صفحة الكاتب : د . الشيخ عماد الكاظمي

قراءة تربوية إصلاحية (2) في أدعية الصحيفة السجادية -الإنسان القدوة في دعاء مكارم الأخلاق-
د . الشيخ عماد الكاظمي

المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الموقع، وإنما تعبر عن رأي الكاتب.


((وَلا تَرْفَعْنِي فِي النَّاسِ دَرَجَةً إِلَّا حطَطْتَنِي عِنْدَ نَفْسِي مِثْلَها، وَلا تُحْدِثْ لِي عِزّاً ظاهِراً إِلَّا أَحْدَثْتَ لِي ذِلَّةً باطِنَةً عِنْدَ نَفْسِي بِقَدَرِها)).
- المطلب الثاني: التواضع.
    إنَّ صفة التواضع من أهم الصفات الإنسانية التي حثت عليها الشريعة المقدسة في كثير من تعاليمها؛ لإيجاد مجتمعٍ متكافلٍ يفكِّر كُلٌّ منهما بالآخر من خلال التعرُّفِ عليه وعلى ما يحتاجه، ومحاولة تلبية ذلك، وهذا لا يمكن أنْ يكون في بيئة إلا إذا كان للتواضع دور في تربية النفس والمجتمع، وهذا ما بيَّنه الإمام (عليه السلام) في الفقرتين الثانية والعشرين والثالثة والعشرين من دعائه بقوله: ((وَلا تَرْفَعْنِي فِي النَّاسِ دَرَجَةً إِلاّ حطَطْتَنِي عِنْدَ نَفْسِي مِثْلَها، وَلا تُحْدِثْ لِي عِزّاً ظاهِراً إِلاّ أَحْدَثْتَ لِي ذِلَّةً باطِنَةً عِنْدَ نَفْسِي بِقَدَرِها))، ولو أردنا أنْ نتتبع الآيات والروايات التي حثت على هذه الصفة من مكارم الأخلاق لاتسع الحديث في ذلك ولكن نختصر على بعض الموارد منها، قال تعالى: ﴿وَٱخْفِضْ جَنَاحَكَ لِلْمُؤْمِنِينَ﴾ ( ) ، وقال تعالى: ﴿وَٱخْفِضْ جَنَاحَكَ لِمَنِ ٱتَّبَعَكَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ﴾ ( )، فالآيتان المباركتان في سياق أمر النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) بأنْ يتواضع للمؤمنين، قال "الراغب": ((الخَفْضُ ضِدَّ الرَّفْعِ، والخَفْضُ الدَّعَةُ والسَّيْرُ اللَّيِّنُ ﴿وَٱخْفِضْ لَهُمَا جَنَاحَ الذُّلِّ﴾ ( ) فهو حَثُّ على تَليينِ الجانِبِ والانقيادِ كَأنَّهُ ضِدَّ قَوْلِهِ: ﴿أَلَّا تَعْلُوا عَلَيَّ﴾ ( ))) ( )، وفي ذلك أعظم الدروس التربوية عندما يكون هذا الخطاب من قبل الله تعالى لخاتم النبيين والمرسلين، والذي هو القدوة للمؤمنين، وفي تفسير الآية المباركة قال الشيخ "الطبرسي" (ت548ﻫ/1153م): ((أي أَلِنْ لهم جانِبَكَ، وٱرفقْ بهم، والعربُ تقولُ: فلانٌ خافِضُ الجناحِ إذا كانَ وقورًا حليمًا، وأصلهُ أنَّ الطائِرَ إذا ضَمَّ فرخَهُ إلى نفسِهِ بَسَطَ جناحَهُ ثم خفضَهُ، فالمعنى: تواضَعْ للمؤمنينَ لكي يَتَّبِعَكَ الناسُ في دينِكَ)) ( )، بل إنه درسٌ لكُلٍّ قائدٍ تربويٍّ في المجتمع الإنساني بأنْ يبدأ بنفسه فيهذبها ويربِّيها على معالي الأخلاق العملية ومنها التواضع، وقال الشيخ "ناصر مكارم الشيرازي" عند تفسير الآية بعنوان "تواضع القائد": ((لقد أُوصِيَ النبيُّ "صلى الله عليه وآله وسلم" مِرارًا من خلالِ القرآنِ الكريمِ أنْ يكونَ مع المؤمنينَ متواضِعًا، مُحِبًّا، سهلًا ورحيمًا، والوصايا ليستْ منحصرةً بخصوصِ نبيِّ الإسلامِ، بل هي عامةٌ لكُلِّ قائدٍ وموجِّهٍ، سواء ًكانت دائرةُ قيادتِهِ واسعةً أم محدودةً، فعليه أنْ يأخذَ بهذا الأصلِ الأساسيِّ في الإدارةِ والقيادةِ الصحيحةِ، إنَّ حُبَّ وتعلُّقَ الأفرادِ بقائِدِهم من الأُسُسِ الفاعلةِ لنجاحِ القائدِ، وهذا ما لا يتحقَّقُ من دونِ تواضعِهِ وطلاقَةِ وجهِهِ وحُبِّهِ لخيرِ أفرادهِ)) ( )، فبالتواضع العملي الذي تدعو إليه الآية المباركة يستطيع الإنسان أنْ يكون مؤثِّرًا في غيره، فضلًا عن نفسه التي بين جنبيه، والإمام السجاد (عليه السلام) بعبارة ملؤها الحب والتفاني في مناجاة الله تعالى يطلب منه أنْ يكون في غاية التواضع ليصِلَ إلى أعلى المنازل التي أعدَّها الله لعباده كما ورد في الحديث الشريف عن معاوية بن عمار، عن أبي عبد الله (عليه السلام): ((قال: سمعته يقول: إنَّ في السماءِ مَلَكينِ موكَّليْنِ بالعبادِ، فمَنْ تواضَعَ للهِ رفعاهُ، ومَنْ تكبَّرَ وضعاهُ))( )، فالحديث يشير إلى آثار التواضع في الدنيا والآخرة، ولقد كانت أولى صفات الأنبياء ذلك، ومنهم نبينا محمد (صلى الله عليه وآله وسلم) فقد ورد عن محمد ٱبن مسلم قال: ((سمعتُ أبا جعفر "عليه السلام" يذكر أنه أتى رسول الله "صلى الله عليه وآله" مَلَكٌ فقال: إنَّ اللهَ عزوجل يُخَيِّرُكَ أنْ تكونَ عبدًا رسولًا متواضعًا، أو مَلَكًا رسولًا، قالَ: فنظرَ إلى جبرئيلَ وأومأ بيدهِ [النبي] أنْ تواضعَ، فقالَ: عبدًا متواضعًا، رسولًا)) ( )، فالتواضع منزلة من منازل الأنبياء والأولياء والإمام يدعو الناس لأنْ يتخلقوا بتلك الصفات من خلال دعاء الله تعالى بالتوفيق لذلك، فهو من آثار الطاعة والانقياد لله تعالى.

