صفحة الكاتب : د . عبد الهادي الطهمازي

تاريخ تحالف ربيعة والمنتفق
د . عبد الهادي الطهمازي

المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الموقع، وإنما تعبر عن رأي الكاتب.

في القرن الخامس الى القرن السابع الهجري
في أواخر القرن الرابع الهجري کان بنو المنتفق بن عامر بن عقيل ينزلون ريف البصرة، ويعملون في زراعة النخيل حتى قيل لهم (أهل السعفة).
ويقال لزعيمهم مقدم بني المنتفق، والذي أطلق عليه فيما بعد في عرف العشائر العربية (العقيد)، ولم تكن القبائل تشترط في العقيد (المقدم) أن يكون منها، بل كان المهم لديهم هو حكمته وحنكته في قيادتهم أثناء الحروب.
لذا كان مقدم المنتفق (العقيد) رجل من ربيعة ومن أسرة منها يقال لها بنو معروف.
ثم تركوا البصرة الی بطائح الغراف، وربما بسبب الفيضانات المتكررة وهلاك المزروعات. (ينظر: عشائر المنتفق: سليمان فائق:12).
أما ربيعة فقد كانت البطائح أعني مناطق ما بين دجلة والفرات حول نهر الغراف.
وربيعة في ذلك الزمان كانت تجمع: ((بقايا بني شيبان، وعجل بن لجيم، وبني ذهل بن ثعلبة، والذين کانوا يسکنون في الأطراف الغربية للبطائح)) (تاريخ الناصرية:75) منذ العصر الجاهلي.
ثم انضمت إليهم بطون أخری من ربيعة کانت قد هاجرت الی الشمال واستقرت بين الزابين شرق الموصل، وهم: بعض بني شيبان، وعنزة بن أسد، وربما کان السبب في رجوعهم الی البطائح تزايد نفوذ بني عقيل في الموصل، وهربا من هجمات قبائل الغز الترکمانية.
وانضم إليهم أيضا بنو تغلب الذين فقدوا ملکهم المتمثل بدولة بني حمدان، فعادوا جميعا أواخر القرن العاشر الميلادي (الرابع الهجري) من الموصل والجزيرة الی البطائح. (البدو: أونهايم:3/507 ).
فاتسع بذلك نفوذ ربيعة وقوتهم في المنطقة، ((وکانت ربيعة البطائح عموما، هي الأخری قد فقدت مکاسبها السياسية يومذاك بزوال إمارة عمران بن شاهين الخفاجي، حيث کانوا يشکلون القسط الأعظم من أتباعه)) (تاريخ الناصرية:88)، فشکلوا جميعا تحالفا مع المنتفق عام 499 هـ، بزعامة بني معروف الذين يعتقد أنهم کانوا من تغلب.
وبما أن المنتفق سكنوا بلاد ربيعة (البطائح) فلم يكن لهم بد سوى التحالف مع ربيعة.
وقد ظهر هذا التحالف –المنتفق وربيعة- أساسا کقوة لمواجهة صدقة بن دبيس الأسدي أمير الحلة، وکانت إمارة بني أسد قد اتسع نفوذها حتى وصلت البصرة، حيث ضم صدقة البصرة الی ممتلکاته عام 499هـ، واستناب بها مملوکا کان لجده يدعی (التوفتاش) وجعل معه 120 فارسا لحماية المدينة. ويظهر أنه کانت لربيعة أطماع في البصرة، وهي بالأساس مساكن المنتفق فاقتضت المصلحة المشتركة للقبيلتين الى التحالف فيما بينهما
وانضمت الى هذا التحالف عشائر أخری، وساروا نحو البصرة فهاجموها في خمسة أو ستة آلاف فارس أواخر سنة 499هـ، فلم يقدر التوفتاش علی مواجهتهم، ووقع في الأسر بعد حرب استمرت بينهم قرابة الشهر، وسقطت البصرة في أيديهم، لكنهم لم يسكنوها بل قاموا بنهبها والعودة الى مواقعها، وربما كانت السبب في ذلك هو الخوف من غضب الخليفة العباسي.
(ينظر: التحفة النبهانية: ص295 و391 مختصرا، البصرة: تاريخها وعشائرها: حسن خان ص31)
ثم أخذ هذا التحالف يزداد قوة ونفوذا، بحيث التجأ إليه أمير الحلة دبيس بن صدقة بن منصور عام 517 هـ، فارا من الخليفة العباسي المسترشد. ((وکان دبيس قد شغب علی المسترشد، فوجه إليه البرسقي في ثمانية آلاف مقاتل، فانهزم عسکر دبيس وفرَّ هو الی البادية، وقصد غزية من عرب نجد فطلب منهم أن يحالفوه فامتنعوا عليه، فرحل إلى المنتفق واتفق معهم على قصد البصرة وأخذها، فساروا إليها ودخلوها، ونهبوا أهلها وقتل الأمير سخت كمان مقدم عسكرها وأجلى أهلها)). (الکامل في التاريخ:10/610 باختصار)
وفرض التحالف الجديد- ربيعة والمنتفق- بقوته المتنامية نفسه علی ساحة الأحداث بعد احتلاله للبصرة فلم ير الخليفة العباسي حلا سوی أن يعهد بولاية البصرة إليهم، ((فصدر الأمر من الخليفة سنة 532 هـ بتعيين الشيخ معروف رئيس المنتفق واليا علی البصرة)). (التحفة النبهانية:391)
فبقي الشيخ معروف وأصله من ربيعة واليا عليها حتی عزله عن ولايتها المقتفي لأمر الله سنة 554 هـ، وعين بدله کمشتکين الترکي واليا. (مختصر تاريخ البصرة: الأعظمي:108)
