صفحة الكاتب : لطيف عبد سالم

سياسة التراخيص الاستثمارية في العراق
لطيف عبد سالم

المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الموقع، وإنما تعبر عن رأي الكاتب.
لايخامرنا شك في أن الارتكاز على قواعد اقتصادية متينة يعد من أهم مقومات بناء الدولة الحديثة التي تستلزم منظومة إدارية متقدمة لإدارة الفعاليات والنشاطات بمسارات تعبر عن وضوح الفلسفة الاقتصادية المعتمدة في توجيه موارد البلاد الاقتصادية ؛ لضمان الحصول على أفضل النتائج وأكثرها تأثيرا .
وقرابة أكثر من خمسة عقود من الزمان، عكست التجربة العراقية افتقار آلياتها سياسات واضحة لإدارة الاقتصاد العراقي، بعد إن أخفقت برامج الحكومات التي تعاقبت على إدارة البلاد في بلورة إستراتيجية واضحة المعالم لتحرير الاقتصاد العراقي من عقدة الأحادية التي ركب موجتها منذ النصف الثاني من القرن الماضي، حيث أضحى استخدام العوائد المتحققة من مبيعات النفط الخام في سداد نفقات الدولة على حساب الإنفاق على الخدمات البلدية والاجتماعية والإنمائية ، القاسم المشترك لتوجهات الدولة العراقية في مختلف مراحلها. 
وبسبب صعوبة الأحداث التي عاشتها البلاد في العقدين الأخيرين من القرن المنصرم، وفي مقدمتها الحروب وتداعياتها الكارثية التي تجسد أبرزها في العقوبات الدولية الثقيلة التي اكتوى بنيرانها شعبنا لأكثر من عقد من الزمان، فضلاً عن عزلة العراق الدولية والإقليمية التي أفضت إلى عيشه خارج دائرة التطور العلمي والتقدم التكنولوجي المتسارع، تعرض الاقتصاد العراقي إلى تشوهات وإختلالات حادة في تشكيله، مما أفضى إلى زيادة حجم المشكلات الاقتصادية والاجتماعية التي أضرت بعملية توزيع الموارد.
ويمكن القول أن من أبرز الصعوبات التي ما يزال يعيش تحت وطأتها الاقتصاد العراقي وتعد من ملامحه الرئيسة مامبين تالياً:
1- الاختلال الهيكلي للاقتصاد الوطني بفعل الاعتماد الأساس والرئيس على النفط الذي تسبب بزيادة نسبة الصناعات الإستخراجية من مجمل الناتج المحلي الإجمالي على حساب تراجع إنتاجية قطاعات الاقتصاد الأساسية المتمثلة بالزراعة والصناعة والسياحة وغيرهما من النشاطات الاقتصادية .
2- البطالة التي ارتفعت معدلاتها الواقعية إلى معدلات غير مقبولة في بلد غني بثرواته مثل العراق ، حيث تجاوزت معدلاتها حاجز الـ (50%) بحسب إحصاءات بعض المؤسسات الحكوميـة ، وكثير من المنظمات غير الحكومية .
3- الفقر الذي وصلت نسبته عام2007 إلى (37%) بحسب أكثر الدراسات التطبيقية.
4- مديونية العراق التي ورثها من تركة النظام السابق، فضلاً عن الاقتراض مجدداً من صندوق النقد الدولي والبنك الدولي.
وكان من جملة القطاعات الحيوية التي شملها هذا الواقع هو القطاع النفطي الذي ما يزال يعاني كثيراً من المشكلات التي تتعلق ببناه التحتية ومستوى تطوير حقوله التي ليس بمقدورها زيادة مستوى الإنتاج النفطي إلى معدلات قريبة من حصة الطاقة التصديرية للمنطقة المعتمدة من قبل منظمــــــة البلـــدان المصـــــــدرة للنفط ( أوبك ) ، فضلا عن تخلف المصافي النفطية التي يمتلكها العراق بعشر سنوات مقارنة بمصافي دول الجوار ؛ بالنظر لعدم إخضاعها إلى الأعمال وما يتطلب من أعمال تطوير منذ عام 1980م بحسب تصريحات المسؤولين في وزارة النفط . وبسبب أهمـــــية القطاع النفطي ، بوصفه القطاع الإستراتيجي الذي تعتمده الدولة بشكل رئيس في تمويل النفقات العامة من دون الإستفادة من هذه العوائد في تنمية القطاعات الاقتصادية الأخرى، فضلا عن مارد الصناعة النفطية ذاتها ، فإن ادارة القطاع النفطي وجدت نفسها بحاجة ماسة إلى تبني سياسات واعدة ، بوسعها الاسهام بمهمة إعادة تأهيل هذا القطاع وتطوير مفاصله سعياً في تدعيم الإقتصاد الوطني وانتشاله من حالة التدهور التي عصفت بمختلف قطاعاته.
وفي الوقت الذي تبنى فيه آمال حكومية وشعبية واسعة على انتهاج وزارة النفط سياسة بمقدورها تدعيم الاقتصاد الوطني ، اهتدت ادارة القطاع النفطي إلى انتهاج سياسة التراخيص الاستثمارية لدفع أرقام معدلات الإنتاج اليومي للنفط إلى منحنيات أعلى ؛ من اجل تحقيق الوفورات المالية التي تتطلبها مهمة تأهيل مقومات الإقتصاد الوطني . وعلى الرغم من مباركة القيادات الادارية بهذا التوجه ، فإن جولات التراخيص النفطية الثلاث التي وقعتها وزارة النفط مع عدد من الشركات العالمية المتخصصة، لم تسلم من المشككين بعدم قانونيتها وعدم دستوريتها، فهي ما تزال تثير جدلاً واسعاً، ورفضاً من قبل بعض المختصين، فضلاً عن بعض شركاء العملية السياسية. ولا نبعد عن الواقع إذا قلنا إن صناعة النفط العراقية بجانبيها (الإستخراجي والتحويلي) تراجعت قدرتها بمعدلات كبيرة، فضلاً عن إضمحلال أغلب إمكانيات تطويرها (المادية والبشرية والفنية والتقنية) جراء ما أحاط البلاد من صعوبات أملتها ظروف ومواقف تقدم ذكرهــــا ، فضلاً عن الغموض الذي أحاط بالسياسة النفطية. 
