صفحة الكاتب : د . علي عبدالفتاح الحاج فرهود

العراقُ بين إِراداتِ الدولِ ، ومطالبِ الجماهير في ظلِّ نظامِ الحكمِ (٢٠٠٣-٢٠١٩)
د . علي عبدالفتاح الحاج فرهود

المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الموقع، وإنما تعبر عن رأي الكاتب.

عندما نكتبُ (نريدُ وطنَنا) ، و(أَعيدوا لي وطني) ، و(أَنا عراقيُّ لا أَبيعُ هُوِيَّتي) ؛ فإِنَّ البواعثَ لإِعلانِ هذا الحقِّ جَلِيَّةٌ لا تخفَى على بصيرٍ باصرٍ من أَنَّ أَثرَ العراقِ الاستراتيجيَّ في المنطقةِ (دينيًّا ، واقتصاديًّا ، وتجاريًّا ، وقوميًّا ، وسياسيًّا) قد هام فيه المغرَمون من عُشَّاقِ التسلُّطِ الدَّوْليِّ - الإِقليميِّ(أمريكيًّا ، وبريطانيًّا ، وإِسرائليًّا ، وإِيرانيًّا ، وتركيًّا) بالمطلَقِ ، و(خليجيًّا) بنسبٍ تابعةٍ متفاوتةٍ.

وهذا الهيامُ الولائيُّ الذي ينظُرُ به صُنَّاعُ القرارِ في هذه الدولِ إِلى العراقِ إِنما تأَتَّى - مع الأَطماعِ الاستراتيجيةِ - من الخَشيةِ والخوفِ من أَن يُمسِكَ بزِمامِ قيادتِه (عراقيون ، وطنيون ، أَحرارٌ ، سياسيُّون ، إِداريون عارفون حاذقون لهم قرارُهمُ الواحدُ). وهذا جهْلٌ مركَّبٌ يَنمازُ به أُولئكَ الصُّنَّاعُ.

فالعراقُ يجبُ أَن يتعاملَ مع أَميركا بتجردٍ ، واعتزازٍ بالهُوِيَّةِ المستقلةِ ، واحترامٍ بموجبِ العلاقاتِ الدوليةِ الحاكمةِ ، لا أَن يُصارعَها صراعًا ميدانيًّا معروفًا مصيرُه كان قد خاضه (صدام حسين) فأَهلكَ - بجهلِه السياسيِّ العسكريِّ -الحرثَ والنسْلَ. وهل دُولُ العالَمِ المستقرةُ الآمنةُ المهمةُ كلُّها (تُعادي أَمريكا) ، أَو (تخضعُ لها بالمطلَقِ) ؟!

لماذا احتمى (المعارضون) بأمريكا (ومن تحالف معها من دولِ العالمِ وكياناتِه) للخلاصِ من (صدام) ؛ فقررت وهي الدولةُ القويةُ الكبرى أَلَّا ترى حاكمًا في العراقِ يُفكِّرُ أَن يردعَها ، أَو يُخالفَ توجهاتِها ، أَو يتعاملَ مع أَندادِها فتحاسبَه بطرائقِها ؛ لأَنها اليدُ الضاربةُ التي نسَّقت معهم ، مكَّنتهم من الحكمِ ، وأَدارتِ البلدَ بحاكمٍ مدنيٍّ أَميركيٍّ حاذقٍ ، ونهبت خيراتِه ، وقتلت كفاءاتِه ، وسنَّت له قوانينَ (التمزيقِ ، والإِضعافِ) التي لا يزالُ العراقُ يَئِنُّ منها ، ولا يقوَى الحاكمون على البصقِ على كثيرٍ منها ، وإِحراقِها.

والعراقُ يجبُ أَن يحترمَ إِيرانَ ؛ لأَنها الدولةُ الجارةُ القويةُ المهمةُ التي جرى التعاملُ معها بمنهجَين متناقضَين هما:

١- الحربُ الطائشةُ طوالَ ثماني سنواتٍ. وقد أَفجعتِ البلدَين ، وسجَّرتِ العداءَ الدفين بينهما يُتناسَى تارةً ، ويُؤَجَّجُ تارة أُخرى. وكان العراقُ هو الخاسرَ الأَكبرَ فيها اقتصاديًّا ، واجتماعيًّا.

