صفحة الكاتب : د . عبد علي سفيح الطائي

الفساد عدو الإنسانية
د . عبد علي سفيح الطائي

المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الموقع، وإنما تعبر عن رأي الكاتب.

 إن يوم 25 تشرين الاول يوم يترقبه العراقيون من شماله إلى جنوبه، ومن شرقه إلى غربه كما يترقبون هلال العيد، أو كما يترقبون التصفيات النهائية لكأس العالم أو كما يترقبون إعصار عاتي لا يعرفون عواقبه. 

هذا المقال المختصر يبين طبيعة  تجمع أجساد وانفس وأرواح العراقيين للحاضرين والغائبين بدون التسرع للذهاب للنتائج وبدون التكهن بالمستقبل لان الأنبياء والحكماء تكهنوا بالمستقبل وحذروا الناس، إلا أن الناس عاقبوهم وكأنهم هم صانعون للأحداث بعد ان صح التنبؤ.
لم يذهب العراقيون لسوح الانتفاضة والتصادم طالبين الحرية او الديمقراطية بل طالبين اجتثاث الفساد ومحاسبة الفاسدين.
إنه الفساد الذي استشرى في مختلف مجالات حياتهم زارعاً الفشل والتراجع الكبير في مسار التقدم والتنمية والاستثمار  والاطاحة بأحلام الشباب.
العراقيون يدركون جيدا ان سبب هذا الفساد هو غياب الدولة الرشيدة دولة المواطنة، وسوء استغلال السلطة.
لم يخرج العراقيون لمحاربة إيران او امريكا او فلان وعلان، بل يدركون ترهل الدولة وضعفها هو الذي سمح بالتدخلات الخارجية وليس العكس.
إن التظاهرات والاحتجاجات العراقية هي ضد عدو داخلي شرس هو الفساد، فلا هي طائفية ولا اثنية ولا طبقية ولا عقائدية بل هي ثورة اجتماعية واقتصادية باطار سياسي تخص كرامة الإنسان ووجوده، هذه الثورة هي امتداد للثورة العالمية ضد الفساد.
إن رياح الفساد اكتسحت العالم ولا تعرف الزمان ولا المكان وهي اليوم في قلب الأزمات السياسية العالمية.
الفساد موجود في الدول الغنية والفقيرة، ويؤثر على الفقراء أكثر مما على الاغنياء. ثورات شعبية عالمية هبت ضد الفساد ومعاقبة الفاسدين. هذه الثورات لم تطالب بالحرية او الديمقراطية بل القضاء على الفساد واعتباره جريمة العصر، ثار الشعب في جزيرة هايتي وفي البرازيل مما ادى الى مجيء اليمين المتطرف، وثار الشعب في فرنسا وأسقط رئيس وزراء فرنسا السابق فرانسوا فيون في الانتخابات الرئاسية، وثار الشعب في بولونيا كذلك روسيا  وفي السودان والجزائر، واليوم في لبنان والعراق، اما الصين، فبادر الرئيس الصيني السابق في عام 2008 باجتثاث الفساد وقال: الفساد سوف يبعد  الحزب الشيوعي عن دكت الحكم.
في الدول المتقدمة والأقل تقدما أصبحت الديمقراطية فيها وسيلة للهيمنة على مقدرات وحقوق الناس، لذلك هيئة الأمم المتحدة والمنظمات العالمية غير الحكومية أصبحت في الخط الأول لمقارعة الفساد خوفا من انزلاق الدول الحديثة ديمقراطيا إلى الديكتاتورية.
قال ميكافيلي، الحكم يشجع على الفساد. فالحكم المطلق يولد الفساد المطلق. لقد قال ميكافيلي هذا الكلام قبل 400 سنة من العولمة التي شجعت كثيرا على جرائم الفساد.
إن المنظمات العالمية غير الحكومية صنفت العالم ووضعت تسلسلا حسب درجة الفساد: الصومال وسوريا والعراق، وبعدها الدول العربية والإفريقية التي تعتبر من أكثر دول العالم فسادا. أما من أفضل دول العالم عدالة في دول أوربا الشمالية هي: فنلندا والدنمارك والسويد والنرويج.
إن رياح الفساد غطت كل دول العالم.
اختم مقالتي بالقول: العراقيون خرجوا للشارع ولا يرغبون بالحرب والثأر ضد إيران ولا ضد امريكا ولا ضد الإسلام السياسي ولا ضد طائفة او قومية معينة، ولم يدفعهم حزب البعث او السعودية ودول الخليج او إسرائيل ، بل المحرك الأساسي لثورتهم هو القضاء على الفساد ومعاقبة الفاسدين، وهذا لا يتم إلا ببناء دولة المواطنة ودولة رشيدة، أما الذين يقفون ضد هذا المشروع الوطني الإنساني هم المنتفعين من هذا الوضع، والذين يأكلون من سفرة الفساد بكل الوانهم وأشكالهم.
إن هذا الدافع هو أساس في بناء هوية عراقية نابعة من تربة العراق الثقافية بعيدا عن التأثير الإيراني والعربي. 
إن العراقي يشعر بالإهانة بعد الاحتلال وكأنه شعب لا حول له، ككرة تتلاعب بها الصبيان.
اليوم في هذا الدفع يحس العراقي اعاد أمجاده وكرامته، وهو السيد الذي يقرر ويرسم حاضره ومستقبله.
صحيح ان الشارع لا يعمل سياسة على حد قول الرئيس الفرنسي ميتران، إلا أنه المفتاح الذي يفك العقد السياسية.
اتمنى للعراق والعراقيين ان يكون يو م 25 من تشرين الأول يوم يترقبون فيه هلال العيد ليعلنوا فرحتهم وسعادتهم أفرادا وعوائل وطوائف وأديان وقوميات.


قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat


د . عبد علي سفيح الطائي
 (للدخول لصفحة الكاتب إضغط هنا)

    طباعة   ||   أخبر صديقك عن الموضوع   ||   إضافة تعليق   ||   التاريخ : 2019/10/22



كتابة تعليق لموضوع : الفساد عدو الإنسانية
الإسم * :
بريدك الالكتروني :
نص التعليق * :
 



حمل تطبيق (كتابات في الميزان) من Google Play



اعلان هام من قبل موقع كتابات في الميزان

البحث :





الكتّاب :

الملفات :

مقالات مهمة :



 إنسانية الإمام السيستاني

 بعد إحراجهم بكشف عصيانها وخيانتهم للشعب: المرجعية الدينية العليا تـُحرج الحكومة بمخالفة كلام المعصومين.. والعاصفة تقترب!!!

 كلام موجه الى العقلاء من ابناء شعبي ( 1 )

 حقيقة الادعياء .. متمرجعون وسفراء

 قراءة في خطبة المرجعية : هل اقترب أَجلُ الحكومةِ الحالية؟!

 خطر البترية على بعض اتباع المرجعية قراءة في تاثيرات الادعياء على اتباع العلماء

 إلى دعاة المرجعية العربية العراقية ..مع كل الاحترام

 مهزلة بيان الصرخي حول سوريا

 قراءة في خطبة الجمعة ( 4 / رمضان/ 1437هـ الموافق 10/6/2016 )

 المؤسسة الدينية بين الواقع والافتراء : سلسلة مقالات للشيخ محمد مهدي الاصفي ردا على حسن الكشميري وكتابيه (جولة في دهاليز مظلمة) و(محنة الهروب من الواقع)

 الى الحميداوي ( لانتوقع منكم غير الفتنة )

 السيستاني .. رسالة مهدوية عاجلة

 من عطاء المرجعية العليا

 قراءة في فتوى الدفاع المقدس وتحصين فكر الأمة

 فتوى السيد السيستاني بالجهاد الكفائي وصداها في الصحافة العالمية

 ما هو رأي أستاذ فقهاء النجف وقم المشرّفتَين السيد الخوئي بمن غصب الخلافة ؟

 مواقف شديدة الحساسية/٢ "بانوراما" الحشد..

أحدث مقالات الكتّاب :


مقالات متنوعة :





 لنشر مقالاتكم يمكنكم مراسلتنا على info@kitabat.info

تم تأسيس الموقع بتاريخ 1/4/2010 © محمد البغدادي 

 لا تتحمل الإدارة مسؤولية ما ينشر في الموقع من الناحيتين القانونية والأخلاقية.

  Designed , Hosted & Programmed By : King 4 Host . Net