صفحة الكاتب : د . حميد مسلم الطرفي

الحرب بين ايران وأمريكا وحسابات الكلفة
د . حميد مسلم الطرفي

المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الموقع، وإنما تعبر عن رأي الكاتب.

منذ تفجر الأزمة الراهنة بين واشنطن وطهران وعشرات التحليلات والمقالات تخوض في هذا الموضوع وهي على اتجاهين : مابين مُعَظّمٍ لقدرات واشنطن (القوة العسكرية الأولى في العالم ) عدةً وعدداً وتكنلوجيا ، ومعظّم لقدرات ايران الاسلامية بأذرعها في الشرق الأوسط في العراق وسوريا ولبنان واليمن وقدراتها الصاروخية الجبارة وإمكاناتها البشرية ، ولا يُستبعد أن يكون هناك ومن كلا الفريقين من يتعمد في المبالغة يدفعه إلى ذلك رغبته في أن تندلع الحرب ، فبينما يتولى الفريق الأول الحرب النفسية وخلق حالة الهلع والفزع لدى الشعب الايراني ومحبي الجمهورية الإسلامية يتولى الفريق الثاني إغراء بعض المتشددين في داخل ايران وخارجها بخوض الحرب وربما القيام بأعمال استفزازية اتجاه القوات الأمريكية تكون مدعاةً لشن الحرب .

لا شك أن ايران باتت منغصة لنفوذ امريكا في المنطقة فهي عامل معوق لصفقة القرن المنتظرة لتصفية القضية الفلسطينية ، وعامل مهم في كبح النفوذ الامريكي في الخليج وتحكم ايران باعظم ممرين مائين هما هرمز وباب المندب وزحزحة النفوذ الامريكي في سوريا وتسجيله لصالح روسيا الغريم التقليدي للولايات المتحدة وأكثر من كل ذلك هو خلق رادع قوي لسياسة اسرائيل التوسعية وهيمنتها في المنطقة عبر اسطورة حزب الله في لبنان وحماس والجهاد الاسلامي في فلسطين ، فالدور الاقليمي لايران بات قوياً ويتصادم مع المصالح الامريكية ، لذا فإن من يحرض امريكا على شن الحرب ضد ايران لديه من الأدلة ما يكفي لإقناعها بذلك أو اتخاذ أي خطوة من شأنها ما تحجيمها ، فهي قطب الرحى والعقل المدبر لكل ما قوى المقاومة في المنطقة ، واذا كان هناك من اختلاف بين المحرضين وبين امريكا فهو في حسابات الكلفة ، فكم سيكلف إزاحة هذا النظام وتغييره وكم سيكلف تقليم أظافره وما هي السبل لذلك ومدى التأكد من نجاح الخطة ؟

يعتمد حساب الكلفة عند الأمريكان على جملة توازنات وعلاقات اقليمية ودولية منها :

1- كيف ستتصرف روسيا في حال اندلاع نزاع عسكري مع ايران ؟ هل ستقف مع الجمهورية الإسلامية والى اي حد ؟ هل سيقتصر دورها على الادانة الدولية ؟ أم انها ستساعد ايران بالاسلحة سراً ؟ أم ستساعدها علناً ؟ ما رشح حتى الان أن روسيا راغبة في توريط امريكا بالحرب لاستنزافها وتكبيد اقتصادها الخسائر الفادحة وستقوم بذات الدور الذي لعبته امريكا حين دخل الاتحاد السوفيتي افغانستان ، وليس مصادفةً ان يصرح بوتين بأن روسيا لا يمكن لها ان تقوم بدور رجل الاطفاء دوماً . فمواقفها حتى الان ضبابية غير حاسمة تجاه غطرسة امريكا وانسحابها من الاتفاق النووي . وما ذاك إلا لان ايران ذات سياسة مستقلة لا يمكنها ان تكون تابعة لروسيا على حساب استقلال وكرامة قرارها السيادي الذي اختطته منذ ايام الثورة الاولى ( لا شرقية لاغربية جمهورية اسلامية ) وهذا ما لا يعجب روسيا فمواقف روسيا ليست مجاناً ، بل أن لروسيا مصالح تتعارض مع المصلحة الايرانية في قضية اسرائيل ووجودها وهذا ما ظهر جلياً في الاشهر الاخيرة ، ثم ماذا فعلت روسيا ليوغسلافيا وليبيا والعراق حلفائها الذين تعرضوا لعدوان أمريكي غاشم أسقط أنظمتهم تباعاً ؟ واذا كان هناك من يقول ان روسيا اليوم غير روسيا التسعينيات ، فالضربات الاسرائيلية للقوات السورية والايرانية في الأراضي السورية كانت بالامس القريب ولم تحرك روسيا سكناً بل كافأت نتنياهو على ضرباته تلك بأن سلمت له رفاة واحدٍ من جنود اسرائيل كان مدفوناً في سوريا .

