صفحة الكاتب : د . مصطفى يوسف اللداوي

الأفعى الصهيونيةُ تختنقُ بما تَبلعُ وتُقتَلُ بما تجمعُ الجزء الثاني
د . مصطفى يوسف اللداوي

المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الموقع، وإنما تعبر عن رأي الكاتب.

بعد أشهرٍ قليلة على إعلان توحيد شطري مدينة القدس، قامت الحكومة الإسرائيلية في العام 1981 بإعلان ضم هضبة الجولان السورية المحتلة إلى كيانهم، وأخضعوها لقوانينهم، وأجبروا سكانها وهم من المواطنين السوريين على حمل الهوية والجنسية الإسرائيلية، وهي الهضبة الاستراتيجية من الناحية العسكرية، فضلاً عن ثرواتها المائية الضخمة النقية والعذبة.

 

ورغم أن القرار الإسرائيلي واجه تحدياتٍ كثيرة، كان منها رفض سكانها المحليين للخطوة الإسرائيلية، ورفض الولايات المتحدة الأمريكية ومعها أغلب دول العالم الاعتراف به، إلا أن سلطات الاحتلال أصمت آذانها وأغلقت عيونها وأصرت على موقفها، وتعاملت مع الهضبة وسكانها بقوة الأمر الواقع، وعززت قرارها بتكثيف الاستيطان في مناحي الهضبة المختلفة.

 

بقي القرار الإسرائيلي دون دعمٍ أو قبولٍ دولي، إلى أن جاء الرئيس الأمريكي دونالد ترامب في أغسطس من العام 2019، فأعلن اعترافه بالسيادة الإسرائيلية على هضبة الجولان السورية، وقام بإهداء رئيس الحكومة الإسرائيلية بنيامين نتنياهو خارطة "دولة إسرائيل" موقعةً باسمه، وفيها تبدو هضبة الجولان جزءً الكيان الصهيوني، واعتبر أن هذا القرار الذي جاء بعد ستين عاماً يعتبر متأخراً، وقد كان ينبغي على الإدارات الأمريكية الاعتراف به من قبل، وذلك بالنظر إلى أهمية الهضبة بالنسبة إلى أمن وستقرار "إسرائيل".

 

أما الضفة الغربية التي يؤمن بها الإسرائيليون أنها يهودا والسامرة، وأنها أرض ممالكهم القديمة وموطن أنبيائهم الأوائل، فقد كانت وما زالت محط أطماعهم ومحل مخططاتهم التي لا تنتهي ولا تتوقف حتى يعودوا جميعاً إليها، ويسيطروا عليها، ويبسطوا كامل سيادتهم عليها، ويطردوا سكانها منها.

 

وقد بدأت مشاريعهم الأولى في تهويدها والسيطرة عليها إثر حرب يونيو عام 1967، حيث بنت فيها حكوماتهم عشرات المستوطنات الكبيرة والصغيرة، ولكنها تعاظمت وازدادت بعد توقيع اتفاقية أوسلو للسلام، حيث ازدادت معدلات الاستيطان ومصادرة الأراضي الفلسطينية، حتى باتت المستوطنات تشكل أكثر من 40٪ من مساحة الضفة الغربية، وقد يزيد عددها اليوم عن 500 مستوطنة.

 

يبدو أن الحكومة الإسرائيلية القادمة، في ظل وجود الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، ستقوم فعلياً بضم أجزاء واسعة جداً من الضفة الغربية إليها، فيما يسمى بالمنطقة "ج"، ومعها مستوطنات الضفة الكبرى، إلى جانب الأراضي التي اقتطعها جدار الفصل العنصري، ويبدو أن الأخبار المتواترة عن قرب الإعلان رسمياً عن تفاصيل صفقة القرن، تتزامن مع القرارات الإسرائيلية الجديدة المتعلقة بضم مناطق كبيرة من الضفة الغربية، ولا يستبعد أن تعلن إسرائيل عن ضم أراضي الضفة الغربية كلها، واعتبار سكانها جاليات عربية فيها.

 

وقد أعلن نتنياهو قبل يومين من موعد الانتخابات التشريعية الإسرائيلية أنه سيسمح بعد تشكيله الحكومة الجديدة للمستوطنين اليهود، بشراء أراضي وعقارات في الضفة الغربية من ملاكها وأصحابها الفلسطينيين، بغض النظر عن تصنيف المنطقة سواء كانت "أ" أو "ب" أو "ج"، وستلتزم حكومته الجديدة بحماية ممتلكات المستوطنين اليهود حتى لو كانت داخل التجمعات السكنية الفلسطينية.

 

وفي ذات التوقيت والسياق فقد أعلن نتنياهو، الذي قد لا يشكل الحكومة الجديدة بناءً على نتائج الانتخابات الولية، عزمه ضم مستوطنة كريات أربع المشادة على أرض مدينة الخليل، والتي يسكنها غلاة المستوطنين وقادتهم، فضلاً عن نيته ضم مناطق واسعة من مدينة الخليل، خاصةً تلك التي يسكن فيها اليهود، وقد زار الحرم الإبراهيمي في قلب المدينة بناءً على نواياه التي أعلن عنها بعد الانتهاء من زيارته.

