَمَا قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ إِذْ قَالُوا مَا أَنزَلَ اللَّهُ عَلَىٰ بَشَرٍ مِّن شَيْءٍ ۗ ) .

ولا بد أن نعلم بأنه لم تنسدّ قراءة السماء ولم ينقطع التتلمذ تحت ظلها لأنها وهبت لقارئها الكبير وتلميذها المجتهد كتاباً ليقرأه من يريد أن يتّبعه ويسير على نهجه ومناهجه وهو القرآن العظيم ، حينما نقرأه فإننا أيضا نقرأ من السماء ونتعلم من علومها ولقد دُعينا لذلك بالتصريح لا بالتلميح ( فَاقْرَءُوا مَا تَيَسَّرَ مِنْهُ ) و ( أَفَلَا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ أَمْ عَلَىٰ قُلُوبٍ أَقْفَالُهَا ) ..

القراءة في كتب السماء تختلف عن قراءة كتب الأرض ، لأن كتب السماء تتميز عن كتب الأرض بميزات لا يبقى معها قياس ولا تناسب بين الطرفين ، كتب الأرض مختلفة ومتناقضة وكتب السماء لا تختلف ولا تتناقض ( أَفَلَا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ ۚ وَلَوْ كَانَ مِنْ عِندِ غَيْرِ اللَّهِ لَوَجَدُوا فِيهِ اخْتِلَافًا كَثِيرًا ) ، كتب الارض لا تخلوا من باطل وكتب السماء لا باطل فيها ( لَّا يَأْتِيهِ الْبَاطِلُ مِن بَيْنِ يَدَيْهِ وَلَا مِنْ خَلْفِهِ ۖ تَنزِيلٌ مِّنْ حَكِيمٍ حَمِيدٍ ) .. فالفرق شاسع والبون واسع بوسع المسافة بين السماء والأرض ..

فها نحن نعيش ذكرى بعثة السماء لقارئها .. يوم المبعث النبوي الشريف ،


قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat


يحيى غالي ياسين
 (للدخول لصفحة الكاتب إضغط هنا)

    طباعة   ||   أخبر صديقك عن الموضوع   ||   إضافة تعليق   ||   التاريخ : 2020/03/23



كتابة تعليق لموضوع : قارىءُ السماء
الإسم * :
بريدك الالكتروني :
نص التعليق * :
 



حمل تطبيق (كتابات في الميزان) من Google Play



اعلان هام من قبل موقع كتابات في الميزان

البحث :





الكتّاب :

الملفات :

مقالات مهمة :



 إنسانية الإمام السيستاني

 بعد إحراجهم بكشف عصيانها وخيانتهم للشعب: المرجعية الدينية العليا تـُحرج الحكومة بمخالفة كلام المعصومين.. والعاصفة تقترب!!!

 كلام موجه الى العقلاء من ابناء شعبي ( 1 )

 حقيقة الادعياء .. متمرجعون وسفراء

 قراءة في خطبة المرجعية : هل اقترب أَجلُ الحكومةِ الحالية؟!

 خطر البترية على بعض اتباع المرجعية قراءة في تاثيرات الادعياء على اتباع العلماء

 إلى دعاة المرجعية العربية العراقية ..مع كل الاحترام

 مهزلة بيان الصرخي حول سوريا

 قراءة في خطبة الجمعة ( 4 / رمضان/ 1437هـ الموافق 10/6/2016 )

 المؤسسة الدينية بين الواقع والافتراء : سلسلة مقالات للشيخ محمد مهدي الاصفي ردا على حسن الكشميري وكتابيه (جولة في دهاليز مظلمة) و(محنة الهروب من الواقع)

 الى الحميداوي ( لانتوقع منكم غير الفتنة )

 السيستاني .. رسالة مهدوية عاجلة

 من عطاء المرجعية العليا

 قراءة في فتوى الدفاع المقدس وتحصين فكر الأمة

 فتوى السيد السيستاني بالجهاد الكفائي وصداها في الصحافة العالمية

 ما هو رأي أستاذ فقهاء النجف وقم المشرّفتَين السيد الخوئي بمن غصب الخلافة ؟

 مواقف شديدة الحساسية/٢ "بانوراما" الحشد..

أحدث مقالات الكتّاب :


مقالات متنوعة :





 لنشر مقالاتكم يمكنكم مراسلتنا على info@kitabat.info

تم تأسيس الموقع بتاريخ 1/4/2010 © محمد البغدادي 

 لا تتحمل الإدارة مسؤولية ما ينشر في الموقع من الناحيتين القانونية والأخلاقية.

  Designed , Hosted & Programmed By : King 4 Host . Net