صفحة الكاتب : الشاعر محمد البغدادي

الشيعة العرب والإعلام العربي - النموذج البحريني
الشاعر محمد البغدادي

المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الموقع، وإنما تعبر عن رأي الكاتب.

برزت مشكلة الهوية الشيعية في هذا القرن أول ما برزت إبان الاحتلال الأمريكي للعراق، فقد بدأت وسائل الإعلام تتداول مصطلحات من مثل (الشيعة العرب) في مقابل (السنة العرب)، أو مصطلح (التشيع العراقي) في مقابل (التشيع الإيراني).. وقد تقبلت الشعوب العربية والأنظمة العربية على مضض فكرة القبول بحكومة (شيعية) في العراق، وبدأت شيئا فشيئا تتعاون معها، ووصل التعاون إلى درجة القبول بفكرة انعقاد مؤتمر القمة العربية في بغداد، ولا أجد من داعٍ هنا لذكر حجم التضحيات العراقية (السنية والشيعية) من أجل الوصول إلى هذا الحال من التعامل العربي.. لأنني أريد من خلال هذا  المقال التركيز على أمر آخر بدأ بالظهور بشكل كبير في الوسائل الإعلامية العربية منذ انفجار الانتفاضة في مملكة البحرين.

وسوف أتخذ فضائيتين عربيتين كمثال باعتبار أنهما الأوسع انتشارا والأكبر تأثيرا في الشارع العربي، وهما (الجزيرة والعربية)، فإن مما يثير الغرابة زوال الاختلافات الشكلية والمبدأية بينهما واتفاقهما على عبارة (المعارضة الشيعية) في أي خبر أو تحليل توردانه في سياق برامجهما جول الانتفاضة في البحرين!

توحي كلمة (معارضة) عند المشاهد العربي بمعانٍ عدة، منها: (معارضة = أقلية)، و(معارضة = عمالة للأجنبي)، وهذه المعاني متأتية من القمع الطويل الذي تعرضت له العقلية العربية منذ أوائل عهود الاستقلال في القرن الماضي، وحين يتم تركيب كلمة (معارضة) على كلمة (شيعية) فسيتجه الذهن العربي إلى معنى: (أقلية عميلة للأجنبي وهو بالضرورة إيران في الحالة البحرينية).. وبذلك تقود هاتان الفضائيتان (وعدد هائل من وسائل الإعلام الأخرى) الذهنَ العربي إلى مغالطة خطيرة وكبيرة.. موحية له (للذهن العربي) أن هؤلاء المتظاهرين في البحرين يستحقون القتل والتنكيل واستباحة الدماء والأعراض!

سأتحدث في ما يلي بشيء من الطائفية، وأعتذر عن ذلك مقدما، ولكنني أريد إيصال فكرة جوهرية..

حصل الشيعة العرب في البحرين في آخر انتخابات على الأغلبية الانتخابية، ومع هذا بقيت تسميتهم الإعلامية بـ(المعارضة) مع أن الحقيقة التي أفرزتها صناديق الاقتراع هي أنهم (الأغلبية) في المملكة، والأغلبية تعني عددا من الحقوق السياسية، منها: حق تشكيل الحكومة، رئاسة الحكومة، رئاسة البرلمان، التمثيل الوزاري الأكبر، فضلا عن الحقوق المدنية والاجتماعية الأخرى..

ولكن الشيعة لم ينالوا شيئاً من هذه الحقوق، وبقي تمثيلهم شكلياً في مجلس النواب وفي الحكومة! ومع ذلك لم نشهد منهم بعد تلك الانتخابات تذمراً يُذكر ولا حركة احتجاجية ذات أثر، لأنهم فضلوا المصلحة العامة للمملكة ورأوا أن يتنازلوا للملك عن حقهم الانتخابي باعتباره الرمز الأعلى للدولة والممثل الأول المسؤول دستوريا عن تحقيق إرادة الشعب..

وفي المقابل، استغل الملك ومستشاروه هذا التنازل، فقاموا بإقصاء الشيعة واجتثاثهم وحرمانهم لا من حقوقهم السياسية فقط، ولكن من حقوقهم المدنية والاجتماعية أيضا..! وتم تفضيل السنة والمجنسين (الذين لا يجيد أكثرهم اللغة العربية أصلا) في الوظائف والمساكن والمعونات والضرائب والأعمال وحتى في الضمان الصحي!

