صفحة الكاتب : د . مصطفى يوسف اللداوي

الفلسطينيون خشبة نجاة الإسرائيليين
د . مصطفى يوسف اللداوي

المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الموقع، وإنما تعبر عن رأي الكاتب.

يهزأ كثيرٌ من الإسرائيليين من رئيس حكومتهم بنيامين نتنياهو، ومن طواقمه الحكومية والاستشارية، ومن قادة أجهزته الأمنية والعسكرية، الذين يظنون أنهم قد حققوا كسباً كبيراً بما يسمى صفقة القرن، وأن الرئيس الأمريكي دونالد ترامب قد خلصهم من التحديات، وتجاوز بهم الصعاب، وأزاح عن كاهلهم الهموم والأوجاع، وشطب من على طاولة المفاوضات الملفات الصعبة والشروط المستحيلة، وأخذ بأيديهم بقراراته ومشروعه إلى بر الأمان، وشرَّع بين الأنظمة العربية كيانهم، وسهل علاقاته معهم، وحقق اعترافهم به، وكلفهم أن يكونوا حراساً له وأمناء عليه، يحمونه من خطر متطرفيهم، ويحرسونه من شر متشدديهم، ويصدون عنه اعتداء وإرهاب من يصفون أنفسهم بالمقاومة.

لا يخفي قطاع كبيرٌ من الباحثين والمتابعين الإسرائيليين تخوفهم من سطحية نتنياهو، ومن ضحالة تفكيره وعقم اجتهاده، إذ يظن أنه يستطيع أن يبني سلاماً مع الدول العربية على حساب الحقوق والأحلام الفلسطينية، التي هي أساس الصراع ولب الأزمة، ويتهكمون منه إذ يعتمد على الأنظمة العربية في ترسيخ أسسِ سلامٍ مع حكومته، على قاعدة احتفاظه بالأراضي الفلسطينية، ومصادرته لحقوقهم، وتجريدهم من حلمهم في بناء دولتهم المستقلة، وكأنه يظن أن صراعه الأساس هو مع العرب وليس مع الفلسطينيين، وأنه يحتل أرضاً عربية وليست فلسطينية، وأنه يزج بآلاف المعتقلين العرب في سجونه لا آلاف المعتقلين الفلسطينيين.

يرفع فريقٌ من الباحثين الإسرائيليين أصواتهم عالية، ويحذرون رئيس حكومتهم وقادة كيانهم من مغبة الوقوع في شراك المشاريع المطروحة، ويرون أنهم بترحيبهم بها إنما يغامرون بمستقبل وجودهم، ويخاطرون بأرض أحلامهم، ويجرون بلا عقلٍ وراء مجنونٍ لا يفهم طبيعة الصراع، ولا يعرف حقيقة المنطقة، ولم يقرأ تاريخ شعوبها ولا سيرة أبنائها، وحتى أنه لا يعرف عدد الفلسطينيين وأماكن انتشارهم، ولا علم لديه بتطلعاتهم وأحلام أطفالهم، وقد كلف فريقاً تقوده أحلامه الخاصة ومصالحه الشخصية، وتحركه منافعه وعقائده، رغم عدم التشكيك في ولائهم لدولة إسرائيل والشعب اليهودي، إلا أنهم غرباء عن المنطقة، وتجربتهم فيها ضحلة، وخبرتهم بشعوبها بسيطة.

كما يرى الباحثون الإسرائيليون رئيس حكومتهم وقادة كيانهم، أنهم يقامرون لحساب غيرهم، ويخوضون غمار مفاوضات لتأمين حكم سواهم واستقرار أنظمة جيرانهم، ممن يهرولون لقناعاتهم الخاصة، أو نتيجة لضغوطٍ يتعرضون لها لتطبيع علاقاتهم بإسرائيل، والاعتراف بها دولةً شرعيةً في الإقليم، لها حق العيش والبقاء والدفاع عن نفسها، إلا أن هذه الدول كلها ولو اجتمعت، فإنها لن تستطيع أن تقرر نيابةً عن الفلسطينيين، بل إنها لن تستطيع أن تواجه شعوبها إن هي تجرأت وقررت نيابة عن الشعب الفلسطيني، الذي نجح في فرض مقاطعة قاسية على ورشة المنامة وما سيأتي بعدها.

يرى الباحثون الإسرائيليون وعددٌ كبيرٌ من مراكز الدراسات الإسرائيلية المختصة بعملية السلام في الشرق الأوسط، أن إسرائيل ليست بحاجةٍ إلى اعتراف الدول العربية بوجودها، ولا إلى تطبيع العلاقات معها، مع أهمية هذا الإنجاز في حال تحقيقه، إلا أنهم ينتقدون نتنياهو الذي يتغنى بالاختراقات التي حققها في بعض الدول العربية، بينما ينسى أن مشكلته الحقيقية هي مع الشعب الفلسطيني، فهو لن ينعم بالأمن والسلام حتى ولو اعترفت به كل الدول العربية ما لم يعترف به الفلسطينيون، ويقبلوا بالحلول المطروحة ويكفوا عن المطالبة بحقوقهم التاريخية والوطنية في أرضهم.