2- العامل الثاني الذي يحدد حساب الكلفة على امريكا هو كيف سيتصرف محبو وموالو الجمهورية الاسلامية في العراق وسوريا واليمن ولبنان وبعض الدول الأخرى وهل هم جاهزون لمهاجمة المصالح الامريكية وقواتها العسكرية دون تعقيدات في المشهد السياسي ؟ والواضح حتى الان أن هؤلاء المحبين من فصائل الحشد الشعبي في العراق وجزء من قوات الدفاع المدني في سوريا وحزب الله في لبنان وانصار الله في اليمن وبعض الاحزاب السرية في دول الخليج ستقوم بفعلٍ ما ولن تتخلى عن ايران في ساعة المحنة ولكن إلى أي حد يستطيعون تغيير مجرى الحرب وميزانها ؟ ذلك يتوقف على تعقيدات المشهد في كل دولة من الدول التي تتواجد فيها هذه الأذرع . الثابت أن امريكا واسرائيل ومهما حاولت إضافة تعقيدات في المشهد السياسي فإنهما ستتلقيان ضربات موجعة من هذه الأذرع ولا تستطيع الولايات المتحدة أن تؤمن قوات برية تعمل على كل هذه الجبهات لحماية ستة آلاف جندي في العراق وألف جندي في سوريا إلا إذا قررت سحب هذه القوات قبل شنها الحرب على ايران .

3- ومن عوامل حسابات الكلفة أيضاً هو تماسك صانعي القرار في داخل الجمهورية ، تماسك صانعي القرار وأهل الحل والعقد وأصحاب الرأي مع بعضهم البعض وتماسك التأييد الشعبي الجماهيري للقيادة وللنظام السياسي . والأخير هو ما تراهن عليه امريكا وتعده واحداً من أنجع السبل للاستغناء عن الحرب البرية والاكتفاء بضربات جوية موجعة تقطع بها أوصال النظام وقدرته على السيطرة باستهداف منظومة القيادة والتحكم والمواصلات والاتصالات ، وتصريحاتها المستمرة بأنها لا تريد الحرب وان امريكا تنتظر اتصال روحاني وتسريب الأخبار حول تكليف سويسرا لايصال الرقم الخاص لترامب ، قد يكون كل ذلك لخلق فجوة بين القيادة الايرانية ونظامها السياسي من جهة وبين الشعب من جهة اخرى ، لكي تبدو أمريكا بصورة الحمل الوديع الذي لايريد الحرب ولايريد سوى التفاوض لكي تاخذ ايران دورها الحقيقي في المنطقة وتبتعد عن معارضة المصالح الامريكية بينما تصر ايران على معاداة امريكا وحلفاءها في المنطقة لحسابات غير واقعية لاتراعي توازن القوى وقدرات كل طرف من الفاعلين الدوليين . وهي أي امريكا ترصد الواقع الايراني فالحصار الاقتصادي وانهيار العملة أثرا بشكل كبير على قطاعات واسعة من الشعب الايراني وهناك من يطالب علناً بتسوية الخلاف مع امريكا عبر المفاوضات . مازالت امريكا مستعدة للحوار وكلما زادت امريكا من دعواتها للتفاوض كلما احرجت القيادة الايرانية . واذا ما أضفنا لذلك العمل المخابراتي الذي تقوم به امريكا وحلفاءها في الداخل الايراني وفي عدة أقاليم كخوزستان وبلوشستان وكردستان فإن احتمالات تفجر الوضع الداخلي أو تفجيره يبقى واحداً من المؤثرات المهمة في تقليل كلفة الحرب وبالتالي اتخاذ القرار بشنها .

