صفحة الكاتب : د . الشيخ عماد الكاظمي

قراءة تربوية إصلاحية (1) في أدعية الصحيفة السجادية -الإنسان القدوة في دعاء مكارم الأخلاق
د . الشيخ عماد الكاظمي

المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الموقع، وإنما تعبر عن رأي الكاتب.

((اللّهُمَّ لا َتَدَعْ خِصْلَةً تُعابُ مِنِّي إِلا أَصْلَحْتَها، وَلا عائِبَةً أُؤَنَّبُ بِها إِلا أَحْسَنْتَها، وَلا أُكْرُومَةً فِيَّ ناقِصَةً إِلاّ أَتْمَمْتَها)).
- المطلب الأول: مراقبة النفس.
    إنَّ مراقبة الإنسان المؤمن لنفسه من أهم السبل التي توصل إلى الله تعالى؛ لأنَّ الإنسان بالمراقبة يمكنه أنْ يقيِّم مسيرته الظاهرة والباطنة، فالنفس إنْ تُرِكت من غير مراقبة تزيغ عن الصراط المستقيم، بسبب تسويلات الشيطان وإغوائه، فلابد من هذه المراقبة لكي يتعرَّف الإنسان على مستوى تفكيره وأعماله التي يقوم بها، لذلك نرى أنَّ الإمام (عليه السلام) يؤكد على هذا المعنى من خلال الدعاء والتوجه إلى الله تعالى؛ لأنه المطَّلع على ظاهر الإنسان وباطنه، فيحتاج المؤمن بأنْ ستعين بالله ليجنبه مزالق النفس ويحذره منها، وذلك من خلال عدة فقرات، وهذه الفقرة هي التاسعة والعشرون والثلاثون والحادية والثلاثون بقوله: ((اللّهُمَّ لا َتَدَعْ خِصْلَةً تُعابُ مِنِّي إِلا أَصْلَحْتَها، وَلا عائِبَةً أُؤَنَّبُ بِها إِلا أَحْسَنْتَها، وَلا أُكْرُومَةً فِيَّ ناقِصَةً إِلاّ أَتْمَمْتَها))، والمنهج القرآني قد أكَّد على ذلك؛ لأنها أعظم خطوة نحو التربية والصلاح للنفس والمجتمع، فالله عز وجل بيَّن للإنسان الصراط المستقيم الذي ينبغي عليه أن يسلكه باختياره من غير إكراه، قال تعالى: ﴿وَهَدَيْنَاهُ النَّجْدَيْنِ﴾ ( ) قال "الراغب الأصفهاني" (ت502ﻫ/1108م): ((النجدُ المكانُ الغليظُ الرفيعُ، وقوله: ﴿وَهَدَيْنَاهُ النَّجْدَيْنِ﴾ فذلكَ مثلٌ لطريقي الحقِّ والباطلِ في الاعتقادِ، والصدقِ والكذبِ في المقالِ، والجميلِ والقبيحِ في الفعالِ، وبيَّن أنه عَرَّفهما)) ( )، وقال تعالى: ﴿إنَّا هَدَيْنَاهُ السَّبِيلَ إِمَّا شَاكِرًا وَإِمَّا كَفُورًا﴾( )، فالله تعالى لم يترك الإنسان دون أنْ يبين له ويعرفه طريق الصلاح، وهذا لا يكون إلا بمراقبة النفس، قال السيد "الطباطبائي" (ت1401ﻫ/1981م): ((إنَّ المرادَ بالسبيلِ السنةُ والطريقةُ التي يجبُ على الإنسانِ أنْ يسلكَها في حياتِه الدنيا لتوصلَهُ إلى سعادتهِ في الدنيا والآخرةِ، وتسوقَهُ إلى كرامةِ القُرْبِ والزلفى من ربِّهِ، ومحصَّلُهُ الدينُ الحقُّ وهو عندَ اللهِ الإسلامُ)) ( )، فعلى الإنسان أنْ يتأمل ويتفكر أي سبيل يسلكه؛ ليكون على بينة من أمره، وهذا لا يكون إلا بالمشارطة والمراقبة والمحاسبة للنفس فالمهاتبة ؛ليكون المؤمن محصنًا تمامًا من غفلة النفس، وهذا ما حثت عليه الآيات المباركة والأحاديث الشريفة والعلماء والمربُّون التربويون، قال الشيخ "النراقي" في بيان كيفية الحفاظ على النفس ومراقبتها: ((فالمشارطةُ أنْ يشارطَ الإنسانُ نفسَهُ ويأخذَ منها العهدَ والميثاقَ في كُلِّ يومٍ وليلةٍ أنْ لا يرتكبَ المعاصي، ولا يقصِّرَ في شيءٍ من الطاعاتِ الواجبةِ، فالمراقبةُ أنْ يلاحظَ ظاهرَهُ وباطنَهُ دائمًا، حتى لا يقدمَ على شيءٍ من المعاصي، ولا يتركَ شيئًا من الواجباتِ، فالمحاسبَةُ أنْ يعيِّنَ في كُلِّ يومٍ وليلةٍ وقتًا يحاسبُ فيهِ نفسَهُ بموازنَةِ طاعاتِهِ ومعاصيهِ، فمعاتبةُ النفسِ بعد ذلكَ ومعاقبتُها على تقصيرِها)) ( )، فالعمل بهذا المنهج يستطيع الإنسان أنْ يحافظ على فطرته السليمة، وكثير من الروايات حثت على ذلك بل عدَّ النبيُّ (صلى الله عليه وآله وسلم) جهاد النفس بمثابة الجهاد الأعظم، ومما ورد في المحاسبة عن الإمام الكاظم (عليه السلام) قوله: ((ليسَ مِنَّا مَنْ لم يحاسبْ نفسَهُ في كُلِّ يومٍ، فإنْ عملَ حسنًا ٱستزادَ اللهَ، وإنْ عملَ سيئًا ٱستغفرَ اللهَ منهُ وتابَ إليهِ)) ( )، ولما كانت نتيجة المراقبة هذه الثمار نرى أنَّ الإمام (عليه السلام) يدعو الله أنْ يُصلح أيَّ عيبٍ يلحقه ظاهرًا أو باطنًا، بل أبعد من ذلك بأنْ لا يرضى أنْ يؤنَّبَ ( ) على ذلك، وكذلك النقص في أي فعل جميل -الأكرومة-( ) دون تمامه، إذاً فالإنسان عليه أنْ يراقب جميع أفعاله؛ ليكون داعيًا حقيقيًّا إلى الله تعالى، وقدوة صالحة في المجتمع.

