صفحة الكاتب : د . جعفر عبد المهدي صاحب

عرض كتاب الدكتور عبد الحميد الصائح ( دور الإعلام في تشكيل الرأي العام، حدود الحرية والمسؤولية)
د . جعفر عبد المهدي صاحب

خلال وجودنا في لندن، في سبتمبر الماضي، أهدى لنا الدكتور عبد الحميد الصائح كتابه الموسوم (الإعلام وتشكيل الرأي العام، حدود الحرية والمسؤولية) الدار العربية للعلوم ناشرون. ولأن مادة الكتاب تقع ضمن دائرة اهتمامنا الشخصي، إذ قمنا بتدريس مادة الرأي العام طيلة أكثرمن عقدين من الزمن في أقسام العلوم السياسية في العديد من الجامعات الليبية، لذا فتحت شهيتنا لإلتهام مادة الكتاب، ونلخص قراءتنا في كتابة عرض له.

يضم الكتاب 344 صفحة موزعة على مقدمة، إضافة الى ثلاثة فصول، الفصل الأول ( الإعلام والرأي العام، الإطار النظري) والفصل الثاني ( دور الإعلام في تشكيل الرأي العام) والفصل الثالث (الإعلام العربي والفضاء الإعلامي الجديد) والحقت في نهاية الكتاب أربعة ملاحق مهمة لموضوع الدراسة.

قرأنا الكتاب قراءة متأنية ومركزة وباشتياق باحث أكاديمي يرغب في استمرار تغذية رصيده المعرفي التخصصي، ضمن حقل العلوم السياسية، فوجدنا فيه زاداً علمياً ذا قيمة أكاديمية مرموقة دفعتنا أن نوصي زملائنا رؤساء أقسام العلوم السياسية وأقسام الصحافة والإعلام في مختلف جامعاتنا العربية أن يعتمد هذا العمل ككتاب منهجي أو مرجعي في تلك الأقسام.

رغم قراءتنا لجميع صفحات الكتاب إلا إننا سوف نستعرض بالتفصيل الفصل الأول منه على اعتبار أن (الإطار النظري) هو بارومتر قياس قيمة الكتاب من الناحية الأكاديمية الصرفة. وسوف نستأنف عرض بقية الفصلين مستقبلاً إذا توفر الوقت اللازم واستقرت حالتنا الصحية، ولكننا نعيد القول بأن استعراض الفصل الأول هو الأهم بالنسبة لنا وللقاريء المتخصص والقاريء العادي الذي يود أن يستطلع مادة الكتاب.

يتناول المؤلف في مقدمة الكتاب مشكلة البحث وأهداف البحث ومنهجيته المعتمدة وحدوده وأهميته ثم يعرج على تقديم خطة دراسته.

وفيما يتعلق بمشكلة البحث، يوجزها الدكتور الصائح، في أنها تكمن في دراسة وتحليل موضوعات تأثير الإعلام في تشكيل الرأي العام والتي يمكن إيجازها في السؤال المحوري التالي: كيف يمكن دراسة وتحليل موضوعات تأثير الرأي العام في تشكيل الرأي العام؟. وهناك أسئلة فرعية تتفرع من السؤال المحوري المذكور آنفاً، (ص 19) وهي خمسة:

1- ما هو متغير التأثير والاستجابة في صناعة الرأي العام؟

2- ما دور الإعلام من متغير التأثير والاستجابة في صناعة الرأي العام؟

3- ما هو الاختلاف الحاصل في عناصر العملية الإعلامية كالمرسل والمستقبل وقناة التوصيل والرسالة، في ظل متغيرات الإعلام الجديد؟

4- كيف يواجه الرأي العام والإعلام معاً التحديات التي يشهدها العالم العربي؟

5- هل يمكن للإعلام العربي التعامل مع التحديات التي تواجه المجتمعات العربية بحيادية وموضوعية وفق المعايير الدولية ومواثيق الشرف الإعلامي؟

أما أهداف البحث فقد حددها الباحث بسبعة أهداف:

  1. تتبع مستجدات وقدرات العملية الإعلامية.
  2. تشخيص قدرة الإعلام العربي على استعادة قوته.
  3. طرق قياس التقارب بين أخلاقيات العمل الإعلامي مقابل قيم الرأي العام.
  4. انعكاس الواقع السياسي العربي على الإعلام العربي ومشكلاته (سيطرة رأس المال، اللاواقعية، التسييس).
  5. دور الفضائيات والقوانين المنظمة التي تجعل الإعلام يسهم بشكل أساسي في تشكيل الرأي العام.
  6. بيان العلافة بين الجمهور والرسالة الإعلامية وتأثيرها على صناع القرار السياسي.
  7. دراسة ظلال ما يسمى بالربيع العربي على علاقة الرأي العام. (ص 20).

وحدد الباحث منهجية بحثه في استخدامه المنهج الوصفي التحليلي جنباً الى جنب مع المنهج التاريخي. وفي تناوله دراسة الفضائيات العربية فقد استخدم منهج دراسة الحالة. (ص 20).

وأشار الدكتور الصايح الى حدود الدراسة الزمانية للفترة من 2011 حتى 2016. أما الحدود المكانية تصبح واضحة من خلال دراسة عينات المواقف الإعلامية العربية وتحديداً قضايا ما يسمى بالربيع العربي والإرهاب والعلاقات العربية الدولية.

الفصل الأول: وهو الفصل التمهيدي ينقسم الى مبحثين يتبع كل مبحث أربعة مطالب. خصص المبحث الأول للتعريف بالإعلام وماهية الإعلام، وتصنيفه حسب وسيلة الاتصال، أو حسب موضوعه وأسلوب تقديمه. ثم ينتقل المؤلف الى عناصر تكوين العمل الإعلامي ثم يعرج على أهداف تنظيم العمل الإعلامي. (ص 25-62).

أما المبحث الثاني فقد تناول مفهوم الرأي العام من خلال تعريفه وتصنيفه وعناصره وخصائصه وطريقة تكوينه ووظائفه وقياسه. (ص63-89).

وسوف نستعرض الآن مفردات الفصل الأول، ونبدأ في تناول الدكتور عبد الحميد الصائح لتعريف الإعلام حيث تطرق الى الدلالة اللغوية لهذه المفردة ومرادفاتها مثل وسائل الاتصال Communication ومشتقات الفعل (علم) . وأخيراً ينتهي المؤلف الى القول بأن " كثرة التعريفات الاصطلاحية لا تبعد جميعها عن كون الإعلام معلومات تعمل على مساعدة الأفراد والجماعات من خلال الاتصال والتفاعل الذي يتم بينهم".

ويبدو أن المؤلف قد تبنى تعريف الإعلام من خلال دوره التنويري " ويقصد به الأخبار عن أي مضمون يعمل على تنوير المستقبلين ورفع الغشاوة عن أعينهم ومساعدتهم على صناعة القرار المناسب".