٢- التواشجُ الروحيُّ بتبادلِ التعاونِ المطلَقِ على الصُّعُدِ كلِّها ؛ فأَنقذ العراقُ إِيرانَ من الانهيارِ الاقتصاديِّ تارةً ، وساعدت إِيرانُ العراقَ من انهياراتٍ متنوعةٍ رابطُها المصيرُ المذهبيُّ المشترَكُ تارةً أُخرى ، لو أَنَّ صُنَّاعَ القرارِ العراقيِّ قد تآزروا فيما بينهم لَـما احتجنا إِلى إِيرانَ إِلَّا بسلامتِها ، واحترامِ قادتِها وشعبِها ، وطيبِ الزيارةِ والترفُّهِ فيها.

ومع هذين الموقفَين لم ينظُرِ العراقُ إِلى إِيرانَ بأَنَّها مَحميَّتُه المُتبنَّاةُ مقابلَ أنَّ إِيرانَ تراهُ يجبُ أَن يبقى هكذا ! وإِلَّا فالتظاهراتُ الحاليةُ (تشرين/٢٠١٩) سلميةٌ مطلَبيةٌ مشروعةٌ لازمةٌ تخللها تخريبٌ مقصودٌ مبرمجٌ لتشويهِ أَهدافِها من مرتزقةٍ مأجورين جرى كشفُهمُ (المحجوبُ) ، ومنعُ تَكرارِ تشويهِهم ؛ فلماذا يكونُ الخطابُ الإِيرانيُّ للعراقِ (على الحكومةِ إِنهاءُ أَعمالِ الشغَبِ) ؟!

والعراقُ يجبُ أَن يتعاملَ مع تركيا بحسنِ الجوارِ ، وقوةِ الشخصيةِ المعنويةِ بمنعِ معًارضي تركيا المخربين من السكنِ في شمالِ العراقِ ، وتهديدِ استقرارِ الدولةِ التركيةِ وشعبِها ، وإِشعارِ القومياتِ ، والأَقلياتِ غيرِ العربيةِ بهُوِيَّتِهِمُ العراقيةِ العزيزةِ الحاكمةِ ؛ كيلا نتركَ لتركيا النظرَ إِلى بلدِنا بعينِ الخلافةِ العثمانيةِ ، والولايةِ التابعةِ.

والعراقُ يجبُ أَن يرتبِطَ بمحيطِه العربيِّ القريبِ ، والمتوسطِ ، والبعيدِ بوشائجِ اللغةِ ، والدِّينِ ، ونبذِ الخِطابِ الطائفيِّ المتطرِّفِ ، والمصيرِ الواحدِ ؛ كيلا يبقى أَدنى مسوِّغٍ لإِحدى هذه الدولِ الشقيقةِ للتمحورِ في منظومةٍ عسكريةٍ ، أَوِ استخباريةٍ ، أَو سياسيةٍ تتجرَّأُ على العراقِ ، وتُعاديه ، وتُؤذيه.

من مجمَلِ ما ذكرتُ لم يجدِ العراقيون طوالَ السبعةَ عَشَرَ عامًا الماضيةِ ما يجعلُهم (يشعرون باستقلالِهم ، ويعيشون آمنين بخيراتِهم ، وينعُمُون بحقوقِهم ، ويؤدون واجباتِهم ، ويحظَون بكرامتِهمُ العامةِ) ؛ فمن (حربٍ إِلى حربٍ ، ومن صراعٍ إِلى صراعٍ ، ومن تباعدٍ إِلى تباعدٍ ، ومن إِقصاءٍ إِلى إِقصاءٍ للأَكْفاءِ ، ومن تمكينٍ إِلى تمكينٍ للجُهَلاءِ) بين (العراقيين والمحتلين) من جهةٍ ، وبين (العراقيين والإِرهابيين) من جهةٍ ثانيةٍ ، وبين (العراقيين فيما بينهم) من جهةٍ ثالثةٍ هي الأَخطرُ والأَنكى.

المرجعيةُ لم تُحكِمْ سلطتَها (الروحيةَ) بالقوةِ على الحكامِ العراقيين بآيةِ ما أَنَّ خِطابَها قام على نتيجةِ أَنه (قد بُحَّ صوتُنا) ، وإِنما كان منهجُها - ولا يزالُ - هو الخطابَ الإِلهيَّ للنبيِّ محمدٍ (صلَّى اللٰـهُ عليه وآلِه) ﴿وقُل لِعِبادي يَقولُوا الَّتي هيَ أَحسَنُ إِنَّ الشَّيطانَ يَنزَغُ بَينَهُم إِنَّ الشَّيطانَ كانَ لِلإِنسانِ عَدُوًّا مُبينًا﴾ [الإسراء/٥٣] ، و﴿فَذَكِّر إِنَّما أَنتَ مُذَكِّرٌ لستَ عَلَيهِم بِمُصَيطِرٍ﴾ [الغاشية/٢١-٢٢] ؛ فما كان لها إِلَّا التوجيهُ ، والنُّصحُ المؤيَّدُ باحترامٍ إِعلاميٍّ من الحكامِ. ولو كان مطبَّقًا لغيَّروا نظامَ الانتخاباتِ ، ولحاكموا أَربابَ الفسادِ السارقين ، ولحققوا الرفاهيةَ للشعبِ المظلومِ ، ولجازَوا المرجعيةَ عن فضلِ الفتوى التاريخيةِ بالجهادِ الكفائيِّ التي جاءت بعزٍّ إِلٰهيٍّ لحفظِ العراقِ ، ومقدساتِه ، وشعبِه ، وبعباءتِه حُفِظ الحاكمون والمتنفذون.

