صفحة الكاتب : د . فائق يونس المنصوري

كيف تساعد تحليلات الجينوم في تتبع انتشار الفيروس التاجي (coronavirus)؟
د . فائق يونس المنصوري

المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الموقع، وإنما تعبر عن رأي الكاتب.

توزيع حالات انتشار الفيروس التاجي الجديد novel coronavirus (hCoV-19) حسب تقرير الحالةرقم-54 الصادر عن منظمة الصحة العالمية يوم 14 March 2020. ويلاحظ فيه وجود ثلاثة بؤر لانتشار الفيروس في الصين وأوروبا وإيران.

  

بعد أن نشر) كريستيان دروستين (، الأستاذ في جامعة شاريتيه في برلين والنائب المنسق في إصابات الامراض الناشئة، تسلسلًا جينيًا للفيروس التاجي الجديد coronavirus على الإنترنت في 28 شباط 2020، أصدر مباشرة تحذيرًا على تويتر. ومع انتشار الفيروس في جميع أنحاء العالم، تمت مشاركة أكثر من 350 تسلسلًا للجينوم* على المنصة العلمية على الإنترنت Data) GISAID (Global Initiative on Sharing All Influenza المبادرة العالمية لمشاركة جميع بيانات الإنفلونزا، وقدموا أدلة عن كيفية انتشار الفيروس المسمى سارس CoV-2، وتطوره. ولكن نظراً لأن التسلسل لا يمثل الا جزءاً صغيراً من الحالات ويُظِهر القليل من الاختلافات الواضحة، لذلك وكما أدرك (دروستين) فانه من السهل الإفراط في تفسير مثل هذه الحالات.

*((الجينوم: في مجالات علم البيولوجيا الجزيئية وعلم الوراثة، هو المادة الوراثية للكائن الحي، ويتكون من (الحامض النووي) DNA. ويشمل كلا من الجينات والحامض النووي غير المشفر، وكذلك الحامض النووي للميتوكوندريا والحامض النووي للبلاستيدات. تسمى دراسته بعلم الجينوم)).

وقد ذكرت عالمة الفيروسات في مستشفى شاريتيه الجامعي في برلين، ان تسلسل الفيروس الذي نشره (دروستين) أُخِذ من مريض ألماني مصاب في إيطاليا. وبدا الجينوم مشابهًا لفيروس تم العثور عليه في مريض في ميونيخ (عاصمة مقاطعة بافاريا الألمانية) قبل أكثر من شهر. وتشارك كلا الفيروسين في ثلاث طفرات لم تتم رؤيتها في التسلسل المبكر لفيروس الصين. فأدرك (دروستين) أن التشابه يمكن أن يشير إلى أن تفشي المرض الإيطالي كان مصنفاً من قبل في بافاريا، والذي قال مسؤولو الصحة العامة في المقاطعة إنهم قاموا بإيقافه عن طريق تتبع وحجر جميع اتصالات الحالات الـ 14 المؤكدة. لكنه اعتقد أنه من المحتمل أن يكون البديل الصيني الذي يحمل الطفرات الثلاث قد اتخذ مسالك مستقلة إلى كلا البلدين (الصين وإيطاليا). لذلك نشر (دروستين) تغريدة يقول فيها ان التسلسل الحديث للجينوم "لا يكفي للادعاء بوجود صلة بين فيروسي ميونيخ وإيطاليا".

وذهب تحذيره ادراج الرياح دون أن يلقي اليه أحد بالاً. ثم بعد بضعة أيام، غرد (تريفور بيدفورد) من قسم اللقاحات والامراض المعدية في مركز فريد هتشنسون لأبحاث السرطان في سياتل (الولايات المتحدة)، الذي حلل سريان الجينوم الفيروسي، بأن نمط الجينوم "يشير" الى أن الفاشية Outbreak في بافاريا لم يتم احتواؤها رغم كل الإجراءات، مما تسببت في انتشار الفاشية (الجائحة) الإيطالية. وقد انتشر هذا التحليل على نطاق واسع على تويتر وفي أماكن أخرى.

