صفحة الكاتب : د . احمد حسن السعيدي

الاحكام التشريعية بين مادية الفعل وميتافيزيقا الغرض. 
د . احمد حسن السعيدي

المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الموقع، وإنما تعبر عن رأي الكاتب.

  الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على اشرف الانبياء والمرسلين ابي القاسم محمد وعلى اله الطيبين الطاهرين. 

منّ الله سبحانه وتعالى على الناس وسائر الموجودات بفيض الوجود، فاخرجهم من دائرة العدم الى نعمة الوجود، ولو شاء تعالى لما فعل، فهو الفاعل المختار والعلة الحقيقية الاولى في ايجاد العدم، ونحن كبشر قد تساوى فينا العدم والوجود على حد سواء فتسمنا بسمة الامكان الذاتي وافتقارنا الى غيرنا فوجودنا غير وجود الفاعل الذي وجدنا فوجوده من صميم ذاته فهو واجب الوجود دون سواه، فكانت صفته الغنى المطلق الذي لا يفتقر لخلقه، وفرض العبادات التي تمثل بالاوامر والنواهي عليهم لا لحاجة منه اليهم، فهو الغني المطلق كما ان الناس هم الفقراء له حدّ الفاقة والاستكانة، عليهم العبادات لا حاجة منه فقال تعالى: {يَا أَيُّهَا النَّاسُ أَنْتُمُ الْفُقَرَاءُ إِلَى اللَّهِ وَاللَّهُ هُوَ الْغَنِيُّ الْحَمِيدُ} [فاطر : 15]، ويبقى الانسان مهما استعلى وتجبر وبلغت به المبالغ لا يخرج عن صفة النقص والاحتياج. 
بعث الله سبحانه وتعالى انبياء الى خلقه واصحبهم باحكام تشريعية ليبلغوها لمن ارسلوا اليهم، والاحكام هي عبارة عن قوانين تتضمن اوامر ونواهي غايتها تنظيم سلوك المجتمع، وبما انه الاحكام التشريعية غايتها خلق مجتمعا مثاليا من خلال الفعل المادي الذي يقوم فيه المسلم او غيره بامتثاله للحكم الشرعي سواء كان الحكم امرا او نهيا، وعليه هناك ثنائية موجودة تواجه المتلقي المسلم او غيره ازاء الاحكام التشريعية هو اداء الفعل او النهي عنه و غايته التي شرع من اجلها، وهذا بطبيعة الحال يعطي انطباعا واضح في للمنظومة الفكرية التي جاءت فيها   الاديان السماوية، بل هو يوضح غاية العبادات باسرها ويتنقض كل ما اثير حول لماذا فرض العبادات وهو الغني عنها، وفي عد هذا البحث في غاية الاهمية والخطورة وهذا يشكل عنصرا مهما في اختيار هكذا عنوان للبحث (الاحكام التشريعية بين مادية الفعل وميتافيزيقا الغرض)، ولاجل توضيح ما ذكرته اتي بالامثلة من الاحكام التشريعية التي من شأنها توضويح ما اريده من البحث. 
اولا: الصلاة. 
فرضا الله سبحانه وتعالى حكما تشريعيا هي الصلاة وقد الزم بها عباده المسلمين وهي ضمن التصنيف الاحكام امرا واجب الامتثال له، كما تعد الصلاة عمود الدين التي ان قبلت قبل ما سواها وان ردت ما سواها، وتتالف من قيام وقعود وركوع وسجود وهذا فعلها المادي الذي يجب فعله ولولاه لما اصبح المصلي مصليا، حيث قال تعالى: {إِنَّ الصَّلَاةَ كَانَتْ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ كِتَابًا مَوْقُوتًا} [النساء : 103]، ولهذا الفعل بعدا ميتافيزقيا يهدف الى بيان الغاية التي شرع من اجلها الفعل المادي وهو ان تكون الصلاة المادية ناهية عن كل ما يشوب الاستقامة، وقد بينها الله تعالى في القران الكريم حيث قال: {وَأَقِمِ الصَّلَاةَ إِنَّ الصَّلَاةَ تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ} [العنكبوت : 45]، فيمثل هذا  النص القراني بعدا ما ورائيا للفعل المادي الذي شرعه الله تعالى، وبعبارة اخرى: ان الصلاة المادية غايتها الاساسية هي النهي عن الفحشاء والمنكر، وبهذا التشريع الالهي الآمر بالصلاة المقتضية بغايتها النهي عن الفحشاء والمنكر يكون قد حقق الله تعالى الغاية من الاحكام التشريعية التي عرفنها انفا بانها تنظم سلوك المجتمع، وعليه تكون الصلاة احدى الدعائم الاساسية التي تهدف لتنظيم سلوك الفرد بالمجتمع، وهذا ما نستنجه من خلال الغرض الذي تؤدي اليه الصلاة لا من خلال الفعل المادي لها. 
