صفحة الكاتب : مرتضى علي الحلي

لِنَجْعَلَهَا لَكُمْ تَذْكِرَةً وَتَعِيَهَا أُذُنٌ وَاعِيَةٌ
مرتضى علي الحلي

المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الموقع، وإنما تعبر عن رأي الكاتب.

 إنَّ الحقيقةَ التي ينبغي أن ندركها واقعاً ويقيناً : هي أنَّ إصلاحَ أحوال الإنسان والمُجتمع معاً المَعاشيّة والسياسيّة والعقائديّة والأخلاقيّة والسلوكيّة مرهونٌ فِعلاً وصِدقاً وتأثيراً بإصلاح النفس نيةً ووظيفةً وشؤوناً .
: تَذْكِرَةٌ قيِّمَةٌ ٌ ألقاها علينا سماحةُ سيّدنا الأُستاذ الفاضل مُحَمَّد باقر السيستاني ، دامت توفيقاته :
:1: إنَّ مِن وظائف الإنسان في هذه الحياة - أن يُروّض نفسَه ترويضاً يستطيعُ معه أن يقفَ على عيوبه في أخلاقه وخصاله وانفعالاته ورغباته .

:2: يسهلُ على الإنسانِ أن يقفَ على مَعايب الآخرين ويَستشفَ نفسيّاتهم وما يكمن وراءَ سلوكّياتهم ،ويجد حزازةً و قبحاً فيها ، ولكنّه يَصعب عليه أن يرقى في شأن نفسه إلى هذا المرتقى – بأن يُحاسبَ نفسَه كما يُحاسبُ الآخرين ، بل يَصعب عليه في كثير من الحالات أن يَنتبه إلى عيبه - حتى إذا نبّهه الآخرون عليه يتّهمهم بالتعسّف والخصومة .

:3: إنَّ جلَّ عيوب الإنسان ممّا لا يمكنه أن يقفَ عليها إلّا بمراقبته لنفسه ومُحاسبته لها، ولو غالطَ الإنسانُ نفسَه لم يكن هناك مَن يُنبّهه عليها ، بل يتعامل معه الآخرون طوراً بالمُداراة وطوراً بالمُداهنة حتى يلقى اللهَ سبحانه وتعالى ويُكشَف عنه الغطاء فيُفاجئه ما يجد مِن معايبه وسلوكيّاته وخصاله وسائر أساليب تعامله في هذه الحياة ، كما روي عن النبي (صلّى الله عليه وآله وسلّم ) أنَّ (الناسُ نيّامٌ فإذا ماتوا انتبهوا)
:فيض القدير : المناوي ، ج5 ، ص 72 .

:4: إنَّ المؤمنَ ضنينٌ بنفسه ، مُلتفِتٌ إلى عيوبه ، لا تحجبه رغباتُه عنها ولا تُغطّي عليها ، فهو لا يزال يلومَها ويُجاهدَها ويتفحّص عيوبَها ويتّهمها في نواياها .
فإذا استصعبت له خصلةٌ عن إصلاحها لم يُموّه على نفسه في شأنها ، بل يعيش على الأقلّ - وذلك أضعف الإيمان - الشعورَ بالحزازة تجاهها ، ولا يكفّ متى تفرّغ لنفسه في خلواته عن ملامتها وعتابها ، وهو يتضرّع إلى الله سبحانه وتعالى بأن يعينه على إصلاحها.

:5: وليُعلَم : أنَّ مِن الفرق بين المؤمن وغيره – أنَّ عامة الاهتمام الداخلي للإنسان المؤمن بما يتمثّل في تفكيره وتأمّله ومشاعره وهواجسه يدورُ حولَ نفسِه ومُحاسبتها وتأمّل قصورها وتقصيرها ومدى قُربه وبُعده عن أداء وظائفه وعن الوصول إلى غاياته الأعمق في هذه الحياة ، فهو عموماً مشغولٌ بنفسه ، وعلى نفسه رقيبٌ منها .

:6: وأمّا غير المؤمن فهو يعيش في هذه الحياة لاهياً مشغولاً بأحوال الآخرين ، ويُثبّتُ على النّاس نقائصهم و يتفكّه بإحصاء مَعايبهم ويُكثرُ مِن سوءِ الظنّ بهم .

:7: المؤمن على العكس من ذلك ، يتّهم نفسه في ما لا يتّهم الآخرين به ، مُبايناً في ذلك مع أحوال سائر النّاس ، لأنَّه يشهد في نفسه من مبادئ الإهمال والخواطر التي لا يجدها لائقةً وملائمةً ما لا يشهد من الآخرين مثله .
فهو يسيء الظنَّ بنفسه ويَحذرُ مِن غفلتها وإهمالها وخفاء مآربها ، بينما يُحسن الظنَّ بغيره ، إذ لا يهمه من أمر غيره إلّا ظاهره ، ولا وظيفة له في محاسبة باطن الآخرين.

:8: من اختلاف أمر المؤمن في ذلك مع غيره – أنَّ كليهما يحبّ نفسَه ، ولكن حبَّ المؤمن لنفسه على حدّ محبّة الطالب الجاد في الدراسة ومحبّة الناقد الناصح ، وهذا يورثُ فيه جدّاً وتواضعاً ورقابةً وحساباً وتمحيصاً .