ميدان القديس مارك في فينيسيا ويبدو خاليا من المتنزهين والسياح بعد تفشي وباء coronavirus في شمال إيطاليا. PHOTO: REUTERS/MANUEL SILVESTRI

 

وبينما تتفق عالمة الفيروسات (إيفا بروبرج) من المركز الأوروبي للوقاية من الأمراض ومكافحتها مع (دروستين) الا انها تشير الى أن هناك سيناريوهات أكثر منطقية لكيفية وصول المرض إلى شمال إيطاليا أكثر من انتشاره غير المكتشف من بافاريا. واتفق معها علماء آخرين على هذا واعترضوا في نفس الوقت على آراء (بيدفورد)، ومنهم (ريتشارد نيهر)، عالم الأحياء الحسابي Computational biologist بجامعة بازل، الذي يعمل مع بيدفورد في نفس المؤسسة العلمية. بينما يقول (أندرو رامباوت)، عالِم الأحياء التطوري الجزيئي في جامعة إدنبرة عن رأي (بيدفورد): "إنها قصة تحذيرية". "فليس هناك طريقة يمكنك من خلالها تقديم هذا الادعاء من خلال تطور السلالة وحدها فقط." ويعترف (بيدفورد) الآن بتسرعه اذ يقول: "أعتقد أنه كان يجب أن أكون أكثر حذرًا بشأن سلسلة رسائل تويتر تلك." فهي قد كانت دراسة حالة جارية رافقتها مزالق التحليل الاني للجينوم الفيروسي. وتقول (بيتي كوربر)، عالمة الأحياء في مختبر لوس ألاموس الوطني "هذا مرض مهم للغاية اننا بحاجة لنعرف كيفية تحركه وانتشاره. وهي تدرس أيضًا جينوم مربع نص: الموقف بالأرقام لعدد الاصابات بفيروس COVID-19
لغاية يوم السبت 14 March 2020
عالمياً:
 142539 حالة مؤكدة
9769      حالة جديدة
5393     حالة وفاة، منها (438 حالة جديدة)
في الصين:
81021  حالة مؤكدة، منها ( 18 حالة حديدة)
3194    حالة وفاة، منها (14 حالة جديدة)
خارج الصين:
61518   حالة مؤكدة، منها (9751 حالة حديدة)
2199     حالة وفاة، منها (424 حالة جديدة)
135	بلدا او منطقة، منها (13 بلدا جديدا)

تقييم المخاطر حسب منظمة الصحة العالمية
في الصين 		عالية جداً
على المستوى الإقليمي	عالية جداً
على المستوى العالمي	عالية جداً

المصدر: 
تقرير الحالة رقم- 54 لفيروس Coronavirus disease 2019 (COVID-19) ، ليوم 14 March 2020، من موقع. WHO 



سارس- CoV-2 (فيروس متلازمة الالتهاب الرئوي الحاد 2). ولكنما حتى الآن، فإن العلماء الذين يحللون الجينومات Genomes لا يمكنهم الا تقديم "الاقتراحات" فقط.

وأجاب أول تسلسل جيني لسارس - CoV - 2، في أوائل كانون الثاني2020، على السؤال الأساسي حول المرض: ما هو العامل المُمرض pathogen الذي يسببه؟

وكانت الجينومات التي تلت ذلك متطابقة تقريبًا، مما يشير إلى أن الفيروس، الذي نشأ في حيوان، قد انتقل إلى التجمعات البشرية مرة واحدة فقط. وإذا كان قد قفز حاجز الأنواع عدة مرات، فإن حالات الإصابة البشرية الأولى ستظهر تنوعًا أكبر.

وحسبما يذكر (رامباوت) انه قد ظهر بعض التنوع الآن، فعلى امتداد 30.000 زوج قاعدي للجينوم**، يراكم فايروس SARS-CoV-2 ما متوسطه ​​طفرة أو اثنتين شهريًا. وباستخدام هذه التغييرات الصغيرة، يقوم الباحثون برسم الأشجار الوراثية، بصورة مشابهة كثيرا لرسم أشجار العائلة، وينشؤون الروابط فيما بين الحالات، ثم يقيسون فيما إذا كان هناك انتشاراً غير مكتَشف للفيروس.