ثانيا: الصوم. 
الصوم هو الفريضة الثانية في الاسلام فهو يقصد من الامساك عن امور معينة في نهار شهر رمضان من الفجر الى الغروب قال تعالى: {وَكُلُوا وَاشْرَبُوا حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيْطُ الْأَبْيَضُ مِنَ الْخَيْطِ الْأَسْوَدِ مِنَ الْفَجْرِ ثُمَّ أَتِمُّوا الصِّيَامَ إِلَى اللَّيْلِ} [البقرة : 187]، وهذا هو الفعل المادي المادي للصوم ان يمسك المسلم عن تناول المفطرات التي هي بالاصل جائز تناولها في غير شهر رمضان من قبيل الاكل والشرب وايتان الزوجة وغيرها، فكل من مانعها وامسك عنها مع اتيان النية القربة لله تعالى يعتبر صائما في نظر الشارع المقدس لانه امتثل للفعل المادي وهو الامساك بوقت معين عن امر معين. اما البعد الميتافيزيقي للصوم فهو من المؤكد ليس كبعده المادي الامساك عن المفطرات فحسب، وقد بين الله تعالى هذا البعد الميتافيزيقي لفريضة الصوم بقوله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ} [البقرة : 183]، فالتقوى هي الغاية الاساسية التي يريدها تعالى من تشريع الصوم المادي، فلم يطلب الامساك لذاته بل معلل لغاية كمالية تناط باخلاق المسلم وتنظم سلوكه وهذا ما قصدناه التعريف الذي عرفنا به الاحكام التشريعية بانها قوانين تنظم سلوك المجتمع. والتقوى كفيل بهذه المهمة التي تجعل الانسان فردا مستقيما صالحا في مجتمعه. 
ثالثا: الحج. 
الحج يعني القصد فيقال حججتُ فلانا اي قصدتُ فلانا ثم نقلت هذه اللفظة بمجيء الاسلام الى فعل مقصود وافعال مخصوصة وهو القصد الى بيت الله الحرام الكعبة باعمال خاصة بالقصد وشريطة الاستطاعة البدنية والمادية، قال تعالى: {وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلًا} [آل عمران : 97]، ويتالف الحج الاحرام والطواف والسعي والرمي والتقصير والذبح وغيرها، وهذه كلها افعال مادية لانها تحدث بزمن معين ومكان معين، فمثلا الاحرام لا يحدث الا في مكة او قبيلها في ايام محددة وكذا الامر في الطواف وغيره، وقد اطلق الله سبحانه وتعالى على مراسيم الحج بالشعائر الالهية حيث قال تعالى تعالى: {إِنَّ الصَّفَا وَالْمَرْوَةَ مِنْ شَعَائِرِ اللَّهِ فَمَنْ حَجَّ الْبَيْتَ أَوِ اعْتَمَرَ فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِ أَنْ يَطَّوَّفَ بِهِمَا وَمَنْ تَطَوَّعَ خَيْرًا فَإِنَّ اللَّهَ شَاكِرٌ عَلِيمٌ} [البقرة : 158]، وهذا هو البعد المادي للفعل فكل مسلم ادى مناسك حجه وفق الرؤية الشرعية فقد ادى فريضة الحج التي يريدها الله تعالى منه، وهناك بعدا -كما ان لسائر العبادات ابعادا- غايي من وراء هذه المناسك التي عبر عنها الله تعالى بالشعائر. وصف الله تعالى في ايات اخرى بان تعظيم شعائره تاتي من تقوى القلوب قال تعالى: {ذَلِكَ وَمَنْ يُعَظِّمْ شَعَائِرَ اللَّهِ فَإِنَّهَا مِنْ تَقْوَى الْقُلُوبِ} [الحج : 32]، فاذا ضممنا الاية الاولى مع الاخرى ينتج لنا البعد لمناسك الحجالمادية بان المناسك هي الشعائر والشعائر وضعت لتقوى القلوب فالنتيجة بان المناسك غايتها تقوى القلوب وهذا ما صرحت به الاية جليا قال تعالى: {وَالْبُدْنَ جَعَلْنَاهَا لَكُمْ مِنْ شَعَائِرِ اللَّهِ لَكُمْ فِيهَا خَيْرٌ فَاذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ عَلَيْهَا صَوَافَّ فَإِذَا وَجَبَتْ جُنُوبُهَا فَكُلُوا مِنْهَا وَأَطْعِمُوا الْقَانِعَ وَالْمُعْتَرَّ كَذَلِكَ سَخَّرْنَاهَا لَكُمْ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ (36) لَنْ يَنَالَ اللَّهَ لُحُومُهَا وَلَا دِمَاؤُهَا وَلَكِنْ يَنَالُهُ التَّقْوَى مِنْكُمْ كَذَلِكَ سَخَّرَهَا لَكُمْ لِتُكَبِّرُوا اللَّهَ عَلَى مَا هَدَاكُمْ وَبَشِّرِ الْمُحْسِنِينَ (37)} [الحج : 36 - 37]، والبدن هي احدى مناسك فقد عبر عنها تعالى بشعائر ثم بين الغاية منها هو التقوى الذي يكتسبه الانسان المسلم من هذا الفعل المادي. 
