صفحة الكاتب : مصطفى الهادي

بين زينب والخنساء البكاء المشروع. 
مصطفى الهادي

المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الموقع، وإنما تعبر عن رأي الكاتب.

# البكاء حالة طبيعية في الإنسان وهو من جملة المشاعر التي جُهّز بها جسم الإنسان للتعبير عن بعض تفاعلاته مع المشاهد الخارجية. والبكاء من أعقد المسائل التي واجهها العلماء فهم لا يعرفون كيف تتفاعل الروح مع الحدث فتخلق ضحكا او بكاءا حزنا او فرحا ، وهو احد مظاهر الانفعال العاطفي والنفسي وله حالات عديدة منها : البكاء من الفرح، والبكاء بسبب الحزن، و بكاء بسبب الوجع والألم الجسدي ومنه بكاء الشكر والعرفان بالجميل وبكاء الفراق والشوق والحنين.

# والبكاء نوعان ، بكاء العين وبكاء الروح وهذا الأخير هو الذي يستنزف الحيوية ويُعجل بالهرم ولربما أدى إلى الموت وهو ما يُطلق عليه الموت حزنا او كمدا. ومن أغرب الرسائل التي يبعثها (الدمع) أن دموع بكاء الحزين تكون حارة حارقة تحفر اخاديد على الخدود، بينما دموع الفرح تكون باردة . ولعل الدموع العاطفية التي تنطلق نتيجة الفراق والشوق والحنين او الحزن هي التي تساعد الجسم على التخلص من التوتر والضغط النفسي. وتُعتبر الدموع من أروع وسائل الاتصال من دون كلام.وقد ورد : (إذا بكى المذنب فقد راسل الله).(1)

# وبما أن البكاء من خلق الله تعالى كما يقول : (وأنه هو أضحك وأبكى). (2) فلا اشكال في البكاء ولا حرمة في ذلك خصوصا إذا صاحبه النوح والولولة او يكون جماعيا كما يذكر القران عن إخوة يوسف (وجاءوا أباهم عشاء يبكون). (3)

# وقد حفل القرآن بالكثير من الآيات التي تخص البكاء ، منها مثلا البكاء الكوني على بعض تصرفات البشر كما يقول تعالى : (فما بكت عليهم السماء والأرض).(4) وكذلك قوله : (ويخرون للأذقان يبكون).(5) وكذلك البكاء من الحزن : (تولوا وأعينهم تفيض من الدمع).(6)وحتى لو أصيب الانسان بضرر جراء الحزن المشروع فلا اشكال ديني في ذلك كما يذكر القرآن حاكيا عن النبي يعقوب عليه السلام : (يا أسفى على يوسف وابيضت عيناه من الحزن فهو كظيم).(7) فلم ينتقده او ينهاه تعالى إنما جاء النهي من البشر الذين: (قالوا تالله تفتأ تذكر يوسف حتى تكون حرضا أو تكون من الهالكين). (8) من هذا النص نستفيد أن البكاء المشروع حتى لو أدى إلى المرض او الهلاك لا اشكال فيه.

# ولكن المنهي عنهُ هو البكاء والحزن على من يُقتل على الكفر والشرك او الظالمين وقد نهى الله تعالى رسوله ان يحزن عليهم فقال : (ولا تحزن عليهم). (9) فالبكاء واجب على خسارة مؤمن وليس ظالم او قاتل او مجرم وسوف نستعرض حالتين من هذه الحالات التي أتضح من خلالها نفاق بعض المسلمين في التعامل مع حالات البكاء.

# الحالة الأولى هو بكاء الخنساء على اخوتها الذين قتلوا في حروب الجاهلية وقد اشتهرت الخنساء من خلال دوام بكائها حتى موتها.

# والحالة الثانية هو بكاء زينب سلام الله عليها على أخيها الحسين عليه السلام.

# فالخنساء (10) بكت أخويها صخر ومعاوية اللذان قتلا في زمن الجاهلية قبل الإسلام فقد بكت حتى اشتهر بكائها ووصل إلى العالم كله ودونه المؤرخون واشتهر رثائها لاخويها حتى ملأ كتب الادب والتاريخ فلم ينتقد احد ما قامت به الخنساء طيلة عشرات السنين وامتد ذلك بعد الخنساء إلى مئآت السنين نقرأ المراثي الشعرية أو (البكائيات) التي كتبتها الخنساء على فقد اخويها وهم من الجاهليين اللذان قتلا دفاعا عن قيم الجاهلية.