والآن سأسأل: من هو الطائفي؟

وقبل أن نجيب على هذا السؤال، سأفتح الحديث عن الشق الآخر من عبارة (المعارضة الشيعية) المتداولة في الفضائيتين وغيرهما.. فكلنا نشهد من خلال مشاهد اليوتيوب أن المتظاهرين لم يكونوا جميعهم من (الشيعة) بل كان فيهم (سنة) و(مسيحيون) و(شيوعيون) أيضا.. فلماذا التركيز على (المعارضة الشيعية) يا ترى؟

 

يأتينا الجواب من استقراء نتائج الاجتماع الاستثنائي لوزراء خارجية دول مجلس التعاون الخليجي الذي انعقد في المنامة نفسها بُعيد المجزرة التي كانت القوات العسكرية تقوم بها في ميدان اللؤلؤ باستخدام الرصاص والقنابل المسيلة للدموع والعنف المفرط، فالسادة الوزراء خائفون من (تمدد إيراني) في خاصرتهم، وهو أمر خيالي لا تتفتق عنه أذهان هؤلاء الوزراء الكرام تجاه (التمدد الأمريكي) ولا حتى (التمدد الإسرائيلي) الموجود فعلياً في خواصرهم ونحورهم وجحورهم أيضا!

أنني لست هنا في معرض الدفاع عن الموقف الإيراني، بل وأذهب إلى أبعد من ذلك وأقف في الصف المعاكس لإيران المشكك بنواياها والمتهِّم لها بمحاولة التمدد فعلا في الجسد العربي، ولكنني أؤمن بمنطق الأولويات، فالخطر الأول الذي يواجهه العرب (سنة وشيعة) يأتيهم من إسرائيل وأمريكا، والخطر الإيراني يأتي في المرتبة الثانية في مراتب الأولويات، ولذلك أعيب على وزراء خارجية مجلس التهاون (نعم، قصدتُ: التهاون بالهاء، وليس: التعاون) أعيب عليهم اجتماعهم لدرء الخطر الإيراني الذي يريد أن يتمدد وتهاونهم إزاء الخطر الإسرائيلي - الأمريكي المتمدد أصلا..

ختاما.. أكرر اعتذاري على العبارات الطائفية التي وجدت نفسي مضطراً للخوض فيها لكي أصل إلى الختام الجوهري الذي أريد أن أصل إليه، وهو:

الشيعة العرب عرب، ودماؤهم وأرواحهم وأعراضهم وأموالهم يجب أن تصان لأنها حرام، مثلها مثل دماء وأرواح وأعراض وأموال أي مواطن عربي، بل وأي إنسان يتنفس الهواء على الكرة الأرضية..

والسلام على السلام


قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat


الشاعر محمد البغدادي
 (للدخول لصفحة الكاتب إضغط هنا)

    طباعة   ||   أخبر صديقك عن الموضوع   ||   إضافة تعليق   ||   التاريخ : 2012/02/05



كتابة تعليق لموضوع : الشيعة العرب والإعلام العربي - النموذج البحريني
الإسم * :
بريدك الالكتروني :
نص التعليق * :
 



حمل تطبيق (كتابات في الميزان) من Google Play



اعلان هام من قبل موقع كتابات في الميزان

البحث :





الكتّاب :

الملفات :

مقالات مهمة :



 إنسانية الإمام السيستاني

 بعد إحراجهم بكشف عصيانها وخيانتهم للشعب: المرجعية الدينية العليا تـُحرج الحكومة بمخالفة كلام المعصومين.. والعاصفة تقترب!!!

 كلام موجه الى العقلاء من ابناء شعبي ( 1 )

 حقيقة الادعياء .. متمرجعون وسفراء

 قراءة في خطبة المرجعية : هل اقترب أَجلُ الحكومةِ الحالية؟!

 خطر البترية على بعض اتباع المرجعية قراءة في تاثيرات الادعياء على اتباع العلماء

 إلى دعاة المرجعية العربية العراقية ..مع كل الاحترام

 مهزلة بيان الصرخي حول سوريا

 قراءة في خطبة الجمعة ( 4 / رمضان/ 1437هـ الموافق 10/6/2016 )

 المؤسسة الدينية بين الواقع والافتراء : سلسلة مقالات للشيخ محمد مهدي الاصفي ردا على حسن الكشميري وكتابيه (جولة في دهاليز مظلمة) و(محنة الهروب من الواقع)

 الى الحميداوي ( لانتوقع منكم غير الفتنة )

 السيستاني .. رسالة مهدوية عاجلة

 من عطاء المرجعية العليا

 قراءة في فتوى الدفاع المقدس وتحصين فكر الأمة

 فتوى السيد السيستاني بالجهاد الكفائي وصداها في الصحافة العالمية

 ما هو رأي أستاذ فقهاء النجف وقم المشرّفتَين السيد الخوئي بمن غصب الخلافة ؟

 مواقف شديدة الحساسية/٢ "بانوراما" الحشد..

أحدث مقالات الكتّاب :


مقالات متنوعة :





 لنشر مقالاتكم يمكنكم مراسلتنا على info@kitabat.info

تم تأسيس الموقع بتاريخ 1/4/2010 © محمد البغدادي 

 لا تتحمل الإدارة مسؤولية ما ينشر في الموقع من الناحيتين القانونية والأخلاقية.

  Designed , Hosted & Programmed By : King 4 Host . Net