رابعا: الزكاة. 
 النموذج الاخير من الاحكام هو الزكاة وتعني التهذيب فيقال تزكية الاخلاق اي تهذيب الاخلاق، اما في اصطلاحا الشرعي فهي اخراج حق معين ممما يتملكه المسلم سواء مالا او عينيا كما الامر في المواشي او الغلات الاربعة، والزكاة هي اعم من التصدق الواجب او المستحب، فكل من اخرج من ماله صدقة، فقد تزكى به والنصوص الدالة على الزكاة كثيرة قال تعالى: {وَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ وَمَا تُقَدِّمُوا لِأَنْفُسِكُمْ مِنْ خَيْرٍ تَجِدُوهُ عِنْدَ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ} [البقرة : 110]، وقال تعالى: {مَثَلُ الَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ كَمَثَلِ حَبَّةٍ أَنْبَتَتْ سَبْعَ سَنَابِلَ فِي كُلِّ سُنْبُلَةٍ مِائَةُ حَبَّةٍ وَاللَّهُ يُضَاعِفُ لِمَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ} [البقرة : 261]، وهذا هو البعد المادي لمسألة الزكاة والانفاق في سبيل الله تعالى وقد بين اجر ذلك الفعل المادي بايات كثيرة لما له من اهمية بالغة بل نجد بان مسالة الانفاق في سبيل الله مقرونة دائما في الصلاة التي هي عمود الدين، وهناك بعدا اخرا وراء الفعل المادي للانفاق والزكاة وهو غير اخراج جزء من المال والتصدق به، البعد هو يعد فلسفة للفعل هو ان الاموال التي يصدق بها صاحبها عبارة عن تكافل اجتماعي بين الناس واسقاط للطبقية، فاخراج المال هو عمل لقتل ظاهرة الفقر بين افراد المجتمع وفي نفسي الوقت هو نقص من مال الاغنياء فهي حالة من الاخذ والعطاء بين المجتمع، وقد اشار الله تعالى الى هذا المعنى بقوله: {مَا أَفَاءَ اللَّهُ عَلَى رَسُولِهِ مِنْ أَهْلِ الْقُرَى فَلِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ وَلِذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَابْنِ السَّبِيلِ كَيْ لَا يَكُونَ دُولَةً بَيْنَ الْأَغْنِيَاءِ مِنْكُمْ} [الحشر : 7]. والفيء هنا هو احد الفرائض المالية التي امر به الله تعالى ويعد نوعا من انواع الزكوات، فقد اوضح معناه الميتافيزيقي بان لا يكون هذا المال متداول بيد الاغنياء ومن ثم خلق نوع من الطبقية. 
وبعد بيان نماذجا من ابعاد الاحكام التشريعية المادية والمتيتافيزقيا لها، ثمة اسئلة ثلاثة مهمة وخطرة في الوقت ذاته، تتعلق في البعديين السالفين للاحكام هي:  
اولا: لو ان المسلم قد طبق الحكم بهيئته المادية دون الغاية المذكورة هل انه امتثل لما يريد الله تعالى؟. 
ثانيا: لو عكسنا التساؤلال الاول بان المسلم اتى بالغاية دون تأديته للحكم المادلا ي هل يكون ممتثلا لما يريد الله تعالى. 
ثالثا: هل هناك علاقة تشابهية بين الاحكام التشريعية الالهية وبين القوانين التشريعية الوضعية؟. 