ونلاحظ من خلال التعريفين المذكورين أن المفردات "المفتاحية" المشتركة فيهما (معلومات، أخبار) وجذرهما متقارب (علم و أخبر) ووحدة الهدف (مساعدة، تنوير)، في حين أن التعريف الثاني خص صناع القرار تحديداً دون الجمهورمن المستقبلين. ولكن المؤلف يعود الي كلمة الإعلام ويحدد معناها بأنها "تدل على الوسائل نفسها حيث تقفز الى مخيلنتا الوسائل المسموعة والمرئية كما تقفز الوسائل المطبوعة عن استخدامنا الصحافة". (ص 27).

ويستشهد المؤلف بقول الدكتور سامي ذيبان بأن الإعلام" عبارة عن عملية تبدأ بالحصول على مجموعة من المعلومات المهمة وصياغتها على شكل خبر صحفي، وتمر بمرحلة النقل والتعاطي والتحرير، ومن ثم النشروالإطلاق عبر الوكالة أو الإذاعة او الصحيفة وغيرها". (ص27). ومن هذا التعريف يستنبط الدكتور الصائح بأن المقصود بالإعلام هنا جميع الوسائل من صحف ومجلات وإذاعة وتلفزيزن. وبحكم دورها في المجتمع من خلال التوثيق فأنه يعد مصدراً من مصادر التاريخ.

وقد راق لنا شخصياً تعريف مكثف جامع ومانع عندما قال الدكتور عبد الحميد الصائح بأن الإعلام هو ( التأثير عبر المعلومة)، (ص28). وفي حياتنا الأكاديمية غالباً ما شددنا على ضرورة أن يكون التعريف بعيداً عن الترهل والتوسع وجامعاً مانعاً بنفس الوقت. فمثلاً كنا ميالين لتعريف علم الاقتصاد بكلمة واحدة هو (علم الندرة)، وفي أحد المؤتمرات الدولية الأكاديمية قمنا بتعريف العولمة تعريفاً مختصراً بأنها ( صورة العالم كما يحلو أن يراها صانع القرار الأمريكي) وقد تبنى المؤتمر هذا ACIANAYnBjMGIgAgACAAKAY5Bi8GIAAqBjAGKAYwBigGIABDBigGSgYxBiAARQZGBiAAMQAwACAA RQZCBicGOQYvBiAAJwZEBkkGIAA5ACAARQZCBicGOQYvBgwGIAAPIEgGJwZEBkIGJwYmBkUGKQYg ACcGRAZFBjQGKgYxBkMGKQYgACAAKwYoBioGKgYgACMGLgZKBjEGSwYnBiAAOQZEBkkGIAAxADUA IABFBkIGOQYvBksGJwYgAEQGKgZDBkgGRgYgACcGRAZCBkgGUQYpBiAAJwZEBisGJwZEBisGKQYg AEEGSgYgACcGRAZDBkYGSgYzBioGDAYgACgGMgZKBicGLwYpBiAANQAwACAADyBBBkoGIAAnBkQG RQYnBiYGKQYgACAAQQZKBiAAJwZEBioGRQYrBkoGRAYgACcGRAYoBjEGRAZFBicGRgZKBiAARQZC BicGMQZGBikGIAAoBicGRgYqBi4GJwYoBicGKgYgACcGRAZDBkYGSgYzBioGIAAnBkQGQAYgADIA MQAgACgANAZHBjEGIABGBkoGMwYnBkYGKQAuAA8gDQBIBisGKAYqBioGIABDBjAGRAZDBiAAIwYt BjIGJwYoBiAAJwZEBkoGRQZKBkYGIAA5BkQGSQYgAC0GJwZEBkcGJwYgAEUGKwZEBjoAIAAqBi0G JwZEBkEGIAAjBi0GMgYnBigGIAAnBkQGSgZFBkYGIAAnBkQGRQYqBjcGMQZBBiAAIgBKBkUGSgZG BicGIgAgADYAIAAPIEUGQgYnBjkGLwYuACAAIgBKBkcGLwZIBioGIABHBioGSAYxBicGRwYiACAA NwAgAEUGQgYnBjkGLwYMBiAASAYiAEoGMwYxBicGJgZKBkQGIAAoBkoGKgZGBkgGIgAgADcAIABF BkIGJwY5Bi8GDAYgAEgGQwYwBkQGQwYgACoGLQYnBkQGQQYgACIAJwZEBjkGRQZEBiAALQAgAA8g OgZKBjQGSgYxBi0AIABFBkoGMQYqBjMGIgAgACoGSAZCBkEGIAA5BkYGLwYgACcGRAZABiAANwAg AEUGQgYnBjkGLwYuAA8gDQBIBigGRwYwBicGIABBBjQGRAYgAEYGKgZGBkoGJwZHBkgGIABBBkoG IAAqBi0GQgZKBkIGIAA5Bi8GLwYgAEMGJwZBBk0GIABFBkYGIAAnBkQGRQZCBicGOQYvBiAARAYq BjQGQwZKBkQGIAAtBkMGSAZFBikGIAAsBi8GSgYvBikGDAYgAEEGRwZIBiAASgYtBioGJwYsBiAA JwZEBkkGIAAPIA8gMwAgAEUGQgYnBjkGLwYgACMGLgYxBkkGIABEBkoGLQZCBkIGIAA5Bi8GLwYg ACcGRAZFBkIGJwY5Bi8GIAAnBkQGRQY3BkQGSAYoBiAARAYqBjQGQwZKBkQGIAAnBkQGLQZDBkgG RQYpBiAAKAA1ADgAIABFBkIGOQYvBksGJwYpAAwGIABIBkQGJwYtBkIGSwYnBiAAMwZKBioGRQYg AA8gQQYxBjIGIAAjBjUGSAYnBioGIAAnBkQGNQZGBicGLwZKBkIGIAAnBkQGRQY5BjIGSAZEBikG IAAoAEEGSgYxBkgGMwYgAEMGSAYxBkgGRgYnBikAIABIBioGQgYvBjEGIAAoBigGNgY5BikGIAAi BkQD9وسيلة والنتائج التي يحددها نوع الوسيلة، وهدف الرسالة، ووعلاقة المرسل بالمستقبل وبيان أثر المحتوى في نهاية الأمر. (ص29).

وتحت عنوان تصانيف الإعلام يبدأ المطلب الثاني من المبحث الأول إذ صنّف المؤلف الإعلام الى:

التصنيف حسب وسيلة الإتصال ويشمل خمسة أنواع ( الإعلام الذاتي ، الإعلام الشخصي، الإعلام الجماعي، الإعلام الجماهيري، الإعلام الاداري)، (30-34). لنتوقف عند النوع الخامس وهو الإعلام الإداري، أي الاجراءات التي تنتقل بها خطوات اتخاذ القرار من موظف الى موظف آخر في المؤسسة. أما طبيعة التنظيم الاداري داخل المؤسسة الإعلامية، فهناك ثلاث نظريات مؤثرة,هي:

1- النظرية التقليدية: تقوم هذه النظرية بتوزيع الأدوار في العمل وبموجب التخصص الدقيق مع وضوح مركزية السلطة ضمن هرم الهيكل التنظيمي المعتمد. ويؤخذ على هذه النظرية بأنها تتجاهل الموقف الإنساني في السيطرة والتوجيه والتهديد بالعقوبات، ولا تميل الى مشاركة الفئة الدنيا من العاملين ضمن طاقم اتخاذ القرار(ص34).