وبناءً على ما تقدم فإن هذا الصراع مفصلي وحساس للغاية ولا يمكن أن تبقى الأمور على ما هي عليه بعد هذه الأزمة ، فالدافعون للمواجهة كثيرون وأدلتهم مقنعة كما أسلفنا ، وبعد إجراء حسابات الكلفة من قبل ترامب سيكون القرار ، فقد يكون التفاوض لتخلي إيران عن أجنحتها وأذرعها العسكرية خارج حدودها والاحتفاظ بقوة معقولة داخل أراضيها ، مع بقاء نظامها السياسي غير المرحب به امريكياً كما بقيت كوبا وكوريا الشمالية ، وإما اختيار الضربة العسكرية الجوية والمراهنة على انتفاضة داخلية من شأنها تغيير النظام أو خلق فوضى عارمة فيه تكبح جماحه وتضعف قدراته العسكرية ، وأما الاحتمال الثالث فهو انفراج الصراع بتراجع الولايات المتحدة عن خيار الحرب والمواجهة لارتفاع كلفة الحرب والمغامرة بها ، كلفة لا تستطيع امريكا تحملها في الوقت الحاضر ، وعليها أي امريكا التعامل بواقعية مع القدرات الايرانية وأمريكا بهذا التراجع تشكل بداية الانكفاء عن الشرق الأوسط والتوجه صوب بحر الصين انطلاقاً من حسابات الكلف التي يجيدها ترامب على طريقة رجال الأعمال والإقرار بواقع القوة الايرانية والنظام السياسي القائم كفاعل اقليمي قابل للحياة والنمو فبقاؤه لا يكلف الولايات المتحدة أكثر من مواجهته عسكرياً خاصةً وإن هناك من هو مستعد دوماً لأن يُحلب مقابل الحماية الامريكية .


قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat


د . حميد مسلم الطرفي
 (للدخول لصفحة الكاتب إضغط هنا)

    طباعة   ||   أخبر صديقك عن الموضوع   ||   إضافة تعليق   ||   التاريخ : 2019/05/20



كتابة تعليق لموضوع : الحرب بين ايران وأمريكا وحسابات الكلفة
الإسم * :
بريدك الالكتروني :
نص التعليق * :
 



حمل تطبيق (كتابات في الميزان) من Google Play



اعلان هام من قبل موقع كتابات في الميزان

البحث :





الكتّاب :

الملفات :

مقالات مهمة :



 إنسانية الإمام السيستاني

 بعد إحراجهم بكشف عصيانها وخيانتهم للشعب: المرجعية الدينية العليا تـُحرج الحكومة بمخالفة كلام المعصومين.. والعاصفة تقترب!!!

 كلام موجه الى العقلاء من ابناء شعبي ( 1 )

 حقيقة الادعياء .. متمرجعون وسفراء

 قراءة في خطبة المرجعية : هل اقترب أَجلُ الحكومةِ الحالية؟!

 خطر البترية على بعض اتباع المرجعية قراءة في تاثيرات الادعياء على اتباع العلماء

 إلى دعاة المرجعية العربية العراقية ..مع كل الاحترام

 مهزلة بيان الصرخي حول سوريا

 قراءة في خطبة الجمعة ( 4 / رمضان/ 1437هـ الموافق 10/6/2016 )

 المؤسسة الدينية بين الواقع والافتراء : سلسلة مقالات للشيخ محمد مهدي الاصفي ردا على حسن الكشميري وكتابيه (جولة في دهاليز مظلمة) و(محنة الهروب من الواقع)

 الى الحميداوي ( لانتوقع منكم غير الفتنة )

 السيستاني .. رسالة مهدوية عاجلة

 من عطاء المرجعية العليا

 قراءة في فتوى الدفاع المقدس وتحصين فكر الأمة

 فتوى السيد السيستاني بالجهاد الكفائي وصداها في الصحافة العالمية

 ما هو رأي أستاذ فقهاء النجف وقم المشرّفتَين السيد الخوئي بمن غصب الخلافة ؟

 مواقف شديدة الحساسية/٢ "بانوراما" الحشد..

أحدث مقالات الكتّاب :


مقالات متنوعة :





 لنشر مقالاتكم يمكنكم مراسلتنا على info@kitabat.info

تم تأسيس الموقع بتاريخ 1/4/2010 © محمد البغدادي 

 لا تتحمل الإدارة مسؤولية ما ينشر في الموقع من الناحيتين القانونية والأخلاقية.

  Designed , Hosted & Programmed By : King 4 Host . Net