 

أما بالنسبة لضم منطقة الغور الأردنية فهي خطوةٌ كانت متوقعة دائماً، فسلطات الاحتلال الإسرائيلي لا تفكر أبداً بالتخلي عن هذه المنطقة الاستراتيجية، التي تتحكم في حدودها الطويلة مع الأردن، وهي ثابت دائم في مخططات الجيش والأجهزة الأمنية الإسرائيلية، ويبدو أن رئيس الحكومة الإسرائيلية القادم سواء كان نتنياهو أو غيره، فإنه سيمضي قدماً في إجراءات ضم مناطق الغور، التي خلت من سكانها العرب، وغصت بالمواقع العسكرية وثكنات تدريب الجيش، الأمر الذي يجعل من ضمها ضرورة أمنية وحاجة سكانية، وفرصة تاريخية في ظل إدارة ترامب الاستثنائية.

 

إنها مرحلة النهاية بالنسبة للكيان الصهيوني، فهل وصلت إسرائيل إلى القمة التي سيتلوها الانحدار والسقوط، إذ ليس بعد هذه القرارات من قراراتٍ أخرى، ولا توسع آخر لها، ولا احتلال جديد لأراضٍ عربيةٍ، وبعدها سيكون الكيان ومستوطنوه في مواجهةٍ مباشرةٍ مع الشعوب المحتلة أرضها، والمغتصبة حقوقها، وهي بالتأكيد ستتفق وستتوحد، وستنسق جهودها وستوسع مقاومتها، وستتصدى للكيان الصهيوني وأطماعه، ولن يكون لديها ما تخسره، ولكن بالتأكيد سيكون عندها ما تكسبه، وسيكون لديها مبررها القوي لمواصلة المقاومة، وتنسيق الجهود، ومضاعفة العمل، وصولاً إلى تحقيق الأهداف واستعادة الحقوق.

 

فهل ينجح الإسرائيليون في مخططاتهم، وينفذوا مشاريعهم ويحققوا أحلامهم، ويوسعوا إطار كيانهم عملياً ورسمياً، أم ستتمكن الدول العربية والإسلامية ومنظماتها الإقليمية والمحلية، بالتعاون مع المؤسسات الأممية في منعهم من القيام بهذه الإجراءات الاستفزازية، أم أن هذه القرارات ستكون بداية انتفاضاتٍ جديدةٍ، وثوراتٍ شعبيةٍ عارمةٍ، وإشارة انطلاق مقاومةٍ مسلحةٍ أوسع وأشمل، تقودها المقاومة، ويخوضها الشعب، تجعل قرارات العدو مكلفة له جداً مادياً وبشرياً وأمنياً وعسكرياً، حتى تسقط مخططاته وتتهاوى مشاريعه.


قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat


د . مصطفى يوسف اللداوي
 (للدخول لصفحة الكاتب إضغط هنا)

    طباعة   ||   أخبر صديقك عن الموضوع   ||   إضافة تعليق   ||   التاريخ : 2019/09/18



كتابة تعليق لموضوع : الأفعى الصهيونيةُ تختنقُ بما تَبلعُ وتُقتَلُ بما تجمعُ الجزء الثاني
الإسم * :
بريدك الالكتروني :
نص التعليق * :
 



حمل تطبيق (كتابات في الميزان) من Google Play



اعلان هام من قبل موقع كتابات في الميزان

البحث :





الكتّاب :

الملفات :

مقالات مهمة :



 إنسانية الإمام السيستاني

 بعد إحراجهم بكشف عصيانها وخيانتهم للشعب: المرجعية الدينية العليا تـُحرج الحكومة بمخالفة كلام المعصومين.. والعاصفة تقترب!!!

 كلام موجه الى العقلاء من ابناء شعبي ( 1 )

 حقيقة الادعياء .. متمرجعون وسفراء

 قراءة في خطبة المرجعية : هل اقترب أَجلُ الحكومةِ الحالية؟!

 خطر البترية على بعض اتباع المرجعية قراءة في تاثيرات الادعياء على اتباع العلماء

 إلى دعاة المرجعية العربية العراقية ..مع كل الاحترام

 مهزلة بيان الصرخي حول سوريا

 قراءة في خطبة الجمعة ( 4 / رمضان/ 1437هـ الموافق 10/6/2016 )

 المؤسسة الدينية بين الواقع والافتراء : سلسلة مقالات للشيخ محمد مهدي الاصفي ردا على حسن الكشميري وكتابيه (جولة في دهاليز مظلمة) و(محنة الهروب من الواقع)

 الى الحميداوي ( لانتوقع منكم غير الفتنة )

 السيستاني .. رسالة مهدوية عاجلة

 من عطاء المرجعية العليا

 قراءة في فتوى الدفاع المقدس وتحصين فكر الأمة

 فتوى السيد السيستاني بالجهاد الكفائي وصداها في الصحافة العالمية

 ما هو رأي أستاذ فقهاء النجف وقم المشرّفتَين السيد الخوئي بمن غصب الخلافة ؟

 مواقف شديدة الحساسية/٢ "بانوراما" الحشد..

أحدث مقالات الكتّاب :


مقالات متنوعة :





 لنشر مقالاتكم يمكنكم مراسلتنا على info@kitabat.info

تم تأسيس الموقع بتاريخ 1/4/2010 © محمد البغدادي 

 لا تتحمل الإدارة مسؤولية ما ينشر في الموقع من الناحيتين القانونية والأخلاقية.

  Designed , Hosted & Programmed By : King 4 Host . Net