2- النظرية الإنسانية: وهي تقابل بالضد النظرية السابقة التي تنظر الى العاملين في المؤسسة بأنهم يكرهون العمل ولا يتحملون المسؤولية، في حين ترى النظرية الإنسانية عكس ذلك، فحين يتم الاهتمام بالعامل وتحسين ظروف عمله والاهتمام بسعادته، لك يجعله محباً لعمله، وسيؤثر إيجاباً على الدافعية في الأداء نحو الأحسن. ونود أن نضيف الى ما ذكره المؤلف بخصوص هاتين النظريتين، فنرى إنهما يستمدان أسسهما من نظرية العقد الاجتماعي بخصوص طبيعة الفطرة الإنسانية، إذ يرى بعض فلاسفة العقد الاجتماعي بأن الإنسان شرير بالفطرة كما يعتقد توماس هوبز، في حين يرى جان جاك روسو العكس،عندما أقر بأن الإنسان خيّر بالفطرة.

3- نظرية الاحتمالات: وحسب قراءتنا، لما كتبه الدكتور الصائح ، يمكن أن نطلق على هذه النظرية تسمية النظرية التوافقية، التي تجمع بين محتوى النظريتين التقليدية والإنسانية. حيث جاء بأن هذه النظرية ترى لكل عمل مناخاً يرتبط بأهدافه وبنائه الهيكلي ونوع العاملين فيه. فالنطام المناسب هو ما يتوافق مع طبيعة العمل واحتياجات العاملين المشاركين. (ص35).

تصنيف الإعلام حسب موضوعه وأسلوب تقديمه، وينقسم الى سبعة أنواع هي (ص 35-47):

أولاً- إعلام العلاقات العامة: يتناول المؤلف ثلاثة تعريفات للعلاقات العامة، الأول تعريف قاموس وبستر (Websters New Collegiate Dictionary). والثاني تعريف (ميلتون فريدمان Milton Freidman) والثالث الذي قال عنه المؤلف أنه من أشمل التعريفات وهو الذي قدمه عالم الاجتماع المتمرس ريكس هارل (Rex Harl) الذي يذكر فيه بأن " العلاقات العامة هي وظيفة إدارية مميزة تساعد في تأسيس خطوط اتصال وتعاون متبادل والمحافظة عليها بين المؤسسة وجمهورها وتشمل كذلك إدارة المشاكل والقضايا، وتساعد الإدارة على أن تظل دائماً على معرفة بالرأي العام والاستجابة له ". ومع تزايد الاهتمام بالرأي العام ظهرت أهمية التوجه نحو تكوين آراء عامة في الوسط الجماهيري، وأصبحت أي مؤسسة انتاجية أو خدمية تسعى لمعرفة الرأي العام بها وكيف تؤثر بجمهورها لمصلحة المؤسسة ذاتها.

ثانياً- الإعلام السياسي: يرجع المؤلف علاقة الإعلام بالسياسة الى القرن الرابع قبل الميلاد ( عصر المدرسة السوفسطائية) وهي تلك الجمهرة من المعلمين الذين كان هدفهم تعليم الناس فن الجدل كي يناقشوا أمورهم في الجمعية العامة للمدينة. وأخذ مفهوم الإعلام السياسي يتطور بالتدريج عبر العصور الى أن وصل الى مراحل متقدمة بعد الحرب العالمية الثانية.

ثالثاً- الإعلام الدعائي: ينتهي، سرد عدة تعاريف للدعاية، بتعريف (توينس) الذي يرى الدعاية ( Propaganda)بـانها " إثارة الرأي العام على نطاق واسع بغرض نشر الأفكار دون الاعتبار لصدقها أو دقتها). وهنا تظهر مكيافيلية الإعلام الدعائي لعدم دقة المعلومة التي تبلور مادة الدعاية، وهذا يعني ارتباطها بالأكاذيب واستخدام الاستمالات العاطفية، وتجاهل المنطق والعلم. ومنذ النصف الثاني من القرن العشرين أصسحت الدعاية مبنية على مجموعة من القوانين الدقيقة والمحددات الصارمة التي جرى اختبارها حتى لا تفقد قوتها وفعاليتها وتأثيرها في ظل العولمة وثورة الاتصالات العالمية. وتنقسم الدعاية (من حيث المضمون والأسلوب والمصدر) الى دعاية سوداء ودعاية بيضاء ودعاية رمادية. والدعاية (من حيث الموضوع) فتنقسم الى دعاية تجارية ودعاية أخلاقية ودعاية سياسية. ويقصر بعض الكتاب مفهوم الدعاية على الدعاية السياسية فقط، أما الشكل التجاري فيسمى إعلان، أما الشكل الأخلاقي أو الإجتماعي أو الديني رسالة أو تبشير.

رابعاً- الإعلام التعليمي: تطرق المؤلف الى تعريف التربية والتعليم، وقارن بينهما وبين الدعاية من حيث الهدف، وخلص الى نتيجة مفادها أن التربية تهدف الى نقل التراث الاجتماعي عبر الأجيال، أي نتمية شخصية المواطن وخلقه واستقلاليته في الرأي، في حين تهدف الدعاية الى تضييق خيارات الرأي وتغريرهم لاتخاذ موقف سريع. ويرى البعض أن التمييز الأساسي بين التعليم والدعاية ينبغي أن يكون في أسلوب العمل لامن حيث الهدف.فالتعليم عمل عميق وطويل الأجل أما الدعاية فإنها عمل سطحي ويرتبط بظروف طارئة. ومهما يكن الأمر فأن الإعلام التربوي الناجح لابد أن يستند على العناصرالإعلامية الأساسية وهي المرسل (الأستاذ) والرسالة (مادة التدريس) والمستقبل (الجمهور) والقناة (الأداة المستخدمة في نشر الرسالة).

خامساً- الإعلام الإخباري: وهو الإعلام الذي لا يهدف الى التأثير على خيارات المستقبل. وهذا ما يميزه، من حيث الهدف، عن الإعلام التربوي والإعلام الدعائي. وهنا يتحدث المؤلف بما ينبغي أن يكون، ولكنه يعرج مستدركاً بقوله بأن الواقع العملي للإعلام الأخباري يختلف عما كان في السابق، فنظراً لتشابك المصالح أصبح الخبر لايخلو من التزييف والتلفيق والتدليس، وخصوصا إذا كان مرتبطاً بالجوانب الأسياسية والاقتصادية. ويعدد الدكتور الصائح سمات الإعلام الإخباري:

- أن يكون هدفه تزويد المتلقي بالمعلومة الصحيحة دون قصد التأثير على خياراته.