**((الزوج القاعدي في علم الأحياء الجزيئي عبارة عن زوج من نوكليوتيدين متكاملين موجودين على طرفي سلسلة الحامض النووي منقوص الأكسجين DNA أو الحامض الريبوزي النووي RNA ومرتبطين ببعضهما بآصرة هيدروجينية. ومقارنة مع الأزواج القاعدية للجينوم البشري تحتوي الجينومات البشرية Haploid، الموجودة في الخلايا الجنسية (البويضات وخلايا الأمشاج المنوية التي تنتج في مرحلة الانقسام الاختزالي من التكاثر الجنسي قبل أن يحدث الإخصاب) على ثلاث مليارات من الأزواج القاعدية من الحامض النووي، في حين أن الجينوم ثنائي الصبغة Diploid (الموجود في الخلايا الجسدية) يحتوي على مرتين أكبر من محتوى الحامض النووي في الخلايا الجنسية)).

فعلى سبيل المثال، بدا التسلسل الثاني للجينوم الفيروسي في واشنطن – والذي أُخذ من مراهق تم تشخيصه في 27 شباط 2020- وكأنه سليل مباشر للجينوم الأول، من حالة تم العثور عليها قبل ستة أسابيع. فغرد (بيدفورد) معتبرا أنه "من غير المحتمل إلى حد كبير" أن يأتي الجينومان من مقدمات منفصلة، وقال إن الفيروس كان ينتشر دون أن يتم اكتشافه في ولاية واشنطن. وجاء كلا المريضين من مقاطعة سنوهوميش ، مما جعل هذا الرابط أكثر إقناعًا بكثير من ذلك الذي رسمه (بيدفورد) بين بافاريا وإيطاليا ، ويقول (رامباوت): "من غير المحتمل جدًا أن ينتقل هذا الفيروس المرتبط للغاية إلى نفس المدينة في ولاية واشنطن". وحتى الآن، أبلغت الولاية عن أكثر من 160 حالة، وعززت الجينومات المأخوذة من مرضى إضافيين الرابط الذي اشتبه فيه (بيدفورد).

ومع ذلك، فإن قيمة الجينومات ليست سوى عينة صغيرة من أكثر من 100000 حالة في جميع أنحاء العالم، وهي غير متساوية. ففي 9 آذار 2020، قام علماء صينيون بتحميل 50 سلسلة جينوم جديدة - بعضها جزئيا - من مرضى COVID-19 في مقاطعة غوانغ دونغ. ومعظم العينات السابقة من مقاطعة هوبي. لكنما بشكل عام، فان أقل من نصف الجينومات المنشورة من الصين والتي تمثل 80 ٪ من جميع حالات COVID-19. والتسلسلات من جميع أنحاء العالم لا تزال متشابهة للغاية، مما يجعل استخلاص استنتاجات حازمة أمرًا صعبًا. ويقول (نهر Neher): "مع ظهور الفاشية (الجائحة)، نتوقع رؤية المزيد والمزيد من التنوع والأنماط الأكثر وضوحاً". "وبعد ذلك سيصبح من السهل والأسهل بالفعل تجميع الأشياء".

وسيبحث العلماء أيضًا في التنوع الجينومي بحثاً عن إشارات تدل على أن الفيروس يزداد خطورة. وهناك أيضًا ما يبرر الحذر. وجادل تحليل لـ 103 جينوماً نشره (لو جيان) من جامعة بكين وزملاؤه في 3 آذار 2020 في مجلة National Science Review بأنهم عثروا في أحد نوعين متميزين، يسميان S وL، يتميزان بوجود طفرتين. ونظرًا لأن 70٪ من جينومات SARS-CoV-2 المتسلسلة تنتمي إلى  L، وهو النوع الأحدث، استنتج المؤلفون أن هذا النوع قد تطور ليصبح أكثر عدوانية وأسرع انتشاراً.

صورة برنامج محاكاة انتشار الفيروس التاجي الجديد novel coronavirus (hCoV-19) والتي اعدت من قبل اخصائيو علم الأوبئة الجينومي في مركز فريد هتشنسون لأبحاث السرطان في سياتل بالاعتماد على بيانات GISAD ل497 عينة جينوم للفترة بين كانون الأول 2019-آذار 2020.

