صفحة الكاتب : د . مصطفى يوسف اللداوي

زيفُ الحضارةِ اللبنانية وكذبةُ الأخوةِ الإنسانيةِ
د . مصطفى يوسف اللداوي

المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الموقع، وإنما تعبر عن رأي الكاتب.

يتشدقون في كل مكانٍ عن العدالة الاجتماعية، وعن المساواة والعدل، وعن تكافؤ الفرص والعدالة في التوزيع، وعن الأخوة الإنسانية والشراكة المجتمعية، وعن حق الإنسان عامةً، بغض النظر عن دينه ومذهبه، وجنسه وجنسيته، ولونه وشكله، واسمه ومظهره، في العيش الحر الكريم، والحياة الآمنة المستقرة، التي يتمتع فيها كل مواطنٍ بحق العمل وحرية السفر، ولا يكون محروماً من الرعاية والطبابة والمتابعة الصحية، ويكون مطمئناً على خاتمته بقبرٍ يسكنه، وتربةٍ يدفن فيها، ومكانٍ لائق بقدسية الأموات ورهبة وجلال الموت يواري فيه بصمتٍ وخشوعٍ، فلا يخشى على نفسه بعد الموت ألا أجد مترين تحت الأرض يسكنهما.

 

لستُ فيما أخطُ من كلماتٍ دعيَّاً على أحدٍ، أو مفترياً على دولةٍ، أو مختلقاً لوقائع كاذبة وقصص خيالية، فما يجده الفلسطينيون في لبنان يتناقض مع كل الشعارات، ويتعارض مع كل القيم، ولا يوجد لسوء معاملته تبريرٌ أو تفسيرٌ، ولعل معاناتهم تفوق الوصف والخيال، إذ لا يتشابهون في ضيق عيشهم وبؤس حياتهم مع إخوانهم اللاجئين من شعبهم في أي مكانٍ من دول الجوار، ولا حتى مع أهلهم في ظل الاحتلال الإسرائيلي في مخيمات فلسطين وتجمعاتها، الذين كانوا يلقون من الاحتلال كل رعايةٍ اجتماعية وصحية، وكانوا يجدون في ظل نيره وتحت ظلال ظلمه فرصةً للعيش كريمة، وسبلاً للعمل مضمونة، وآفاقاً للحياة ميسورة، إلا أننا لا ننسى أنه هو المحتل الغاصب، وأساس نكبتنا ولب مشكلتنا.

 

لا يوجد لما تقوم به الحكومة اللبنانية تجاه اللاجئين الفلسطينيين في بلادهم أي مبرر قيمي ولا أخلاقي ولا قومي ولا إنساني ولا ديني، فالفلسطينيون اللاجئون إليه والمقيمون فيه لا يرضون عن وطنهم فلسطين بديلاً، ولا يسعون للتوطين أو التجنيس، ولم يسبق لهم أن طالبوا بهذا الامتياز أو سعوا إليه، ولو أنهم أرادوا ذلك فدول أوروبا الغربية وأستراليا وكندا وأمريكا مشرعة الأبواب لهم وأمامهم، يرحبون بهم ويبشون لهم، ويحسنون استقبالهم ويكرمون وفادتهم، ويمنحونهم امتيازاتٍ كثيرة وأعطياتٍ كريمة، ورغم ذلك فإنهم يتمسكون بمخيماتهم ليؤكدوا على حق عودتهم إلى ديارهم ووطنهم فلسطين، مهما بلغت المغريات وعظمت المكرمات، وجل شعبكم الكريم يحبهم ويوادهم، ويقدرهم ويحترمهم، ويصاهرهم ويتعاون معهم.

 

الفلسطينيون أيها السادة في كل مكانٍ ليسوا فقراء ولا معدمين، وليسوا عالةً أو عاطلين، إنهم طاقة وكفاءة، وقيمة وقدر، وهم كنزٌ وثروة، يبدعون في كل مجالٍ يعملون فيه، ويمهرون في كل حرفةٍ يشتغلون فيها، وهم في الاغتراب البعيد يجمعون الأموال بعرق جبينهم ويأتون بها إلى لبنان ينفقونها فيه، أو يودعونها بنوكه، ويساهمون بدرجةٍ كبيرةٍ في تحريك الاقتصاد اللبناني وتشغيل أدواته المعطلة كثير منها.

 

أم أنها توطئة لصفقة القرن وجزءٌ منها، وهي من المهام الموزعة والتكليفات المتفرقة، وعلى كل طرفٍ الالتزام بالأمر وتنفيذ المهمة، وإلا كيف نفسر إفلاس الأونروا وتجفيف منابعها، وامتناع الإدارة الأمريكية عن المساهمة فيها بحصتها، وتحريض دول العالم على سحب الاعتراف بها وعدم تمويلها، والدعوة إلى تفكيكها وإنهاء مهامها، بعد إعادة تعريف اللاجئ ونزع صفته الأصيلة عنه وحرمانه من حق العودة المقدس المصاحب للصفة والملازم للفلسطيني في كل زمانٍ ومكانٍ.