- أن تنقل المعلومات بموضوعية دون تدخل.

- أن لا تكون صياغة المعلومة بشكل يؤدي الى معنى يفسد حيادية نقل الخبر.

- أن تكون المعلومة صحيحة كاملة غير مبتورة أو محرفة.

- أن يتجنب المرسل العبارت الموحية لترك انطباع سلبي أو إيجابي.

- أن يبتعد عن التعليق على المعلومة.

- أن يتم التحري عن المعلومة وذكر الأسماء والتواريخ.

- أن يتم نقل كل جوانب الحدث، لتكون بحوزة الأطراف المشتركة.

- أن يصاغ الخبر ببساطة يتيح للجميع فهمه.

- أن يكون الخبر لايوحي الى تورية ضبابية أمام المتلقي.

- أن يكون الحرص على إكتمال الخبر لكونه صالحاً للإجابة على أكبر قدر من الأسئلة مثل، من؟ ماذا؟ متى؟ أين؟ لماذا؟ كيف؟

ويعود المؤلف ليؤكد بأن عالم اليوم الذي تتشابك فيه المصالح يجعلنا أن نقول بأن وسائل الإعلام الإخبارية أصبحت أفرب الى الإعلام الدعائي.

سادساً- الإعلام التنموي: وهو الإعلام الذي يعمل على المعرفة والوعي الذي يؤدي الى خلق الظروف الاجتماعية والثقافية والنفسية والتي تجعل الجمهور مستجيباً للخطط والبرامج التنوية. ومن أسباب ظهور الإعلام التنموي، الفجوة الاقتصادية والثقافية والاجتماعية التي ظهرت بعد الحرب العالمية الثانية، التنافس بين القطبين في مرحلة الحرب الباردة، التراكم العلمي وظهور مراكز البحوث الإعلامية المتخصصة واسهامها في التغيير الإيجابي التنموي في كافة المجالات. وهنا نحن نضيف الدور الهائل للمكتب الإعلامي التابع لمنظمة الأمم المتحدة الذي أعطى أهمية قصوى لموضوع التنمية البشرية، ومن بين وسائل إعلامه التنموي العديدة، إصدار تقرير التنمية البشرية سنوياً منذ عام 1990. وتحت عناوين فرعية يتطرق فيها المؤلف الى استراتيجية الإعلام التنموي والتنمية السياسية والإصلاح السياسي والإصلاح والتحديث.

سابعاً- الإعلام الدولي: وهو وسيلة من الوسائل المتعدده للسياسة الخارجية لدولة ما، والذي يهدف الى تحقيق مصلحتها الوطنية قبل كل شيء. أو هو تزويد الجماهير في الدول الأخرى بالمعلومات الصحيحة لغرض إقناعهم بعدالة قضاياها، لكي تتبنى تلك جماهير، في الدول الأخرى، مواقف تلك الدولة، أي بهدف خلق صورة إيجابية خارج حدودها الإقليمية، وإقناع الرأي العام العالمي بسلامة موقفها إزاء القضايا الدولية. أن التعدد في تحديد مفهوم الإعلام الدولي أدى الى حيرة بعض الباحثين بسبب بعض الصعوبات التي دونها الدكتور عبد الحميد الصائح وهي:

- تداخل الإعلام بالدعاية الدولية.

- التداخل بين الإعلام وسائل الاتصال الحديثة.

- تقلص الفروق بين الإعلام الدولي والمحلي نتيجة الترابط بين بين الإعلام ووسائل الاتصال والمعلوماتية وذلك بفضل التطور التكنولوجيا.

- الإعلام الدولي هو حقل باحثين من مختلف التخصصات مما يؤدي الى نتائج متعددة حول المفهوم موضوع البحث.

أما سمات الإعلام الدولي فهي:

- تلجأ الدولة الى نشرالمعلومات التي تحسن صورتها خارج حدودها الإقليمية. (ص48).

- تنحو الدولة لتفسير مواقفها إزاء المشكلات الدولية لتؤكد على سلامة تلك المواقف.

- التصدي للدعاية المضادة للدولة خارج أراضيها.

وأخيراً يذكر المؤلف عوامل نجاح أو اإخفاق الإعلام الدولي لدولة ما،(ص48-49) وهي:

- التخطيط العلمي المنظم.

- ضرورة التناغم التام بين الإعلام الدولي وماكنة صنع السياسة الخارجية.

- أن يتحرر الإعلام من لغة العواطف باتجاه لغة المصالح الكفيلة بخلق علاقة المنفعة وأدوات الارتباط بالمصالح.

- ضرورة الاندماج والتنسيق الكامل بين الإعلام الخارجي والمجالات الداعمة الأخرى مثل: عملية التبادل الثقافي والسياسة السياحية والانتاج الحضاري وسياسة المعونات الاقتصادية وتقديم المعونات الفنية.

 

تصنيف الإعلام حسب الملكية:

ملكية الدولة: وهي ثلاثة أنماط، (ص49-51) الأول ملكية الدولة وسيطرة الحكومة مباشرة على وسائل الإعلام إدارة ووتعيناً وتحديداً للسياسة التحريرية، كما هو في الصين الشعبية. النمط الثاني الملكية غير المباشرة، حيث تكون ملكيتها لهيئة غير حكومية ، تتدخل الدولة بشكل غير مباشر في اختيار اعضاء الهيئة ورسم سياسة المؤسسة وتعيين الإدارة العليا. والنمط الثالث هو نمط الخدمة العامة إذ تكون الملكية للدولة ولكن المؤسسة مستقلة عن النظام السياسي، مثل اليبي سي BBC البريطانية.

الملكية الخاصة: ويشمل هذا النمط عدة أنواع منها، ملكية الأفراد، والملكية الحزبية، وملكية العاملين في الإعلام ، والملكية التعاونية.

وينتقل المؤلف الى المطلب الثالث الذي يتضمن العناوين التالية: عناصر تكوين العمل الإعلامي، وهي المرسل والمستقبل والرسالة وقناة التوصيل. وعنوان أخير حول ردود الفعل على الرسالة (رجع الصدى)، (ص52-55).

- المرسل: قد يكون المرسل فرداً أو أكثر أو شركات. تتكون الفكرة في ذهن المرسل ويتم تحويل تلك الفكرة الى رموز، كأن تكون كلمات أو صور أو أشارات أو غيرها، واختيار الصياغة التي تسهل على المتلقي فهم الفكرة الدائرة في ذهن المرسل ببساطة وبدون تعقيد.

- الرسالة: وهي الفكرة المصاغة على شكل رموز والتي تحتوي على مضامين فكرة المرسل. وتعتمد فاعلية الرسالة على تحكم المرسل في حجمها، والابتعاد عن التعقيد.