جواب السؤال الاول: مفترض السؤال هو لو ان المسلم قد اتى بالصلاة بوصرتها المادية من القيام والقعود والركوع والسجود الا انه لم ينته عما نهاه الله تعالى، فقد اكل مال الحرام سحتا وارتكب الكبائر من الموبقات، هل يكون من المصلين عند الله الممتثلين لهذا الحكم القاضي بالصلاة. الجواب: هو الله سبحانه وتعالى عندما شرع الاحكام لا حاجة منه اليها كما اسلفت فالركوع والسجود لا يزيد سبحانه كما ان كفر الناس لا ينقصه  شيئا، قال تعالى: {وَقَالَ مُوسَى إِنْ تَكْفُرُوا أَنْتُمْ وَمَنْ فِي الْأَرْضِ جَمِيعًا فَإِنَّ اللَّهَ لَغَنِيٌّ حَمِيدٌ} [إبراهيم : 8]، فاذن الفعل المادي ليس هو مراد الله تعالى مراده الغاية التي اتمامها بالوسيلة، فالعبادت هي الوسائل الى الله تعالى لاجل غايته، علاوة على ذلك بان الاحكام الشريعية هو عبارة عن قوانين تنظم سلوك المجتمع فالافعال المادية المجردة عن الغايات لا تنظم سلوك المجتمع وحدها بل احيانا تكون وابل على صاحبها، ولنا في التاريخ شواهد على هذه الفئة التي اخذت من الدين هيئته المادية دون تحقيق الغاية، فاذكر مثالين: 
المثال الاول: ان الفئة التي انشقت من جيش امير المؤمنين (عليه السلام) الذين تسموا بالخوراج، كانوا اكثر الناس صلاة وقياما لله تعالى حتى وصفوهم باهل الجباه السوداء لكثرة سجودهم على الارض وكانوا يوصلون الليل بالنهار من التهجد والتضرع الى الله تعالى، ولكن هذه الصلاة لم تحقق غايتها فقد ارتكب في ظل هذه الصلاة الفارغة من محتواها جرائم مفجعة، فقد تعرضوا للصاحبي الجليل عبد الله بن الخباب بن الارت، وكان رجلا ناسكا عابدا فتلوه هو وزوجته وكانت حاملا فبقروا بطنها واخرجوا جنينها دون رحمة او شفقة وبعد مقتلهم اياه استظلوا تحت نخلة ووجدوا بعض التميرات ساقطة فهم احدهم لاياكلها فمنعه الاخر قائلا: لعل صاحب النخلة لا يبح لك الاكل منها، هذه المفارقة العجيبة تدلل على ان الفعل المادي للعبادة وحده لا يكفي بان يجعل الانسانفي مضان الخير. 
المثال الثاني: ايضا هناك فرقة حديثة اتصفت بصفة الخوارج هم الوهابية وتعود هذه التسمية نسبة لمؤسسهم محمد عبد الوهاب (ت 1111ه)  وقد انجبت الوهابية فرقة اشد منها تشددا دينينا هي (داعش) الذين يسمون انفسهم بتنظيم الدولة الاسلامية في العراق والشام، وقد عاصرنهم وراينا فكرهم التكفيري الذي يجرم كل انسان ما سواهم، والدواعش بطبيعتهم ملتزمون دينيا مصلون صائمون بل اكثر اكثر الناس التزاما للظواهر الدين من غيرهم حتى في مرحلة الدكتوراه في بغداد كان لي صديق من اهل الفلوجة مهجرا من مدينته في وقتها فسكن بغداد كان يروي لي بعض القصص من هذا التنظيم المجرم، فيقول: بان اكثر افراد هذا التنظيم توغلا بالدماء هم  من حفظة القران الكريم حتى ان احدهم يزيد على حفظ القران الكريم بحفظ كتب الحديث صحيح البخاري البالغ من الاحاديث سبعة الالاف وخمسمائة وثلاثة وستون حديثا!، وصحيح مسلم البالغ عدده ثلاثة الالاف وثلاثة وثلاثون حديثا!، فهم بمعناهم الظاهري متدينون ملتزمون لحد النخاع الا ان صلاتهم لم تؤدي غرضها الذي وضعت من اجلها. ولعل ما يجمل ما قلته حديثا للنبي (صلى الله عليه واله وسلم) قال: (من لم تنهه صلاته عن الفحشاء والمنكر لم يزدد من الله إلا بعدا) . 
جواب السؤال الثاني: هو ان المسلم لو اعرض عن الفعل المادية وقفز الى الغاية مباشرة هل يكون ممتثلا لما يريد الله تعالى، ام يكون متساوي الحال في الفرضية الاولى التي اجبنا علينا، والجواب نقول: بان الله سبحانه وتعالى اراد ان يعبد قال تعالى: {وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ} [الذاريات : 56]، وهذه العبادة من حيث المبدأ هو يحددها كالخالق لا نحن المخلوقين، والسبب في ذلك بان عالمٌ بالمصالح والمفاسد على حد سواء وليس للعبد تحديد مصلحته في الامتثال، لان الكثير من الاعمال يجهلها الانسان لعدم معرفته بالنتائج كما قال الجواهري: 
أعيا الفلاسفة الاحرار جهلهم      ماذا يخبي لهم في دفتيه غدُ 
طال التمحل واعتاصت حلولهم   ولا تزال على ما كانت العقدُ</p>