وبسبب هذه المکاسب السياسية النسبية دان تحالف ربيعة والمنتفق بالطاعة للخليفة العباسي، فالتحقوا بعسکره الذي تولی مهمة إجلاء بني أسد عن العراق سنة 558 هـ، قال ابن الأثير في الکامل:11/296: ((أمر الخليفة المستنجد بالله بإهلاك بني أسد أهل الحلة المزيدية؛ لما ظهر من فسادهم ولما كان في نفس الخليفة منهم من مساعدتهم السلطان محمدا (السلجوقي) لما حصر بغداد، فأمر يزدن بن قماج بقتالهم وإجلائهم من البلاد، وكانوا منبسطين في البطائح فلا يقدر عليهم، فتوجه يزدن إليهم وجمع عساكر كثيرة من فارس وراجل، وأرسل إلى ابن معروف مقدم المنتفق وهو بأرض البصرة، فجاء في خلق كثير وحصرهم وسكر عنهم الماء وصابرهم مدة، فأرسل الخليفة يعتب على يزدن ويعجزه وينسبه إلى موافقته في التشيع، وكان يزدن يتشيع فجد هو وابن معروف في قتالهم والتضييق عليهم، وسد مسالكهم في الماء فاستسلموا حينئذ فقتل منهم أربعة آلاف قتيل، ونودي فيمن بقي من وجد بعد هذا في الحلة المزيدية فقد حل دمه، فتفرقوا في البلاد ولم يبق منهم بالعراق من يعرف، وسلمت بطائحهم إلى ابن معروف وبلادهم)).
((وفي سنة 588 هـ أغار عميرة العامري العقيلي صاحب الأحساء علی البصرة، فخرج النائب علی البصرة محمد بن إسماعيل لمواجهتهم، فانهزم ودخلوا البلد، وکان النائب قد طلب من المنتفق وخفاجة النجدة والنصرة، فجاءت المنتفق وخفاجة فالتقوا مع بني عامر بضواحي البصرة، فانتصر بنو عامر وعادوا الی البصرة للنهب والسلب)). (مختصر تاريخ البصرة:110)
ويظهر أن هذا الحلف بين ربيعة والمنتفق قد اتسع ليشمل قبائل أخری، ففي سنة 597أو 588هـ جمعت عشائر الشام، وهم: ((ربيعة طيء، وزبيد طيء، وغزية يريدون غزو الکوفة، وزعيمهم دهمش بن سند الغزي، وکان زعيم عشائر العراق يومذاك محمد بن أبي الحسين وهو من ربيعة أيضا- محمد بن أحمد بن الفضل العيوني أحد أمراء الدولة العيونية-، فجمع ربيعة وعبادة وعقيلا وخفاجة والمنتفق والأعلم بن خويلد، فالتقی الطرفان قرب النجف ووقعت الهزيمة علی قبائل طيء، واستجار دهمش بمشهد الإمام علي (ع)، فأقام الأمير محمد بن أبي الحسين الحراس بباب المشهد لئلا يهرب، ووصل الخبر للخليفة الناصر لدين الله العباسي، فأمر أن يقبضوا عليه بغير ازعاج رعاية لحرمة المشهد الشريف)) (الإيجاز في تاريخ البصرة ونجد والحجاز: عارف الفتح:1/288 مختصرا، مجلة الوثيقة: العدد/1)
لکن بني معروف وعشائرهم من ربيعة والمنتفق سلکوا طريق العصيان في السنوات التالية، فهاجموا القطيف سنة 609هـ، وعادوا عنها منهزمين (البدو:3/508)، وتکررت حالات اعتدائهم علی القبائل والمناطق المجاورة فأرسل الخليفة الناصر لدين الله الشريف معد لکسر شوکتهم، قال ابن الأثير في أحداث سنة 616هـ: ((في هذه السنة في ذي القعدة أمر الخليفة الناصر لدين الله الشريف معدا متولي بلاد واسط، أن يسير إلى قتال بني معروف فتجهز، وجمع معه من الرجالة من تكريت وهيت والحديثة والأنبار والحلة والكوفة وواسط والبصرة وغيرها خلقا كثيرا وسار إليهم، ومقدمهم حينئذ معلى بن معروف وهم قوم من ربيعة.
وكانت بيوتهم غربي الفرات تحت سوراء وما يتصل بذلك من البطائح، وكثر فسادهم وأذاهم لما يقاربهم من القرى وقطعوا الطريق، وأفسدوا في النواحي المقاربة لبطيحة الغراف، فشكا أهل تلك البلاد الديوان منهم، فأمر معدا أن يسير إليهم في الجموع فسار إليهم، فاستعد بنو معروف لقتاله فاقتتلوا بموضع يعرف بالمقير وهو تل كبير بالبطيحة بقرب الغراف، وكثر القتل بينهم، ثم انهزم بنو معروف وكثر القتل فيهم والأسر والغرق وأخذت أموالهم، وحملت رؤوس كثيرة من القتلى إلى بغداد في ذي الحجة من السنة))، ((فاضطرهم الی الجلاء من البطائح فذهبوا نحو الأحساء والقطيف ليستوطنوا فيهما، فما تمکنوا من البقاء لکثرة أضدادهم هناك، فعادوا نحو البصرة وطلبوا من متسلمها أن يکاتب وزارة بغداد بالعفو عنهم ليعودوا هادئين، فکتب المتسلم لهم بذلك وسيرهم الی بغداد ليعرضوا الخضوع والانقياد لأوامر الخليفة، فلما قاربوا واسط لقيهم قاصد من الوزارة ومعه سرية لمقاتلتهم، وعدم الإذن لهم بدخول العراق، فتحاربوا حتی تفوقوا عليه وغنموا أسلحة تلك السرية، فتمکنوا بها من احتلال البطيحة، وذلك سنة 617 هـ أو 618 وعاد جميع بني معروف والمنتفق الی البطائح وقوي أمرهم فيها)). (التحفة النبهانية:392 مختصرا، الإيجاز في تاريخ البصرة ونجد والحجاز:1/304)


قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat


د . عبد الهادي الطهمازي
 (للدخول لصفحة الكاتب إضغط هنا)

    طباعة   ||   أخبر صديقك عن الموضوع   ||   إضافة تعليق   ||   التاريخ : 2019/09/26



كتابة تعليق لموضوع : تاريخ تحالف ربيعة والمنتفق
الإسم * :
بريدك الالكتروني :
نص التعليق * :
 



حمل تطبيق (كتابات في الميزان) من Google Play



اعلان هام من قبل موقع كتابات في الميزان

البحث :





الكتّاب :

الملفات :

مقالات مهمة :



 إنسانية الإمام السيستاني

 بعد إحراجهم بكشف عصيانها وخيانتهم للشعب: المرجعية الدينية العليا تـُحرج الحكومة بمخالفة كلام المعصومين.. والعاصفة تقترب!!!

 كلام موجه الى العقلاء من ابناء شعبي ( 1 )

 حقيقة الادعياء .. متمرجعون وسفراء

 قراءة في خطبة المرجعية : هل اقترب أَجلُ الحكومةِ الحالية؟!

 خطر البترية على بعض اتباع المرجعية قراءة في تاثيرات الادعياء على اتباع العلماء

 إلى دعاة المرجعية العربية العراقية ..مع كل الاحترام

 مهزلة بيان الصرخي حول سوريا

 قراءة في خطبة الجمعة ( 4 / رمضان/ 1437هـ الموافق 10/6/2016 )

 المؤسسة الدينية بين الواقع والافتراء : سلسلة مقالات للشيخ محمد مهدي الاصفي ردا على حسن الكشميري وكتابيه (جولة في دهاليز مظلمة) و(محنة الهروب من الواقع)

 الى الحميداوي ( لانتوقع منكم غير الفتنة )

 السيستاني .. رسالة مهدوية عاجلة

 من عطاء المرجعية العليا

 قراءة في فتوى الدفاع المقدس وتحصين فكر الأمة

 فتوى السيد السيستاني بالجهاد الكفائي وصداها في الصحافة العالمية

 ما هو رأي أستاذ فقهاء النجف وقم المشرّفتَين السيد الخوئي بمن غصب الخلافة ؟

 مواقف شديدة الحساسية/٢ "بانوراما" الحشد..

أحدث مقالات الكتّاب :


مقالات متنوعة :





 لنشر مقالاتكم يمكنكم مراسلتنا على info@kitabat.info

تم تأسيس الموقع بتاريخ 1/4/2010 © محمد البغدادي 

 لا تتحمل الإدارة مسؤولية ما ينشر في الموقع من الناحيتين القانونية والأخلاقية.

  Designed , Hosted & Programmed By : King 4 Host . Net