نحنُ فداءُ صمتِكَ الفصيحِ
د . احمد العلياوي
د . احمد العلياوي
هي الخطبةُ التي كلما أردتَ كتابتَها هرَعَ الصغارُ لأوراقِها فبعثروها ، فتعود مرةً أخرى لجمعِ أوراقك من دونِ أنْ تعاتبَ أحدا.
تجلسُ وحدَكَ في غربتكَ بين اللاسامعين ، وتكتبُ وأنتَ تعلمُ أنهم لن يسمعوكَ ولكن روحَكَ أكبرُ من صَمَمِهم وعماهم.
ومن قبل أنْ تمسكَ يدُكَ المتعبةُ قلمَ الكتابةِ ، يستعدُّ أشباهُ الرجالِ ولارجال لضَربِ يدِكَ وسلبِ قلمِكَ المملوءِ بدَمِك.
تجمعُ الكلمةَ على الكلمةِ مثلَ نوح الذي صنعَ السفينةَ بأعين السماءِ ، وتبني لطوفانِ العراقِ سفينةً من نُصحٍ ورجاء ، وترى حتى العاقِّيِنَ أبناءً ، تنادي عليهم ، ولكنهم يلوون رقابَهُم ، ويعتصمُ كلُّ واحدٍ منهم بجَبَلٍ وأنتَ تقولُ لاعاصمَ اليوم.
ولما كسَرتَ آلهتهم بفأسِكَ أشعلوا النارَ من قبلِ أن تقولَ كلمتَكَ ، وألقوكَ فيها ، ساخرينَ من إيمانك العراقي الذي ظهرَ شيباً وسكوتاً مُمِضَّا.
تقفُ وحدَكَ في الميدانِ ناصِحاً وفيكَ عطشُ الطفوف ، وحالما ينطلقُ صوتُكَ تنطلقُ السهامُ عليهِ من الذين ماكانوا أحراراً في دنياهم ولن يكونوا.
فيا سيِّدَ العراقِ وأحزانِهِ القديمة ، أيها الحُسينيُ السيستاني ، نحن فداءُ جراحِكَ السمراءِ التي تمتد لجراحِ عليٍّ أميرِ المؤمنين ، ونحنُ فداءُ صمتِكَ الفصيحِ ما جرى الفراتُ وشمخَ النخيلُ واهتزَّت راياتُ أبنائِكَ الفراتيين وصدَحَت حناجرُ بنادِقهمُ الشواعر.
وياسيِّدَ الصبرِ ، لقد قُلتَ فأصَبت، ونَصَحتَ فأَنذَرت،وبلَّغتَ فأَبلَغْت، وإنْ عادتْ كربلاءُ فلن يَصِلُوا خيامَك، وإنْ مرَّت خيولُهم فصدورنا لكَ الوقاء، وسيبقى خاتَمُكَ في إصبعكَ ويبقى الدعاء.
فسلامٌ على صوتِكَ وصمتِكَ فكلاهما وطن.