المصادر : 

(1 )  سورة البلد: الآية 10
(2 )  الحسين بن محمد: المفردات في غريب القرآن، ضبط: هيثم طعيمي، (دار إحياء التراث العربي، بيروت، ط1، 2008م): 504  (نجد)
(3 )  سورة الإنسان: الآية 3
( 4 )  محمد حسين: الميزان في تفسير القرآن، تص: الشيخ حسين الأعلمي، (مؤسسة الأعلمي، بيروت، ط1، 1417ﻫ 1997م) 20/134
(5 )  ينظر: 3/53 
( 6)  الكليني: 2/454 باب (محاسبة العمل) الحديث 3 ،  الحراني: الحسن بن شعبة: تحف العقول عن آل الرسول، تق و تع: الشيخ حسين الأعلمي، (مؤسسة الأعلمي، بيروت، ط7، 1423ﻫ 2002م): 291 
(7 )  التأنيب هو التوبيخ واللوم. ينظر: لسان العرب مادة (أنب)
(8 )  الأكرومة هي الفعلة الكريمة. ينظر: مجمع اللغة العربية: المعجم الوسيط، مجموعة مؤلفين  2/485
 


قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat


د . الشيخ عماد الكاظمي
 (للدخول لصفحة الكاتب إضغط هنا)

    طباعة   ||   أخبر صديقك عن الموضوع   ||   إضافة تعليق   ||   التاريخ : 2019/09/25



كتابة تعليق لموضوع : قراءة تربوية إصلاحية (1) في أدعية الصحيفة السجادية -الإنسان القدوة في دعاء مكارم الأخلاق
الإسم * :
بريدك الالكتروني :
نص التعليق * :
 



حمل تطبيق (كتابات في الميزان) من Google Play



اعلان هام من قبل موقع كتابات في الميزان

البحث :





الكتّاب :

الملفات :

مقالات مهمة :



 إنسانية الإمام السيستاني

 بعد إحراجهم بكشف عصيانها وخيانتهم للشعب: المرجعية الدينية العليا تـُحرج الحكومة بمخالفة كلام المعصومين.. والعاصفة تقترب!!!

 كلام موجه الى العقلاء من ابناء شعبي ( 1 )

 حقيقة الادعياء .. متمرجعون وسفراء

 قراءة في خطبة المرجعية : هل اقترب أَجلُ الحكومةِ الحالية؟!

 خطر البترية على بعض اتباع المرجعية قراءة في تاثيرات الادعياء على اتباع العلماء

 إلى دعاة المرجعية العربية العراقية ..مع كل الاحترام

 مهزلة بيان الصرخي حول سوريا

 قراءة في خطبة الجمعة ( 4 / رمضان/ 1437هـ الموافق 10/6/2016 )

 المؤسسة الدينية بين الواقع والافتراء : سلسلة مقالات للشيخ محمد مهدي الاصفي ردا على حسن الكشميري وكتابيه (جولة في دهاليز مظلمة) و(محنة الهروب من الواقع)

 الى الحميداوي ( لانتوقع منكم غير الفتنة )

 السيستاني .. رسالة مهدوية عاجلة

 من عطاء المرجعية العليا

 قراءة في فتوى الدفاع المقدس وتحصين فكر الأمة

 فتوى السيد السيستاني بالجهاد الكفائي وصداها في الصحافة العالمية

 ما هو رأي أستاذ فقهاء النجف وقم المشرّفتَين السيد الخوئي بمن غصب الخلافة ؟

 مواقف شديدة الحساسية/٢ "بانوراما" الحشد..

أحدث مقالات الكتّاب :


مقالات متنوعة :





 لنشر مقالاتكم يمكنكم مراسلتنا على info@kitabat.info

تم تأسيس الموقع بتاريخ 1/4/2010 © محمد البغدادي 

 لا تتحمل الإدارة مسؤولية ما ينشر في الموقع من الناحيتين القانونية والأخلاقية.

  Designed , Hosted & Programmed By : King 4 Host . Net