- قناة التوصيل: وهي الأداة التي يتم من خلالها إرسال الرسائل من المرسل الى جمهور المستقبلين، سواء كانت صحفاً أو مجلات أو إذاعات أو تلفزة أو اتصالاً مباشراً عن طريق الخطب والمحاضرات والمطبوعات والمنشورات أو يكون اتصالاً وجهاً لوجه.

المستقبل يستلم الرسالة من قناة التوصيل فتصطدم بحواسه الخمسة، وتقوم أحد تلك الحواس استلهام الرسالة وتحويلها من رموز الى معان، عندها يدرك المستقبل المضامين التي رغب المرسل من ايصالها إليه.

- رد الفعل على الرسالة: ويطلق عليه رجع الصدى، وبه تكتمل دائرة الاتصال وبهذه الحالة يصبح المستقبل مرسلاً، لذا يطلق عليها البعض بالتغذية العكسية. وهناك نوعان من الاستجابة، وهي الاستجابة العلنية والاستجابة المستترة. الأولى واضحة وعامة أما الثانية يصعب اكتشافها وهي استجابة خاصة.

المطلب الرابع: أهداف تنظيم العمل الإعلامي

هناك عدة نظريات رسمت معالم تلك الأهداف، وأبرزها:

نظرية السلطة (Authoritartian Theory): وهي تسبق، من الناحية التاريخية، كل النظريات الخاصة بالإعلام الحديث ( ص 56). وجوهر هذه النظرية أن الحاكم أسمى من الشعب، وأن الشعب في خدمة الحاكم، ويحق له هو وحده دون غيره في تحديد المعلومات التي تذهب للشعب. وظهرت هذه النظرية في إنجلترا في القرن السادس عشر وهي تعتمد على نظريات أفلاطون ومكيافللي ، التي تعتقد بأن الشعب غير مؤهل لتحمل المسؤولية فهي ملك الحاكم حصراً. ومن خصائص هذه النظرية بأن الشخص الذي يعمل في الإعلام يعد عمله امتيازاً منحته إياه السلطة الحاكمة، وعليه الالتزام أمام السلطة لا أمام الشعب. وقد استمر تطبيق هذه النظرية قرنين كاملين حتى قيام الثورة الفرنسية عام 1789.

نظرية الحرية (Freedom Theory): وترتبط هذه النظرية بالنظام الديموقراطي، ينص فحواها، أن من حق الفرد أن يطلع على الحقيقة، ويهتم بمعرفتها، دون تدخل السلطة الحاكمة، وأن تبقى الدولة في حدود وظيفتها الأساسية وهي حراسة القانون العام وأن توفر للشعب الأمن الداخلي والخارجي، وتنفيذ إرادة الشعب حسب خياراته. ومعلوم أن النظرية الليبرالية تستند على مبدأ حرية الفرد (دعه يعمل دعه يمر). وبذلك يكون الفرد حراً بنشر ما يعتقد عبر وسائل الإعلام . وترفض هذه النظرية الرقابة على وسائل الإعلام. وعلى العكس من ذلك فأن وسائل الإعلام المختلفة هي التي تقوم بمراقبة السلطة الحاكمة وأصحاب النفوذ في المجتمع.(ص57)

نظرية المسؤولية الاجتماعية ( Social Responsibillity Teory): ظهرت هذه النظرية بعد الحرب العالمية الثانية في الولايات المتحدة الأمريكية كرد فعل على النظرية الفردية وسوء استخدام مفهوم حرية الفرد على حساب مصلحة المجتمع، حيث أصبح هدف الإعلام صناعة تهدف الى الربح فقط. ويرى أصحاب هذه النظرية بأن من واجب وسائل الإعلام تنوير الرأي العام من جهة ومراقبة الحكومة من جهة أخرى، والى التوازن مابين مصلحة الفرد ومصلحة المجتمع عبر مقولة (حريتك تنتهي حين تبدأ حقوق الآخرين). فالحرية حق وواجب ومسؤلية لذا على وسائل الإعلام أن تضع معايير مهنية للقيام بعملها مثل الصدق والموضوعية والدقة. وأن تكون وسائل الإعلام تعددية ليتم طرح أكبر عدد من وجهات النظرفي المواضيع التي تهم مصلحة المجتع.(58-60).

النظرية الاشتراكية (Socialisim Theory): تستند الماركسية في نظريتها الشاملة الى المادية الجدلية والمادية التاريخية. فالمادية الجدلية (الديالكتيك) تشمل حركة الكون برمته، أما االمادية التاريخية، ترتبط بالكائن البشري وحركة الديالكتيك البشري. فالمادة وحدها تجسد الوجود الموضوعي الحقيقي أما الفكر فلا يوجد وجود موضوعي فهومجرد انعكاس لحركة المادة. أي أن المادية التاريخية هي منهج تطبيق المادية الجدلية على التاريخ. أن البنية الفوقية (الفن والفلسفة والأخلاق والنظم السياسية) مجرد انعكاس للتطور الجدلي للبنية التحتية (نمط الانتاج الذي يضم النقيضين الطبقة التي تملك وسائل الإنتاج والطبقة التي تملك قوة العمل) وهنا يظهر مفهوم الصراع الطبقي بين أدوات الإنتاج وعلاقات الإنتاج.. والصراع الطبقي يؤدي الى التطور عبر التاريخ، من مرحلة الشيوعية البدائية (المشاعية) ثم العبودية (ملاك العبيد والعبيد) ثم الاقطاعية ( الإقطاع والفلاحين) ثم الرأسمالية (البرجوازية والبروليتاريا) الاشتراكية (الملكية العامة لوسائل الإنتاج، وعلاقات الإنتاج يعبر عنها اقتصادياً: كل حسب طاقته، كل حسب عمله) ) ثم مرحلة الشيوعية ( ويعبر عنها اقتصادياً كل حسب طاقته، كل حسب حاجته). وعندما تمتلك البروليتاريا السلطة في ظل الاشتراكية فإنها تكون مجدة في الاحتفاظ بالسلطة والقوة، ولتحقيق هذا الهدف فلابد أن تسيطر على وسائل الانتاج الفكري وفي مقدمتها الإعلام.(60-61).

النظرية التنموية ( Development Theory): ظهرت هذه النظرية في منتصف القرن الماضي، تخص البلدان النامية التي تهدف الى بلورة نموذج إعلامي خاص بها يختلف عن النموذج الغربي وذلك لاختلاف ظروفها وامكانياتها المادية وأوضاعها الاجتماعية ومهاراتها الفنية ووالجمهور المتاح. وأبرز سمات هذه النظرية انها تعارض سياسة التبعية والهيمنة الخارجية، وتشدد على مفهوم السيادة القومية والخصوصية الثقافية للمجتمعات. ويشير الدكتور الصائح الى ملخص افكار هذه النظرية:

- يجب على وسائل الإعلام تنفيذ المهام التنموية وبما ينسجم مع السياسة الوطنية القائمة.

- تقييد حرية الإعلام بالقدر الذي يضمن أولوية الأهداف التنموية.