أَيبقَى لعاقلٍ سببٌ يعترِضُ به على المظاهراتِ (المطلبيةِ السلميةِ التي تدعو إِلى إِصلاحِ نظامِ إِدارةِ الدولةِ داخليًّا وخارجيًّا ، وتمكينِ الحكمِ المركزيِّ ، والإِدارةِ الفرعيةِ للأَساطينِ العراقيين فِكرًا ، ونزاهةً ، وسياسةً ، وشرفًا ، ووطنيةً) بموجب قوانينَ عادلةٍ ، منصفةٍ ؟!؟!؟!؟!

استقلالُ العراقِ ، وتحقيقُ هُوِيَّتِه ، وإِدارتُه من كفاءاتِه بنظامٍ راقٍ ناهضٍ منصِفٍ هي السبُلُ الكفيلةُ لتحقيقِ المطالبِ الجماهيريةِ كلِّها. تَكُونُ باللٰـهِ عزتُنا عندما نقررُ (العراقُ هُوِيَّـتُنا ، وله نهضتُنا ، لنا خيراتُه ، وله عزيمتُنا).


قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat


د . علي عبدالفتاح الحاج فرهود
 (للدخول لصفحة الكاتب إضغط هنا)

    طباعة   ||   أخبر صديقك عن الموضوع   ||   إضافة تعليق   ||   التاريخ : 2019/10/31



كتابة تعليق لموضوع : العراقُ بين إِراداتِ الدولِ ، ومطالبِ الجماهير في ظلِّ نظامِ الحكمِ (٢٠٠٣-٢٠١٩)
الإسم * :
بريدك الالكتروني :
نص التعليق * :
 



حمل تطبيق (كتابات في الميزان) من Google Play



اعلان هام من قبل موقع كتابات في الميزان

البحث :





الكتّاب :

الملفات :

مقالات مهمة :



 إنسانية الإمام السيستاني

 بعد إحراجهم بكشف عصيانها وخيانتهم للشعب: المرجعية الدينية العليا تـُحرج الحكومة بمخالفة كلام المعصومين.. والعاصفة تقترب!!!

 كلام موجه الى العقلاء من ابناء شعبي ( 1 )

 حقيقة الادعياء .. متمرجعون وسفراء

 قراءة في خطبة المرجعية : هل اقترب أَجلُ الحكومةِ الحالية؟!

 خطر البترية على بعض اتباع المرجعية قراءة في تاثيرات الادعياء على اتباع العلماء

 إلى دعاة المرجعية العربية العراقية ..مع كل الاحترام

 مهزلة بيان الصرخي حول سوريا

 قراءة في خطبة الجمعة ( 4 / رمضان/ 1437هـ الموافق 10/6/2016 )

 المؤسسة الدينية بين الواقع والافتراء : سلسلة مقالات للشيخ محمد مهدي الاصفي ردا على حسن الكشميري وكتابيه (جولة في دهاليز مظلمة) و(محنة الهروب من الواقع)

 الى الحميداوي ( لانتوقع منكم غير الفتنة )

 السيستاني .. رسالة مهدوية عاجلة

 من عطاء المرجعية العليا

 قراءة في فتوى الدفاع المقدس وتحصين فكر الأمة

 فتوى السيد السيستاني بالجهاد الكفائي وصداها في الصحافة العالمية

 ما هو رأي أستاذ فقهاء النجف وقم المشرّفتَين السيد الخوئي بمن غصب الخلافة ؟

 مواقف شديدة الحساسية/٢ "بانوراما" الحشد..

أحدث مقالات الكتّاب :


مقالات متنوعة :





 لنشر مقالاتكم يمكنكم مراسلتنا على info@kitabat.info

تم تأسيس الموقع بتاريخ 1/4/2010 © محمد البغدادي 

 لا تتحمل الإدارة مسؤولية ما ينشر في الموقع من الناحيتين القانونية والأخلاقية.

  Designed , Hosted & Programmed By : King 4 Host . Net