# اذهب إلى كتب الادب العربي وانظر كيف يتم تقديس هذه البكائيات حتى انهم نشروها في الموسوعة العالمية للشعر العربي . وتمثيل الافلام الطويلة عن بكائيات الخنساء وشعر الخنساء وحياة الخنساء فلو قيل أن الخنساء بكت على اخويها قبل الاسلام ، نقول له : استمر بكائها إلى ما بعد الإسلام وحتى بعد اعتناقها الاسلام استمرت في البكاء. لم تزل تبكي على أخويها صخرًا ومعاوية حتى أدركت الإسلام وأسلمت فأقبل بها بنو عمها إلى عمر بن الخطاب وهي عجوز كبيرة فقالوا: هذه الخنساء قد قرحت مآقيها من البكاء في الجاهلية والإسلام فلو نهيتها لرجونا أن تنتهي.

# فقال لها عمر: (اتقي الله وأيقني بالموت فقالت: أنا أبكي أبي وخيري مضر: صخرًا ومعاوية، وإني لموقنة بالموت، فقال عمر: أتبكين عليهم وقد صاروا جمرة في النار؟ فقالت: ذاك أشد لبكائي عليهم؛ فرقّ عمر لها فقال: خلوا عجوزكم لا أبا لكم، فكل امرئ يبكي شجوه ونام الخلي عن بكاء الشجي).(11)

# وتمضي الخنساء مع الإسلام فتنسى كثيراً من عادات الجاهلية، ولكنها لا تنسى قتلاها في الجاهلية ، ولا يفارقها الوجد عليهم، والبكاء من أجلهم مع أن الإسلام ذهب بحمية الجاهلية.

# ومع أن الخنساء كانت تبكي قتلاها في الجاهلية إلا أن الرسول (ص) وسلم كان يستنشدها شعرها، ويستزيدها - وهو مصغ إليها يستحسن شعرها ويقول لها : هيه يا خناس! ويومئ بيده. وقد أبى عليه قلبه الكبير ان يزجرها او ان يلومها.(12)

# ومن غريب ما قامت به الخنساء أنها لم تبك على أولادها الأربعة اللذين استشهدوا في الإسلام (13) كما بكت على اخويها صخرا ومعاوية قتيلا الجاهلية. فلم نر من أهل السنة من ينتقد بكائها على من مات على الشرك ، وعدم بكائها على من استشهد في الاسلام.(14)

# واليوم هناك من يزدري بقضية الامام الحسين عليه السلام والبكاء على الحسين وحزن اخته زينب عليه ، فهل نقيس الخنساء بزينب ، او نقيس أخويها معاوية وصخرا بالحسين والعباس. 
مالكم كيف تحكمون.