 

ويعترض (رامباوت) على نتائج البحث قائلاً، ان "ما قاموا به هو في الأساس رؤية هذين الفرعين ثم ليقولوا إن أحدهما أكبر، (لذا يجب أن يكون الفيروس) أكثر ضراوة أو أكثر قابلية للانتقال". لكنما هناك عوامل أخرى يمكن أن تلعب دورها. فقد يكون "أحد هذه السلالات أكبر من الآخر بالصدفة". بينما طالب بعض الباحثين بسحب هذه الورقة. وكتب أربعة علماء في جامعة غلاسكو على http://virological.org/  "من الواضح أن الادعاءات الواردة في هذه الورقة لا أساس لها من الصحة وأنها تهدد بنشر معلومات خاطئة خطيرة في وقت حرج من تفشي هذا المرض". وردا على ذلك، نشر كاتب الدراسة (لو) أن العلماء الأربعة قد أساءوا فهم دراسته.

وختاماً يقول (دروستن) إن معظم التغيرات الجينومية لا تغير من سلوك الفيروس. والطريقة الوحيدة للتأكد من أن للطفرة تأثيراً هو دراستها في المختبر لإظهار، على سبيل المثال، أنها أصبحت أفضل في اختراق الخلايا أو الانتقال، ولكن حتى الآن، نجا العالم من تلك الأنباء السيئة (سهولة اختراق الخلايا والانتشار بسرعة).

جامعة البصرة/ مركز علوم البحار

البصرة في 14 آذار 2020

المصدر:

Kai Kupferschmidt. Genome analyses help track coronavirus' moves. Science 13 Mar 2020: Vol. 367, Issue 6483, pp. 1176-1177


قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat


د . فائق يونس المنصوري
 (للدخول لصفحة الكاتب إضغط هنا)

    طباعة   ||   أخبر صديقك عن الموضوع   ||   إضافة تعليق   ||   التاريخ : 2020/03/15



كتابة تعليق لموضوع : كيف تساعد تحليلات الجينوم في تتبع انتشار الفيروس التاجي (coronavirus)؟
الإسم * :
بريدك الالكتروني :
نص التعليق * :
 



حمل تطبيق (كتابات في الميزان) من Google Play



اعلان هام من قبل موقع كتابات في الميزان

البحث :





الكتّاب :

الملفات :

مقالات مهمة :



 إنسانية الإمام السيستاني

 بعد إحراجهم بكشف عصيانها وخيانتهم للشعب: المرجعية الدينية العليا تـُحرج الحكومة بمخالفة كلام المعصومين.. والعاصفة تقترب!!!

 كلام موجه الى العقلاء من ابناء شعبي ( 1 )

 حقيقة الادعياء .. متمرجعون وسفراء

 قراءة في خطبة المرجعية : هل اقترب أَجلُ الحكومةِ الحالية؟!

 خطر البترية على بعض اتباع المرجعية قراءة في تاثيرات الادعياء على اتباع العلماء

 إلى دعاة المرجعية العربية العراقية ..مع كل الاحترام

 مهزلة بيان الصرخي حول سوريا

 قراءة في خطبة الجمعة ( 4 / رمضان/ 1437هـ الموافق 10/6/2016 )

 المؤسسة الدينية بين الواقع والافتراء : سلسلة مقالات للشيخ محمد مهدي الاصفي ردا على حسن الكشميري وكتابيه (جولة في دهاليز مظلمة) و(محنة الهروب من الواقع)

 الى الحميداوي ( لانتوقع منكم غير الفتنة )

 السيستاني .. رسالة مهدوية عاجلة

 من عطاء المرجعية العليا

 قراءة في فتوى الدفاع المقدس وتحصين فكر الأمة

 فتوى السيد السيستاني بالجهاد الكفائي وصداها في الصحافة العالمية

 ما هو رأي أستاذ فقهاء النجف وقم المشرّفتَين السيد الخوئي بمن غصب الخلافة ؟

 مواقف شديدة الحساسية/٢ "بانوراما" الحشد..

أحدث مقالات الكتّاب :


مقالات متنوعة :





 لنشر مقالاتكم يمكنكم مراسلتنا على info@kitabat.info

تم تأسيس الموقع بتاريخ 1/4/2010 © محمد البغدادي 

 لا تتحمل الإدارة مسؤولية ما ينشر في الموقع من الناحيتين القانونية والأخلاقية.

  Designed , Hosted & Programmed By : King 4 Host . Net