صفحة الكاتب : د . عبد الهادي الطهمازي

ثورات العلويين في العراق
د . عبد الهادي الطهمازي

المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الموقع، وإنما تعبر عن رأي الكاتب.

شكل المجتمع العراقي نواة للثورات التي قادها العلويون في العراق ضد حكم دولتي بني أمية وبني العباس، وذلك يعكس بطبيعة الحال اتجاهات المجتمع العراقي وتطابق رؤاه السياسية والدينية والاجتماعية مع رؤى وأفكار بني أمير المؤمنين علي بن أبي طالب (ع)، وهذه لمحة موجزة عن تلك الثورات:
1- ثورة الإمام الحسين
قام الإمام الحسين بن علي بن أبي طالب (ع) بثورة ضد الحكم الأموي سنة 60هـ، على خلفية تولي يزيد بن معاوية للخلافة الإسلامية، حيث كان يرى سبط النبي (ص) أن اعتلاء جرو أبي سفيان سدة الخلافة الإسلامية تضييعا للجهد الذي بذله جده رسول الله (ص) في بناء المجتمع الإسلامي وهداية الناس الى الله عز وجل.
وقد وعده أهل العراق بمؤازرته ومناصرته، فأتته المئآت من كتبهم وهو في المدينة، يدعونه للوقوف بوجه الظلم والطغيان، وعملية التحريف الممنهجة لتعاليم الدين الإسلامي.
وبالرغم من علم الإمام (ع) بما سيؤول إليه أمره، من تخاذل الناس عنه، واستشهاده (ع) وأهل بيته وخيرة أصحابه، إلا أنه اختار أرض العراق للقيام بنهضته المباركة على سائر بلدان العالم الإسلامي.
لقد استشف الإمام (ع) الغيب، فآل البيت (ع) لا يستهدفون في تحركاتهم جني ثمار آنية، بل التضحية تقوم عندهم على أساس ظهور نتائج تحركهم في المستقبل، وهذا ما أشارت إليه مولاتنا زينب بنت أمير المؤمنين (ع) في حديثها للإمام زين العابدين (ع) حينما رأى مصرع أبيه، قالت: ((مالي أراك تجود بنفسك يا بقية جدي وأبي وإخوتي؟ فقال (ع): وكيف لا أجزع وأهلع، وقد أرى سيدي وإخوتي وعمومتي وولد عمي وأهلي مضرجين بدمائهم، مرملين بالعراء مسلبين، لا يكفنون ولا يوارون، ولا يعرج عليهم أحد، ولا يقربهم بشر، كأنهم أهل بيت من الديلم والخزر. فقالت: لا يجزعنك ما ترى، فو الله إن ذلك لعهد من رسول الله صلى الله عليه وآله إلى جدك وأبيك وعمك، ولقد أخذ الله ميثاق أناس من هذه الأمة لا تعرفهم فراعنة هذه الأرض، وهم معروفون في أهل السماوات أنهم يجمعون هذه الأعضاء المتفرقة فيوارونها، وهذه الجسوم المضرجة، وينصبون لهذا الطف علما لقبر أبيك سيد الشهداء لا يدرس أثره، ولا يعفو رسمه، على كرور الليالي والأيام وليجتهدن أئمة الكفر وأشياع الضلالة في محوه وتطميسه، فلا يزداد أثره إلا ظهورا، وأمره الا علوا)). (العوالم: الشيخ عبد الله البحراني:362)
فثورة الحسين (ع) لم تكن لمن عاصروه، بل لهذه الأجيال التي تجدها الآن وهي تستهدي الطريق بنور تلك الثورة.
2- ثورة زيد بن علي بن الحسين
أعلن زيد بن علي بن الحسين (ع) الثورة في الكوفة سنة 122هـ، وقد شرح لأخيه الإمام الباقر (ع) أبعاد ثورته وأهدافها ودوافعها.
روى موسى بن بكر عمن حدثه، قال: ((إن زيد بن علي بن الحسين (ع) دخل على أبي جعفر محمد بن علي، ومعه كتب من أهل الكوفة يدعونه فيها إلى أنفسهم، ويخبرونه باجتماعهم ويأمرونه بالخروج، فقال له أبو جعفر (ع): هذه الكتب ابتداء منهم، أو جواب ما كتبت به إليهم ودعوتهم إليه؟
فقال: بل ابتداء من القوم لمعرفتهم بحقنا وبقرابتنا من رسول الله صلى الله عليه وآله، ولما يجدون في كتاب الله عز وجل من وجوب مودتنا وفرض طاعتنا، ولما نحن فيه من الضيق والضنك والبلاء)). (الكافي:1/356)
وكان الخليفة الأموي هشام بن عبد الملك على علم ودراية بعلاقة زيد بن علي بأهل الكوفة، فقد وشى إليه ابن لخالد بن عبد الله القسري بأن زيدا وجماعة آخرين عازمون على خلع طاعته، فاستدعى هشام زيدا، وكان زيد بالرصافة (تاريخ دمشق:19/468) –رصافة هشام بن عبد الملك غربي الرقة (معجم البلدان:3/47)-، فلما همَّ بالدخول على هشام بن عبد الملك أتى رسول يوسف بن عمرو الثقفي والي الكوفة، بطلب الى هشام بتسليم زيد الى والي الكوفة، بدعوى دين عليه لخالد بن عبد الله القسري. (مقاتل الطالبيين:90)