الهوامش 
ـــــــــــــــــــــ
( 1 ) سورة الحجر: الآية 88 
( 2 ) سورة الشعراء: الآية 215
( 3 )  سورة الإسراء: الآية 24
( 4  )  سورة النمل: الآية 31
( 5 ) ص159 (خفض).
( 6 )  مجمع البيان في تفسير القرآن  6/130
( 7 )  الأمثل في تفسير كتاب الله المنزل، (دار إحياء التراث العربي، بيروت، ط2، 1426ﻫ 2005م)  8/84  ولو أننا تتبعنا سيرة النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) لرأينا أنَّ القرآن في عدد من آياته يبيِّن لنا ذلك التواضع والخلق الرفيع، ومكارم الأخلاق، قال تعالى: ﴿فَبِمَا رَحْمَةٍ مِنَ اللَّهِ لِنْتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنْتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لَانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاسْتَغْفِرْ لَهُمْ وَشَاوِرْهُمْ فِي الْأَمْرِ﴾ [سورة آل عمران: الآية 15] وغيرها من الآيات المباركة.
( 8 )  الكليني: الكافي 2/122 باب (التواضع) الحديث 2 
( 9 )  الكليني: الكافي 2/122 باب (التواضع) الحديث 5 
 


قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat


د . الشيخ عماد الكاظمي
 (للدخول لصفحة الكاتب إضغط هنا)

    طباعة   ||   أخبر صديقك عن الموضوع   ||   إضافة تعليق   ||   التاريخ : 2019/09/26



كتابة تعليق لموضوع : قراءة تربوية إصلاحية (2) في أدعية الصحيفة السجادية -الإنسان القدوة في دعاء مكارم الأخلاق-
الإسم * :
بريدك الالكتروني :
نص التعليق * :
 



حمل تطبيق (كتابات في الميزان) من Google Play



اعلان هام من قبل موقع كتابات في الميزان

البحث :





الكتّاب :

الملفات :

مقالات مهمة :



 إنسانية الإمام السيستاني

 بعد إحراجهم بكشف عصيانها وخيانتهم للشعب: المرجعية الدينية العليا تـُحرج الحكومة بمخالفة كلام المعصومين.. والعاصفة تقترب!!!

 كلام موجه الى العقلاء من ابناء شعبي ( 1 )

 حقيقة الادعياء .. متمرجعون وسفراء

 قراءة في خطبة المرجعية : هل اقترب أَجلُ الحكومةِ الحالية؟!

 خطر البترية على بعض اتباع المرجعية قراءة في تاثيرات الادعياء على اتباع العلماء

 إلى دعاة المرجعية العربية العراقية ..مع كل الاحترام

 مهزلة بيان الصرخي حول سوريا

 قراءة في خطبة الجمعة ( 4 / رمضان/ 1437هـ الموافق 10/6/2016 )

 المؤسسة الدينية بين الواقع والافتراء : سلسلة مقالات للشيخ محمد مهدي الاصفي ردا على حسن الكشميري وكتابيه (جولة في دهاليز مظلمة) و(محنة الهروب من الواقع)

 الى الحميداوي ( لانتوقع منكم غير الفتنة )

 السيستاني .. رسالة مهدوية عاجلة

 من عطاء المرجعية العليا

 قراءة في فتوى الدفاع المقدس وتحصين فكر الأمة

 فتوى السيد السيستاني بالجهاد الكفائي وصداها في الصحافة العالمية

 ما هو رأي أستاذ فقهاء النجف وقم المشرّفتَين السيد الخوئي بمن غصب الخلافة ؟

 مواقف شديدة الحساسية/٢ "بانوراما" الحشد..

أحدث مقالات الكتّاب :


مقالات متنوعة :





 لنشر مقالاتكم يمكنكم مراسلتنا على info@kitabat.info

تم تأسيس الموقع بتاريخ 1/4/2010 © محمد البغدادي 

 لا تتحمل الإدارة مسؤولية ما ينشر في الموقع من الناحيتين القانونية والأخلاقية.

  Designed , Hosted & Programmed By : King 4 Host . Net