 

إنهم ليسوا إخوانكم في الإنسانية، وليسوا إخوانكم في الدين ولا أشقاءكم في العروبة، ولا تربطنا بهم وشائج أصيلة ولا علاقاتٍ قديمة، ولا يشتركون معنا في شيءٍ أبداً وإن ادَّعو الحضارة والتمدن والرقي، أو أظهروا حسن الاستقبال وجميل الترحاب، أو نطقوا بضادنا وتسموا عرباً مثلنا، إنهم يكذبون على أنفسهم، ويخدعون مجتمعاتهم، ويتظاهرون بغير حقيقتهم، ويعتقدون أن العالم يصدق صورتهم الزائفة، وبريقهم الكاذب، وبهرجهم الخداع، فدول العالم كلها تتسابق في بر اللاجئين وإكرام الوافدين، فكيف لو كان اللاجئون أغنياء وأثرياء، وأصحاب صنعةٍ وأهل مهنةٍ، يتقنون حرفتهم، ويبدعون في عملهم، وينهضون بمن معهم ويرفعون شأن من حولهم، ويسهمون في تحسين الاقتصاد وتحريك رأس المال.

 

الفلسطينيون أينما كانوا وحيثما حلوا أو ارتحلوا، كرماء أجلاء، أصلاء نجباء، عظماء أسخياء، سادةً قادةً، صيداً أباةً، رمادهم كثير وعمادهم عالي، وكعبهم راسخ وخيرهم وافر، لا يقبلون بالمذلة ولا يرضون بالخسف، فلا تضيقوا عليهم أرضكم، ولا تغلقوا في وجوههم أبوابكم، ولا تنازعوهم لقمة العيش وستر البيت، وكونوا لهم أهلاً وإخواناً، وعوناً وسنداً، فعما قريبٍ سيغادرونكم إلى بلادهم، وسيحملون لكم فيها وإليها كل ودٍ ومحبةٍ، وصدقٍ وإخلاصٍ، وعهدٍ ووفاء، فقدموا بين أيديكم صدقةً تنفعكم وتكون لكم ردءً، تحفظكم في غيبتكم، وتمنع عنكم السوء في حضرتكم، فإننا لكم أيها اللبنانيون أهلٌ وجيرانٌ، وإخوانٌ وأصهارُ.


قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat


د . مصطفى يوسف اللداوي
 (للدخول لصفحة الكاتب إضغط هنا)

    طباعة   ||   أخبر صديقك عن الموضوع   ||   إضافة تعليق   ||   التاريخ : 2019/07/16



كتابة تعليق لموضوع : زيفُ الحضارةِ اللبنانية وكذبةُ الأخوةِ الإنسانيةِ
الإسم * :
بريدك الالكتروني :
نص التعليق * :
 



حمل تطبيق (كتابات في الميزان) من Google Play



اعلان هام من قبل موقع كتابات في الميزان

البحث :





الكتّاب :

الملفات :

مقالات مهمة :



 إنسانية الإمام السيستاني

 بعد إحراجهم بكشف عصيانها وخيانتهم للشعب: المرجعية الدينية العليا تـُحرج الحكومة بمخالفة كلام المعصومين.. والعاصفة تقترب!!!

 كلام موجه الى العقلاء من ابناء شعبي ( 1 )

 حقيقة الادعياء .. متمرجعون وسفراء

 قراءة في خطبة المرجعية : هل اقترب أَجلُ الحكومةِ الحالية؟!

 خطر البترية على بعض اتباع المرجعية قراءة في تاثيرات الادعياء على اتباع العلماء

 إلى دعاة المرجعية العربية العراقية ..مع كل الاحترام

 مهزلة بيان الصرخي حول سوريا

 قراءة في خطبة الجمعة ( 4 / رمضان/ 1437هـ الموافق 10/6/2016 )

 المؤسسة الدينية بين الواقع والافتراء : سلسلة مقالات للشيخ محمد مهدي الاصفي ردا على حسن الكشميري وكتابيه (جولة في دهاليز مظلمة) و(محنة الهروب من الواقع)

 الى الحميداوي ( لانتوقع منكم غير الفتنة )

 السيستاني .. رسالة مهدوية عاجلة

 من عطاء المرجعية العليا

 قراءة في فتوى الدفاع المقدس وتحصين فكر الأمة

 فتوى السيد السيستاني بالجهاد الكفائي وصداها في الصحافة العالمية

 ما هو رأي أستاذ فقهاء النجف وقم المشرّفتَين السيد الخوئي بمن غصب الخلافة ؟

 مواقف شديدة الحساسية/٢ "بانوراما" الحشد..

أحدث مقالات الكتّاب :


مقالات متنوعة :





 لنشر مقالاتكم يمكنكم مراسلتنا على info@kitabat.info

تم تأسيس الموقع بتاريخ 1/4/2010 © محمد البغدادي 

 لا تتحمل الإدارة مسؤولية ما ينشر في الموقع من الناحيتين القانونية والأخلاقية.

  Designed , Hosted & Programmed By : King 4 Host . Net