<p>هذا من جانب ومن جانب اخر رب سائل يقول اذا كانت الغاية هي المطلوب والاهمية تكمن فيها، وقد اداها المسلم لما لا يكون ممتثلا له، جوابه: بان العبادات التي شرعها الله تعالى تترتب عليها ثواب وعقاب والثواب لا يتم الا بالقربة له تعالى، نعم يكون ادى الغرض المناط بالفعل المادي الذي اعرضه الا انه غايته تفتقر للنية المقربة لله تعالى التي يترب عليها الثواب في دار الاخرة.  
واضيف: ان الغاية التي ياتي بها المسلم دون الفعل المادي للحكم، هي خير من اتيان الفعل المادي الخالي عن الغاية، واقربه بمثال: لو كان احدنا له جاران الاول منهما ربيب مسجد صلاة وصيامه يؤديها على اتم وجه وكذلك بقية عباداته من الحج والزكاة وكذا المستحبات الا انه لا سيئ الاخلاق والتعامل لا يؤتمن على امانة ولا يحفظ جاره في غيبه كثير الكذب والنميمة ، كما انه يؤذي جيرانه، اما الجار الاخر فهو صلاته غير ملتزم فيها وكذا صيامه وبقيه العبادات الا انه دمث الاخلاق صادق الكلام يحفظ جاره في غيبه صاحب نخوة وغيرة لما يرجوه يبدي كل الاحترام لجيرانه، لو اردت تقييم احدهما على الاخلاق من الذي تقدمه على الاخر كسلوكا وخلقا، من المؤكد الثاني لما فيه من اخلاق اسلامية حميدة، اما افعال العبادات فليس من  شأني ان اقيمه عليها، يهمني فيه بانه جسد العبادات سلوكا في تعامله لا آداها خالية عن مضمونها الذي شرعت من اجله، وعليه في نظري القاصر ان الفرضية الثانية في افضل حالا من الاولى، وصدق امير المؤمنين حيث قال: (ومن قرأ القرآن فمات فدخل النار فهو ممن كان يتخذ آيات الله هزوا) . 
جواب السؤال الثالث: العلاقة بين الاحكام الالهية التشريعية وبين الاحكام الوضعية الوضعية، من حيث خاصية القانون فانهما مشابهان للبعضهما اذ ان كل منهما يحتوي على اوامر ونواهي تلزم الموجه له بالالتزام به وترتب العوبة على المخالفة، الا نهما يفترقان من حيث التشريع والعلم بمصلحة القانون ومدى تطبيقه على الناس، فالقانون التشريعي الوضعي لطالما شرع القوانين والزم الناس بتطبيقها ثم تبين بعد ذلك لدى المشرعة فسادها وانها غير صالحة، بينما هذا لا نجده في القوانين الالهية لانه مشرعها العالم بخفايا الامور والطلع على غيب السموات والارض، وهناك ايضا فرقا اخر هو ان الاحكام الالهية كما بينت لها غايات من تشريعها بعضها نعلمها وبعضها خفيفة علينا الا اننا نقطع بان فيها مصلحة او دفع مفسدة، لان مشرعها حكيم يتنزه عن فعل ما لا ينبغي فعله من العبث واللعب واللهو واللغو، اما القوانين الوضعية بعضها تشرع لمصالح تافهة وربما في واقعها ليست من المصحلة بشيء ولذا يتضارب المقننون في الاراء فمنهم يحدد هذه المصلحة ومنهم من لا يرى فيها مصلحة وعليه لا يوجد في هذه الاحكام الوضعية كما هو حاصل في الاحكام الشرعية التي مصدرها الحكيم العليم. 
والحمد لله اولا واخرا، والسلام على النبي واله الطيبين الطاهرين. 
 