المصادر : 
1- كتاب الرسالة القشيرية لأبي القاسم القشيري، القول لأبي علي الدقاق. صفحة 301 دار الكتب العلمية بيروت . 
2- سورة النجم آية 43. 
3- سورة يوسف آية : 16.
4- سورة مريم آية : 58.
5- سورة الإسراء آية : 109.
6- سورة التوبة آية : 92.
7- سورة يوسف آية : 84. وفي علم النفس فإن (كظيم). تعني إبعاد الأمور غير السارَّة عن الذاكرة أو إرسالها إلى اللاّشعور والانطواء عليها وعدم اظهارها للناس وهو اشد انواع الحزن.
8- سورة يوسف آية : 85.
9- سورة النحل آية : 127.
10- الخنساء : تماظر بنت عمرو السلمية). 
11- كتاب الوافي بالوفيات ، الصفدي تحقيق أحمد الأرناؤوط ، ج 10 صفحة : 243. حالة نفاقية لا مثيل لها بدرت من عمر بن الخطاب فبينما هو لا يمنع الخنساء من البكاء ويرثي لحالها ولكنه كان يضرب كل من يبكي من الرجال والنساء ويمنعهم من البكاء كما في مسند الامام أحمد من حديث بن عباس قال : ماتت رقية ابنة رسول الله فبكت النساء فجعل عمر يضربهن بسوطه فقال النبي: دعهن يا عمر يبكين .. ثم قال انه مهما كان من العين ومن القلب فمن الله ومن الرحمة). وفي المسند أيضا عن أبى هريرة قال مر على النبي بجنازة يبكى عليها وأنا معه ومعه عمر بن الخطاب فانتهر عمر اللاتى يبكين عليها فقال النبي: دعهن يا ابن الخطاب فان النفس مصابة وان العين دامعة والعهد قريب. من هذا نستفيد أن النهي عن البكاء وذمه لم يرد عن رسول الله (ص) بل عن بعض اصحابه.
12- الإصابة ج8 ص34.
13- قتلوا في معركة القادسية كما يُقال على عهد عمر بن الخطاب. ولكن هناك من المؤرخين والباحثين من يُشكك بوجود هؤلاء الابناء الأربعة. انظر : أسد الغابة: جزء 1 – صفحة 1342.
14- نسبوا للخنساء اربعة ابناء استشهدوا في سبيل الاسلام واطنبوا في ذلك، وهذا مضطرب تاريخيا ولكنهم نسوا وعن عمد فاطمة بنت حزام الكُلَّابيَّة المعروفة باسم أم البنين زوجة علي بن أبي طالب (ع) التي تزوَّجها بعد موت زوجته فاطمة الزهراء. أنجبت أربعة بنين كان أكبرهم أبو الفضل العباس قائد قوَّات الحسين بن علي في معركة كربلاء.واخوته كل من جعفر ، عثمان ، عبد الله .الذين استشهدوا في كربلاء فلم يذكر التاريخ تضحياتها في سبيل الاسلام امام الطغمة الاموية الكافرة.


قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat


مصطفى الهادي
 (للدخول لصفحة الكاتب إضغط هنا)

    طباعة   ||   أخبر صديقك عن الموضوع   ||   إضافة تعليق   ||   التاريخ : 2019/09/02



كتابة تعليق لموضوع : بين زينب والخنساء البكاء المشروع. 
الإسم * :
بريدك الالكتروني :
نص التعليق * :
 



حمل تطبيق (كتابات في الميزان) من Google Play



اعلان هام من قبل موقع كتابات في الميزان

البحث :





الكتّاب :

الملفات :

مقالات مهمة :



 إنسانية الإمام السيستاني

 بعد إحراجهم بكشف عصيانها وخيانتهم للشعب: المرجعية الدينية العليا تـُحرج الحكومة بمخالفة كلام المعصومين.. والعاصفة تقترب!!!

 كلام موجه الى العقلاء من ابناء شعبي ( 1 )

 حقيقة الادعياء .. متمرجعون وسفراء

 قراءة في خطبة المرجعية : هل اقترب أَجلُ الحكومةِ الحالية؟!

 خطر البترية على بعض اتباع المرجعية قراءة في تاثيرات الادعياء على اتباع العلماء

 إلى دعاة المرجعية العربية العراقية ..مع كل الاحترام

 مهزلة بيان الصرخي حول سوريا

 قراءة في خطبة الجمعة ( 4 / رمضان/ 1437هـ الموافق 10/6/2016 )

 المؤسسة الدينية بين الواقع والافتراء : سلسلة مقالات للشيخ محمد مهدي الاصفي ردا على حسن الكشميري وكتابيه (جولة في دهاليز مظلمة) و(محنة الهروب من الواقع)

 الى الحميداوي ( لانتوقع منكم غير الفتنة )

 السيستاني .. رسالة مهدوية عاجلة

 من عطاء المرجعية العليا

 قراءة في فتوى الدفاع المقدس وتحصين فكر الأمة

 فتوى السيد السيستاني بالجهاد الكفائي وصداها في الصحافة العالمية

 ما هو رأي أستاذ فقهاء النجف وقم المشرّفتَين السيد الخوئي بمن غصب الخلافة ؟

 مواقف شديدة الحساسية/٢ "بانوراما" الحشد..

أحدث مقالات الكتّاب :


مقالات متنوعة :





 لنشر مقالاتكم يمكنكم مراسلتنا على info@kitabat.info

تم تأسيس الموقع بتاريخ 1/4/2010 © محمد البغدادي 

 لا تتحمل الإدارة مسؤولية ما ينشر في الموقع من الناحيتين القانونية والأخلاقية.

  Designed , Hosted & Programmed By : King 4 Host . Net