يخطيء نتنياهو وفريقه المندفع بقوة والمنتشي بالمكاسب الوهمية إذا تجاوز الفلسطينيين، وأعرض صفحاً عنهم، أو ضيق عليهم وأجبرهم، فالفلسطينيون بكل الحلول المطروحة سيبقون في المنطقة نفسها، وفي الإقليم عينه، وسيبقى أغلبهم في المناطق التي ستخصص لهم وفق المشاريع المطروحة، أي أن المشكلة ستبقى في الإنسان الفلسطيني الذي يرفض هذه الحلول ولا يقبل بها، وستجد إسرائيل نفسها بعد فترة تعيش مع أكثر من عدد سكانها من الفلسطينيين في نفس المنطقة، وعلى الأرض نفسها، وهو ما قد يعيد من جديد حل الدولة الواحدة التي تبهت فيها الصبغة اليهودية عن الدولة.

يخلص الباحثون الإسرائيليون إلى أن خشبة الخلاص للشعب اليهودي وسبيله إلى العيش الآمن وسلامٍ طويلٍ متينٍ واستقرارٍ حقيقي، هو في التوصل إلى اتفاقٍ يرضي الفلسطينيين، ويحقق رغباتهم، وينهي طموحاتهم القديمة بموافقتهم وقبولهم، وإلا فإن الحروب ستستمر، وعدم الاستقرار سيطول، وسيقوى الفلسطينيون أكثر، وستكبر طموحاتهم، وستزداد أحلامهم، وقد تتغير خارطة الدول المحيطة بهم، حينها سنجد أنفسنا مضطرين للعودة إلى طاولة المفاوضات الأولى، التي تعترف بحقوق الشعب الفلسطيني، وسنجد أنفسنا نجلس مع ممثليه الذين يختارهم بنفسه، نسلم لهم بحقوقهم، ونوافقهم على طلباتهم.


قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat


د . مصطفى يوسف اللداوي
 (للدخول لصفحة الكاتب إضغط هنا)

    طباعة   ||   أخبر صديقك عن الموضوع   ||   إضافة تعليق   ||   التاريخ : 2019/07/13



كتابة تعليق لموضوع : الفلسطينيون خشبة نجاة الإسرائيليين
الإسم * :
بريدك الالكتروني :
نص التعليق * :
 



حمل تطبيق (كتابات في الميزان) من Google Play



اعلان هام من قبل موقع كتابات في الميزان

البحث :





الكتّاب :

الملفات :

مقالات مهمة :



 إنسانية الإمام السيستاني

 بعد إحراجهم بكشف عصيانها وخيانتهم للشعب: المرجعية الدينية العليا تـُحرج الحكومة بمخالفة كلام المعصومين.. والعاصفة تقترب!!!

 كلام موجه الى العقلاء من ابناء شعبي ( 1 )

 حقيقة الادعياء .. متمرجعون وسفراء

 قراءة في خطبة المرجعية : هل اقترب أَجلُ الحكومةِ الحالية؟!

 خطر البترية على بعض اتباع المرجعية قراءة في تاثيرات الادعياء على اتباع العلماء

 إلى دعاة المرجعية العربية العراقية ..مع كل الاحترام

 مهزلة بيان الصرخي حول سوريا

 قراءة في خطبة الجمعة ( 4 / رمضان/ 1437هـ الموافق 10/6/2016 )

 المؤسسة الدينية بين الواقع والافتراء : سلسلة مقالات للشيخ محمد مهدي الاصفي ردا على حسن الكشميري وكتابيه (جولة في دهاليز مظلمة) و(محنة الهروب من الواقع)

 الى الحميداوي ( لانتوقع منكم غير الفتنة )

 السيستاني .. رسالة مهدوية عاجلة

 من عطاء المرجعية العليا

 قراءة في فتوى الدفاع المقدس وتحصين فكر الأمة

 فتوى السيد السيستاني بالجهاد الكفائي وصداها في الصحافة العالمية

 ما هو رأي أستاذ فقهاء النجف وقم المشرّفتَين السيد الخوئي بمن غصب الخلافة ؟

 مواقف شديدة الحساسية/٢ "بانوراما" الحشد..

أحدث مقالات الكتّاب :


مقالات متنوعة :





 لنشر مقالاتكم يمكنكم مراسلتنا على info@kitabat.info

تم تأسيس الموقع بتاريخ 1/4/2010 © محمد البغدادي 

 لا تتحمل الإدارة مسؤولية ما ينشر في الموقع من الناحيتين القانونية والأخلاقية.

  Designed , Hosted & Programmed By : King 4 Host . Net