صفحة الكاتب : د . اسعد كاظم شبيب

جدلية الطريقة الانتخابية والبنية الحزبية في العراق
د . اسعد كاظم شبيب

المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الموقع، وإنما تعبر عن رأي الكاتب.

في البلدان التي تعاني من هشاشة في ترصين النظام وغياب البرامج الحزبية التنموية الضامنة للاستقرار السياسي، والازدهار الاقتصادي، تنقسم اراء الباحثين حول الاشكاليات الحقيقية التي تقف خلف هذه الهشاشة يذهب القسم الاعظم من الباحثين الى ان السبب هو في الطريقة الانتخابية المعمول بها في الانتخابات كوسيلة في اختيار النخبة التشريعية والتنفيذية، في حين يذهب القسم الاخر الى ان الخلل قد لا يكمن في الطريقة الانتخابية، وانما في ضعف البرامج والخطط التنموية، وانعدام الكوادر الحزبية الوطنية التي تتسنم اغلبها السلطة بعد الانتخابات، وفي الحالة العراقية يعرض هذا الاشكال هل السبب في العجز الحاصل بكيان الدولة ككل ودوام المشاكل في نظامها السياسي هل هو بسبب الطريقة الانتخابية التي تفرز لنا بعد كل انتخابات ذات الاحزاب والكتل السياسية المسيطرة منذ سقوط النظام السابق والى اليوم؟ اما ان الخلل لا يكمن في الطريقة الانتخابية وانما في غياب البرامج والخطط لهذه الاحزاب والكتل السياسية او لا توجد احزاب سياسية عراقية اصلا بالمعنى المهني، وهناك ازدواج في عمل الاحزاب الحالية بين ماهو سياسي وعسكري واقتصادي، وبالتالي فان هذا الاتجاه يفترض حتى في حالة تغيير الطريقة الانتخابية فان أي طريقة انتخابية جديدة قد لا تكون افضل اذا ما ظلت الاحزاب والكتل السياسية من دون بنية سياسية داخلية، وتفتقر بذات الوقت للمشاريع والروى الاستراتيجية في قيادة الدولة.
ولبيان ذلك لابد من تحليل موجز لكلا من الطريقة الانتخابية، والبنية الحزبية في العراق، فبالنسبة للطريقة الانتخابية فقد عرف العراق منذ اول انتخابات برلمانية طرق متعددة من نظام التمثيل النسبي، فقد استقرت الكتل السياسية على طريقة سانت ليغو او لاغو(Sainte-Lague) منذ اكثر من ثلاث دورات انتخابية، وقد اثار التعديل الاول لقانون انتخابات مجلس المحافظات رقم(12) لسنة2018موجة جديدة من الانتقادات باعتماده على التقسيم 1,9 بدل من المقترح1,4 بصورة تحمل الكثير من التحايل على طموح فئات كثيرة من الشعب في التغيير وانهاء هيمنة الكتل السياسية الحاكمة(او ما يسميها البعض بدكتاتورية الاحزاب الكبيرة) وصعود قوى صغيرة ومستقلين، ومن مساوى طريقة سانت لاغو بتوزيعاته المختلفة التي جربت بأكثر من طريقة حسابية عبر محلقات العدد الفردي رقم(1) ومن ثم الاعداد الفردية الاخرى دون فواصل، لكن المخرجات هي واحدة وتتمثل باستمرار هيمنة الكتل السياسية الكبيرة هذا اذا ما جعلنا التقسيم على الرقم(1)دون كسور التي كانت مرضية الى حد ما للقوى الصغيرة والمستقلين، ومساويه فضلا عن ما اشرنا اليه هو ان الطريقة تعتمد على نظام الدائرة الواحدة لكل محافظة مما يسبب مشاكل عديدة منها كثرة عدد المرشحين في المحافظة وبالتالي حيرة الناخب بهذا الكم الهائل من المرشحين اذ في الحسابات الحزبية الحالية توفر الدائرة الواحدة ضمانه للقوى المهيمنة بصعود نائب او اكثر من كل محافظة مما يجعل له عدد من النواب بمجموع اجمالي اغلب المحافظات مما يودي الى افتقار مجلس النواب الى الاغلبية والاقلية اذ بموجب ذلك لابد من ائتلافات جديدة والذي يفرض واقع جديد لتقاسم السلطة، الى جانب ذلك ان الدائرة الواحدة لكل محافظة يحتاج الى اموال كبيرة لتغطية كل مناطق المحافظة وفي ذلك تحصل خروقات كثيرة، وهدراً للمال العام في ظل غياب الرقابة والتساهل بتطبيق القانون، وبقدر تعلق الامر بنتائج انتخابات مجلس المحافظات المرتقبة من العام المقبل في نيسان2019 واذا ما جرت وفق التعديل الاول لقانون انتخابات مجالس المحافظات فان ادارة المحافظات سوف لا تختلف في تشكليها عن الدورات السابقة اذ ستفرز محاصصة وتقاسم لادارة المحافظات بين الكتل والاحزاب ذاتها، ومما تقدم فان طريقة سانت لاغو وفق الطريقة العراقية تعزز من استمرار هيمنة الكتل والاحزاب السياسية النافذة في مرحلة تحتاج تغيير بنيوي ومعالجة لمشاكل عديدة ومنها الملف الخدماتي، واعادة الاعمار، ووضع برامج تحد من الفساد، والبطالة، ومشاكل اجتماعية اخرى كالمخدرات والانتحار وحالات الطلاق وما الى ذلك التي قد يكون قسماً منها تعود الى اسباب مالية.