- يجب أن يكون محتوى إنتاج وسائل الإعلام ينصب على الثقافة الوطنية واللغة الوطنية.

- وسائل الإعلام مدعوة لأعطاء الاولوية بما تقدمه من أفكار للدول النامية الأخرى القريبة جغرافياً وسياسياً وثقافياً.

- للدولة الحق في استخدام الرقابة على وسائل الإعلام خدمة للأهداف التنموية.(ص61-62).

نظرية المشاركة الديمقراطية (Democracy Participatory Theory): ظهرت هذه النظرية كرد فعل مزدوج، إزاء الطابع التجاري والإحتكاري لوسائل الإعلام المملوكة ملكية خاصة من جهة، ومن جهة أخرى كرد فعل على نظرية المسؤولية الاجتماعية (ص62-64). ويلخص المؤلف الإفكار التي تقوم عليها هذه النظرية بما يلي:

- للمواطن، الفرد والجماعات والأقليات حق الوصول الى وسائل الإعلام واستخدامها.

- ينبغي عدم خضوع وسائل الإعلام لسيطرة الدولة المركزية.

- إن سبب وجود وسائل الإعلام أصلاً هو لخدمة الجمهور من أجل المنظمات التي تصدرها.

- إن الجماعات والمنظمات والتجمعات المحلية ينبغي أن يكون لها وسائلها الإعلامية.

- إن وسائل الإعلام صغيرة الحجم الفعالة ضمن محيطها هي أفضل من وسائل الإعلام الضخمة التي ينساب مضمونها في تجاه واحد.

المبحث الثاني

مفهوم الرأي العام

المطلب الأول: تعريف الرأي العام

تناول المؤلف جذور مفهوم الرأي العام عبر عصور مختلفة من تاريخ البشرية منذ عهد أفلاطون وأرسطو حتى يومنا الحاضر(ص66)، واستعرض مجموعة تعريفات للرأي العام لعدة أساتذة عرب وأجانب ، وأنتهى بتعريف أجاد به قلمه، (ص70)حيث قال:" وفي ضوء التعريفات العديدة اللغوية والإصطلاحية والمنهجية والعلمية، يمكننا استخلاص التعريف التالي: الرأي العام هو خلاصة مجموع الآراء المتداولة حول قضية محددة، يتم توظيف وسائل وعوامل مختلفة لترجيح بعضها على البعض الآخر".

 

المطلب الثاني تصنيف الرأي العام

 

التصنيف حسب طبيعته وتأثيره: وجاء في ص 71 من الكتاب، وجود سبعة أنواع وهي:

أولاً- الرأي العام الكامن: وهو الرأي العام المستترلأسباب سياسية أو اجتماعية، ويظهر على شكل همسات خافتة كالجمر تحت الرماد ينتظر اللحظة المناسبة ليتحول الى ثورة.

ثانيا- الرأي العام الظاهر: وهو الرأي الذي يعبر فيه علناً من قبل أفراد المجتمع في أي وسيلة متاحة فتشيعه بين المؤيدين أو المعارضين. ويوجد هذا النوع من الرأي في المجتمعات الديمقراطية أو في الدول التي تنص دساتيرها على حرية الإعلام وكفالة حرية التعبير قولاً وعملاً. وهذا الشكل من الرأي العام يسهم في رسم السياسة الداخلية والخارجية للدولة، لذا نراه محط اهتمام المختصين والباحثين في حقول العلوم الإنسانية.

ثالثاً- الرأي العام الثابت: وهو الرأي الأكثر رسوخاً ويرتبط بالمنظومات والقيم الثابتة في الأمة مثل الدين والأخلاق والقيم الاجتماعية الراسخة عبر التاريخ، وهذا النوع من الرأي يكون محط اهتمام السواد الأعظم من الأمة، ويتميز بأنه مستقر وثابت، ومن الصعب تغيير إتجاهه ولا تؤثر فيه الحوادث الطارئة.

رابعاً- الرأي العام المؤقت: ويرتبط هذا النوع من الرأي بالأحزاب والمنظمات ذات البرامج المحددة، ويقترن بمشكلة طارئة أو برامج ذات أهداف زمنية محددة ينتهي بانتهاءها. وخير مثال على ذلك لوبي الصين في الولايات المتحدة الذي كان يسعى لبقاء الصين الوطنية ممثلاً للشعب الصيني واستبعاد قبول الصين الشعبية كعضو في مجلس الأمن الدولي. انتهى هذا اللوبي بوصول الصين الشعبية لإشغال منصب العضوية الدائمة في مجلس الأمن.

خامساً- الرأي العام اليومي: وهو الرأي الذي تعبر عنه وسائل الإعلام اليومية كالصحف والراديو، حيث يتأثر بالأحداث العامة والخاصة أكثر من غيره.

سادساً- الرأي العام الإيجابي: ويتكون نتيجة تفسير وفهم ورؤى صفوة القوم الذين يلعبون دور القائد أو المرشد الذي ويوجه الجمهور، وهذه الصفوة لا تتأثر بوسائل الإعلام والدعاية المختلفة كالصحافة، وعلى العكس هي التي تؤثر على تلك الوسائل بأفكارها.

سابعاً- الرأي العام السلبي: وهو الرأي المنقاد الذي يمثل موقف سواد الناس المحدودي الثقافة غير القادرين على متابعة الأحداث والذين يتأثرون بوسائل الدعاية الإعلامية وتقبل الشائعات. (ص74),

التصنيف حسب نطاق انتشاره الجغرافي والاجتماعي

بموجب هذا التصنيف ينقسم الرأي العام الى خمسة أنواع:

أولاً- الرأي العام المحلي: وهو الرأي السائد، في منطقة جغرافية محددة داخل الدولة، وفترة زمنة معينة، إزاء قضية معينة.ويتميز هذا النوع من الرأي أنه صغير الحجم وأفراده متجانسون ومكتفون ذاتياً.

ثانياً- الرأي العام الوطني: وهو الرأي العام على صعيد الوطن أو الدولة أو المجتمع وتستند إليه السلطة القائمة، وأهم خصائصه:

1- يستمد تكاتفه من خلفيات تراثية راسخة.

2- إمكانية التنبؤ به عن طريق الدراسات التي تقوم بها مؤسسات ومراكز بحوث الرأي العام.

3- بما أن المشاكل الوطنة تعنيه فأنه يسعى للمساهمة الى حلها.

ثالثاً- الرأي العام الإقليمي: هو الرأي العام السائد بين مجموعة من الدول والشعوب والدول المتجاورة حول قضية مشتركة، كالرأي العام العربي، أو جزء منه كدول الخليج العربي أو الدول المغاربية، أو الرأي العام لدول شرق آسيا. ومن أهم مقوماته:

- المصالح المشتركة.

- الأرتباط التاريخي.

- التقاليد والتاريخ المشترك.

- تقارب اللغة والثقافة.

- تشابه الأوضاع السساسية والاجتماعية والاقتصادية.