لقد تعرض زيد الى مؤامرة من قبل السلطة وأعوانها، فمن المستبعد أن يشي ابن خالد القسري بزيد بأنه يريد أن ينقض بيعة هشام، ويدعي أبوه بأنه له مال على زيد، كل ذلك بمحض الصدفة والاتفاق، بل دفعته السلطة الى الثورة دفعا.
وأحضر زيد عند يوسف الثقفي والي الكوفة، ولما أثبت براءته من الدين المزعوم، أمر الثقفي بإخراجه من الكوفة، فأتى القادسية. ثم إن الشيعة لقوا زيدا فقالوا له: اين تخرج عنا ومعك مائة الف سيف من أهل الكوفة والبصرة وخراسان، يضربون بني أمية بها دونك، وليس قبلنا من أهل الشام إلا عدة يسيرة. فأبى عليهم، فما زالوا يناشدونه حتى رجع بعد أن أعطوه العهود والمواثيق.
وأقام زيد بالكوفة بضعة عشر شهرا، وارسل دعاته إلى الآفاق والكور يدعون الناس إلى بيعته، فبايعه الكثير، إلا أنه لم يحضر معه المعركة إلا خمس مائة، في مقابل اثنا عشر ألفا من جنود الشام، فقاوم هو وأبتاعه عدة أيام ثم أتاه سهم طائش وقع في جبهته، فلما نزع السهم مات من فوره. (المصدر السابق ص90 وما بعدها).
3- ثورة إبراهيم بن عبد الله المحض في البصرة
ثار إبراهيم على المنصور العباسي بالبصرة، فبايعه أهلها، فقصد دار الامارة، والأمير على البصرة من قبل المنصور العباسي سفيان بن معاوية المهلبي، فتحصن منه في القصر، ثم طلب الأمان، فآمنه إبراهيم، فخرج سفيان بن معاوية وأسلم البلد.
ولما استتب له أمر البصرة وجه إلى الأهواز المغيرة بن الفزع السعدي، فأخرج محمد بن الحصين عامل المنصور، وغلب على البلد، ووجه يعقوب بن الفضل بن عبد الرحمن بن عباس بن ربيعة بن الحارث بن عبد المطلب إلى فارس (شيراز) فدخلها، وأخرج عنها إسماعيل بن علي، ووجه هارون ابن سعد العجلي إلى واسط واستولى على ما حولها، ووجه برد بن لبيد اليشكري إلى كسكر -قرب واسط-، فغلب عليها.
وخرج إبراهيم من البصرة واستخلف نميلة بن مرة الأسعدي، وكان قد أحصى ديوانه، فكانوا ستين ألفا، فخرج من البصرة في أول ذي القعدة سنة (145هـ)، فأخذ على كسكر يقصد المنصور. ثم زحف إبراهيم حتى صار إلى قرية يقال لها باخمرا بين الكوفة وواسط وهي أقرب الى الكوفة -ولا يبعد أن تكون منطقة أبو غرب الحالية في الحلة-، وصار عيسى بن موسى العباسي إلى قرية يقال لها سحا، وقدم العباسيون حميد بن قحطبة الطائي للقتال، والتحمت الحرب، وكانت أشد حرب، والدائرة على عيسى بن موسى حتى شك الناس في علو إبراهيم وظفره، ثم إن سلم بن قتيبة الباهلي خرج على أصحاب إبراهيم من ناحية بخيل، فتوهموا كمينا، فانهزموا، وبقي إبراهيم في أربعمائة من أصحابه يحارب أشد محاربة، حتى قتل، وحملوا رأسه الى المنصور وقد همَّ بالفرار من الكوفة. (ينظر: تاريخ اليعقوبي:2/379)
4- ثورة ابن طباطبا في الكوفة
وهو محمد بن إبراهيم الملقب طباطبا بن إسماعيل الديباج، بن إبراهيم بن الحسن بن الحسن بن علي بن أبي طالب (ع)، وكان محمد يمشي يوماً في أزقة الكوفة فرأى امرأة عجوزاً تتتبَّع أحمال الرطب، فتلتقط ما يسقط منه ثم تجمعه في كساء رث عليها فسألها عما تصنع ذلك؟ فقالت: إني امرأة لا رجل لي يقوم بمؤنتي، ولي بنات لا يعدن على أنفسهن بشئ فأنا أتتبُّع الطريق وأتقوته أنا وولدي! وقيل رأى امرأة تأخذ ميتة من مزبلة، فبكى محمد من ذلك، ثم قال: أنت والله وأشباهك تخرجوني غداً حتى يسفك دمي، ثم نفذت بصيرته على الخروج (مقاتل الطالبيين:346). فدعا أبا السرايا الشيباني –السري بن منصور أحد قادة المأمون العباسي فاستجاب له، وبايعه على الرضا من آل محمد (ص) والعمل بالكتاب والسنة. (أعيان الشيعة: 7: 217)