وعليه فان المطالبة بتغيير هذه الطريقة بنظام اخر مختلف يعتمد على الدوائر المتعددة لكل محافظة حتى يكون النائب متعرض للمحاسبة الدائمة من قبل ناخبيه في دائرته الانتخابية بينما في ظل الدائرة الواحدة فانه من السهولة الفرار من المحاسبة، وقد يصعد مرة اخرى بفضل اصوات رئيس القائمة او التزكية الحزبية، او بفضل المال السياسي واغواء الجمهور، كما ان طريقة احتساب الاصوات هي اكثر سهولة وممكن ان تظهر نتائج الاقتراع بعد ساعات قليلة اذا ما اعتمد الانتخاب على النظام الاغلبي، وفي ضوء ذلك هناك صلة وثيقة بين النظام السياسي وقواعد النظام الانتخابي، عبرت عنها بصورة جلية طرق الانتخاب المجربة على الحالة العراقية، فأفرزت لنا مداورة كتلوية تضاف الى تحاصص مكوناتي اعتمد بعد التغيير على المحاصصة السياسية في تقاسم السلطة، وهذا الافراز لا يعود الى النظام الانتخابي بحد ذاته، وانما من انتج هذه النظم الانتخابية وهي الكتل السياسية الممثلة في السلطة المشرعة لأنها اقرت قواعد انتخابية تضمن استمرار بقاءها في السلطة بعد كل دورة انتخابية.
ومن جانب ثاني فان هذه الكتل تداور نفسها في السلطة بعد كل انتخابات هي نتاج احزاب وحركات وتيارات(السنية، والشيعية، والكردية، والتركمانية، ومجموعات اخرى، وكلها تشترك بالمعنى العرقي والديني وليس بمعنى الدولة ـــ الامة)يعوزها الكثير ومن ذلك تفتقر للديمقراطية في الهياكل الداخلية لكل حزب وحركة، وتفتقر للحداثة في الدستور، والنظام الداخلي، وتغيب المواطنة فكرةً ومشروعاً واليات عمل في انتماء اعضائها وبرامجها الانتخابية، ومن ثم انعكاس ذلك على اشتراكها في السلطة واغلبها تنطلق في الخطاب السياسي من ثقافة الهويات الفرعية المذكورة، كما انها دخلت للعملية السياسية واشتركت في السلطة في العراق بروح المعارضة وتنظر الى السلطة والحكم كأنها غنيمة وبالتالي هي تمثل نفسها من اجل الكسب المالي، وفي ذلك وصف مراقبون الأحزاب المسيطرة بانها تحمل مشروعاً فرعياً غير مشروع بناء الدولة إضافة إلى غياب الأسس الدستورية الصارمة والعقدين الاجتماعي والسياسي؛ فهذه الأسس تنظم التنافس السياسي غير العنيف وتؤدي إلى مخرجات إيجابية بدل الفوضى المسيطرة الآن التي أدخلت العراق في عسر التحول الديمقراطي. وعلى الرغم من مرور 16عاما على المشاركة في السلطة الا انها لا تزال تتخبط في قيادة السلطة تنفيذا وتشريعا ولم تقنع الجمهور العراقي بمشاريعها في ادارة الملفات التي تخص حياة الانسان العراقي ومنه ملف الخدمات والاعمار بل انها في ضوء التعثر في الادارة باتت متهمة بالفساد وهدر الاموال وتستغل السلطة في تمكين اعضاءها وظيفياً ومالياً، ومشكلة أغلب الأحزاب أنها كانت تحصل على التمويل عبر السنوات الماضية من مصادر شتى، بعضها من المال السياسي وثاني من الهبات داخلية أو خارجية مع وجود تفاوت كبير بين تلك الأحزاب، أما المفترض فيجب أن يكون للأحزاب مستقبلاً تمويل داخلي فقط يعتمد على الاشتراكات والهبات التي يقوم بها الأفراد كما نص قانون الاحزاب السياسية رقم(36) لسنة2015 الذي هو احد القوانين المهمة التي تحتاج تعديل ومراجعة البعض من مواده من اجل ضبط التعددية الحزبية.
وفي ضوء الاشكاليات السابقة نصل الى ما يلي ان هناك ترابط وثيق بين الطريقة الانتخابية والبنية الحزبية وان الطريقة الانتخابية هي من افرازات الثقافة الحزبية، ومن أجل ضمان ترصين التعددية الحزبية والانتقال من حالة العدم الى الوجود لا بد من تـوافر المنـاخ الديمقراطي والحريات الأساسية داخل الكيانات الحزبية اولا، وفرض ثقافة سـيادة القانون وحماية حقوق ومصالح الشعب قبل الانتخابات وبعدها، واعادة النظر بعدد من التشريعات ومنها قانون الانتخابات وقانون الاحزاب السياسية، واشاعة ثقافة الاعتراف بالمواطنة وبناء الدولة كسلوك فكري وسياسي، والتداول السلمي للسلطة وعدم استغلالها واحتكارها، وأن التجربة العملية تثبت أن حق كل فرد فـي الاشتراك في حكم بلده، وحق الجميع بمجموعة واسـعة مـن حقوق الإنسان والحريات الأساسية الأخرى، وتشمل الحقوق السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية كحقوق اساسية نصت عليها المواثيق الدولية والدستور العراقي النافذ، واخيرا صحيح ان من اهداف أي حزب سياسي الوصول الى السلطة لكن لابد من التفكير بثقافة بناء الدولة واليس التشبث بالسلطة لاسيما وان هناك حاجة شعبية ووطنية ملحة بتغيير وتصحيح كل المسارات السياسية والاقتصادية والخدمية التي تشهد انسداداً وتأثر سلبا ًعلى تقدم البلد، ورغبة الشعب بالتطور.


قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat


د . اسعد كاظم شبيب
 (للدخول لصفحة الكاتب إضغط هنا)

    طباعة   ||   أخبر صديقك عن الموضوع   ||   إضافة تعليق   ||   التاريخ : 2019/08/01



كتابة تعليق لموضوع : جدلية الطريقة الانتخابية والبنية الحزبية في العراق
الإسم * :
بريدك الالكتروني :
نص التعليق * :
 



حمل تطبيق (كتابات في الميزان) من Google Play



اعلان هام من قبل موقع كتابات في الميزان

البحث :





الكتّاب :

الملفات :

مقالات مهمة :



 إنسانية الإمام السيستاني

 بعد إحراجهم بكشف عصيانها وخيانتهم للشعب: المرجعية الدينية العليا تـُحرج الحكومة بمخالفة كلام المعصومين.. والعاصفة تقترب!!!

 كلام موجه الى العقلاء من ابناء شعبي ( 1 )

 حقيقة الادعياء .. متمرجعون وسفراء

 قراءة في خطبة المرجعية : هل اقترب أَجلُ الحكومةِ الحالية؟!

 خطر البترية على بعض اتباع المرجعية قراءة في تاثيرات الادعياء على اتباع العلماء

 إلى دعاة المرجعية العربية العراقية ..مع كل الاحترام

 مهزلة بيان الصرخي حول سوريا

 قراءة في خطبة الجمعة ( 4 / رمضان/ 1437هـ الموافق 10/6/2016 )

 المؤسسة الدينية بين الواقع والافتراء : سلسلة مقالات للشيخ محمد مهدي الاصفي ردا على حسن الكشميري وكتابيه (جولة في دهاليز مظلمة) و(محنة الهروب من الواقع)

 الى الحميداوي ( لانتوقع منكم غير الفتنة )

 السيستاني .. رسالة مهدوية عاجلة

 من عطاء المرجعية العليا

 قراءة في فتوى الدفاع المقدس وتحصين فكر الأمة

 فتوى السيد السيستاني بالجهاد الكفائي وصداها في الصحافة العالمية

 ما هو رأي أستاذ فقهاء النجف وقم المشرّفتَين السيد الخوئي بمن غصب الخلافة ؟

 مواقف شديدة الحساسية/٢ "بانوراما" الحشد..

أحدث مقالات الكتّاب :


مقالات متنوعة :





 لنشر مقالاتكم يمكنكم مراسلتنا على info@kitabat.info

تم تأسيس الموقع بتاريخ 1/4/2010 © محمد البغدادي 

 لا تتحمل الإدارة مسؤولية ما ينشر في الموقع من الناحيتين القانونية والأخلاقية.

  Designed , Hosted & Programmed By : King 4 Host . Net