رابعاً- الرأي العام العالمي: وهو الرأي العام السائد بين أغلبية شعوب العالم حول قضية معينة وفي حقبة زمنية معينة. وأن بلورة وتطوير الرأي العام العالمي جاء نتيجة للأحداث التالية:

- الثورة البلشفية 1917.

- إنشاء عصبة الأمم 1918.

- أزمة الثلاثينات الاقتصادية الخانقة 1929- 1934.

- الحرب العالمية الثانية 1939- 1945.

- إنشاء منظمة الأمم المتحدة 1945.

- مؤتمر باندونغ 1955.

خامساً- الرأي العام النوعي: يمكن أن يكون جزءاً من الرأي العام المحلي أو الوطني أو الإقليمي ولكنه يتميز عنه بأنه يركز على قضية معينة تمثل مركز اهتمام الناس. ويمكن أن يشكل توظيف هذا الرأي خطورة سلباً أو إيجاباً في إطار القضايا العامة. وكمثال على ذلك الإستقطاب الطائفي الذي تم توظيفه في العالم العربي، رغم تعارضه مع مباديء الدين الإسلامي.(ص78).

التصنيف حسب حجم الجمهور: ويقسم الى أربعة أنواع:

أولاً- الرأي العام الساحق: وهو رأي يمثل الأغلبية الساحقة والشبيهة بحالة الإجماع، ومن عيوبه أنه يصيب أصحابه بالكسل والإتكاء على غير الأكفاء في التعبير عنهم.

ثانياً- رأي الأقلية: وهو عادة يمثل أقل من نصف الجماعة، ومن المحتمل من بينهم وجود ذوي الأفكار السديدة، لذا جرى الحرص على إتاحة فرصة للتعبير عن آرائهم وفق الوسائل المتاحة.

ثالثاً- رأي الأغلبية: وهو يمثل ما يزيد عن نصف الجماعة. على أن لا تكون هذه الأغلبية نتاج التضليل الدعائي أو تأثير اللوبيات.

رابعاً- الرأي الائتلافي: هو ائتلاف بعض الآراء في المجتمع إزاء مشكلة معينة في وقت معين تحت ضغط ظرف معين. (ص 77).

التصنيف حسب حركته: يقسم الرأي العام حسب حركته الى:

أولاً- الرأي المستقر أو غير المتحرك: ويطلق عليه الرأي العام الاستاتيكي، وهو أشبه بحالة الإجماع، كالتمسك بالتقاليد والعادات والقيم الاجتماعية.

ثانيا: الرأي العام النشط أو المتحرك: ويطلق عليه الرأي العام الديناميكي، حيث توفر رغبة الناس في التغيير، ويعتمد على توفير الحيوية والتعقل والتمحيص أكثر من العادات والتقاليد. (ص78).

المطلب الثالث: عناصر الرأي العام وخصائصه

عناصر الرأي العام

أولاً- الأشخاص: يفترض بالرأي العام وجود جماعة معينة مهتمة ومتأثرة بقضية محددة، أو الواعين بها.

ثانيا- الموضوع أو الحالة: أن يكون الموضوع مستجداً وذو أهمية ومختلفة الآراء حوله.

ثالثاً- الحوار: وهو الجدل الذي يدور بين الأفراذ والجماعات حول الحالة المثارة، ويمر الحوار بمرحلة اختلاف وجهات النظر ثم مرحلة تقارب وجهات النظر.(ص80).

خصائق الرأي العام

أولاً- التقلب: الرأي العام ظاهرة عرضة للتغير والتقلب وفقاً لحجم المؤثرات والمنبهات.

ثانيا- التبرير: يحاول السياسيون تعليل السلوك بأسباب منطقية مقبولة تساعدهم على التخلص من حالات القلق.

ثالثاً- الإبدال والتعويض والإسقاط: يلجأ الفرد الى تحويل الانتباه من موضوع لآخر وذلك عندما يشعر بالقلق ويعجز عن توجيه غضبه نحو ذلك السبب فيلجأ الى التظاهر والتخريب، وهذه العملية يستغلها السياسيون وأصحاب المصالح في تغيير اتجاهات الرأي العام.

رابعاً- التطابق: عادة يميل الفرد الى حالة الاتفاق مع رأي الجماعة رغم معرفته بأن ذلك مخالفاً لقناعته. وقد يحصل التراضي عندما يقدم كل فريق بعض التنازلات أملاً للوصول الى رأي موحد يؤدي الى حل المشكلة موضوع البحث. (ص82).

المطلب الرابع: طريقة تكوين الرأي العام ومقوماته ووظائفه وقياسه

طريقة تكوين الرأي العام: تمر عملية تكوين الرأي العام بالمراحل التالية:

أولاً- دور الجماعة الأولية: نجد شخصاً واحداً أو أكثر في التجمعات الإنسانية يحتضن فكرة معينة تعد كنواة، تستمر تنمو الى أن تظهرالقيادة حتى تغطي المساحة الكاملة للمجتمع.

ثانياً- ظهور الزعامة أو القيادة: عندما تتبلور فكرة لدى جماعة صغيرة وتظهر قيادات تسعى لتأطير الفكرة وتبسيطها لعامة الناس، فالزعيم أو القائد هو الذي يستطيع القيام بهذه المهمة، حيث يقدم الأفكار للجمهور للتأثير على مواقف الآخرين.

ثالثاً- اتساع دائرة الاتصال: حينما يحتدم النقاش ويشترك فيه أكبر عدد من الناس، لايعرف بعضهم بعضا، فيظهر فريقان أحدهما لا يعير أهمية لموضوع البحث والآخر يرفض الفكرة المطروحة لأنها لا تنسجم مع أفكاره، وهنا لاتتضح صورة الرأي العام لأن الفكرة موضوع النقاش تتطلب قبول عدد كاف من الأفراد. في المجتمعات المنفتحة تسهم وسائل الإعلام على نشر الأفكار بسرعة كبيرة، وعلى العكس تكون الحالة في البلدان التي يخضع فيها الإعلام لرقابة صارمة.

رابعاً- مواقف الآخرين أو سكوتهم: وهي مرحلة ما بعد المناقشات الواسعة وحصول تقبل كبير من الناس للأفكارفتلجأ الجماعات السلبية الى مسايرة الوضع العام وتعلن تأييدها بالتصفيق أو المظاهرات. ويرى بعض المعارضين حرجاً في مخالفتهم للأغلبية فيلجأون الى الصمت. عندما يحصل هذا التعديل السلوكي يكون الرأي العام قد تكوّن.

خامساً- مرحلة التفكيك أوالاختفاء: الرأي العام ظاهرة وقتية يختفي باختفاء القضية أو الإنشغال بقضية أخرى جديدة. (ص85).

مقومات تشكيل الرأي العام:

أولاً- العادات والتقاليد والقيم الموروثة: وهي مجموع الأنماط السلوكية التي تقبلتها الجماعة وتفاعلت معها ونقلتها عبر الأجيال.