وقد أسهم هذا الواقع في خيبة إدارة القطاع النفطي في بناء صناعه نفطية متطورة ، وتحقيق أهدافها في بلد يقبع على بحيرة من النفط ، حيث يشكل خزينة من النفط ثالث أكبر احتياطي عالمي بحسب المراكز البحثية المتخصصة .
وبالاستناد على آراء المختصين تتمحور مهمة تطوير الصناعة النفطية العراقية حول الخيارات التالية:-
1- البدء بتطوير الحقول النفطية المنتجة حالياً.
2- تطوير الحقول المكتشفة وغير المستثمرة التي يصل عددها إلى (63) حقل، حيث إن عدد الحقول المستثمرة لا يتجاوز ألـ(17) حقل.
3- تطوير العمليات الاستكشافية بغية ايجاد حقول نفطية جديدة.
وبسبب تراجع الطاقات الإنتاجية الخاصة بالحقول النفطية المنتجة في الوقت الحاضر ، وجدت إدارة القطاع النفطي أن الخيار الأول هو المعول عليه في مهمة تطوير الصناعة النفطية، وانتشالها من حالة التدهور التي لحقت بها ؛ بالنظر لما يتيحه هذا التوجه من استثمار للإمكانيات الفنية والإدارية المتاحة في الشركات العالمية على وفق أسلوب التعاقد لقاء أجور مقطوعة، بوصفه أيسر السبل التي تضمن تشغيل الحقول النفطية بكامل طاقتها الإنتاجية سعياً في زيادة إنتاجها اليومي من النفط الخام الذي من المتوقع أن يصل بفعل هذا الإجراء إلى (12) مليون برميل عام (2016م).
وبالاستناد على قناعات المسؤولين في ادارة القطــــاع النفطي ، فإن إعتماد هذا النشاط تبرره حاجة العراق الكبيرة إلى توفير المواد اللازمة لإعادة إعماره على خلفية تدمير بناه التحتية والفوقية وتزايد عبء الديون المترتبة عليه، فضلاً عن تصاعد الأزمات الخاصة بقطاع الخدمات البلدية والاجتماعية التي أصاب أغلب أنشطتها الإهمال منذ سنوات، وهو الأمر الذي أستوجب ضرورة العمل على تأمين المناخ الملائم لتطوير الصناعة النفطية ، بالاستفادة من الخبرات العالية والتقنيات الحديثة التي تمتلكها الشركات العالميـة المتخصصة بصناعة النفط ، مما استلزم من وزارة النفط تبني سياسة جذب الشركات العالمية ، وعدم اعتماد الاستثمار الوطني الذي يتميز بعدم فاعليته في الوقت الحاضر ؛ لضآلة إمكانياته ونقص موارده. 
وعلى وفق هذه المبررات الموضوعية أقدمت وزارة النفط على تشكيل دائرة العقود والتراخيص البترولية التي جاءت منسجمة مع قانون النفط والغاز بحسب مسؤولي إدارة القطاع النفطي. وقد نجحت هذه الدائرة من تنفيذ ثلاث جولات تراخيص على وفق التشريعات العراقية النافذة، فضلاً عن إعلانها بداية عام 2011 م نيتها إقامة جولة تراخيص جديدة لتطوير ستة حقول نفطية منتجة وحقلين للغاز. ومن المهم الإشارة هنا إلى ضرورة تفعيل التشريعات النافذة إلى جانب إصدار تشريعات جديدة مثل قانون الضريبة على شركات النفط الأجنبية رقم (19) لسنة (2010)، وقانون التحكيم التجاري من أجل الإسهام بتعزيز سيادة الدولة على ثروتها النفطية وتقليص معدلات البطالة.
وبصورة عامة، يمكن النظر إلى جولات التراخيص النفطية من خلال النتائج الكبيرة التي ستفضي إليها، وما ستعكسه من آثار إيجابية على الاقتصاد العراقي، إذ إن أقل التوقعات تؤكد وصول العوائد المتحققة من مبيعات النفط الخام خلال العشر سنوات القادمة إلى ترليون ونصف دولار .
وتأسيسا على ما تقدم ، يمكن القول ان الأهداف المتوخاة من جولات التراخيص النفطية يمكن إجمالها بما مبين تالياً:-
1- إعادة تأهيل الحقول النفطية أو تطوير إنتاجها على وفق أحدث أساليب الإدارة المالية والفنية، إذ بات من الضروري الاستعانة بخدمات وتقنيات الشركات الكبرى لتطوير آليات استخراج النفط بعد تقادم تقنيات الإنتاج المعتمدة حالياً، وبخاصة توافر الأسباب الحاكمة للاعتماد على طريقة (حقن مكامن النفط بالماء )بصورة مفرطة لزيادة إنتاج النفط، حيث وصل معدل ضخ المياه إلى (680) ألف برميل يومياً، وهذا يفوق المعدل الإنتاجي المقدر للحقل النفطي بمقدار (250) ألف برميل. وهو الأمر الذي يتسبب بانخفاض الكثافة النوعية للنفط وزيادة محتواه الكبريتي .
2- نقل خبرات شركات النفط العالمية ،وتقنياتها الحديثة إلى البلاد.
3- تدريب وتطوير الكــــوادر العراقيـــــة بمختلف المجالات ، والنهوض بأساليب وسياقات العمل في مختلف مؤسسات الدولـــة بالتوافق مع إستراتيجية التنمية الوطنية .
4- زيادة طاقة العراق الإنتاجية من النفط الخام من (2,43) مليون برميل يومياً في نهاية السنة الثالثة من بدء عمليات التطوير إلى (10) مليون برميل يومياً في نهاية عام (2015م)، ومن ثم الوصول إلى (12) مليون برميل يومياً نهاية عام (2017م).
5- زيادة إنتاج الغاز بما يقرب من (500) مليون قدم مكعب في اليوم لأغراض الاستخدام المحلي وتصدير الفائض منه خلال الثلاث سنوات الأولى من بدء التطوير الفعلي للحقول الغازية.
6- النهوض بمختلف القطاعات الأخرى، فضلاً عن الإسهام التدريجي بالقضاء على البطالة من خلال توفير فرص العمل .

قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat


لطيف عبد سالم
 (للدخول لصفحة الكاتب إضغط هنا)

    طباعة   ||   أخبر صديقك عن الموضوع   ||   إضافة تعليق   ||   التاريخ : 2012/02/08



كتابة تعليق لموضوع : سياسة التراخيص الاستثمارية في العراق
الإسم * :
بريدك الالكتروني :
نص التعليق * :
 



حمل تطبيق (كتابات في الميزان) من Google Play



اعلان هام من قبل موقع كتابات في الميزان

البحث :





الكتّاب :

الملفات :

مقالات مهمة :



 إنسانية الإمام السيستاني

 بعد إحراجهم بكشف عصيانها وخيانتهم للشعب: المرجعية الدينية العليا تـُحرج الحكومة بمخالفة كلام المعصومين.. والعاصفة تقترب!!!

 كلام موجه الى العقلاء من ابناء شعبي ( 1 )

 حقيقة الادعياء .. متمرجعون وسفراء

 قراءة في خطبة المرجعية : هل اقترب أَجلُ الحكومةِ الحالية؟!

 خطر البترية على بعض اتباع المرجعية قراءة في تاثيرات الادعياء على اتباع العلماء

 إلى دعاة المرجعية العربية العراقية ..مع كل الاحترام

 مهزلة بيان الصرخي حول سوريا

 قراءة في خطبة الجمعة ( 4 / رمضان/ 1437هـ الموافق 10/6/2016 )

 المؤسسة الدينية بين الواقع والافتراء : سلسلة مقالات للشيخ محمد مهدي الاصفي ردا على حسن الكشميري وكتابيه (جولة في دهاليز مظلمة) و(محنة الهروب من الواقع)

 الى الحميداوي ( لانتوقع منكم غير الفتنة )

 السيستاني .. رسالة مهدوية عاجلة

 من عطاء المرجعية العليا

 قراءة في فتوى الدفاع المقدس وتحصين فكر الأمة

 فتوى السيد السيستاني بالجهاد الكفائي وصداها في الصحافة العالمية

 ما هو رأي أستاذ فقهاء النجف وقم المشرّفتَين السيد الخوئي بمن غصب الخلافة ؟

 مواقف شديدة الحساسية/٢ "بانوراما" الحشد..

أحدث مقالات الكتّاب :


مقالات متنوعة :





 لنشر مقالاتكم يمكنكم مراسلتنا على info@kitabat.info

تم تأسيس الموقع بتاريخ 1/4/2010 © محمد البغدادي 

 لا تتحمل الإدارة مسؤولية ما ينشر في الموقع من الناحيتين القانونية والأخلاقية.

  Designed , Hosted & Programmed By : King 4 Host . Net