:9: وأمّا حبّ غير المؤمن لنفسه فهو كمحبّة الطالب الكسول ، ومن قبيل مَحبّة الغاش المُمَوّه ، فهو حبٌّ يورث أنانيّةً وغفلةً وإهمالاً .
قال الله سبحانه وتعالى عن المؤمنين{وَالَّذِينَ يُؤْتُونَ مَا آَتَوْا وَقُلُوبُهُمْ وَجِلَةٌ أَنَّهُمْ إِلَى رَبِّهِمْ رَاجِعُونَ (60)}المؤمنون ، وقال سبحانه في إشارة إلى النفس المؤمنة{وَلَا أُقْسِمُ بِالنَّفْسِ اللَّوَّامَةِ (2)}القيامة.
وقال أمير المؤمنين ( عليه الصلاة والسلام ) في وصف المتقين (َيعْمَلُ الأَعْمَالَ الصَّالِحَةَ وهُوَ عَلَى وَجَلٍ – وفي كلام آخر له : نَفْسُه مِنْه فِي عَنَاءٍ والنَّاسُ مِنْه فِي رَاحَة)
: نهج البلاغة ، ت ،د ، صبحي الصالح ، ص 306.

إذن هؤلاءِ الّذين آمنوا ووفق وصف الآيات والروايات الشريفة هم مَظان بركة الله ومَحال رحمته ، فمخافتهم وحذرهم في هذه الحياة تنتهي إلى الطمأنينة والسكينة عند لقاء الله سبحانه وتعالى ، حيث تُرفَع الأقلام وينتهي الاختيار ويجد كلّ امرئٍ ما عملَ حاضراً .
فيقال له :{ يَا أَيَّتُهَا النَّفْسُ الْمُطْمَئِنَّةُ (27) ارْجِعِي إِلَى رَبِّكِ رَاضِيَةً مَرْضِيَّةً (28)}الفجر،{سَلَامٌ عَلَيْكُمْ بِمَا صَبَرْتُمْ فَنِعْمَ عُقْبَى الدَّارِ (24)}الرعد ،{وَلَنِعْمَ دَارُ الْمُتَّقِينَ (30)}النحل .
 


قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat


مرتضى علي الحلي
 (للدخول لصفحة الكاتب إضغط هنا)

    طباعة   ||   أخبر صديقك عن الموضوع   ||   إضافة تعليق   ||   التاريخ : 2019/11/29



كتابة تعليق لموضوع : لِنَجْعَلَهَا لَكُمْ تَذْكِرَةً وَتَعِيَهَا أُذُنٌ وَاعِيَةٌ
الإسم * :
بريدك الالكتروني :
نص التعليق * :
 



حمل تطبيق (كتابات في الميزان) من Google Play



اعلان هام من قبل موقع كتابات في الميزان

البحث :





الكتّاب :

الملفات :

مقالات مهمة :



 إنسانية الإمام السيستاني

 بعد إحراجهم بكشف عصيانها وخيانتهم للشعب: المرجعية الدينية العليا تـُحرج الحكومة بمخالفة كلام المعصومين.. والعاصفة تقترب!!!

 كلام موجه الى العقلاء من ابناء شعبي ( 1 )

 حقيقة الادعياء .. متمرجعون وسفراء

 قراءة في خطبة المرجعية : هل اقترب أَجلُ الحكومةِ الحالية؟!

 خطر البترية على بعض اتباع المرجعية قراءة في تاثيرات الادعياء على اتباع العلماء

 إلى دعاة المرجعية العربية العراقية ..مع كل الاحترام

 مهزلة بيان الصرخي حول سوريا

 قراءة في خطبة الجمعة ( 4 / رمضان/ 1437هـ الموافق 10/6/2016 )

 المؤسسة الدينية بين الواقع والافتراء : سلسلة مقالات للشيخ محمد مهدي الاصفي ردا على حسن الكشميري وكتابيه (جولة في دهاليز مظلمة) و(محنة الهروب من الواقع)

 الى الحميداوي ( لانتوقع منكم غير الفتنة )

 السيستاني .. رسالة مهدوية عاجلة

 من عطاء المرجعية العليا

 قراءة في فتوى الدفاع المقدس وتحصين فكر الأمة

 فتوى السيد السيستاني بالجهاد الكفائي وصداها في الصحافة العالمية

 ما هو رأي أستاذ فقهاء النجف وقم المشرّفتَين السيد الخوئي بمن غصب الخلافة ؟

 مواقف شديدة الحساسية/٢ "بانوراما" الحشد..

أحدث مقالات الكتّاب :


مقالات متنوعة :





 لنشر مقالاتكم يمكنكم مراسلتنا على info@kitabat.info

تم تأسيس الموقع بتاريخ 1/4/2010 © محمد البغدادي 

 لا تتحمل الإدارة مسؤولية ما ينشر في الموقع من الناحيتين القانونية والأخلاقية.

  Designed , Hosted & Programmed By : King 4 Host . Net