ثانياً- القيم والمعتقدات الروحية: يعد الدين من المسلمات التي لاتقبل الجدل بالنسبة للشعوب.

وتتمثل أهمية الدين في ثلاثة جوانب:

  1. ما يقدمه الدعاة من امداد عن تعاليم المعتقد.
  2. قدرة المعتقدات الدينية على استثارة العاطفة.
  3. توفر استعدادات الاستجابة حيث يؤدي الفرد عمل ما أو يسلك سلوكاً معيناً.

ثالثا- التربية والتعليم

تلعب المؤسسات التعليمية أدواراً مهمة في تكوين الرأي العام، وغرس القيم السياسية من خلال مضمون المناهج المقررة وتأثير التلاميذ بالقيم التي يعتنقها معلميم.

رابعاً- المناخ السياسي داخل الدولة

(1) النظم الديمقراطية: تتوفر فيها حرية التفكير وطرح الرأي المخالف، حيث تعرض الحقائق مع الاهتمام باستطلاعات الرأي العام.

(2) النظم غير الديموقراطية: وهي الآراء السائدة في النظم التسلطية القمعية الحاكمة,

(3) الزعامات: وهي زعامات سياسية وإدارية وروحية واجتماعية وزعامات رمزية تعتمد على الكارزما، وتلعب دوراً كبيراً في تشكيل الرأي العام. (ص87)

وظائف الرأي العام

أولاً- حسب طبيعة النظام السياسي: يلعب الرأي العام دور الموجه لحركة النظام السياسي، حيث يقدم الدعم عندما تكون تلك الحركة تتسم بالمشروعية. كما يتدخل ويعدل ويغّير حينما تكون الحركة غير منسجمة مع المصالح العامة.

ثانياً- رعاية المثل الإنسانية والقيم الاجتماعية: يرفض الرأي العام الخروج على القيم الدينية والأخلاقية السائدة في المجتمع.

ثالثاً- رفع الروح المعنوية في مواجهة الكوارث والأزمات: يتم ذلك من خلال العمل على توحيد والتأكيد على أن الوطن للجميع. كما يساهم الرأي العام في دعم المؤسسات الاجتماعية ، الخيرية منها أو الصحية أو التعليمية أو الدينية .أو الثقافية.

رابعاً- إنجاح خطط الدولة: يقوم الرأي العام بتحديد طبيعة العلاقة بين الحاكم والمحكوم، فيعمل على انجاح خطط التنمية الشاملة. وعلى العكس، في حالة عدم قيام الدولة من إقناع الرأي العا م بتوجهاتها، فيلجأ الى إحباطها. (ص89).

قياس الرأي العام

أولاً- لاستفتاء: وهي طريقة مالوفة للاطلاع على رأي الناس حول قضية معينة، إذ يطرح الموضوع على الشعب للنقاش وبعد ذلك يحدد يوم للاستفتاء.

ثانياً- الصحافة: ان ردود افعال القراء على القضايا المطروحة عبر الصحافة تعد من الأمور الأساسية للتعرف على اتجاهات الراي العام.

ثالثاً- الندوات والاجتماعات العامة: يتم طرح القضية للنقاش، ليبدي الحضور وجهات نظرهم حولها، وبذلك يطلع منظمو الندوة أو الاجتماع على تجاهات الرأي العام وقياسه.

رابعاً- معاهد قياس الرأي العام: مثل معهد غالوب العالمي Gallup Pollحيث يؤخذ رأي عينات معينة مثل فئة ثقافية أو عمرية او نوعية (نساء – رجال) وبشكل عشوائي دون ترتيب مواعيد مسبقة ، حتى يكون الراي عفوياً دون التأثر بعوامل مسبقة. وتعد هذه المعاهد من أهم أدوات قياس الرأي العام. (ص90).

انتهى عرضنا للفصل الأول من الكتاب، حيث لمسنا سمو المحتوى النوعي لمفرداته ورصانة أسلوبية مؤلفه الدكتور عبد الحميد الصائح، مما يجعلنا أن نكرر توصيتنا بصلاحية أن يكون هذا الكتاب منهجياً أو مرجعياً في أقسام الإعلام أو أقسام العلوم السياسية.

 


قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat


د . جعفر عبد المهدي صاحب
 (للدخول لصفحة الكاتب إضغط هنا)

    طباعة   ||   أخبر صديقك عن الموضوع   ||   إضافة تعليق   ||   التاريخ : 2020/03/05



كتابة تعليق لموضوع : عرض كتاب الدكتور عبد الحميد الصائح ( دور الإعلام في تشكيل الرأي العام، حدود الحرية والمسؤولية)
الإسم * :
بريدك الالكتروني :
نص التعليق * :
 



حمل تطبيق (كتابات في الميزان) من Google Play



اعلان هام من قبل موقع كتابات في الميزان

البحث :





الكتّاب :

الملفات :

مقالات مهمة :



 إنسانية الإمام السيستاني

 بعد إحراجهم بكشف عصيانها وخيانتهم للشعب: المرجعية الدينية العليا تـُحرج الحكومة بمخالفة كلام المعصومين.. والعاصفة تقترب!!!

 كلام موجه الى العقلاء من ابناء شعبي ( 1 )

 حقيقة الادعياء .. متمرجعون وسفراء

 قراءة في خطبة المرجعية : هل اقترب أَجلُ الحكومةِ الحالية؟!

 خطر البترية على بعض اتباع المرجعية قراءة في تاثيرات الادعياء على اتباع العلماء

 إلى دعاة المرجعية العربية العراقية ..مع كل الاحترام

 مهزلة بيان الصرخي حول سوريا

 قراءة في خطبة الجمعة ( 4 / رمضان/ 1437هـ الموافق 10/6/2016 )

 المؤسسة الدينية بين الواقع والافتراء : سلسلة مقالات للشيخ محمد مهدي الاصفي ردا على حسن الكشميري وكتابيه (جولة في دهاليز مظلمة) و(محنة الهروب من الواقع)

 الى الحميداوي ( لانتوقع منكم غير الفتنة )

 السيستاني .. رسالة مهدوية عاجلة

 من عطاء المرجعية العليا

 قراءة في فتوى الدفاع المقدس وتحصين فكر الأمة

 فتوى السيد السيستاني بالجهاد الكفائي وصداها في الصحافة العالمية

 ما هو رأي أستاذ فقهاء النجف وقم المشرّفتَين السيد الخوئي بمن غصب الخلافة ؟

 مواقف شديدة الحساسية/٢ "بانوراما" الحشد..

أحدث مقالات الكتّاب :


مقالات متنوعة :





 لنشر مقالاتكم يمكنكم مراسلتنا على info@kitabat.info

تم تأسيس الموقع بتاريخ 1/4/2010 © محمد البغدادي 

 لا تتحمل الإدارة مسؤولية ما ينشر في الموقع من الناحيتين القانونية والأخلاقية.

  Designed , Hosted & Programmed By : King 4 Host . Net