 


قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat


د . احمد حسن السعيدي
 (للدخول لصفحة الكاتب إضغط هنا)

    طباعة   ||   أخبر صديقك عن الموضوع   ||   إضافة تعليق   ||   التاريخ : 2019/12/28



كتابة تعليق لموضوع : الاحكام التشريعية بين مادية الفعل وميتافيزيقا الغرض. 
الإسم * :
بريدك الالكتروني :
نص التعليق * :
 



حمل تطبيق (كتابات في الميزان) من Google Play



اعلان هام من قبل موقع كتابات في الميزان

البحث :





الكتّاب :

الملفات :

مقالات مهمة :



 إنسانية الإمام السيستاني

 بعد إحراجهم بكشف عصيانها وخيانتهم للشعب: المرجعية الدينية العليا تـُحرج الحكومة بمخالفة كلام المعصومين.. والعاصفة تقترب!!!

 كلام موجه الى العقلاء من ابناء شعبي ( 1 )

 حقيقة الادعياء .. متمرجعون وسفراء

 قراءة في خطبة المرجعية : هل اقترب أَجلُ الحكومةِ الحالية؟!

 خطر البترية على بعض اتباع المرجعية قراءة في تاثيرات الادعياء على اتباع العلماء

 إلى دعاة المرجعية العربية العراقية ..مع كل الاحترام

 مهزلة بيان الصرخي حول سوريا

 قراءة في خطبة الجمعة ( 4 / رمضان/ 1437هـ الموافق 10/6/2016 )

 المؤسسة الدينية بين الواقع والافتراء : سلسلة مقالات للشيخ محمد مهدي الاصفي ردا على حسن الكشميري وكتابيه (جولة في دهاليز مظلمة) و(محنة الهروب من الواقع)

 الى الحميداوي ( لانتوقع منكم غير الفتنة )

 السيستاني .. رسالة مهدوية عاجلة

 من عطاء المرجعية العليا

 قراءة في فتوى الدفاع المقدس وتحصين فكر الأمة

 فتوى السيد السيستاني بالجهاد الكفائي وصداها في الصحافة العالمية

 ما هو رأي أستاذ فقهاء النجف وقم المشرّفتَين السيد الخوئي بمن غصب الخلافة ؟

 مواقف شديدة الحساسية/٢ "بانوراما" الحشد..

أحدث مقالات الكتّاب :


مقالات متنوعة :





 لنشر مقالاتكم يمكنكم مراسلتنا على info@kitabat.info

تم تأسيس الموقع بتاريخ 1/4/2010 © محمد البغدادي 

 لا تتحمل الإدارة مسؤولية ما ينشر في الموقع من الناحيتين القانونية والأخلاقية.

  Designed , Hosted & Programmed By : King 4 Host . Net