وأقبل أبو السرايا وفرسانه من الرقة ومروا على كربلاء، وزاروا قبر الحسين (ع) وأطال أبو السرايا الزيارة، ثم خطب فذكر أصحابه بفضل أهل البيت (ع) وما خصهم الله به، وظلم الأمة لهم، وقال: أيها الناس، هبكم لم تحضروا الحسين فتنصروه، فما يقعدكم عمن أدركتموه ولحقتموه، وهذا محمد إبراهيم خارج طالب بثأره وحقه وتراث آبائه وإقامة دين الله، فما يمنعكم من نصرته ومؤازرته؟ إنني خارج من وجهي هذا الى الكوفة للقيام بأمر الله والذب عن دينه، والنصر لأهل بيته، فمن كان له نية في ذلك فليلتحق بي.
وكان العامل على الكوفة سليمان بن المنصور العباسي فدخل أبو السرايا بفرسانه الكوفة سلماً دون قتال، ووافاه محمد بن إبراهيم فدعاهم الى بيعته فبايعه الناس حتى ازدحموا عليه، في العاشر من جمادى الأولى سنة مائة وتسع وتسعون للهجرة.
فاستدعى الحسن بن سهل وزير المأمون زهير بن المسيب الضبي وأمره بالمسير الى الكوفة لمقاتلة أبي السرايا، فهاجم أبو السرايا مقدمته فقتل أكثرهم وفرَّ الباقون، وغنم أبو السرايا أسلحتهم ودوابهم. وزحف عسكر زهير حتى وافى قنطرة الكوفة وهم يصيحون: يا أهل الكوفة زينوا نساءكم وأخواتكم وبناتكم للفجور، والله لنفعلنَّ بهن كذا وكذا! وأبو السرايا يقول لهم: أذكروا الله وتوبوا إليه واستغفروه، وهاجمهم أبو السرايا صباحاً فانهزموا، وغنم أهل الكوفة غنيمة كبيرة. ثم بعث وزير المأمون –الحسن بن سهل- جيشاً آخر من ثلاثة آلاف مع عبدوس بن عبد الصمد، فنشبت الحرب بينهم ولقي أبو السرايا عبدوس وجهاً لوجه فصاح: أنا أبو السرايا، أنا أسد بني شيبان، ثم حمل على عبدوس فقتله وانهزم أصحابه، وانتصر أهل الكوفة، وغنموا غنيمة عظيمة.
وكان ابن طباطبا مريضاً فمات في أوائل رجب، فبايع أبو السرايا محمد بن محمد بن زيد بن علي بن الحسين (ع)، وكان غلاماً حدث السن، لكن أبا السرايا رتب دولته، وضرب السكة، وبعث العمال على الأمصار. (مقاتل الطالبيين:355 وما بعدها)
ثم بعث إليه الحسن بن سهل هرثمة بن أعين في ثلاثين ألفاً، الى البصرة والمدائن وواسط، حيث امتد نفوذ أبي السرايا، فاشتبك معه في المدائن وفي الكوفة، فانهزم أصحاب أبي السرايا بعد أن قتل الكثير منهم، وانهزم أبو السرايا الى السوس في الأهواز، وتعقبه جيش المأمون فقبضوا عليه وجاؤوا به الى الحسن بن السهل فضرب عنقه، وذلك في العاشر من ربيع الأول سنة مائتين للهجرة، أي بعد سنة من حكومته، ثم قطعوا جسده نصفين وصلبوه على جسر بغداد. (تاريخ الطبري: 7: 123).
5- ثورة زيد بن موسى بن جعفر في البصرة
كان أبو السرايا -السابق ذكره- قد ولاه الأهواز بعد موت محمد بن طباطبا، فدخل البصرة وغلب عليها، وأحرق دور بنى العباس وأضرم النار في نخيلهم وجميع ممتلكاتهم، فقيل له زيد النار، وحاربه الحسن بن سهل وزير المأمون فظفر به، وأرسله إلى المأمون فأدخل عليه بمرو مقيدا، فأرسله المأمون إلى أخيه الإمام علي بن موسى الرضا (ع)، ووهب له جرمه، فحلف علي الرضا (ع) أن لا يكلمه أبدا وأمر بإطلاقه. ثم إن المأمون سقاه السم فمات. (عمدة الطالب: للسيد ابن عنبة:221)
6- ثورة علي بن محمد بن جعفر الصادق
ثار في الكوفة سنة 202هـ، بمعاونة أبي عبد الله أخو أبي السرايا، وكانت الأوضاع السياسية في العراق مضطربة، فقد نزع أهل بغداد طاعة المأمون، فأمر المأمون نائبه الحسن بن سهل بمحاصرة بغداد لإجبار أهلها على الطاعة، وتمرد قواد الجيش ودعوا الى مبايعة إبراهيم بن المهدي.
وبالرغم من أن والي الكوفة كان العباس بن الإمام الكاظم (ع)، إلا أن أهل الكوفة رفضوا البيعة للمأمون، وبايعوا علي بن محمد بن جعفر الصادق، ودارت معركة بين القوتين، أدت الى إلحاق الضرر بالكوفة، وانهزم العباس بن الكاظم (ع) والي الكوفة من قبل المأمون ودخل الثوار الكوفة، لكن سرعان ما قام العباسيون بحصد قادة هذه الثورة وقتلهم، فاضطر أهل الكوفة لمبايعة المأمون مرة أخرى. (ينظر: تاريخ الطبري:7 /142 وما بعدها، جهاد الشيعة سميرة الليثي ص366 وما بعدها)


قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat


د . عبد الهادي الطهمازي
 (للدخول لصفحة الكاتب إضغط هنا)

    طباعة   ||   أخبر صديقك عن الموضوع   ||   إضافة تعليق   ||   التاريخ : 2019/10/20



كتابة تعليق لموضوع : ثورات العلويين في العراق
الإسم * :
بريدك الالكتروني :
نص التعليق * :
 



حمل تطبيق (كتابات في الميزان) من Google Play



اعلان هام من قبل موقع كتابات في الميزان

البحث :





الكتّاب :

الملفات :

مقالات مهمة :



 إنسانية الإمام السيستاني

 بعد إحراجهم بكشف عصيانها وخيانتهم للشعب: المرجعية الدينية العليا تـُحرج الحكومة بمخالفة كلام المعصومين.. والعاصفة تقترب!!!

 كلام موجه الى العقلاء من ابناء شعبي ( 1 )

 حقيقة الادعياء .. متمرجعون وسفراء

 قراءة في خطبة المرجعية : هل اقترب أَجلُ الحكومةِ الحالية؟!

 خطر البترية على بعض اتباع المرجعية قراءة في تاثيرات الادعياء على اتباع العلماء

 إلى دعاة المرجعية العربية العراقية ..مع كل الاحترام

 مهزلة بيان الصرخي حول سوريا

 قراءة في خطبة الجمعة ( 4 / رمضان/ 1437هـ الموافق 10/6/2016 )

 المؤسسة الدينية بين الواقع والافتراء : سلسلة مقالات للشيخ محمد مهدي الاصفي ردا على حسن الكشميري وكتابيه (جولة في دهاليز مظلمة) و(محنة الهروب من الواقع)

 الى الحميداوي ( لانتوقع منكم غير الفتنة )

 السيستاني .. رسالة مهدوية عاجلة

 من عطاء المرجعية العليا

 قراءة في فتوى الدفاع المقدس وتحصين فكر الأمة

 فتوى السيد السيستاني بالجهاد الكفائي وصداها في الصحافة العالمية

 ما هو رأي أستاذ فقهاء النجف وقم المشرّفتَين السيد الخوئي بمن غصب الخلافة ؟

 مواقف شديدة الحساسية/٢ "بانوراما" الحشد..

أحدث مقالات الكتّاب :


مقالات متنوعة :





 لنشر مقالاتكم يمكنكم مراسلتنا على info@kitabat.info

تم تأسيس الموقع بتاريخ 1/4/2010 © محمد البغدادي 

 لا تتحمل الإدارة مسؤولية ما ينشر في الموقع من الناحيتين القانونية والأخلاقية.

  Designed , Hosted & Programmed By : King 4 Host . Net